تبيان الصلاة المجلد 4

اشارة

نام كتاب: تبيان الصلاة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: بروجردى، آقا حسين طباطبايى

تاريخ وفات مؤلف: 1380 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 8

ناشر: گنج عرفان للطباعة و النشر

تاريخ نشر: 1426 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 51- 93362- 964

مقرر: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مقرر: 1430 ه ق

[تتمة المقدمة الرابعة]

المورد الثاني: في لباس المصلي

اشارة

و الكلام في هذا المقام ليس في خصوص ما يقع ساترا للمصلي حال الصّلاة، بل يكون الكلام في مطلق لباس المصلي، سواء كان ساتر عورته أولا، و حيث إن الظاهر من كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم اعتبار امور ستة في اللباس أربعة منها معتبرة في لباس المصلي، سواء كان رجلا أو امرأة، و هي عدم كون اللباس من أجزاء الميتة ممّا تحله الحياة، و عدم كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و كونه طاهرا، و عدم كونه مغصوبا، و اثنان منها لخصوص الرجال، و هما عدم كون لباس المصلي إن كان رجلا من الحرير و من الذهب، فعلى هذا يقع الكلام في لباس المصلي في مسائل ستة:

المسألة الأولى: لا يجوز الصّلاة في الميتة في جلدها و غيره

اشارة

مما تحله الحياة، و عدم جواز الصّلاة في الميتة في الجملة ليس محل الاشكال، لدلالة الروايات عليه، و لا فرق في الحكم بين ما إذا دبغ جلدها، أو لم يدبغ، ففي كلتا الصورتين لا يجوز في جلد الميتة، و يظهر من العامة طهارته إذا دبغ، و يستفاد من بعض الروايات الواردة في طرقنا خلافه، فارجع الباب 1 من أبواب لباس المصلي من الوسائل، فأصل

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 6

الحكم في الجملة مسلّم، إنما الكلام في أمرين:

الأمر الأول:

هل يكون منشأ عدم جواز الصّلاة في الميتة من باب كونها من الأعيان النجسة، و بعبارة اخرى منشأ ذلك هو كونها نجسة.

الامر الثاني:

أو يكون منشأ هذا الحكم كون خصوصية في نفس الميتة مع قطع النظر عن نجاستها صارت هذه الخصوصية منشأ لهذا الحكم، و تظهر الثمرة بين القولين في ميتة ما لا نفس سائلة له من الحيوانات كالسمك.

فعلى الأوّل لا إشكال في الصّلاة في أجزائه، لأنه بعد كون منشأ عدم جواز الصّلاة في الميتة كونها نجسة، فينحصر الحكم بكل ميتة تكون نجسة، فلا يشمل الحكم لأجزاء ميتة الحيوانات الّتي ليست لها نفس سائلة، و أمّا على الثاني فلا تجوز الصّلاة في أجزاء مطلق الميتة ممّا تحله الحياة، سواء كانت صاحب نفس سائله أولا، لأنّ نفس الميتة مع قطع النظر عن نجاستها موضوعة لحكم عدم جواز الصّلاة فيها.

إذا عرفت ذلك لا يبعد أن يقال: بعدم شمول ادلة الدالة على عدم جواز الصّلاة في الميتة لما لا نفس له من الحيوانات، لأنّه بعد عدم تعارف جعل الثوب و اللباس من الحيوانات الّتي لا نفس لها، و لم يعهد استعمال جلد الحية مثلا أو السمك في الثياب و اللباس نقول: تحمل إطلاقات الواردة في الباب على المتعارف، لما مضى الكلام في المطلق و المقيد في الأصول، بأنّه لو كان للمطلق بعض أفراد متعارفة بحيث لم يكن المتعارف منه إلّا خصوص هذه الافراد، فإن كان نظر المتكلم على خصوص هذه الافراد من المطلق الّذي جعله مركزا للحكم، و لم ينصب قرينة على ذلك، فما أخلّ بغرضه بعد ما يرى بأن له المتعارف، و ينصرف المطلق إلى هذا المتعارف، فلا يمكن حمل المطلق على تمام أفراده و دعوى شموله لجميع

الافراد بمقدمات الحكمة، فيحمل

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 7

المطلق على المتعارف و ينزّل عليه، فعلى هذا يمكن منع شمول الإطلاقات لأجزاء ميتة ما لا نفس له، لعدم تعارف جعل جلودها لباسا، فعلى هذا لا وجه لعدم جواز الصّلاة في جلود حيوانات الّتي لا نفس لها و ساير أجزائها ممّا تحله الحياة، إلا أن يقال بذلك من باب الاحتياط. «1»

المسألة الثانية: و لو شك في كون اللباس مذكى أو ميتة

اشارة

، فما ينبغي أن يقال؟

اعلم أنّ الكلام في صورة الشّك تارة يقع في ما يقتضي الأصل الأوّلى و بعبارة اخرى مقتضى القاعدة الاوليّة مع قطع النظر عما تقتضيه الادلة، فنقول في هذا المقام:

بأنّه إذا شكّ في كون لباس أو جلد أو حيوان مذكى أو ميتة فحيث إنّ الموت ليس إلا أمرا عدميا، و الميتة ليست إلا غير المذكى أعنى: ما لم يقع عليه و لم يرد عليه الأفعال المخصوصة، و تكون التذكية أمرا وجوديا، و هي عبارة إما عن خصوص الافعال المخصوصة، أو أمر بسيط يتحصل من الأفعال المخصوصة مع اشتراط قابلية المحل، أو عدمه على الكلام فيه.

فعلى كل حال تكون التذكية أمرا وجوديا، و الموت أمرا عدميا كما أنّ من راجع العرف يرى أن الأمر كذلك عندهم، فإنّهم أيضا لا يطلقون الميتة إلا على من لم ترد عليه هذه الأفعال المخصوصة، و المذكى ما وردت عليه هذه الأفعال الخارجية،

______________________________

(1)- أقول: إن كان وجه عدم شمول الاطلاقات للحيوانات الّتي لا نفس لها ما أفاده مد ظله يكون لازمه عدم شمول الإطلاقات لبعض أفراد ميتة الحيوانات الّتي لها نفس سائلة الّذي لم يتعارف جعل اللباس منه، و الحال أن دعوى ذلك مشكل، و قال بعض في وجه عدم شمول الأدلة لكل ما لا نفس له من

الحيوانات بأن مغروسية كون الميتة نجسة و وضوح المناسبة بين النجاسة و المنع عن الصّلاة موجبة لصرف الأخبار إلى إرادة الميتة النجسة، و لا يبعد كون الأمر كذلك.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 8

فالشارع إن تصرف تصرف في بعض الخصوصيات، مثلا اعتبر في التذكية التسمية و القبلة و فرى أوداج الأربعة في بعض الحيوانات، و النحر في بعضها، و الخروج من الماء بنحو المعهود في محله في بعض الحيوانات، و إلّا فأصل الميتة و المذكى كانتا و لو قبل الشرع عند الناس، و كان عندهم المذكى ما ذبح و الميتة ما عدى ذلك، فمن هذا البيان يظهر لك أنّ الموت أمر عدمى و التذكية أمر وجودي.

[اذا شكّ في حيوان او جلد بانّه المذكّى او الميتة]

فإذا شك في كون حيوان أو جلد بأنّه المذكى أو ميته، فبمقتضى استصحاب عدم التذكية يقال: إنّه غير مذكى، و هذا هو المراد من أصالة عدم التذكية، فإذا اجريت أصالة عدم التذكية يكفي في كونه ميتة، لأنّه على ما فهمت ليست الميتة إلا غير المذكى (و أمّا لو فرض جريان أصالة عدم كونه ميتة فلا يثبت بها التذكية إلا على القول بالاصول المثبتة، لأنّ التذكية أمر وجودي و أصالة عدم كونه ميتة لا ثبت هذا الأمر الوجودي).

ثمّ إنّ حقيقة التّذكية ليست إلّا هذه الأفعال الخاصة، لما قلنا من أنّ المتبادر منها ذلك، و لا يستفاد من الأدلة أمر زائد عليها، فلا وجه لأنّ يقال: بأنّ التذكية أمر بسيط يتحصل من الأفعال الخاصة، لأنّ التذكية ليست عند العرف إلا الذبح أو النحر أو الاخراج من الماء، و عند الشارع ليس إلا هذه الامور بنحو خاص، مثلا في الشاة تذكيتها عند الشارع مضافا إلى الذبح وقوعه مع التسمية، و إلى القبلة، و

فري الأوداج الأربعة، فعلى كل حال ليست إلا هذه الأفعال، لا أمرا بسيطا يكون محصله هذه الأفعال الخاصّة كما أنّه لا يعتبر في التذكية قابلية المحلّ، و صرف عدم تأثير التذكية اذا لم يكن المحل قابلا، في الطهارة أو الحلية، لا يوجب دخل قابلية المحلّ في حصول التذكية، بل لو لم يكن المحل قابلا لا أثر لها، لا أنّ التذكية لم تتحقق،

[التذكية عبارة عن الافعال المخصوصة]

لما قلنا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 9

من ان التذكية عبارة عن الأفعال المخصوصة، غاية الأمر تؤثر الطهارة أو الحلية في محل قابل، و أثر ذلك أنّه لو لم تقع هذه الأفعال في المحل القابل لا تحصل الطهارة و الحلية.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الشيخ رحمه اللّه تعرض لأصالة عدم التذكية في الرسائل في موردين، في أصالة البراءة في مقام بيان عدم إجراء أصالة البراءة في كل مورد يكون أصل موضوعي فيه، و قال: باجراء أصالة عدم التذكية في ما كان منشأ الشّك الشبهة في الحكم، و كذلك في ما كان منشأ الشّك الشبهة في الموضوع، فقال باجراء هذا الأصل إذا شك في حل كل حيوان، و كان منشأ الشّك الشك في أنّه يقبل التذكية أم لا، فيكون الشّك على ما قال في الحكم، لأنّه لا يدري حلية أكله من باب الشّك في كون الحيوان من الحيوانات القابلة للتذكية، أو ممّا لا يقبل التذكية.

و كذلك في ما كان منشأ الشّك الشبهة في الموضوع، مثلا لا يدري بأنّ هذا الحيوان وقع عليه التذكية أم لا، فتجري أصالة عدم التذكية.

فبناء على هذا نقول: بأنّ إجراء أصالة عدم التذكية في ما شك في كون حيوان قابلا للتذكية مع عدم الشّك في وقوع أفعال الخاصّة عليه كما

فعل الشيخ رحمه اللّه، لا وجه له، لأنّه كما قلنا ليست التذكية إلا عبارة عن نفس هذه الأفعال المخصوصة، و قابلية المحل ليست معتبرة فيها، فعلى هذا لا يفرض الشبهة الحكمية إلا في ما كان الشّك في اعتبار هذه الأفعال أو بعضها فرضا و أمّا مع حصولها أو فهم اعتبارها و عدم الشك في دخلها، فلا يكون شك من حيث الحكم حتّى تجري أصالة عدم التذكية.

فلو شك في قابلية حيوان للتذكية و عدمها، لا تجري أصالة عدم التذكية.

بل نقول في المقام: أوّلا بأنّه إن كان الحيوان طاهرا في زمان حياته أو كان

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 10

مأكول اللحم، فنحكم ببقاء طهارته و حليته بعد ورود التذكية عليه أيضا للاستصحاب، و ثانيا لو فرض أن يستشكل في الاستصحاب، و يقال: بأنّ الحياة كانت من مقوّمات المستصحب، فلا يجري الاستصحاب بعد موته، لتبدل الموضوع، و إن كان لا مجال لهذا الاشكال، لأنّا نقول: بالطهارة و الحلية بمقتضى أصالة الطهارة و الحلية، هذا حال شبهة الحكمية.

و أمّا إذا شك في التذكية و عدمها، و كان منشأ الشّك امورا خارجية، و بعبارة اخرى كانت الشبهة شبهة الموضوعية، فنقول: إنّ في الشبهة الموضوعية حيث يكون الشك في حصول ما يعتبر في التذكية، و على ما قدمنا ما يعتبر في التذكية ليس إلا الأفعال الخاصة، فكلما يشكّ في حصولها، فالمرجع أصالة عدم التذكية

[في ذكر الاشكال و جوابه]

إذا عرفت ذلك يبقى على ما قلنا إشكال، و هو أنّه بعد كون التذكية عبارة عن نفس هذه الأفعال، لا أمرا بسيطا، فإذا كان حيوان في الخارج، و شك في كونه مذكى أو ميتة، فيكون مجال لاجراء أصالة عدم التذكية، فيقال: إنّ هذا الحيوان لم يكن

مذكّى قبل ذلك، فالأصل بقائه على عدم التذكية، فالموضوع هو هذا الحيوان، و هو محفوظ و موجود في كل من زمانى .. اليقين و الشك، و امّا إذا كان في الخارج جلد لا يدري بأنّه هل هو جلد الحيوان المذكّى أو الميتة، فبناء على كون التذكية أمرا بسيطا لا إشكال أيضا في إجراء أصالة عدم التذكية، لسراية هذا الأمر البسيط إلى تمام أجزاء الحيوان الّتي تحلّه الحياة، فاللحم يصير مذكى، و كذا الجلد يصير مذكّى بواسطة هذا الأفعال، فيصح أن يقال: إنّ هذا الجلد لم يكن مذكى سابقا فببركة الاستصحاب نجرّ عدم التذكية إلى زمان الشك، فالأصل عدم تذكيته.

و أمّا بناء على ما قلنا من أنّ التذكية عبارة عن نفس هذه الأفعال و منشأ

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 11

الشّك في التذكية و عدمها كان من باب الشّك في أنّ هذا الجلد من الحيوان المذكى أو من الميتة، مثل ما يكون في الخارج حيوانان يعلم بتذكية أحدهما المعين و عدم تذكية أحدهما المعين، و لا يدري بأنّ هذا الجلد من أيّهما، فيشكل إجراء أصالة عدم التذكية، لأنّ ما يكون موضوعا لورود هذه الأفعال و قابلا لذلك هو الحيوان، لأنّ الحيوان يقع عليه الأفعال، فالجلد ليس موضوعا للتذكية، فليس موضوع سابقا في الفرض و باق حال الشّك حتّى يقال: إنّ ذلك لم يكن مذكى سابقا فيستصحب في الحال عدم تذكيته، لأنّ التذكية لا تقع على الجلد، فلا مجال لأصالة عدم تذكية هذا الجلد.

و لكن يدفع هذا الاشكال، لأنّا على ما أمضينا الكلام في الميتة قلنا: إنّ وجه عدم جواز الصّلاة في الميتة ليس إلا نجاستها، ففي الفرض مع الشّك يحكم بطهارة الجلد بمقتضى أصالة الطهارة و

لو لم يثبت كونه من الحيوان المذكى، لأنّ الشرط في الصّلاة ليس إلا طهارته، أو تكون النجاسة مانعة، و على كل تقدير يصح الصّلاة في هذا الجلد، فتأمل).

[اصالة عدم التذكية الاصل الاولى]

هذا تمام الكلام في الأصل الأولى، و قد ظهر لك أنّه في ما شك في التذكية و عدمها فمقتضى الأصل أعنى: الاستصحاب، عدم التذكية بتفصيل المتقدم ذكره منّا.

نعم هنا كلام آخر، و هو أنّه قد يدعى أنّ مقتضى ما يستفاد من بعض الأخبار في خصوص المورد نقض هذا الأصل و عدم مجال لاجرائه، و بعبارة اخرى مقتضى الأصل الثانوي المستفاد من الأخبار خلاف ذلك.

و اعلم أنّ الثابت في الجملة في خصوص المقام عدم وصول النوبة مطلقا بأصالة عدم التذكية في ما شك في التذكية و عدمها، بل يحكم بالتذكية و تصحّ

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 12

الصّلاة فيه في الجملة، و إنّما الكلام في أنّ المستفاد من أخبار الباب هل هو الحكم بالتذكية في مورد الشّك مطلقا حتّى تعلم كون الجلد من الميتة، فعلى هذا يكون الأصل الثانوي المستفاد من الروايات على خلاف الأصل الأولى، أو ليس كذلك، بل المستفاد من روايات الباب هو عدم كون مورد الشّك في كون الجلود مذكى أو ميتة محكوما بعدم التذكية مطلقا، لأصالة عدم التذكية، أو يكون محكوما بالتذكية في خصوص بعض الموارد، سواء كان من باب استفاده موضوعية لهذه الموارد و تعبد فيها، أو من باب أنّ في هذه الموارد تكون أمارة على التذكية، فلا بدّ لنا أوّلا من ذكر روايات الباب، و بيان مقدار دلالتها حتّى يظهر ما هو الحق في المقام.

[في ذكر الاخبار الواردة فى الباب]
اشارة

فنقول بعونه تعالى: إنا نذكر أوّلا بعض ما يمكن أن يستدل بها من الروايات على كون الجلود محكوما بالطهارة، و جواز الصّلاة فيها حتّى يعلم كونها من الميتة، ثمّ بعض ما يمكن أن يستدل به على الطهارة و جواز الصّلاة في الجلود في خصوص بعض

الموارد، امّا من باب كون موضوعية لها و امّا من باب وجود أمارة على التذكية، فيها فنقول:

المقام الاول:
[الطائفة الأولى من الروايات ما دل على خلاف الأصل الأولى]
اشارة

فنقول أمّا الطائفة الأولى من الروايات الّتي يمكن أن يستدل بها على خلاف أصل الأولى أعنى: على طهارة الجلود و صحة الصّلاة فيها ما لم تعلم بكونها من الميتة، فهي روايات:

الرواية الأولى: ما رواها الحلبي

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال: اشتر و صلّ فيها حتّى أنّه ميتة بعينه.) «1»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 13

بدعوى عدم كون السوق المذكور في الرواية خصوص سوق المسلمين، بل عام يشمل كل سوق، و كان سؤال السائل على هذا عن الخفاف الّتي تباع في الأسواق، سواء كان سوق المسلمين أو غيرهم، و إلّا فلو لم يقبل ذلك، و ادعي كون نظر السائل إلى خصوص سوق المسلمين كما يناسب ذلك مع سؤال السائل، لأنّ ما يكون المتعارف لهم هو المعاملة في أسواق المسلمين، و لم يكن أسواق غير المسلمين مورد ابتلائهم، فيمكن أن يقال: بأنّ الحكم بجواز الشراء و الصّلاة في الخفاف يكون من باب وجود أمارة على التذكية.

الرواية الثانية: ما رواها احمد بن محمد بن أبي نصر

(قال: سألته عن الرجل يأتي السوق يشتري جبة فراء لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكية، أ يصلّي فيها؟ قال:

نعم، ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدّين أوسع من ذلك- و رواه الصّدوق باسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السّلام مثله). «1»

و هذه الرواية تدلّ على جواز الصّلاة في الفراء و لو كان شاكّا في تذكيته و عدمها، فما لم يعلم بكونه ميتة يجوز الصّلاة فيه، هذا بناء على عدم كون السوق إشارة إلى خصوص سوق المسلمين حتّى يقال: إنّ الحكم بالجواز يكون من باب كون سوق المسلمين أمارة على التذكية، بل بناء على كون المراد من السوق مطلق السوق.

الرواية الثالثة: ما رواها علي بن أبي حمزة

(أنّ رجلا سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 14

عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلّي فيه؟ قال: نعم. فقال الرجل: إنّ فيه الكيمخت. قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيّا، و منه ما يكون ميتة. فقال: ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه.) «1»

و في هذه الرواية لا تعرض للسوق أصلا حتّى يقال: بأنّ الجواز يمكن أن يكون في خصوص السوق، و يقال: إنّ المراد من السوق هو سوق المسلمين، بل تدلّ الرواية على جواز الصّلاة في جلود الدواب مع فرض أن منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة، حتّى تعلم أنّها ميتة، فما علم كونها ميتة فلا تجوز الصّلاة فيها.

الرواية الرابعة: ما رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام

(قال:

سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدري أ ذكيّ هو أم لا، ما تقول في الصّلاة فيه و هو لا يدري، أ يصلّي فيه؟ قال: نعم، أنا اشترى الخف من السوق و يصنع لي، و اصلى فيه و ليس عليكم المسألة.) «2»

و هذه الرواية تدلّ على جواز الصّلاة في الخفّ الّذي لا يدري بأنّه ذكىّ أم لا، و عدم وجوب السؤال من ذكوته و عدمها نعم لا يبعد كون الفرض في الرواية هو سوق المسلمين، لأنّ ما يأخذ منه الرضا عليه السّلام و اشترى منه الخفّ لم يكن إلّا سوق المسلمين، لأنه عليه السّلام لم يكن مورد اتبلائه غير سوق المسلمين، فعلى هذا لا تفيد الرواية أمرا زائدا على ما تفيد الطائفة الثانية من الروايات.

الرواية الخامسة: و هي ما ينتهي سندها بالحسن بن الجهم

(قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: أعترض السوق فأشترى خفّا لا أدري أ ذكي هو أم لا؟ قال: صلّ فيه.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 15

قلت: فالنعل؟ قال: مثل ذلك. قلت: إني أضيق من هذا، قال: أ ترغب عما كان أبو الحسن عليه السّلام يفعله.) «1»

فهي أيضا مثل السابقة.

الرواية السادسة: ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها، و فيها سكين، فقال امير المؤمنين عليه السّلام: يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل، لأنّه يفسد و ليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرّموا له الثمن. قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدري سفرة مسلم أم سفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتّى يعلموا.) «2»

و هذه الرواية تدلّ على جواز أكل اللحم و إن كان شكّ في تذكيته حتّى تعلم كونه ميتة، غاية الأمر ليست هذه الرواية متعرضة لجواز الصّلاة في الجلد الّذي شك في كونه من المذكى أو من الميتة، و لكن بعد ما جاز أكل اللحم يجوز الصّلاة أيضا، لأنّ كلا من جواز أكل اللحم و جواز الصّلاة متفرع على كون الحيوان أو الجلد أو اللحم محكوم بالتذكية، و ليست الرواية متعرضة للسوق حتّى يمكن ادعاء اختصاص الحكم بما يؤخذ من سوق المسلمين، بل مع وجدانه في الطريق حكم بجواز أكله حتى يعلم، لأنّه قال: هم في سعة حتّى يعلموا.

الرواية السابعة: و هي ما رواها سماعة بن مهران

(أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام في تقليد السيف في الصّلاة و فيه الفراء و الكيمخت. فقال: لا بأس ما لم تعلم

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 16

أنّه ميتة.) «1»

و دلالتها على جواز الصّلاة أعنى: صحتها في الفراء و الكيمخت ما لم يعلم ميتية، واضح بدون تقييد كون ذلك في سوق المسلمين أو يدهم.

فهذه الروايات و لو أشكل في دلالة كلها على جواز الصّلاة و

صحتها في الجلود المشكوكة كونها مذكى أو ميتة، مثل ما منها كان المفروض منه السوق، أو رواية الخامسة من باب عدم التعرض فيها للصّلاة، و لكن دلالة بعضها الآخر على جواز الصّلاة في الجلود المشكوكة كونها مذكى أو ميتة حتّى تعلم كونها ميتة، ظاهرة.

فعلى هذا يقال: إنّه إن كنّا و هذه الروايات يستفاد منها نقض الأصل الأولى، أعنى: أصالة عدم التذكية مطلقا، و يكون الأصل الثانوي المستفاد من هذه الأخبار هو التذكية إلا ما علم كونه ميتة.

هذا بالنسبة إلى الطائفة الأولى من الروايات، و المقدار الّذي يمكن دلالتها عليه في حدّ ذاتها.

و أمّا الطائفة الثانية، فهي روايات:
الرواية الأولى: ما رواها فضيل و زرارة و محمد بن مسلم
اشارة

(أنّهم سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الأسواق، و لا يدري ما صنع القصابون؟ فقال: كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه.) «2»

[سوق المسلمين أمارة التذكية]

تدلّ هذه الرواية على حلية أكل اللحم إذا كان في سوق المسلمين، و مفهومها

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 29 من ابواب الذبائح من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 17

تدلّ على عدم الحلية إذا لم يكن في سوق المسلمين، و هل الرواية تدلّ على حلية اللحم بمجرد كونه في سوق المسلمين و إن اشتراه في سوقهم ممّن يعلم كفره، أو لا تدلّ على هذه التوسعة، بل تدلّ على حلية اللحم إن اشترى من يد المعلوم إسلامه، أو من يد المشكوك إسلامه إذا كان في سوق المسلمين، لكون سوق المسلمين أمارة على التذكية في ما يأخذ من يد معلوم الإسلام، أو من يد مشكوك الإسلام، و أمّا إذا كان معلوم الكفر من يشتري منه فلم يكن سوقهم أمارة على كون ما في يد الكافر مذكّي. «1»

و يستفاد من الرواية حلية أكل اللحم إذا كان في سوق المسلمين و لا يلزم السؤال من البائع من تذكيته و عدمها، و أمّا إذا كان في سوق غير المسلمين، فهل تدلّ الرواية على حلية اللحم و تذكيته بعد السؤال، فيكون الحاصل الفرق بين سوق المسلمين و غير سوقهم بأنّه إذا كان في سوقهم يحكم بالتذكية بدون السؤال، و إذا كان في غير سوقهم لا يحكم بالتذكية إلا بعد السؤال عنها، فإذا سئل و أجاب بكونه مذكى يحكم بالتذكية و إن كان من يد الكافر أو اشتراه

في سوق غير المسلمين، أولا تدلّ إلا على كون سوق المسلمين أمارة على التذكية، و لا يلزم السؤال، و امّا في غير سوق المسلمين فيجب السؤال و التفحص حتّى يطمئن بأحد طرفي التذكية و عدمها، لا أن يكون نفس السؤال و نفس جواب ذى اليد الكافر بالتذكية مصحح

______________________________

(1)- (و لا يبعد على هذا ألا يكون خصوصية لخصوص السوق، بل بعد كون اعتبار السوق من باب كون السوق أمارة على الأمارة، و هي يد المسلم فلو أخذ في خارج السوق من يد المسلم أو من يد مشكوك الإسلام، فلا يبعد الحكم بالحلية إذا كان الموجود أمارة اخرى على الأمارة مثل أرض الإسلام مثلا في قبال أرض الكفر إذا كان أرض الإسلام من الأمارات).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 18

للحكم بالتذكية. «1»

و هذه الرواية و إن لم تكن متعرضة لجواز الصّلاة في الجلود إذا كانت في سوق المسلمين، و لكن بعد الحكم بجواز أكل اللحم المنوط بكون الحيوان مذكى، شاهد على محكومية جلد الحيوان بالتذكية إذا كانت في سوق المسلمين.

الرواية الثانية: ما رواها إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام
اشارة

(أنّه قال: لا بأس بالصّلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الاسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الاسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس.) «2»

و هذه الرواية بعد دلالتها على صحة الصّلاة في الفراء اليمانى، و لعله كان من باب أنّ ما يعمل في اليمن من الفراء كان مذكى مسلما، أو فيه أمارة التذكية، تدلّ على جواز الصّلاة في الفراء بمجرد كونها مصنوعة في أرض الاسلام في قبال أرض الكفر و دار الحرب، ثمّ بعد ما سئل السائل عما إذا كان في أرض الاسلام غير أهل الاسلام قال: بجواز الصّلاة فيها إذا

كان الغالب عليها المسلمين، و ما يظهر من كلام بعض الفقهاء و منهم الشهيد الثاني رحمه اللّه بان المراد من قوله عليه السّلام (إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس) هو الغلبة بحسب الأفراد يعنى: إذا كان غالب أفراد أرض الاسلام مسلما فلا بأس.

______________________________

(1)- (و قال سيدنا الاستاد مد ظله: بأنّه لا يبعد أن يقال: إن الرواية تنادى بالفرق بين سوق المسلم و غيره، ففي الأوّل يحكم بالتذكية بلا سؤال عن كون اللحم مذكى أو ميتة، و في الثاني لا يحكم إلا بعد السؤال، فإذا سئل و أجاب ذو اليد بالتذكية، يكفي في الحكم بالتذكية و لكن كما قلت في مجلس البحث: يمكن أن يكون المقصود في الرواية من السؤال في ما لم يكن في سوق المسلمين لأنّ يسأل و يتفحص حتّى يكشف له حال اللحم و يعتقد إما بتذكيته أو بعدمها).

(2)- الرواية 5 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 19

[الميزان فى السوق هو الغلبة بحسب القدرة]

و لكن ما يأتى بالنظر هو كون الميزان في الغلبة في الرواية الغلبة بحسب السلطة و الاقتدار، و الشاهد على ذلك التعبير بقوله (عليها) بعد قوله (الغالب) فيكون المراد بحسب الظاهر من الغالب عليها للتعبير (بعلى) (لا بفى) الغلبة بحسب القدرة و الحكومة، و إن كان نظره إلى الغلبة بحسب الأفراد كان المناسب ان يقول (إذا كان الغالب فيها) فعلى هذا يكون المراد الغلبة بالحكومة و السلطنة و القدرة.

إن قيل: بأنّ المفروض في الرواية قبل ذلك، أرض الاسلام حيث قال (و ما صنع في أرض الاسلام) و من الواضح أنّ في زمان صدور الرواية كل أرض كانت أرض الاسلام كانت الحكومة فيها للمسلمين، و

لم تكن أرض كانت منهم و لم تكن الحكومة و الغلبة بهذا النحو لهم، فمع فرض كون الأرض أرض الاسلام الّتي فيها القدرة و الحكومة لهم، سئل السائل بأنّ في هذه الارض إذا كان غير المسلم فما الحكم، فقال (إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس) فمع فرض الغلبة بالحكومة لهم في أرض الاسلام سئل السائل، فلا بدّ و أن يكون جواب الامام عليه السّلام الغلبة بحسب الأفراد، لأنّه لو كان نظره الغلبة بحسب الحكومة، فقد فرض و بيّن الحكم و لا حاجة الى السؤال مجددا.

نقول: بأنّه و إن كان الأمر كذلك في أرض الاسلام في زمان صدور الرواية، و لكن مع ذلك بعد ما بيّن عدم الباس إذا كان الفر و مصنوعا في أرض الاسلام سئل السائل بأنّه إذا كان أرض الاسلام، و كانت الغلبة لهم فيها، و لكن في هذا الأرض إذا كان غير أهل الاسلام هل الحكم أيضا جواز الصّلاة في الفراء أولا؟ فأجاب عليه السّلام بقوله (إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس) يعنى: لا يضرّ وجود غير أهل الاسلام في هذا الارض إذا كان الغالب على الارض المسلمين.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 20

فعلى هذا أيضا يساعد الجواب مع كون المراد الغلبة بحسب الحكومة، لأنّ الميزان الغلبة بحسب الحكومة، سواء كان المسلمون تمام أفراد هذا الارض الّتي تكون الغلبة بحسب الحكومة للمسلمين، أو كان فيها غير أهل الاسلام أيضا.

و ما قال الشهيد رحمه اللّه من أنّه إن كان المراد هذا، فيلزم أن تكون الصّلاة صحيحة في الفراء في مثل هذه الأرض و إن كان تمام أفرادها غير المسلم إلا حاكمهم، لأنّ في هذا الفرض أيضا الغلبة للمسلمين و الحال أنّه لا

أمارية للأرض في هذا الفرض على كون الجلود التي يجعل فراء مذكّى، لعدم كون مسلم فيها إلا نفر واحد و هو الحاكم، ليس في محله، لأنّه مع كون الحكومة و الغلبة للمسلمين على أرض، فقهرا يكون فيها المسلمون كثيرا، لأنّ للحاكم جنودا و أتباعا و من يعينه على اجراء الامور من المسلمين، و كيف يمكن فرض كون الحكومة على أرض للمسلمين بمجرد شخص واحد و هو الحاكم، لأنّه لا يتمكن هذا الحاكم بوحدته الغلبة على الكفار و لا يسلط عليهم، فكلما كانت الغلبة لهم على أرض فيكون فيها المسلمون كثيرا، فلا يوجد هذا الفرض الذي فرضه الشهيد رحمه اللّه حتّى يرد إيراده.

[دخالة الاسلام فى حلّية الجلود و طهارتها]

و على كل حال تدلّ الرواية على جواز الصّلاة في الفراء إذا كانت مصنوعة في أرض الاسلام مع كون الغلبة إمّا بحسب الأفراد كما تخيل الشهيد رحمه اللّه و بعض آخر من الفقهاء و إمّا بحسب الحكومة و السلطنة، على ما اخترنا، للمسلمين، و إن كان لقوله (إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس) مفهوم، فيكون مفهومه أنّه إذا لم تكن الغلبة لهم ففيه الباس.

و عموم هذه الرواية يقتضي كون جواز الصّلاة في ما كانت مصنوعة في أرض تكون الغلبة للمسلمين سواء كان في سوق المسلمين أو لا و سواء كان من يد بايع

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 21

يكون إسلامه مسلما، او مشكوكا، بل يحتمل شموله لما يشتريها من يد الكافر و إن كان لا يناسب ذلك مع اعتبار أرض الاسلام، لأنّ اعتبار أرض الاسلام يكون إما من باب كون الأمارة على التذكية إذا صنع في هذه الارض، و امّا من باب كان أرض الاسلام و إن كان لها موضوعية في مقابل

أرض الكفر إلّا أنّ موضوعيتها ليست إلا من باب كون الاسلام له دخالة في إثبات الحكم، و لهذا جعل أرض الاسلام دخيلا في محكومية الجلد بالتذكية، و هذا ليس إلا من باب أن أرض الاسلام يكون فيها المسلمون، و معهم يكون الحكم هكذا من باب قابلية كون الجلد من المسلم و أمّا اذا كان في يد الكافر او اشترى منه، فليس كذلك.

الرواية الثالثة: ما رواها إسماعيل بن عيسى
اشارة

(قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل «1» أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه.) «2»

[الرواية فرقت بين المسلم و بين المشرك و عدم السؤال في صورة كون البائع مسلما]

و المراد من الرواية هو أنّ السائل سئل عن جلود الفراء، و أنه إذا كان البائع مسلما غير عارف يسأل عن ذكوته أم لا، فاجاب عليه السّلام و حاصل جوابه يرجع إلى أنّ البائع تارة يكون أحدا من المشركين فإذا تشترى من المشرك تسأل عن ذكوته، و أمّا إذا كان البائع من يصلّي فيه، و يكون من أهل الصّلاة فلا تسأل عنه، فعلى هذا ليس المراد بقوله و إذا رأيتم يصلّون فيه) أنّه لا يلزم السؤال اذا كان البائع يصلّي

______________________________

(1)- (يحتمل كون الجيل بالياء قبل اللام، و كان المراد هو الجيلان اى بالفارسية (گيلان) و يحتمل أن يكون الجبل بالباء قبل اللام).

(2)- الرواية 7 من الباب 10 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 22

فيه، بل يكفي كون البائع ممّن يصلّي في عدم لزوم السؤال، و قوله (يصلّون فيه) يكون من باب اعتبار كونهم من الذين يصلّون.

ثمّ إنّه على هذا يقال: بأنّ الرواية فرقت بين المسلم، و بين المشرك، فما أوجب السؤال إذا كان البائع مسلما، بل يكون محكوما بالتذكية كل جلد يشتري منه، و أنّه اذا كان البائع مشركا يجب السؤال، و ليس الجلد المشتري منه محكوما بالتذكية بلا سؤال، و لا يبعد كون الجلد محكوما بالتذكية حتّى إذا اشترى من المشرك إذا سئل عنه عن ذكوته، و أخبر المشرك

بكونه مذكى. «1»

ثمّ لا يخفي عليك أنّ من يتوهم دلالة هذه الثلاثة من الروايات على كون

______________________________

(1)- أقول: ما يأتي بالنظر، كما قلت في مجلس البحث له مدّ ظلّه العالي، في المراد بالرواية هو أنّ بعد ما سئل السائل من أنّه هل يلزم السؤال عن التذكية عن جلود الفراء إذا كان البائع مسلما غير عارف أولا، أجاب عليه السّلام بما حاصله يرجع الى أنّه إذا كانت جلود الفراء بيعها المشركون، يعنى: يكون ممّا يتداول بيعه و شرائه منهم، و هم يشترون و يبيعون سوء كان بيعها منحصرا بهم، أو كما أنّ المسلمين يبيعونها فالمشركون أيضا يبيعونها ففي هذه الصورة يلزم السؤال عن هذا المسلم البائع الغير العارف، فقوله (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك) يعني: عليكم أن تسألوا عن هذا البائع المسلم الغير العارف إذا كان المتداول بيعها من قبل المشركين، و امّا إذا رأيتم يصلّون فيه، يعنى: ترى أن المسلمين الغير العارفين البائعين لها يصلّون فيها، فلا يلزم السؤال و إن كان المشركون يبيعونها، لأنّ صلاتهم فيها أمارة على أنهم محرزون التذكية، و على هذا تكون الرواية في مقام جواب سؤال السائل و شق الامام عليه السّلام بشقين:

أحدهما ما إذا كان المشركون يبيعونه، فيلزم السؤال عن هذا المسلم، و الآخر ما إذا ترى أن هذا البائع الغير العارف يصلّي فيه، فمع ذلك لا يجب السؤال، فعلى هذا ليس في الرواية تعرض لصورة الاشتراء من المشرك، و أنّه يلزم السؤال حتّى يقال: بأنّه لا يبعد كفاية إخبار الكافر بالتذكية إذا اشترى منه في المحكومية بالتذكية، لأنّه على ما قلنا ليست الرواية متعرضة لصورة اشتراء الجلد من الكافر. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص:

23

الحكم بالتذكية في سوق المسلمين، أو في ارض الاسلام، أو في يد المسلم من باب وجود الأمارة في هذه الموارد على التذكية، لا من باب كون الحكم بتذكية الجلود في هذه الموارد صرف التعبد، و أنّه يحكم بالتذكية فيها بمجرد الشّك في هذه الموارد، لأنّ في كلها تكون أمارة التذكية، و هي كون اللحم أو الجلد مأخوذا من يده أو قيام الأمارة على كون المأخوذ من يده هو ذكّاه أو احرز تذكيته، فإذا كان الحكم من باب وجود الأمارة على التذكية فلا يمكن التعدى الى مورد لم تكن أمارة عليها.

[المراد من سوق المسلم أعم من الشيعة]

يكون بعيدا عن الصواب، و لا مجال لهذا التوهم، لأنّه بعد فرض عدم كون المسلمين من غير الشيعة من حيث شرائط التذكية موافقين لنا، بل الاختلاف بيننا و بينهم، بل هم يحلون ما ذكّاه الكفار، بل يعتقدون بطهارة جلد الميتة بالدباغ، و يجوّزون الصّلاة فيها مع الدباغ، فمع كل ذلك فكيف يكون سوقهم أو يدهم أو أرضهم أمارة على كون الجلد مذكى، لأنّه إن كان المسلمون غير الشيعة يذكّون ما عندهم من الحيوانات بالنحو المعتبر عندنا، او يحرزون تذكيتها بهذا النحو، و كان المذكى عندهم ما هو المذكى عندنا، فكان ما في يدهم أو سوقهم أو في أرضهم محكوما بالتذكية من باب كون ذلك كله أمارة على التذكية، لكاشفية هذه الامور عن كونها مذكى من باب أنّ بسبب هذه الامور يكشف و لو ظنّا بأنّ المسلم ذكّاها بنحو المعتبر.

و لكن بعد ما قلنا من اختلاف غير الشيعة من المسلمين مع الشيعة في ما يعتبر في التذكية، و بعد اعتقادهم بحلية ما ذكّاه الكفار، و اعتقادهم بطهارة جلد الميتة، و جواز الصّلاة فيه مع الدبغ،

فلو فرض أنّ هذا القسم من المسلمين أخبروا بالتذكية، فلا يمكن الحكم بالتذكية مع اختلافهم معنا في هذه الجهات في التذكية و جواز

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 24

الصّلاة في الجلود، و ليس إخبارهم أمارة على التذكية المعتبرة، فكيف بما يكون في سوقهم أو أرضهم، ففي كل هذه الموارد ليست أمارة موجودة على التذكية، فلا يمكن حمل الروايات على صورة وجود الأمارة على التذكية.

نعم إن حمل السوق في الرواية، أو أرض الاسلام على سوق خصوص الشيعة، أو أرض خصوص الشيعة يمكن أن يقال: بأنّ الحكم بالتذكية في سوقهم أو أرضهم أمارة على التذكية، و لكن لا يمكن حمل الرواية على ذلك، لعدم كون سوق مخصوص أو أرض مخصوص للشيعة لم يكن فيه غيرهم من المسلمين، بل الأسواق في ممالك الاسلامية خصوصا في زمان صدور الرواية، و كذا أراضي الاسلامية، كان الأكثر فيها الغير العارفين من المسلمين، مضافا إلى أنّ في خصوص الرواية الثالثة فرض ما إذا كان البائع مسلما غير عارف و مع ذلك حكم بالتذكية، و عدم لزوم السؤال إذا كانوا يصلّون فيه، فعلى هذا حمل الروايات على صورة وجود الأمارة على التذكية في غير محله.

[في ذكر بعض روايات اخر]
اشارة

ثمّ إنّ هنا بعض روايات اخر نتعرض لها و لمقدار دلالتها، فنقول:

الرواية الاولى: ما رواها محمد بن الحسن الاشعري

«1» (قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: ما تقول في الفرو يشتري من السوق؟ فقال: اذا كان مضمونا فلا بأس.) «2»

و المراد بقوله (إذا كان مضمونا فلا بأس) هو أنّه إذا تعهّد البائع بكون الفرو مذكّى فلا بأس، لعدم معنى أقرب من هذه المعنى للضمان في مثل المقام، فيستفاد من

______________________________

(1)- (و ذكر الحسين في الوسائل طبع امير بهادري بدل الحسن غير صحيح).

(2)- الرواية 10 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 25

هذه الرواية عدم البأس بما يشتري من السوق إذا تعهد البائع كونه مذكى (و بناء على كون المفهوم لهذه القضية، يفيد مفهومها البأس إذا لم يتعهد البائع كونه مذكى)

و يمكن حمل هذه الرواية على الاستحباب، فكان التعهد مستحبا لو فرض كون السوق في الرواية خصوص سوق المسلمين، فعلى هذا لا يكون بينها و بين الروايات الثلاثة المتقدمة الدالة على محكومية الجلود بالتذكية بمجرد كونها في يد المسلم أو في سوق المسلمين أو في أرض المسلمين إذا كان الغالب عليها المسلمين بدون اعتبار أخذ التعهد على التذكية، بناء على كون قوله في هذه الرواية (إذا كان مضمونا فلا بأس) على الاستحباب تعارض و منافاة

الرواية الثانية: ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: يكره الصّلاة في الفراء إلا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاة.) «1»

و بعد قابلية حمل (يكره) في هذه الرواية على الكراهة المصطلحة، يعني: ما يكون الرجحان في تركه، لم يكن بينها و بين الروايات الثلاثة تعارض.

الرواية الثالثة: ما رواها أبو بصير

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في الفراء؟ فقال: كان علي بن الحسين عليه السّلام رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجاز، لأنّ دباغها بالقرظ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتي ممّا قبلكم بالفرو، فيلبسه فاذا حضرت الصّلاة ألقاه و ألقى القميص الّذي يليه، فكان يسأل عن ذلك، فقال: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميتة، و يزعمون أنّ دباغه ذكوته.) «2»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 61 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 61 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل، لكن كتب (عيس) بدل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 26

و هذه الرواية بحسب ظاهرها تدلّ على أنّه لا يجوز الصّلاة في الجلود الّتي تؤخذ ممن يستحل لباس جلد الميتة بزعم أن ذكاته دباغه، فلا تجوز الصّلاة على هذا فيما يؤخذ من سوقهم أو يدهم أو في ارضهم، فتنافى هذه الرواية مع الروايات الثلاثة المتقدمة، لأنها كانت دالة على جواز الصّلاة و المحكومية بالتذكية إذا أخذ من يد المسلم أو من أرضهم أو من سوقهم، و هذه الرواية تدلّ على خلافها.

و لكن نقول: أوّلا بضعف سند هذه الرواية، و ثانيا بأنّه إذا لم تجز الصّلاة فيما أخذ من يد المستحل للميتة بالدباغ، و عدم محكوميته بالتذكية، فكما لا تجوز الصّلاة فيه، كذلك لا يجوز لبسه، و لا فرق بينهما، و الرواية ظاهرها الفرق بينهما، لأنّها على ما ترى دلت على أن

علي بن الحسين عليه السّلام كان يلبس الفرو، و لكن لا يصلّي فيه، فمن هذه الجهة أيضا توهن الرواية

الرواية الرابعة: ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج

(قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام: إني أدخل سوق المسلمين أعنى: هذا الخلق الذين يدّعون الاسلام فأشترى منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها، أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على آنها ذكية؟ فقال: لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول قد شرط لي الّذي اشتريتها منه أنها ذكية، قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة، و زعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا

______________________________

(عيثم) و الصحيح (عيثم) كما نقلها صاحب الوسائل في الباب 61 من ابواب النجاسات وعدها رواية 3 و كتب (عيثم) بدل (عيس) و لكن بناء على نقل الأوّل في الرواية بعض زيارات و فى طبع امير بهادرى كتب ميثم فى الباب 61 من ابواب النجاسات الرواية 3.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 27

على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. «1»

و هذه الرواية و إن كانت تفيد ما يخالف مع الروايات الثلاثة المتقدمة، و لكن تكون ضعيفة السند فلا تقاوم معها.

[هل يكون تعارض بين الاخبار او لا؟]

إذا عرفت ذلك نقول: لا بد من عطف عنان الكلام أولا إلى أنّه هل يكون بين روايات الثلاثة- أعنى: رواية فضيل و زرارة و محمد بن مسلم جميعا- و بين رواية إسحاق بن عمار، رواية إسماعيل بن عيسى تعارض أو لا، و ثانيا لا بد من التكلم في وجه الجمع بين الطائفة الاولى من الروايات، و بين الطائفة الثانية أعنى: هذه الثلاثة، بعد ما عرفت من الاشكال في حمل هذه الروايات على صورة وجود الأمارة على التذكية.

فنقول: أمّا الكلام في المقام الأول، فقد عرفت أن مفاد رواية فضيل و زرارة و محمد بن

مسلم هو حلية أكل اللحم إذا كان في سوق المسلمين، و مفاد رواية إسحاق بن عمار هو محكومية الجلود بالتذكية إذا كان في أرض الاسلام و كان الغالب عليها المسلمين، و مفاد رواية إسماعيل بن عيسى هو المحكومية بالتذكية إذا كان البائع من يصلّي فيه، أو إذا كان البائع من أهل الصّلاة.

فيمكن أن يتوهم تعارض كل منها مع الآخر، لأنّ مفهوم رواية الاولى يدلّ على عدم حلية اللحم إذا لم يكن من سوق المسلمين سواء كان في أرض الاسلام أو أرض الكفر، و مفهوم رواية الثانية عدم المحكومية في التذكية إذا لم يكن في أرض يكون الغالب عليها المسلمين سواء كان في سوق المسلمين أولا، و سواء كان البائع

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 28

مسلما أو غير مسلم، و مفهوم رواية الثالثة هو كون الجلد محكوما بالتذكية إذا كان البائع من أهل الصّلاة يعني: ممّن يصلّي سواء اشترى في سوق المسلمين أو في أرض يكون الغالب عليها المسلمين أو لم يكن كذلك، فيعارض مفهوم كل منها مع الآخر.

[المستفاد من الروايات كون الاسلام دخيلا فى الحكم بالتذكية]

و لكن لا مجال لها التوهّم بعد التأمل في الروايات، لأنّ ما يستفاد من كل هذه الروايات الثلاثة هو كون الاسلام دخيلا في هذا الموضوع أعنى: في الموضوع المحكوم بالتذكية فيه، و كل ما اخذ شرطا و علق حكم التذكية به يكون أمارة على هذه الجهة أعنى: الاسلام، فترى أن الرواية الاولى تدلّ على أنّ اللحم محكوم بالحلية (و هي عبارة اخرى عن التذكية، لأنّ الحلية فرع التذكية) إذا كان في سوق المسلمين، فكون سوق المسلمين شرطا في الحلية ليس إلا من باب كون الاسلام و المسلمية

دخيلا في الحكم، لأنّه إذا كان السوق سوق المسلمين، فيمكن و يحتمل التذكية، و كذلك في الرواية الثانية تكون أرض الاسلام إذا كان الغالب عليها المسلمين دخيلا في الحكم ليس إلا من باب دخالة الاسلام و المسلمية في الحكم، و كذلك الرواية الثالثة، فكون المأخوذ من يد البائع الّذي يكون من أهل الصّلاة على احتمال (و يصلّي فيه) ليس إلا من باب دخالة الاسلام في الحكم بالتذكية.

فاذا عرفت كون الامر هكذا، فنقول: إنّه بعد دخالة الاسلام و المسلمية في الحكم بالتذكية، كما ينادى به كل الروايات، لا بد من كون اعتبار سوق المسلم أو أرض المسلمين و دخالتها في الحكم بالتذكية مثل كون البائع من أهل الصّلاة، أى مسلما في ما يأخذ الجلد المشكوك أو الفرو المشكوك أو اللحم المشكوك أو الخف المشكوك في كونه مذكى أو ميتة ممّن يعلم باسلامه أو يشكّ في كونه مسلما أو غير مسلم، و امّا إذا كان في يد الكافر و يؤخذ منه أو يشتري منه فلا يشمله أحد من

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 29

الروايات الثلاثة بعد ما بينا من أنّ المستفاد من كلها دخالة الاسلام و المسلمية في المحكومية بالتذكية، فيخرج كل مورد ليس للاسلام و المسلمية دخالة فيه، مثل المأخوذ من يد الكافر مع الشّك في كون ما في يده مذكّى أو ميتة.

فعلى هذا تعلم عدم تعارض بين الروايات أصلا فاعتبار سوق المسلمين يكون من هذا الباب و أرض المسلمين أيضا من هذا الباب، لأنّ بعد دخالة الاسلام في كل هذه الروايات، و كون المحكومية بالتذكية من هذا الباب، فلا يرى تعارض بينها حيث إنّ اعتبار كل هذه الثلاثة أعنى سوق المسلم أو أرض الاسلام أو

يد البائع المسلم، يكون من باب وجود جهة جامعة بينها، و هي الاسلام، فمع كون الامر كذلك لا يرى بين هذه الروايات من حيث المفهوم أو المنطوق تعارض أصلا، فيكفي في المحكومية بالتذكية وجود احد هذه الامور من باب كون كل منها كاشفا عن وجود ما هو دخيل في الحكم بالتذكية، و هو الاسلام، هذا كله في ما ينبغي أن يقال في المقام الأول.

المقام الثاني:
اشارة

يقع الكلام في أنّه بعد كون مفاد الطائفة الاولى من الروايات، هو كون الجلود محكوما بالتذكية مطلقا إلا إذا علم كونها ميتة سواء كان في يد المسلم، أو في أرض الاسلام أو في سوق المسلمين، أو لم يكن كذلك لكون إطلاقها يقتضي ذلك، و بعد كون مفاد الطائفة الثانية من الروايات هو محكوميتها بالتذكية في خصوص ما إذا كانت في أرض الاسلام أو في سوق المسلمين، أو في يد المسلم و لا يلزم السؤال و أمّا في غيرها مثل ما أخذ من يد غير المسلم فليست محكومة بالتذكية و إن كان شاكا في كونها مذكى او ميتة. «1»

______________________________

(1)- (و إن كان كلام يأتي بعدا في أنّه هل يحكم بالتذكية في ما يأخذ من يد الكافر مع

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 30

فالطائفة الاولى مطلق، و الثانية مقيد، و بعد ما نعلم وحدة الملاك، و أنّ الحكم في الحكم في المقيد ليس إلا بالملاك الموجود في المطلق، فمقتضى ما أثبتنا في باب التعارض لا يرى بنظر العرف تعارض بين الطائفتين، بل يحمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة محكومية الحيوان و الجلود و اللحوم المشكوك في كونه مذكّى أو ميتة، بالتذكية في ما يكون في سوق المسلمين و أخذ من يد المسلم في سوقهم

أو ممّن يشك في إسلامه، و كذا في الأرض الاسلام الّذي يكون الغالب عليها المسلمين إذا أخذ من يد المسلم أو مشكوك الاسلام، و كذا إذا أخذ من يد المسلم و قلنا بأنّ الحكم بالتذكية في هذه الموارد ليس من باب كون هذه الامور أمارة على التذكية، بل حكم تعبدي في مورد الشّك في التذكية في خصوص هذه الموارد.

مسئلة: [الكلام فى المأخوذ من يد الكافر]
اشارة

بعد ما فهمت من كون الحيوان المشكوك في تذكيته، و كذلك جلده و لحمه، محكوم بالتذكية بشرط اشترائه من سوق المسلمين، أو أخذه من يد المسلم أو من أرض الاسلام إذا كان الغالب عليها المسلمين، و لا يلزم السؤال.

فيقع الكلام في المأخوذ من يد الكافر، و أنّه هل يكون ما في يده محكوما بكونه ميتة مع الشّك في كونه مذكّى، أو ميتة للأصل الأوّلى، و هو أصالة عدم التذكية، و إن سئل عنه عن تذكية ما في يده و يخبر بالتذكية، أو أنّ ما في يده غير محكوم بالتذكية و لم يسأل عنه، و أمّا إذا سئل عنه و أخبر الكافر بتذكية ما في يده فيحكم بالتذكية.

فيكون على هذا الفرق بين ما أخذ من يد المسلم، أو من أرض الاسلام، أو من سوق المسلمين، و بين ما يأخذ من يد الكافر، هو في عدم اعتبار السؤال في

______________________________

السؤال أو لا).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 31

الأوّل عن التذكية و عدمها، و عدم لزوم إخبار ذي اليد بالتذكية، بخلاف ما أخذ من يد الكافر فإنّه لا يحكم بالتذكية قبل السؤال عنه و اخباره بالتذكية، و أمّا مع إخباره فيحكم بالتذكية.

لا يبعد كون الحق هو الثاني، و أنّه إذا أخبر الكافر الّذي يكون ذي اليد على التذكية يحكم بالتذكية

لوجهين:

الوجه الأول: دلالة بعض الروايات المتقدمة عليه

منها قوله عليه السّلام في رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام بعد سؤال السائل قال (نعم، أنا اشترى الخفّ من السوق و يصنع لي، و أصلّي فيه و ليس عليكم المسألة) فإنّها تدلّ على عدم لزوم السؤال بناء على حمل السوق في الرواية على خصوص سوق المسلمين «1» فإذا كان كذلك فالمأخوذ من يد غير المسلم، أو من سوق غير المسلم يحتاج الى السؤال.

فالفرق بين المأخوذ من يد المسلم و بين المأخوذ من يد الكافر، هو عدم لزوم السؤال في الأول، و لزوم السؤال في الثاني، و أنّ الأوّل محكوم بالتذكية بلا سؤال، و الثاني محكوم بها بعد السؤال.

منها قوله عليه السّلام في الرواية المتقدمة الّتي رواها فضيل و زرارة و محمد بن مسلم

______________________________

(1)- و أما أقول: بناء على ما تقدم من سيدنا الاستاد مد ظله من ذكر هذه الرواية في جملة الروايات الدالة على المحكومية بالتذكية في الجلود مطلقا حتى تعلم، و يتوقف الاستدلال بها لمحكومية الجلد بالتذكية مطلقا حتى يعلم كونه ميتة على كون السوق أعم من سوق المسلمين و غيرهم و الا لو كان المراد خصوص سوق المسلمين فلا يصح الاستدلال، فلا وجه للتمسك في المقام على الرواية، لأنّه على هذا مع الشك في التذكية يحكم بها و إن كان في يد الكافر، و لا تلزم المسألة).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 32

عن أبي جعفر عليه السّلام فقال فيها (كل إذا كان في سوق المسلمين و لا تسأل) عنه و مفهومه هو عدم جواز الأكل، الّا مع السؤال إذا كان في غير سوق المسلمين، و بعد كون اعتبار سوق المسلمين من باب دخالة الاسلام كما عرفت،

و حاصله محكومية الجلود بالتذكية إذا أخذ في سوقهم من يد المسلم المسلّم إسلاميته، أو من يد مشكوك الاسلام، و كان المأخوذ من يد الكافر خارجا و إن كان في سوق المسلمين.

فتكون الرواية دالة على عدم السؤال عن التذكية و محكوميتها بها إذا أخذ من يد معلوم الاسلام، و عدم محكوميتها بها إذا أخذ من يد الكافر قبل السؤال، بل محكوميتها مع السؤال، فتدلّ الرواية على أنّ المأخوذ من يد الكافر مع السؤال عنه عن التذكية و إخباره بها محكوم بالتذكية.

منها رواية إسماعيل بن عيسى المتقدمة، فإنّ فيها قال عليه السّلام (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك) فاعتبر السؤال إذا كان البائع من المشركين، و من الواضح بأنّ السؤال مؤثر، فالمقصود هو أنّه إذا كان البائع مشركا يسأل عنه عن التذكية، فإذا أخبر بها فيحكم بتذكيتها من باب كونه ذي اليد، و إلّا لو لم يكن مع السؤال و إخباره محكوما بالتذكية، فلا معنى للأمر بالسؤال عنه.

منها قوله عليه السّلام في الرواية الّتي رواها محمد بن الحسن الاشعري قال (إذا كان مضمونا فلا بأس) و بعد كون المراد بهذه الفقرة إذا كان متعهدا فتدل الرواية على محكومية الجلود بالتذكية إذا تعهد ذي اليد و أخبر بتذكيتها، فالكافر إذا تعهد التذكية، فيحكم بالتذكية على هذا. «1»

______________________________

(1)- أقول، كما قلت في مجلس بحثه الشريف، أولا إنّ رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 33

الوجه الثاني [العرف لا يفرقون بين المسلم و الكافر اذا كانا ذى اليد]
اشارة

: إنّا نرى من أنّ بناء العقلاء على الأخذ بقول ذي اليد و إخباره، فلو أخبر ذو اليد بخبر عما يكون تحت يده يقبل قوله، و لم يكن البناء على الفحص عما أخبر به و

التفتيش أو التوقف حتّى يثبت لهم صحة إخباره، خصوصا يكون ممّا لا يعلم إلا من قبله، و لا يفرقون في ذلك بين ذي اليد

______________________________

على ما أفاده سابقا في مقام ذكر روايات الباب عدّها من الروايات الدالة على كون الجلود محكومة بالتذكية مع الشّك سواء كان أرض الاسلام، أو سوق المسلمين أو من يد المسلم، أو غيرها، فعلى هذا تدلّ على عدم السؤال و كونها محكوما بالتذكية حتّى يعلم، سواء كان المأخوذ من الجلود مأخوذا من يد المسلم، أو من يد الكافر، و كذلك نقول في رواية محمد بن الحسن الاشعري: إنّ أخذنا بظاهرها و لم نحملها على محمل اخر من استحباب تعهد التذكية، و مضافا بكون التعهد غير الأخبار بالتذكية بأنّه إن اعتبر الضمان، فحيث إنّ الرواية مطلقة و لم يقيّد فيها التعهد بخصوص صورة الأخذ من الكافر، لا بد من اعتبار ذلك حتّى في المأخوذ من يد المسلم، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، و حمل الرواية على خصوص صورة الأخذ من يد الكافر بقرينة غيرها من الروايات الّتي حكم فيها بالتذكية في ما أخذ من المسلم، أو من سوق المسلمين، أو من أرض الاسلام بلا اشتراط السؤال و التعهد بأنّه مع فرض السائل في هذه الرواية بقوله (ما تقول في الفرو يشتري من السوق) أنّ الفرو يشتري من السوق، و الظاهر من السوق سوق المسلمين لعدم تعارف كون سوق غير المسلمين، في بلاد الاسلام، خصوصا مع كون الراوي قميّا، فلا يمكن حمل الرواية على سوق غير المسلمين، فبعد ذلك نقول: لا يمكن حمل الرواية على لزوم التعهد، و ثانيا نقول في كل هذه الروايات بأنّ غاية دلالتها عدم محكومية ما أخذ

من يد الكافر من اللحوم و الجلود بالتذكية بلا سؤال و اعتبار السؤال.

و لكن يمكن، بل الظاهر كون النظر من اعتبار السؤال السؤال و الفحص بحيث يعلم بأحد طرفي التذكية و الميتة، لا أن يكون الغرض صرف السؤال و كون مجرد إخبار الكافر بالتذكية كاف في الحكم بالتذكية، و لو مع عدم حصول علم أو اطمينان بالتذكية، فيكون وزان السؤال عن الكافر وزان قوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) و أنّه يجب التبين في خبر الفاسق، فالحكم بكفاية إخبار ذي اليد و إن كافرا في المحكومية بالتذكية بهذه الروايات مشكل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 34

المسلم و الكافر.

فنقول في المقام: إنّ إخبار ذي اليد الكافر كاف في الحكم بكون الحيوان مذكّى، و بعد وجود بناء العقلاء على ذلك و عدم ورود ردع من الشارع فيأخذ بما هو سيرة العقلاء و يصير بنائهم حجّة (أقول: في وجود بناء العقلاء على ذلك تأمل).

تنبيه [في ذكر اشكال صاحب الوافية على استصحاب عدم التذكية]
اشارة

: قد بينا لك سابقا أنّ الأصل في ما إذا شك في تذكية الحيوان هو عدم التذكية، و حيث إنّ صاحب الوافية رحمه اللّه أورد ايرادا على استصحاب عدم التذكية، نعطف عنان الكلام مجددا بنحو الاختصار في إجراء هذا الاصل و عدمه، فنقول: بعد ما عنون الشيخ «1» رحمه اللّه في الرسائل استصحاب الكلي و أقسامه و تقسيم القسم الثالث منه إلى قسمين ذكر بالمناسبة كلام صاحب الوافية، و حاصل كلام صاحب الوافية يرجع إلى أنّ استصحاب عدم التذكية يكون من صغريات قسم الثالث من استصحاب الكلي، لأنّ المفروض في هذا القسم هو كون منشأ الشّك في بقاء الكلي و عدمه من باب أنّ الفرد المقطوع حدوثه و إن كان مقطوع الزوال و

الارتفاع، إلّا أنّه يحتمل حدوث فرد اخر عند حدوث هذا الفرد أو عند ارتفاع هذا الفرد، و هو باق و المقام كذلك، لأنّ عدم التذكية مستند في زمان إلى فرد نقطع بزواله و في زمان اخر إن كان باقيا هذا العدم لكنه مستند إلى فرد اخر، لأنّ الحيوان كان سابقا غير مذكّى من باب كونه حيا، فعدم التذكية في هذا الزمان كان مستندا إلى الحياة و هو في الحال مقطوع الزوال، لأنّه زهق روحه مسلما إما بالتذكية أو بغيرها، و عدم تذكيته فعلا إن كان باقيا فهو مستند إلى أمر اخر و هو كون موته بموت حتف الأنف أو بالقتل على غير وجه المعتبر في التذكية، و هذا مشكوك الحدوث، لأنّه لو كان زهاق روحه

______________________________

(1)- فرائد الاصول، ص 372.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 35

بسبب التذكية فغير مستند بموت حتف الأنف.

فعلى هذا عدم التذكية المستند إلى عدم كون زهاق روحه بالتذكية مشكوك الحدوث من باب الشّك في أنّ موته وقع بالتذكية أو بحتف الأنف أو القتل بنحو الغير المعتبر في التذكية، فعلى هذا لا مجال لاستصحاب عدم التذكية لعدم إجراء الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام الكلى، و هو من صغرياته، لأنّ المقصود في استصحاب عدم التذكية إجراء استصحاب عدم التذكية الكلي المتقوم بفردين أحدهما مقطوع الحدوث و الزوال في زمان الشك، و هو عدم التذكية المستند إلى الحياة، و الآخر مشكوك الحدوث من رأس، و هو عدمها المستند الى كون زهاق روحه بغير سبب التذكية، و بعد كون عدم التذكية لازم لأمرين: الحياة و موت حتف الانف، و الموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو، بل ملزومه الثاني أعنى الموت حتف الانف، فعدم

التذكية لازم أعم لموجب النجاسة، فعدم التذكية اللازم للحياة مغاير لعدم التذكية العارض للموت حتف الانف، و الثابت في الزمان السابق هو العدم الملازم للحياة لا الملازم لموت حتف الانف، فلا يجري الاستصحاب.

هذا حاصل ما قال صاحب الوافية رحمة اللّه و قد أجاب عنه الشّيخ رحمه اللّه على ما في الرسائل، و حاصل جوابه يرجع إلى أنّه و إن قلنا بعدم مجال لاجراء الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، و لكن مع ذلك تجري اصالة عدم التذكية لعدم كونها من صغرياته، حيث إنّ عدم الأزلى مستمر مع حياة الحيوان و موته حتف الانف و إن قطع بتبادل الوجودات المقارنة له، لأنّ العدم يعتبر عدم واحد و ليس كالوجود، و لا يأتى بنظر العرف تكثر الأعدام باعتبار اختلاف وجودات المقارنة له، و بعد كون هذا العدم عدما واحدا مستمرا بنظر العرف و إن تبادلت

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 36

الوجودات المقارنة له، فنقول: كان هذا الحيوان سابقا غير مذكّى و كانت حالة السابقة عدم التذكية، فنجرّ هذا العدم إلى زمان الشّك بحكم الاستصحاب، و نقول:

الأصل عدم التذكية، و ما أفاده رحمه اللّه صحيح و في محله.

[في ردّ اشكال صاحب الوافية]

ثمّ بعد ما عرفت من عدم جريان إشكال باستصحاب عدم التذكية من هذه الجهة، قد يقال: بأنّ هذا الأصل من الاصول المثبتة، لأنّه بعد اجراء أصالة عدم التذكية يترتب كل أثر يكون محمولا على عدم التذكية، و أمّا الآثار المترتبة على كون الحيوان ميتة، فلا يترتب على هذا الأصل إلّا على القول بالأصل المثبت.

و لكن لا مجال لهذا الاشكال في المقام، كما أفاده الشّيخ رحمه اللّه أيضا، لأنّ الظاهر من قوله تعالى (إلّا ما ذكيتم) و غير ذلك،

هو كون الآثار من الطهارة و الحلية و جواز الصّلاة من آثار كون الحيوان مذكّى، فإذا نفيت التذكية بالأصل فلا تترتب هذه الآثار، مضافا إلى أنّه بعد ما كانت الميتة عبارة عن غير المذكى (سواء نقول: بكون غير المذكى له فرد ان: أحدهما الميتة، و هي كل حيوان مات حتف أنفه، و الآخر ما قتل بغير النحو المعتبر في التذكية الشرعية، أو نقول: بكون مطلق غير مذكّى ميتة سواء زهق روح الحيوان حتف أنفه، أو بسبب غير السبب المتعارف شرعا في التذكية على الكلام فيه) فإن كان في البين أثر مترتب على الميتة- فبعد كون الميتة غير مذكّى بدون اعتبار شي ء وجودى اخر في كونه ميتة- فبعد جريان أصالة عدم التذكية فهو ميتة، لأنّ الميتة ليست إلّا غير المذكّى، فيترتب على هذا الأصل كل أثر يكون مترتبا على كونه ميتة.

نعم، إن كان في البين أثر مترتب على الاتصاف بكونه غير مذكّى فباستصحاب عدم التذكية لا يثبت ذلك إلا على القول بالأصول المثبتة، هذا.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 37

ثمّ إنّ الشّيخ رحمه اللّه قال في مطاوي كلماته في هذا المقام بما حاصله يرجع إلى أنّه لا إشكال في إجراء أصالة عدم التذكية إذا لم يرد به إثبات الموجود المتأخر المقارن له به، نظير إثبات الموت حتف الانف لعدم التذكية أو ارتباط الموجود المقارن له به، كما إذا فرض الدليل على أنّ كلما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن حيضا، فهي استحاضة، فان استصحاب عدم الحيض في زمان خروج الدم المشكوك، لا يوجب انطباق هذا السلب على ذلك الدم و صدقه عليه، حتّى يصدق (ليس بحيض) على هذا الدم، فيحكم عليه بالاستحاضة، إذ فرق بين الدم

المقارن لعدم الحيض، و بين الدم المنفي عنه الحيضية.

[كلام المحقّق الهمداني فى الاشكال على الشيخ رحمه اللّه]

و يظهر من الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه- على ما في طهارة مصباح الفقيه، و قد تعرض في حاشيته على رسائل الشّيخ رحمه اللّه- ما يخالف ما أفاد الشّيخ رحمه اللّه، و ما قلنا من أنّ بأصالة عدم التذكية ينتفي كل أثر كان مترتبا على التذكية، و يثبت كل أثر يكون مترتبا على كونه ميتة بناء على ما قلنا من أنّ الميتة ليست إلا غير المذكّى، و عدم كون ما نحن فيه مثل استصحاب عدم صيرورة المرأة حائضا أو عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، و وضوح الفرق بينهما، لأنّ استصحاب عدم صيرورة المرأة حائضا أو عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، لا يثبت كون الدم استحاضة إلا على القول بالأصل المثبت، لأنّ أصالة عدم صيرورة المرأة حائضا، أو أصالة عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، لا يثبت إلا عدم صيرورة المرأة حائضا، أو عدم ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، و أمّا كون الدم متصفا بكونه غير حيض، أو كون المرأة متصفا بكونه غير حائض، و بعبارة اخرى إثبات الاتصاف بهذا الامر الوجودى، فلا يمكن بهذا الاستصحاب، فلا يثبت بهذا الاستصحاب على كلا النحوين- أى:

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 38

بأن يقال: الأصل عدم صيرورة المرأة حائضا، أو الأصل عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا- كون المرأة غير حائض، فإن كان أثر مترتب على عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، أو عدم صيرورة المرأة حائضا أعنى: يكون الأثر مترتبا على هذا العدم، فيترتب هذا الأثر ببركة هذا الاستصحاب، و امّا الأثر المترتب على الوجود، فلا

يترتب هذا الاثر، فإذا كان الأثر مترتبا على اتصاف المرأة بكونها غير حائض أعنى: هذا الامر الوجودى، فلا يترتب على هذا الاستصحاب، فإن كان الدم المحكوم بكونه استحاضة هو كل دم لم يكن حيضا بمعنى:

دخل هذا الاتصاف في كون الدم دم الاستحاضة، فلا يترتب بهذا الاستصحاب، فالاستصحاب الجاري في المقام هو أصالة عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا أو عدم صيرورة المرأة حائضا، و هذا الاستصحاب لا يثبت كون الدم استحاضة إذا كان دم الاستحاضة كل دم لم يكن حيضا، و غير هذا الاستصحاب أعنى:

استصحاب عدم كون هذا الدم حيضا، لأنّ هذا الدم لم يكن بحيض سابقا فيستصحب، فليس لهذا الاستصحاب حالة سابقة، لأنّ هذا الوصف الوجودي لم يكن له حالة سابقة حتّى يستصحب، فعلى هذا لا يثبت باستصحاب عدم صيرورة المرأة حائضا أو عدم ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، كون الدم استحاضة.

و أمّا في المقام بعد كون الميتة غير المذكّى فباستصحاب عدم التذكية يثبت كون الحيوان ميتة، لأنّ الميتة ليست إلا غير المذكّى فإذا اثبت باستصحاب عدم التذكية عدم كون الحيوان مذكّى فيحكم بكونه ميتة.

فإذا عرفت ما ذكر الشّيخ رحمه اللّه من الفرق بين المقامين، و هو مختارنا أيضا، يظهر من الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه الاشكال في ذلك فننقل عبارته في حاشيته على

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 39

الرسائل كي يتضح مراده، ثمّ نبين ما في كلامه من الاشكال إنشاء اللّه.

قال في ضمن كلامه و هذه عبارته: و لكن الظاهر أن الميتة في عرف الشارع و المتشرعة عبارة عن غير المذكّى أى: اللحم الفاقد لشرائط التذكية حال موته، فكما أنّ التذكية سبب للحل و الطهارة، كذلك الموت بلا شرائط

التذكية سبب للحرمة و النجاسة، فموضوع الحرمة و النجاسة هو ما عدى المذكّى كما اعترف به المصنف رحمه اللّه في ذيل كلامه، و كونه كذلك لا يثبت بأصالة عدم التذكية، كما أنّه لا يثبت بأصالة عدم صيرورة المرأة حائضا، أو أصالة عدم رؤية دم الحيض، كون الدم المرئي متصفا بكونه ليس بحيض حتّى يحكم بكونه استحاضة كما سيوضحه المصنف، إلّا على القول بالأصل المثبت، و هو خلاف التحقيق.

فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار، فما كان منها مرتبا على عدم كون اللحم مذكّى- كعدم حليته، و عدم جواز الصّلاة فيه، و عدم طهارته و غير ذلك من الأحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات الّتي تكون التذكية شرطا في ثبوتها- يترتب عليه، فيقال الأصل عدم تعلق التذكية بهذا اللحم الّذي زهق روحه، فلا يحل أكله و لا الصّلاة فيه، و لا استعماله في ما يشترط بالطهارة، و أمّا الآثار المترتبة على كونه غير مذكّى- كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات كحرمة أكله أو نجاسته و تنجيس ملاقيه، و حرمة الانتفاع به، و بيعه أو استعماله في ساير الأشياء الغير المشروطة بالطهارة كسقى البساتين و إحراقه على القول بها و غير ذلك من الاحكام المتعلقة على عنوان الميتة أو غير مذكّى- فلا الخ.

و حاصل ما يفهم من كلامه هو أنّ استصحاب عدم التذكية لا يترتب عليه إلّا كل أثر يكون مترتبا على هذا العدم، و أمّا غير ذلك من الآثار المترتبة على الميتة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 40

فلا يترتب هذا الاثر بدعوى كون الميتة عبارة عن كل ما يكون فاقدا لشرائط التذكية أعنى: متصفا بهذا الوصف الوجودي، و بعبارة اخرى غير المذكّى هو ما لم يكن واجدا لشرائط التذكية

بنحو قضية المعدولة الّتي عبارة عن كل قضية تكون حرف السلب جزء للقضية، لا بنحو قضية المحصلة الّتي لم يكن حرف السلب جزء للقضية، فعلى هذا يكون غير المذكّى ما هو لم يكن واجدا لشرائط التذكية، و بناء على كون القضية معدولة فتكون الميتة ليس نفس غير المذكّى أعنى: أمرا عدميا، بل ما تكون متصفا بكونه غير واجد لشرائط التذكية، فلا يثبت باستصحاب عدم التذكية هذا الاتصاف إلا على القول بالأصول المثبتة.

[في قول المحقّق الهمداني فى التفكيك بين الآثار]

ثمّ بعد ما ادعى كون الميتة اللحم الفاقد لشرائط التذكية و عدم إثبات ذلك بصرف استصحاب عدم التذكية، ادعى أمرا اخر، و هو التفكيك بين الآثار في ما كان منها مترتبا على عدم كون اللحم مذكّى كعدم حلية و عدم جواز الصّلاة فيه و عدم طهارة و غير ذلك من الاحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات الّتي تكون التذكية شرطا في ثبوتها ترتب عليه، و أمّا الآثار المترتبة على كونه غير مذكّى كالاحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات كحرمة أكله أو نجاسة و تنجيس ملا فيه و حرمة الانتفاع به و بيعه أو استعماله في ساير الاشياء الغير المشروطة بالطهارة كسقى البساتين و احراقه على القول بها و غير ذلك من الاحكام المتعلقة على عنوان الميتة أو غير مذكّى فلا.

هذا ما يظهر من كلامه و بينا مراده على ما ينادي به كلامه، و في كلامه ما لا يخفي من النظر أمّا ما قال رحمه اللّه من كون الميتة عبارة عن غير المذكى أى: اللحم الفاقد لشرائط التذكية بحيث يكون هذا الاتصاف دخيلا فيها، ففاسد لما قدمنا سابقا من

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 41

أنّ النسبة بين المذكّى و بين الميتة تكون العدم و الوجود، فغير

المذكى هو الميتة، إذ كل حيوان زهق روحه بهذا النحو الخاص يكون مذكّى و في قباله كل حيوان لم يزهق روحه بهذا النحو فهو ميتة، فالميتة هو غير المذكّى، و لا يعتبر في كونه ميتة إلّا عدم كون زهاق روحه بهذا السبب الخاص، فبعد عدم كون الميتة إلّا غير المذكى، و لم يكن في تحقق موضوعها حاجة إلى أزيد من عدم كون ورود التذكية عليه، فما لم يذك فهو الميتة، يظهر لك أنّ مجرد استصحاب عدم التذكية كاف في ترتب الآثار الثابتة لكونه ميتة، و ليس من قبيل الأصول المثبتة، فلا وجه لقياس ما نحن فيه بأصالة عدم صيرورة المرأة حائضا أو عدم كون ما تقذفه من الدم حيضا، و يقال كما لا يثبت بهذا الأصل كل أثر يكون مترتبا على كون الدم استحاضة، لكون موضوعه هو كل دم لم يكن حيضا بنحو الاتصاف أعنى: كون الموضوع هو اتصاف الدم بعدم كونه حيضا، فهكذا لا يثبت بأصالة عدم التذكية كل أثر يكون مترتبا على كون الحيوان ميتة.

[التفصيل الّذي ذكره المحقّق الهمداني رحمه اللّه باطل]

و من هنا يظهر أن التفكيك بين الآثار المترتبة على عدم كون اللحم مذكّى و بين الآثار المترتبة على كونه غير مذكّى، ممّا لا وجه له، لأنّه بعد كون الميتة غير مذكّى و عدم دخل شي ء اخر في كونه ميتة، فمجرد استصحاب عدم كونه مذكّى يحكم بكونه ميتة، و يترتب كل أثر يكون مترتبا على كونه غير مذكّى أو على كونه ميتة، فيحكم ترتب كل أثر يترتب على عدم كونه مذكّى من عدم حلية أكل لحمه و عدم جواز الصّلاة في جلده و لا استعماله في ما يشترط بالطهارة و كل أثر يترتب على كونه ميتة، فإن فرض

أنّ أثر كونه ميتة هو حرمة أكله أو نجاسته و تنجيس ملاقيه و حرمة الانتفاع به و غير ذلك، فلا فرق بعد اجراء استصحاب عدم التذكية بين

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 42

الآثار بعد ما أثبتنا من كون غير المذكى هو الميتة.

ثمّ إنّه لا معنى لما أفاده رحمه اللّه من التفكيك بين الآثار من إثبات كل أثر يترتب على عدم كون اللحم مذكّى كعدم حلية و عدم جواز الصّلاة فيه و عدم طهارته و غير ذلك من الاحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات الّتي تكون التذكية شرطا في ثبوتها باستصحاب عدم التذكية، فيقال الأصل عدم تعلق التذكية بهذا اللحم الّذي زهق روحه، فلا تحل أكله و لا الصّلاة فيه و لا استعماله في ما يشترط بالطهارة، و عدم ترتب كل أثر يكون مترتبا على كون الحيوان غير مذكّى بهذا الاستصحاب كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات كحرمة أكله نجاسته أو تنجيس ملاقيه و حرمة الانتفاع به إلى غير ذلك، لأنّه مع قطع النظر عما قلنا من أنّه بعد كون الميتة غير المذكّى، فلا يمكن التفكيك بين الآثار المترتبة على عدم كون اللحم مذكّى و بين الآثار المترتبة على كونه غير مذكّى كيف يمكن أن يقال: بعدم الحلية، و لا يقال بالحرمة، أو يقال: بعدم طهارته و لا يقال بنجاسته، لأنّ ما لا يحلّ أكله فيحرم أكله، و ما لا يكون طاهرا فهو نجس، فكيف يمكن الالتزام بعدم أحدهما و مع ذلك يحكم بعدم وجود ضده، فلو فرض كون أثر استصحاب عدم التذكية عدم حلية أكل لحم هذا الحيوان، فلا يجوز أكله، فما معنى ما يقول: بأنّا لا نحكم بحرمة أكل هذا اللحم، أو إذا ترتب على الاستصحاب

عدم كونه طاهرا فلا يترتب آثار النجاسة، فكيف يحكم بعدم طهارته و لا يحكم بنجاسته.

و إن أراد أنّ بهذا الاستصحاب لا يترتب إلّا عدم حلية أكل لحمه أو عدم طهارته، لا أن يترتب به حرمة أكله أو نجاسته، فنقول: يكفي صرف عدم الطهارة في ترتب آثار النجاسة، و صرف عدم جواز أكل لحمه في حرمة أكل هذا اللحم، و لا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 43

يلزم كون نفس الاثر هو النجاسة أو حرمة الاكل، فلا معنى للتفكيك بين الآثار الّتي ذكرها رحمه اللّه.

مضافا إلى أنّ آثار العدمية الّتي قال بترتبها، ليست منتزعة عن الآثار الوجودية، بل إن كان الحيوان مذكّى كان يحلّ أكل لحمه، و يكون طاهرا، و إذا لم يثبت التذكية و في مورد الشّك، كان مقتضى الاستصحاب عدم التذكية، فلا يترتب هذه الآثار الوجودية، فتأمّل.

ثمّ إنّه يمكن أن يقال: بأنّ نظره رحمه اللّه إلى قياس ما نحن فيه باستصحاب عدم كون الدم حيضا في انّه كما أنّ استصحاب عدم صيرورة المرأة حائضا، أو عدم ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، لا يثبت كون الدم استحاضة، لعدم إثبات كون الدم المرئي متصفا بكونه ليس بحيض بهذا الاستصحاب، لأنه إن أريد إثبات ذلك بهذا الاستصحاب فيكون مثبتا، و إن اريد إثبات ذلك باجراء الاستصحاب في نفس هذا الموضوع بأن يقال: الأصل عدم حدوث الدم المتصف بكونه غير دم الحيض، فليس له حالة سابقة، لأنّ الدم متى وجد وجد إما بوصف كونه حيضا أو استحاضة، فليس مجال، لأنّ يقال: الأصل عدم كون هذا الدم متصفا بكونه غير دم الحيض، لأنّه لم يكن زمان كان هذا الدم و قطع بكونه غير دم الحيض حتّى يستصحب كذلك يقال

فيما نحن فيه: بأن إثبات كون الحيوان متصفا بكونه غير مذكّى باستصحاب عدم التذكية لا يصح إلّا على القول بالأصل المثبت و إجراء الاستصحاب في نفس هذا الموضوع بأن يقال: الأصل عدم كون هذا الحيوان متصفا بكونه غير مذكّى لم يكن له حالة سابقة.

المسألة الثالثة [لا يجوز الصّلاة فى اجزاء ما لا يؤكل]

اشارة

: لا تجوز الصّلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه في ما عدى ما

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 44

استثنى، و هذا الحكم ممّا عليه الشهرة المحققة و الاجماعات المنقولة، و هذا الحكم من متفردات الامامية، و ليس عين و لا أثر في مذاهب العامة منه، و لم ينقل من أحدهم هذا الحكم.

[المسألة ممّا لا اشكال فيها بعد الشهرة و الاجماعات المنقولة]

فالمسألة بعد الشهرة المحققة و الاجماعات المنقولة في الجملة ممّا لا إشكال فيها و إن لم تكن الروايات الواردة في الباب في حدّ ذاتها، مع قطع النظر عن الشهرة، يكون فيها مقتضى الحجية، لعدم وجود خبر فيها يكون كل رواتها موثوقا بها إلّا رواية واحدة، و هي موثقة ابن بكير، و لا يضرّ ذلك في المسألة بعد ما عليها الشهرة المحققة لانجبار ضعف سند الروايت بهذه الشهرة، كما أنّ ما حكى عن صاحب المدارك رحمه اللّه من الاشكال في المسألة ممّا لا يعبأ به بعد ما بيّنا من كون المسألة بما لم ينقل فيها خلاف من أحد من الفقهاء رضوان اللّه عليهم إلى زمان صاحب المدارك، و هو يكون في أواخر قرن العاشر و أوائل قرن الحاد يعشر، و كون الحكم مشهورا عندهم إلى هذا الزمان، و منشأ إشكاله رحمه اللّه هو أنّه بعد ما يكون مختاره كون حجية خبر الواحد مخصوصا بما إذا كان كل من الروات الواقعة في طريق الخبر مذكّى بعدلين فرأي أنّ روايات الباب لم تكن كل روات منها مذكّى بعدلين، أشكل في الحكم.

و لكن بعد كون عمدة مدرك حجية خبر الواحد هو بناء العقلاء، بل إن كان دليل اخر من الآيات و الروايات يرجع إلى ذلك، فلا فرق في بنائهم بين ما يكون الراوي مذكّى بعدلين، و

بين ما تكون الشهرة على طبق الرواية، و كون بطانة الائمة عليهم السّلام و قدماء الفقهاء رضوان اللّه عليهم عاملا بمضمونها، فالعقلاء يأخذون بهذه الرواية، فلا إشكال في أصل الحكم في الجملة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 45

[في الروايات الواردة في بطلان الصّلاة في ما لا يؤكل]
اشارة

ثمّ بعد ذلك نذكر الروايات الواردة في الباب، و مقدار دلالتها، ثمّ بعض التفريعات الّتي تكون في المسألة، فنقول بعونه تعالى.

الرواية الاولى:

ما رواها ابن بكير (قال سئل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصّلاة حتّى يصلّي في غيره مما أحلّ اللّه أكله، ثمّ قال: يا زرارة هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكّي و قد ذكّاه الذبح، و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصّلاة في كل شي ء منه فاسد، ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه.) «1»

و هذه الرواية حسنة بإبراهيم بن هاشم، لأنّه في طريق الرواية، و موثقة بابن بكير للتصريح بوثاقته من أهل الرجال و إن كان فتحيا، و يظهر من وضع الرواية أنّ ابن بكير الراوي للرواية كان حاضرا في محضر أبي عبد اللّه عليه السّلام فسئل عمّه أعنى:

زرارة عنه عليه السّلام، و يأتي مقدار دلالتها على بعض خصوصيات المسألة في ضمن التفريعات، و على كل حال هذه الرواية أشمل روايات الباب لما نحن بصدده

الرواية الثانية:
اشارة

ما رواها إبراهيم بن محمد الهمداني (قال: كتبت إليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب: لا تجوز الصّلاة فيه.) «2»

______________________________

(1)- الرواية 1 من

الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 46

و هذه الرواية تدلّ على عدم جواز الصّلاة إذا كان وبر ممّا لا يؤكل لحمه على الثوب، و أنّه يصدق بصرف ذلك صلّى فيه إن كان ضمير (فيه) في قوله (لا تجوز الصّلاة فيه) راجعا إلى الوبر و الشعر في الرواية، و أمّا إن كان راجعا إلى الثوب في قوله (على ثوبي) فالمراد عدم جواز الصّلاة إذا كان في الثوب الوبر و الشعر، فيدلّ على هذا على عدم جواز الصّلاة إذا كان الوبر و شعر غير المأكول في الثوب، و أمّا إذا كان الوبر أو الشعر محمولا، لا أن يكون لباسا أو واقعا في اللباس فلا، و يأتي الكلام في ذلك إنشاء اللّه، هذا كله في بيان مقدار دلالة الرواية.

[في توجيه سند الرواية]

و أمّا سندها فمشوش، لأنّ سند الرواية هكذا على ما في تهذيب الشّيخ رحمه اللّه، لأنّه (روى باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن علي عن عمر بن يزيد عن إبراهيم بن محمد الهمداني) فعمر بن يزيد على هذا يروي عن إبراهيم، و الحال أنّه على وضع طبقات الرجال يكون عمر بن يزيد من الطبقة الخامسة و إبراهيم من الطبقة السابعة، فلا يمكن أن يروي من يكون متقدما بطبقتين عمّن يتأخر عنه بطبقتين.

و لكن يمكن توجيه ذلك بما يأتي بالنظر، و هو أنّ سند الرواية لم يكن بنحو المذكور- أعنى: محمد بن يحيى عن عمر بن علي عن عمر بن يزيد عن إبراهيم- بل كان بهذا النحو (محمد بن يحيى عن عمر بن علي بن عمر بن يزيد عن

إبراهيم بن محمد الهمداني) فكان عمر بن علي سبط عمر بن يزيد على هذا و بناء على ذلك بحسب الطبقة يروى عمر بن علي بن عمر بن يزيد عن إبراهيم، و لكن عمر بن علي مجهول، فمن هذا الحيث يكون الاشكال في الرواية، و بيت عمر بن يزيد و إن كان على ما تفحصنا من البيوت الّتي منها الروات، و لكن لم يعلم حال عمر بن علي بن عمر بن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 47

يزيد، و هو مجهول، فعلى هذا يكون الاشكال من هذا الحيث في الرواية.

و أمّا الاشكال فيها بكون الرواية مضمرة لأنّ إبراهيم قال (كتبت إليه) فلم يعلم أنّه ممّن يروي الرواية، فنقول: ان إبراهيم و بيته كانوا ساكنين في همدان، و لم يعلم أنّهم أهل الهمدان أو ساكنون فيها، و على كل حال كان هو و بعض اخر من بيته وكيلا من قبل الأئمة:، و هو يروي عن أبي الحسن الثالث- أعنى: علي النقي صلوات اللّه عليه- و سر اضمار الرواية هو أنّ أبا الحسن عليه السّلام كان في زمان المتوكل عليه اللعنة في سامراء، و مع قدرة بني العباس و ابتلائه عليه السّلام و ابتلاء الشيعة بهم، كانوا يعبّرون منه عليه السّلام بغير اسمه، فبعد ذلك يظن الشخص بأنّ إبراهيم يروي عنه عليه السّلام، فعلى هذا لا إشكال في سند الرواية إلّا من حيث ما قلنا من كون عمر بن علي مجهولا، و مما مر من سند الرواية يظهر لك أنّ ما في الوسائل في مقام ذكر سند هذه الرواية (محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمرو بن محمد الهمداني) غير صحيح، لما قلنا من

أنّ سند الرواية على ما في التهذيب هو (عمر بن علي عن عمر بن يزيد) أو على ما قلنا من التوجيه (عمر بن علي بن عمر بن يزيد) يكون في الطريق، فافهم. «1»

الرواية الثالثة:

ما رواها الشيخ رحمه اللّه عن رجل عن أيوب بن نوح عن الحسن بن علي الوشاء (قال: كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يكره الصّلاة في وبر كل شي ء

______________________________

(1)- لا يخفى أنّ إشكاله قدس سره الشريف بما في التهذيب و الوسائل مربوط بقبل تصحيحها، و الآن كلاهما مصححة كما احتمله قدس سره الشريف، فارجع جامع أحاديث الشيعة جلد 4 ص 297 ح 10.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 48

لا يؤكل لحمه.) «1»

و في سندها إشكال من حيث إنّ الشّيخ رحمه اللّه روى عن رجل عن أيوب بن نوح، و لا يعلم من هذا الرجل مضافا إلى أنّ الحسن بن علي الوشاء لم يرو الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، بل يقول كان أبو عبد اللّه عليه السّلام، و ظاهره عدمه سماعة منه عليه السّلام فهو يخبر عن فعله عليه السّلام.

الرواية الرابعة:

ما رواها الصّدوق في العلل عن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد اللّه عن محمد بن إسماعيل باسناد يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا تجوز الصّلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه، لأنّ أكثرها مسوخ.) «2»

و هذه الرواية مرفوعة، لأنّ محمد بن إسماعيل باسناده يرفع إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، و تدلّ الرواية على بطلان الصّلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه، و علل فيها عدم الجواز بكون أكثر ما لا يؤكل لحمه من المسوخ.

هذا كلّه في ذكر روايات الدالة على عدم الجواز في ما لا يؤكل لحمه بنحو العموم، لأنّ في كلها نفي جواز الصّلاة في مطلق ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات، و في المقام بعض روايات اخر تدلّ على عدم الجواز

في خصوص بعض أفراد من الحيوانات الّتي كانت غير مأكول اللحم.

منها ما ورد في عدم جواز الصّلاة في جلود السباع فارجع إلى الباب 5 و 6 من أبواب لباس المصلّي من الوسائل، فإنّ فيهما ما يدلّ على ذلك، مثل الرواية 3 من

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 49

الباب 5، و رواية 1 و 4 من الباب 6.

و منها ما ورد من النهي عن الصّلاة في جلود الثعالب مثل الرواية 6 من الباب 7 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

[تفريعات المسألة]
اشارة

و على كل حال أصل المسألة في الجملة مسلم، و لا إشكال فيه، و انّما الكلام في بعض تفريعات المسألة، فلا بدّ من التعرض لها إن شاء اللّه، فنقول:

الفرع الأول [هل الحكم مخصوص بما اذا كان ما لا يؤكل لباسا او لا]

: هل يكون عدم جواز الصّلاة في ما لا يؤكل لحمه مخصوصا بما يكون لباسا، أو يعمّ لما إذا لم يكن لباسا، بل يكون أجزاء ما لا يؤكل لحمه ملصقا بثياب المصلي، أو يعمّ لما إذا كان مع المصلي و إن لم يكن ملصقا بثوب من ثيابه حال الصّلاة، بل كان محمولا له حال الصّلاة؟

ينسب إلى المشهور عدم اختصاص الحكم بخصوص ما إذا كان لباسا، بل عموم المنع للباس و غيره، و حكي عن الشهيدين و بعض اخر منهم صاحب المدارك رحمه اللّه القطع باختصاص المنع بالملابس.

و منشأ الاشكال في المسألة هو أن ظاهر الروايات النهي عن الصّلاة في غير المأكول بتعبير (في) كما ترى أن في موثقة أبي بكير قال عليه السّلام في مقام نقل إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جملة كلامه (فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد لا تقبل تلك الصّلاة الخ) و قال عليه السّلام في ذيله (يا زرارة فإن كان يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكّي و قد ذكّاه الذبح، و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصّلاة في كل شي ء منه فاسد، ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه.

و لا يصدق كون الصّلاة في وبره و شعره الّا إذا كان لباسا، لأنّه إذا

كان الوبر

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 50

أو الشعر أو الجلد من غير المأكول لباسا يصدق ظرفا، و يقال: إنّه صلّى في جلد ما لا يؤكل لحمه أو وبره أو شعره، و أمّا إذا لم يكن لباسا فلا يصدق كون الصّلاة فيه، لأنّ (في) تفيد الظرفية، و لا تصدق الظرفية إلا في خصوص ما إذا كان لباسا.

قد يقال في جواب هذا الاشكال و عدم اختصاص المنع بخصوص ما إذا كان اللباس ممّا لا يؤكل لحمه: بأنّ في الرواية الثانية المتقدمة، و هي رواية إبراهيم بن محمد الهمداني مع فرض السائل سقوط الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه على ثوبه، و ظاهر ذلك عدم كون الوبر و الشعر لباسا له كتب عليه السّلام في جوابه (لا تجوز الصّلاة فيه) فتدل الرواية على عدم اختصاص المنع بكون ما لا يؤكل لباسا للمصلي.

و لكن أوّلا دلالة الرواية على ما إذا كان الوبر و الشعر واقعا على اللباس و واقعا عليه ظاهر، و أمّا شموله لما إذا كان محمولا فمشكل، و ثانيا بأنّ الاشكال كما قدمنا في حجية الرواية لما قلنا من الاشكال في سندها.

إذا عرفت منشأ الاشكال نقول: بأنّ اختصاص المنع بخصوص الملابس ممّا لا وجه له لصراحة موثقة ابن بكير المتقدمة على خلافه، حيث إنّ في هذه الموثقة عدّ بعض أمور ممّا لا يؤكل لحمه ممّا لا يمكن جعل اللباس منه أصلا، و عطف على قوله (في وبره) في الفقرة الاولى و هو البول و الروث لقوله (فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد الخ) و في الفقرة الثانية عطف الألبان، فإنّه عليه السّلام قال (فان كان

ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز الخ) فيكون المراد من الفقرتين باعتبار و او العطف عدم جواز الصلاة في وبره و في شعره و في بوله و في روثه في الفقرة الاولى، و جواز الصّلاة في وبر ما يؤكل لحمه و في بوله و في شعره و في روثه و في ألبانه في الفقرة الثانية، فمن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 51

المسلّم أنّ ظاهر الرواية عدم جواز الصّلاة في بول ما لا يؤكل لحمه، و في روثه و في ألبانه و الحال أنّه لا يمكن حمل (في) فى هذه الامور على الظرفية، لأنّ هذه الامور ليست ظرفا للصّلاة، و لا يصدق عرفا أنّ الصّلاة فيها.

فمن هنا نكشف أنّه لا بد لنا من التصرف في معنى (في) و عدم إمكان اختصاص المنع بخصوص الملابس بقرينة (في) لأنّه منع في الرواية من الصّلاة في بول ما لا يؤكل لحمه و في روثه، و الحال انّه لا يمكن جعل اللباس منهما أصلا، بل ليس البول و الروث و اللبن جزء للحيوان فعلا، لأنّها حصلت من المشروبات و المأكولات الّتي شربها و أكلها الحيوان، و لم تصر جزء له، بل كانت قابلة لصيرورتها جزء له، و لكن بعد صيرورتها بولا و روثا و لبنا لم تصر جزء له.

فعلى هذا نقول: نفهم من المنع من هذه الامور، و إطلاق عدم جواز فيها، كما يستفاد من حرف العطف، بأنّ لفظ (في) ليست قرينة على كون الممنوع خصوص الملابس، بل يعمّ غيرها، غاية الامر لا بدّ من حمل (في) الوارد في الرواية الداخلة على الوبر و أخواته على محمل

و معنى اخر، لعدم إمكان حملها على الظرفية على ما استشكل، لعدم الصدق عند العرف على كون الوبر الواقع على اللباس أو البول المطروح عليه، أو الروث أو اللبن أو إذا كانت محمولا للشخص في الصّلاة أنّها ظرف للصّلاة.

[ذكر كلام الوحيد البهبهاني]

و إذا بلغ الامر هنا نقول: ينسب إلى الوحيد البهبهانى رحمه اللّه أنّه قال: بان لفظ (في) الداخل على المذكورات في رواية ابن بكير يكون بمعنى المعية، و على هذا لا يبقى إشكال، لأنّ صرف كون هذه الامور مع الشخص في الصّلاة، كاف في فساد الصّلاة و النهي في الرواية عن كون هذه الامور مع المصلي حال الصّلاة، ثمّ قال: و لا مجال

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 52

لأنّ يقال: إنّه يمكن في المقام الاضمار، و إبقاء (في) في معناها الحقيقي، بأن يقال: يكون المراد من قوله مثلا فالصّلاة في وبره و شعره الخ الصّلاة في ثوب يكون فيه وبره أو شعره الخ و بعد إضمار الثوب يمكن حفظ الظرفية في لفظ (في) لصدق الظرفية في اللباس، فيقال: صلّى أو يصلّي مثلا في ثوب الكذائي، لأنه قد ثبت في الاصول في تعارض الاحوال بأنّه إذا دار الأمر بين المجاز و الإضمار، فالمجاز مقدم، ففي المقام بعد عدم إمكان حمل حفظ (في) على ظاهره، فيدور الامر بين حمله على المعية مجازا، و بين الاضمار أعنى: إضمار الثوب، و الأوّل أولى.

و اعلم أنّ هنا احتمالا اخر و هو أن يقال: إنا نرى بأنّ العرف كما يصحون إطلاق لفظ (في) في المكان مثلا يقولون زيد في المكان الكذائي باعتبار كون هذا المكان ظرف وقوفه فيه، كذلك يطلقون لفظ (في) فى معناها الحقيقى أعنى: الظرفية إذا كان الشخص لابسا لثوب،

فيقولون هو في الثوب الكذائي، مثلا في ردائه أو في قميصه، و الوجه في هذا الحمل و إطلاقهم بعد المراجعة إلى فهم العرفي، هو أن كل شي ء يكون فيه جهة إحاطة بشي ء اخر و يكون محيطا به، يقال بالمحاط: بأنّه فيه باعتبار إحاطة ما أحاطه به له، و حيث إنّ الشخص مستور في لباسه و اللباس محيط به، فيقال: بأنّه فيه أو أنّ صلاته فيه، أو ركب مثلا في ثوب كذا، أو صلّى في ثوب كذا باعتبار جهة الاحاطة الّتي لهذا الثوب بالشخص.

فإذا كان ميزان إطلاقهم لفظة (في) في مثل هذه الموارد بهذا الاعتبار، يقال:

بأنّ كلّ ما يكون على اللباس من الوبر و الشعر، فهو أيضا محيط بالشخص.

لا تقل: إن شعرة أو وبرة ليست لها إحاطة، لأنّه يقال: إنها أيضا محيطة غاية الأمر إحاطتها أقل بالنسبة إلى ما تكون إحاطته اكثر من ذلك، و لكن في كلها

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 53

يصدق أنها محيط بالشخص.

فعلى هذا يمكن إبقاء (في) في الظرفية، و مع ذلك يقال بعدم اختصاص المنع بالملابس بهذا الوجه.

و لكن هذا الوجه غير وجيه، لأنّ الالتزام بكون الاحاطة صادقة حتى فيما سقط شعرة واحدة أو وبر واحد على الثوب، أو في ما وقع على ثوب المصلي قطرة واحدة من بول ما لا يؤكل لحمه، أو ذرة من روثه، أو من لبنه، مشكل لعدم احاطة للرطوبة على الشخص حتّى تصدق الظرفية، فالأنسب بعد عدم إمكان حمل (في) على الظرفية هو حملها على المعية، و يكون المراد على هذا فساد الصّلاة إذا كان معه أجزاء ما لا يؤكل لحمه و نتيجة ذلك هو مانعية أجزاء ما لا يؤكل لحمه، سواء كان الجزء لباسا حال

الصّلاة، أو واقعا على اللباس، أو كان محمولا حال الصّلاة، مثل أن يكون في جيبيه حال الصّلاة، فافهم.

الفرع الثاني [الانسان خارج حكما من غير المأكول اللحم]
اشارة

: يعدّ من أفراد حيوانات غير مأكول اللحم الانسان لعدم حلية أكل لحمه، فيقع الكلام في فساد الصّلاة مع أجزاء الانسان كشعره و ريقه و غير ذلك، و الكلام فيه تارة يقع في ما إذا يكون شخص المصلّي حال الصّلاة مصاحبا لبعض أجزاء نفسه، مثل أن سقط شعر من رأسه على ثوبه أو ريقه على ثوبه، و تارة في ما إذا كان إنسان اخر مصاحبا لبعض أجزاء إنسان اخر مثل ما سقط شعر شخص اخر على ثوبه، فيقع الكلام في صحة صلاته معه، و منشأ فساد الصّلاة ليس إلّا توهم شمول إطلاقات أخبار الدالة على المنع في أجزاء غير المأكول له، لأنّه من أفراد غير مأكول اللحم من الحيوانات.

[في الروايات الدالّة على جواز الصّلاة في شعر الانسان و أظفاره]

وجه عدم فساد الصّلاة في أجزاء الانسان على ما قد يقال هو ما رواها محمد

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 54

بن علي بن الحسين باسناده عن علي بن الريان بن الصلت (أنه سئل أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يأخذ من شعره و أظفاره ثم، يقوم إلى الصّلاة من غير أن ينفضه من ثوبه، فقال: لا بأس «1»

ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن الريان (قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام: هل تجوز الصّلاة في ثوب يكون فيه شعر الانسان و أظفاره من قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟ فوقّع: يجوز.) «2»

فالرواية الاولى تدلّ على جواز الصّلاة الانسان في شعر نفسه و أظفاره، و الثانية على جواز الصّلاة في شعر غير نفسه، فيجوز صلاة الشخص و إن كان معه بعض أجزاء غيره من اجزاء الانسان.

و لكن يحتمل كون الروايتين رواية واحدة، لأنّ سند كل منهما تنتهي

إلى شخص واحد، و هو علي بن الريان، و وقع الاختلاف في المتن من قبل بعض الناقلين منه، فقدر المسلم من الروايتين جواز صلاة الشخص في أجزاء المأخوذة من نفسه، مثل شعره و أظفاره، فلا تصير الرواية دليلا لجواز الصّلاة في الشعر و الظفر من غير نفسه. «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 18 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 18 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- أقول: كما قلت بجنابه مدّ ظلّه لا مانع من كونهما روايتين و إن كان الراوي واحدا و أنّ علي بن الريان سئل تارة عن حكم أجزاء نفس الشخص في الصّلاة، و تارة عن أجزاء غير نفسه، كما أنّ كون أحد الروايتين مكاتبة، و الآخر منه بلفظة (سئل) الظاهر في كون سؤاله شفاها لا مكاتبة، مؤيدا لكون كل من الروايتين رواية مستقلة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 55

و على كل حال إن قلنا بكونهما روايتين فتدلان على جواز الصّلاة في أجزاء الانسان، و إن لم يكن كل منها رواية مستقلة، فنقول: إنّه بعد كون المتعارف كون الشخص غالبا مصاحبا لبعض أجزاء نفسه، مثل شعره أو ريقه أو غير ذلك، فكذلك مصاحبا لبعض فضلات غير نفسه، مثل الامهات لأنّهنّ لكثرة ابتلائهم بالأطفال الرضيع لم يكن خالية عن بعض فضلاتهم، بل و كذلك في الزوج و الزوجة فإنّهما أيضا كثيرا ما مبتليان ببعض فضلات الآخر، مضافا إلى أنّ الانسان ليس بمثابة ساير أفراد الحيوانات حتّى يدعي شمول كل الإطلاقات الواردة في طرو حكم للحيوان له، فيمكن دعوى انصراف الاطلاقات الواردة عنه.

فلنا في المقام مع قطع النظر عن رواية علي بن الريان، السيرة على عدم الاحتزاز حال الصّلاة عن

فضلات الانسان، مثل شعره و ظفره، و انصراف إطلاقات الواردة في الباب عنه، و عدم شهرة على عدم الجواز الّتي هي من أدلة المسألة إن لم تكن الشهرة على الجواز، فعلى هذا الأقوى جواز الصّلاة في أجزاء الانسان، و عدم كون أجزائه محكوما بحكم غير المأكول اللحم من الحيوانات.

الفرع الثالث:
اشارة

هل المنع من الصّلاة في غير المأكول مخصوص بما تتمّ الصّلاة فيه من الملابس أو يعمّ ذلك و ما لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا؟ منشأ توهّم جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا من غير المأكول:

أوّلا: ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن سعد عن موسى بن الحسن عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: كل ما لا تجوز الصّلاة فيه واحده فلا بأس بالصّلاة فيه، مثل التكة الإبريسم، و القلنسوة،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 56

و الخف، و الزنار يكون في السراويل و يصلّي فيه.) «1»

تدلّ الرواية على أنّ كل ما لا تتمّ الصّلاة فيه يجوز فيه الصّلاة، و عمومه يشمل لأجزاء غير المأكول إذا كانت بحيث لا تتمّ الصّلاة فيها، و في ذيل الرواية و إن مثّل بالتكة الإبريسم، و لكن هذا لا يصير سببا لانحصار الجواز بما لا تتمّ الصّلاة فيه من الابريسم، لكون ذلك من باب المثال، كما صرح في الرواية أولا، و لكون الخف مذكورا فيها هو يصنع من الجلود ثانيا، فلا انحصار لخصوص الإبريسم إذا لا تتمّ فيه الصّلاة، بل يعم غيره و منه غير المأكول.

[الرواية لا يمكن العمل بها لضعف سندها بأحمد بن هلال]

و لكن لا يمكن الأخذ بالرواية لضعف سندها بأحمد بن هلال، لعدم توثيقه في الرجال مضافا إلى أنّه هو الّذي ورد التوقيع من ناحية علي بن محمد النقي عليه السّلام بذمه بقوله (احذروا الصوفي المتصنع أحمد «2» بن هلال).

و ثانيا: ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عبد الجبار (قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام أسأله: هل يصلّي في قلنسوة عليها

وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير محض، أو تكة من وبر الارانب؟ فكتب: لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّا حلّت الصّلاة فيه). «3»

تدلّ الرواية على جواز الصّلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه إن كان ذكيّا و الاستشهاد عليها بأن يقال: إنّه بعد عدم القول بالفصل بين المذكّى و غير المذكّى في ما لا تتمّ فيه الصّلاة، فمن قال بجواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من غير المأكول

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الاحتجاج ج 2 ص 29.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 57

فلا يفرق بين كونه مذكّى أو غير مذكّى، و كذا من قال بعدم الجواز لا يفرق بين المذكى منه و غير المذكّى منه، فبعد دلالة الرواية على جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة إن كان ذكيّا نفهم الجواز في غير المذكّى من غير المأكول ممّا لا تتمّ فيه لعدم القول بالفصل.

[في ذكر مدرك فتوى الشيخ رحمه اللّه]

و يحتمل أن يكون نظر الشّيخ رحمه اللّه كما نقل من محكى المختلف «1» كما نقل عن المبسوط «2» بجواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من غير المأكول، و وجه فتواه رحمه اللّه هاتان الروايتان، و على هذا لا يرد عليه أنّ كلامه قياس بتوهم أنّ قوله المنقول منه بأنّه قد ثبت للتكة و القلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصّلاة فيهما و ان كانا نجسين، أو من حرير محض، فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب و غيرها انتهي- يكون قياسا، لأنّه قال: كما تجوز الصّلاة في غير ما

تتمّ فيه الصّلاة إذا كان نجسا أو من حرير محض، فكذلك إذا كان من غير المأكول.

وجه عدم ورود الايراد عليه أن يقال: يحتمل أن يكون مدرك فتواه الروايتين المتقدمتين- أعنى: رواية الحلبى و رواية عبد الجبار- فإن كان ملاك كلامه هذا، فلا يرد عليه بأنك قست، و ليس في مذهبنا القياس.

و أمّا ما قال الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه في مصباح الفقيه «3» في مقام رفع هذا الاشكال عن الشّيخ رحمه اللّه- بأن مرجع كلام الشّيخ رحمه اللّه إلى ادعاء استكشاف مراد الشارع في خصوص المورد من الاستقراء في النواهي الشرعية المطلقة الواردة في

______________________________

(1)- مختلف الشيعة ج 2 ص 80.

(2)- مبسوط ج 1 ص 82.

(3)- مصباح الفقيه، ج 10، ص 235.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 58

الحرير، و أبواب النجاسات على كثرتها، حيث علم في تلك الموارد بقرينة منفصلة أنّ مراده بما يصلّي فيه ما عدى مثل التكة و أشباهها، فيكشف ذلك عن كون ذلك متعارفا في محاوراته- فليس في محله، و لا يرفع به الاشكال عن كلام الشّيخ رحمه اللّه لعدم تصحيح كلامه بذلك، حيث إنّ صرف جواز الصّلاة في ما لا تتمّ الصّلاة فيه من النجاسات أو الحرير لا يكفي في الاستقراء و استكشاف كون ما هو المحكوم بحكم من قبل الشارع من الألبسة هو خصوص ما تتمّ الصّلاة فيه واحده، هذا.

و على كل حال ما يمكن أن يكون وجها لجواز الصّلاة في غير المأكول إذا كان مما لا تتمّ الصّلاة فيه الروايتان المتقدمتان، و في قبال ذلك ما يدلّ على عدم جواز الصّلاة حتّى في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من غير المأكول.

[في دلالة رواية ابن بكير على عدم جواز الصّلاة فيما لا تتم فيه الصّلاة ممّا لا يؤكل لحمه]

و هو أوّلا موثقة ابن بكير المتقدمة فهي

لاشتمالها على ما لا يمكن جعل اللباس منه كالبول و الروث، قلنا: بلابدية حمل الرواية على عدم جواز معية ما لا يؤكل لحمه مع المصلّي، فالرواية نص في عدم جواز معية الصّلاة مع ما لا يؤكل لحمه، سواء كان لباسا أو غير لباس، و سواء كان ممّا تتمّ فيه الصّلاة مستقلا أو ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة مستقلا.

و ثانيا ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن علي بن مهزيار (قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصّلاة في وبر الارانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب عليه السّلام: لا تجوز الصّلاة فيها، و نقل أيضا باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن بنان بن محمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن أحمد بن إسحاق الابهري قال؟ كتب إليه، و ذكر مثله.) «1»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 59

و هذه الرواية صريحة في عدم جواز الصّلاة في مثل الجوارب و التكك من وبر الأرانب، و الحال انهما ممّا لا تتمّ فيهما الصّلاة مستقلا.

[الحقّ عدم جواز الصّلاة في ما لا يؤكل لحمه مطلقا]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ الحق عدم جواز الصّلاة في غير المأكول و إن كان مما لا تتمّ فيه الصّلاة مستقلا لصراحة رواية علي بن مهزيار و موثقة ابن بكير على عدم الجواز.

و لا تصلح روايتان المتقدمتان أعنى: رواية الحلبي و رواية محمد بن عبد الجبار- للمعارضة معهما.

أمّا أوّلا، فلأنّ رواية الحلبى في ذاتها ليس فيه مقتضى الحجية، لأنّ الرواية ضعيفة بأحمد بن هلال، لعدم تصريح بوثاقته من أهل الرجال، مضافا إلى ورود التوقيع من ناحية علي بن محمد النقي عليه

السّلام بذمه، و هو قوله عليه السّلام (احذروا الصوفي المتصنع أحمد بن هلال) و لما في رواية عبد الجبار من الاشكال، لدلالتها على جواز الصّلاة في غير المأكول إن كان ذكيا.

و ثانيا مع قطع النظر عن ذلك يكون التعارض بين رواية الحلبى و محمد بن عبد الجبار، و بين موثقة ابن بكير و رواية علي بن مهزيار بالتباين، لا بالإطلاق و التقييد، لأنّ مفاد رواية الحلبي و بن عبد الجبار على تقدير الغمض عن الاشكال فيهما يكون ظاهرا في الجواز، و رواية ابن بكير بعد ما قلنا في بيان مفاده أيضا ظاهر، بل صريح في عدم الجواز حتّى في ما لا تتمّ فيه الصّلاة، لا أن يكون شمولها لما لا تتمّ فيه الصّلاة بالإطلاق، حتّى يمكن أن يقال بتقييدها بالروايتين، و رواية علي بن مهزيار أيضا نص في عدم الجواز.

[المرجح لرواية ابن بكير]

فعلى هذا يكون التعارض بين الطائفتين بالتباين، فلا يمكن الجمع الدلالى

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 60

بينهما، و يقع بينهما التعارض، فمقتضى القاعدة هو ترجيح أحد الطائفتين إن كانت لها ترجيح، و في المقام يكون الترجيح للطائفة الثانية- أعنى: لموثقة ابن بكير و رواية علي بن مهزيار- فعلى هذا الحقّ هو عدم جواز الصّلاة حتّى في ما لا تتمّ فيه من غير المأكول.

الفرع الرابع: [لا فرق فى الحيوان الغير المأكول]

: هل يكون في غير المأكول الّذي تكون الصّلاة فيه فاسدة خصوصية من حيث أنواع الحيوانات أولا؟

و من جملة هذه الخصوصيات خصوصية كون الغير المأكول الّذي نهي عن الصّلاة فيه ذي النفس السائلة، فيقع الكلام في انّه هل يعتبر كونه من خصوص ذي النفس من غير المأكول أو يعم ذي النفس و غيره؟

و كذلك هل يعتبر أن يكون ممّا له اللحم أولا؟

و كذلك هل يعتبر أن يكون هذا الحيوان الغير المأكول ممّا يقبل التذكية، أو لا فرق بين ما يقبل التذكية و ما لا يقبلها؟

منشأ دخالة بعض الخصوصيات في مانعية غير المأكول و فساد الصّلاة فيه هو توهّم دلالة موثقة ابن بكير على اعتبار بعض الخصوصيات، لأنّه قال فيها (إن الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه الخ) فيستفاد من هذه الفقرة أنّ موضوع الكلام في غير مأكول اللحم، هو كل حيوان يكون فيه الوبر و الشعر و الجلد الخ بمناسبة قوله (فالصّلاة في وبره و شعره و جلده الخ) فهذه الفقرة تدلّ على أنّ موضوع كلامه عليه السّلام في غير المأكول هو بعض الأفراد منه الذي يكون فيه هذه الخصوصيات.

فإن قلنا: بدلالة هذه الفقرة أو إشعارها على ذلك، فلازمه اختصاص

المنع

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 61

بخصوص ما لا يؤكل من الحيوان إذا كان له الوبر و الشعر الخ، فما لم يكن فيه من الخصوصيات، فلا يمنع من الصّلاة فيه.

و كذلك بعد قوله في الموثقة (فاحفظ ذلك يا زرارة و إن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة الخ) يقال باعتبار كون المنع عن خصوص ما يكون له اللحم لقوله (و إن كان ممّا يؤكل لحمه) ففي قباله، و هو ما يمنع من الصّلاة فيه هو ما لا يؤكل لحمه، فتدلّ الرواية على دخالة كون اللحم له، فعلى هذا إن كان حيوان لم يكن له اللحم أصلا، فغير داخل في الحكم.

و كذلك بعد قوله في الموثقة (إذا علمت انّه ذكىّ قد ذكّاه الذبح و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصّلاة في كل شي ء منه فاسد ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه) فهذه الفقرة مشعرة على ان الموضوع هو الحيوان الّذي قابل للتذكية، فكل حيوان لم يكن قابلا للتذكية، فهو خارج عن الحكم.

و لكن لا وجه لاختصاص الحكم بهذه الخصوصيات، و دعوى عدم شمول المنع لما لم يكن فيه هذه الخصوصيات أمّا أوّلا فلأنّ قوله (فالصّلاة في وبره و شعره الخ) ليس معناه اختصاص المنع بكل حيوان يكون فيه الوبر و الشعر و غيره، لأنّ الظاهر كون الميزان هو كون الحيوان غير المأكول، كما ينادى بذلك الفقرة الّتي نقل عليه السّلام عن إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما أنّ اعتبار دخالة كون اللحم للحيوان أيضا غير صحيح، لأنّا نرى الجراد ليس له اللحم و لكن يكون من الحيوانات المأكول، فمقابل المأكول- أعنى: غير المأكول- يكون

مثله، فلا يلزم هذا الشرط أيضا.

و هكذا لا يعتبر كون الحيوان ممّا يقبل التذكية و قوله (انّه ذكّى قد ذكّاه الذبح) أو قوله (ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه) يمكن أن يكون لأجل دفع توهّم أنّ منشأ المنع ليس

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 62

كون الحيوان مذكّى أو غير مذكّى، بل صرف كون الحيوان مأكول اللحم أو عدمه يكفى لا لبيان ذكر كون المنع مخصوصا بما يقبل التذكية، و إلّا فيقال لخصوصية ذكر الذبح: باعتبار كونه ممّا يقبل الذبح، و الحال أنّ ذلك غير ممكن الالتزام، كما أنّ خصوصية كون الحيوان ممّا يكون له نفس سائلة، و كون المنع منحصرا بهذه الصورة، مما لا وجه له، لأنّه على ما عرفت من عدم دخالة كون الحيوان ممّا يقبل التذكية، يظهر لك عدم اعتبار كون الحيوان ذى النفس.

نعم، في بعض أفراد الحيوانات يمكن دعوى انصراف الاطلاقات الدالة على المنع منها، بل السيرة على عدم الاجتناب عنه في الصّلاة لعدم خلو نوع الناس منه كالقمل و البراغيث و البق، بل يمكن أن يكون من هذا القبيل في كون الأدلة منصرفة عنه النحل، فلا يجب الاجتناب عن فضلاته في الصّلاة، و عدم كون المنع من غير المأكول من الحيوان في الصّلاة شاملا له.

الفرع الخامس [استثناء بعض الحيوانات من عموم المنع مثل الخز]
اشارة

: في ما استثنى من عموم ما دلّ على المنع عن الصّلاة في غير المأكول، و الكلام فيه يقع في طي أمور:

الامر الأول:
اشارة

ممّا قيل باستثنائه عن عموم المنع الخزّ، و جواز الصّلاة في وبر الخزّ مسلّم لم ينقل الخلاف فيه، و أمّا في جلده ففيه قولان و ادعى الشهرة على جواز الصّلاة في جلده كوبره أيضا، و الكلام في المقام تارة يقع في موضوع الخز لغة، و تارة فيما يستفاد من روايات الباب في موضوعه و حكمه.

[المقام الأول: في ذكر قول اللغويين فى الخز]

أمّا الكلام في المقام الأول، و المهم هذا، فننقل كلام اللغويّين حتّى يظهر لك اختلافهم في موضوعه.

فنقول: قال في لسان العرب في المجلد 7 في ص 211: الخز ولد الأرنب،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 63

و قيل: هو الذكر من الأرانب، و الجمع أخزّة و خزّان، و أرض مخزّه كثيرة الخزّان، و الخزّ معروف من الثياب مشتق منه، عربي صحيح، و هو من الجواهر الموصوف بها، حكى سيبويه: مررت بسرج خز، و الجمع الخزوز، و منه قول بعضهم: فإذا أعرابي يرفل في الخزوز، و بايعه خزّاز و في حديث علي عليه السّلام نهي عن ركوب الخزّ و الجلوس عليه.

قال ابن الأثير: الخز المعروف أوّلا ثياب تنسج من صوف و أبريسم و هي مباحة، قال: و قد لبسته الصحابة و التابعون، فيكون النهي عنها لأجل التشبه بالعجم و زيّ المترفين، قال و إن اريد بالخز النوع الآخر، و هو المعروف الآن، فهو حرام لأنه كلّه معمول من الإبريسم، قال: و عليه يحمل الحديث الآخر: قوم يستحلون الخز و الحرير.

و يظهر من كلامه أنّ الخز و هو نوع من الثياب مشتق من الخزز يعني ولد الأرانب، و يظهر من كلام ابن اثير، على ما حكى عنه في طي كلامه، بأنّ المعروف أوّلا الخز هو ثياب تنسج من صوف و أبريسم، و في زمانه

هو كلّه معمول من الإبريسم.

و قال في ترجمة القاموس ص 408 خزاز جامه ها بفتح أول معروف است و جمع ان خزوز و بر وزن سرور مى آيد، مترجم گويد: كه خز جانورى است مانند سمور كه از پوست ان پوستين و غير ان ساخته ميشود، و ممكن است مراد از جامه خز همين باشد، يا آنكه از موى ان جامه مى بافند، يا آنكه خز جامۀ ابريشمين را مى گويند، و خز زبر وزن صرد نر خر گوشت ها است، و جمع ان خزّان و أخزه مى آيد، و جاى خرگوشها مخزّه بفتح ميم است، و از اين اشتقاق شده خز، و ان حيوانى شبيه به نر خرگوش است و از پوست ان پوستين ميسازند كه مذكور شد.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 64

و قال في المنجد في طى معانى الخز- الخز الحرير، و ما نسج من صوف و حرير جمع خزوز و الخزز ذكر الأرانب جمع خزّان و أخزّة، و الخزاز بايع الخزّ.

و قال في صراح: خز معروف و خار بر سر ديوار نهادن و به نيزه و تير دوختن خزز با لضم خرگوش نر جمع خزان مثل صرد و صردان.

و قال في منتهي الارب ص 214 من المجلد الأول: خز بالفتح جانورى است و جامه از پشم ان، جمع خزوز خزز كصرد خرگوش نر، جمع خزان و أخزه قال فى مجمع البحرين، ص 297 خزز تكرر فى الحديث ذكر الخز هو بتشديد الزاء دابة من دواب الماء تمشى على أربع تشبه الثعلب و ترعى من البرّ و تنزل البحر لها و بر يعمل منه الثياب.

فترى أن الظاهر من كلماتهم هو أن الخز إما اسم لثوب تنسج من صوف و

أبريسم، أو يعمل من أبريسم، أو هو حيوان كما يظهر من كلام منتهي الارب المتقدم ذكره و مجمع البحرين، و على كل حال إمّا هو اسم لحيوان يؤخذ منه بعض الثياب، و إما اسم لنفس الثياب المتخذ من صوف و أبريسم، أو هو نفس الحرير، و ليس في كلامهم ما يدل على كون معناه صوف حيوان بحري إلّا ما في كلام المصباح، فهو قال: الخز اسم دابة. قال ابن فرشته في شرح المجمع: الخز صوف غنم البحر، ثمّ اطلق على الثوب المتنخذ من وبرها، و الجمع خزوز مثل فلس و فلوس، و الخزز الذكر من الأرانب، و الجمع خزّان مثل صرد و صردان، هذا كلام أهل اللغة في معنى الخز.

[المقام الثاني: في ما يستفاد من الأخبار في الخز]
اشارة

أمّا الكلام في المقام الثاني، أعنى: في ما يستفاد من الروايات، فنقول بعونه تعالى: أمّا في طرق العامة فلا يوجد رواية متعرضة لحال الصّلاة في الخز، لعدم وجود قائل لهذا الحكم بهذا النحو بينهم إلا ما يرى من بعض الروايات المتعرضة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 65

للنهي عن ركوب الخز و الجلوس عليه، أو في مقام ذم قوم بأنّهم (قوم يستحلون الخز و الحرير) كما ترى في ذيل كلام لسان العرب و ابن الاثير.

و أمّا في طرقنا فنقول: إنّه كما فعل صاحب الوسائل رحمه اللّه في كتاب الصّلاة من الوسائل في أبواب لباس المصلي و انعقد للروايات المتعرضة للخزّ ثلاثة أبواب، و ذكر في باب ما تعرض لحال الصّلاة في الخزّ، و في باب ما ورد في الصّلاة المغشوش بوبر الأرانب، و في باب ما ورد في لبسه، يكون فعله حسنا، لأنّ بعض الروايات متعرضة للصّلاة في الخز، و بعضها عن الصّلاة في ما غش

منه بوبر الأرانب، و بعضها للبسه، و إن ترى بعض الروايات المتعرضة لأكل لحمه المنقول في طي أبواب الصيد و الذباحة، فلا نعمل بها، و نتعرض في طي كلماتنا له.

فعلى هذا نقول: أمّا الروايات الّتي ذكرها صاحب الوسائل في الباب 10 من أبواب لباس المصلي، فليس فيها ما كان فيه تصريح لحال الصّلاة إلا روايتان:

الرواية الاولى:

ما رواها محمد بن عبد اللّه الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام أنّه كتب إليه روي لنا عن صاحب العسكر عليه السّلام أنّه سئل عن الصّلاة فى الخزّ الّذي يغشّ بوبر الارانب فوقع يجوز و روى عنه أيضا أنّه لا يجوز فبأي الخبرين نعمل فأجاب عليه السّلام (إنّما حرم في هذه الأوبار و الجلود، فأما الأوبار واحدها فكل حلال). «1»

و هذه الرواية غير معمول بها.

الرواية الثانية:

ما رواها الحلبى (قال: سألته عن لبس الخزّ، فقال: لا بأس به، إنّ علي بن الحسين عليه السّلام كان يلبس الكساء الخزّ في الشتاء فإذا جاء الصيف باعه و تصدق بثمنه، و كان يقول: إني لأستحيي من ربي أن اكل ثمن ثوب قد عبدت اللّه

______________________________

(1)- الرواية 15 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 66

فيه) «1» بناء على أنّ قوله (إني لأستحيي من ربي ان اكل ثمن ثوب قد عبدت اللّه فيه) يدلّ على أنّه صلّى فيه، لأنّ من عباداته الصّلاة، فعلى هذا كانت الرواية دليلا على جواز الصّلاة في الخزّ و إن لم يكن فيها تصريح بلفظ الصّلاة.

و أمّا لو قيل: بأنّ الرواية لا تدلّ إلّا على أنّ علي بن الحسين عليه السّلام عبد اللّه في كساء الخزّ، و العبادة أعم من الصّلاة، فيمكن أن لبسه عليه السّلام و عبد اللّه فيه عبادة غير الصّلاة فعلى هذا تدلّ الرواية على جواز لبس الخز، و على تقدير دلالتها على جواز الصّلاة فيه، فلا تدلّ على جواز الصّلاة في جلده، بل قدر المتيقن هو جواز الصّلاة في وبر الخزّ، خصوصا مع كون ما لبسه عليه السّلام كساء الخز، لأنّ المناسب معه هو أن الكساء

منسوج من وبر الخز.

و أمّا ما رواها سعد بن سعد عن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن جلود الخزّ؟ فقال:

هوذا «2» نحن نلبس، فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك. قال: إذا حلّ وبره حلّ جلده). «3»

فقد يتوهّم دلالتها على جواز الصّلاة في الخز، بأن يقال: إنّ الظاهر من قوله (سألته عن جلود الخز) هو كون سؤال إما عن خصوص الصّلاة في جلود الخز، لكون مورد النظر عن سؤال السائلين خصوص الصّلاة، و إمّا أن يقال: بأنّ السؤال عن جميع الجهات الراجعة في لبس الخز و منها الصّلاة، لأنّ حذف المتعلّق يفيد العموم.

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- (الظاهران كلمه (هوذا) كلمة واحدة كما ظهر بعد المراجعة، لا أن يكون كلمتين)

(3)- الرواية 14 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 67

و إن قيل: بعدم إمكان أن يقال: إنّ السؤال كان عن جميع الامور الراجعة بالخز لأجل حذف المتعلق، لأنّ لازم ذلك هو أن يقال: إنّ السؤال كان حتّى عن جواز أكل لحم الخز.

[البحث فى الخز من حيث اللبس]

يقال: بأنّ السؤال- بالنظر إلى أنّ الجهة الظاهرة منها هو لبسه- إن كان عن لبسه فيشمل حال الصّلاة، لأنّ من جملة الحالات الّتي يلبسه هو هذا الحال، فتدلّ الرواية على جواز الصّلاة في الجلد و وبر الخزّ.

و لكن لا مجال لهذا التوهّم حيث إنّ الظاهر من قوله عليه السّلام (هوذا نحن نلبس) شاهد على كون سؤال السائل من حيث جواز اللبس و عدمه، فلهذا قال (نحن نلبس) و إن كان نظره إلى جهات اخرى، أو الصّلاة كان المناسب أن يقول (نحن نصلّي فيه أو غير ذلك من الجهات الراجعة إليه) فإذا كان

السؤال من حيث اللبس، فهو سئل عن حيث اللبس فقط، و لا نظر له بالجهات الطارية له من قبيل الصّلاة فيه أو غير ذلك، لأنّ معنى كون الحكم حيثيا هذا، فلم تكن الرواية مربوطة بحال الصّلاة.

إن قلت: إنّ الظاهر من قوله عليه السّلام (إذا حل وبره حل جلده) هو كون السؤال عن حيث غير المأكولية، لأنّ الملازمة بين الحلية الوبر و بين حلية الجلد يكون في حيث غير المأكولية لأنّ في غير المأكول لا تجوز الصّلاة في وبره كجلده، و أمّا من حيث الميتة فلا ملازمة بين الوبر و الجلد، إذ يجوز لبس الوبر و الصّلاة في وبر الميتة، و الحال أنّه لا تجوز الصّلاة في جلد الميتة، و بعد كون السؤال من حيث غير المأكولية بمناسبة جواب الامام عليه السّلام، فيستفاد أنّ نظر السائل في سؤاله هو حيث مانعية جلد الخزّ و عدم مانعيته للصلاة، و لهذا بعد ما قال عليه السّلام (نحن نلبس) قال (ذلك الوبر) فأجاب: بأنّه (إذا حل وبر الخزّ حلّ جلده).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 68

نقول: يمكن أن يقال: بعد ما قلنا من كون المشتهر في صدر الأوّل عدم جواز لبس الخزّ و جعله سرجا و الركوب عليه، كما عرفت من نقل لسان العرب و ابن الأثير عند العامة، لكون ذلك زي المترفين و لباس العجم، فلا مانع من أن يكون السؤال من حيث خصوص لبسه، فعلى هذا يناسب السؤال و الجواب، فسئل السائل عن لبسه، و الشاهد جواب الامام عليه السّلام بأنا (نلبس) ثمّ بعد ما راى السائل بأن ما لبسه كان ثوبا من وبر الأرانب، و هذا لا يشمل الجلد فقال (ذاك الوبر جعلت فداك) فقال عليه السّلام

(إذا حلّ وبره حل جلّده) يعني: أنّ ما ترى من توهّم عدم لبسه كان من باب كون ذلك زى المترفين، و لكون الخزّ من الألبسة الثمنية، و كل ذلك يكون من باب وبره، لأنّ غلاء قيمته و ثمانته و أهميته يكون لأجل وبره، فإذا حل وبره و رأيت أنّي لابسه فحل جلده، لأنّ الجلد أولى بعدم الاشكال، لأنّه ليس فيه ثمانة و فخارة و أهمية مع قطع النظر عن الوبر، فالسؤال و الجواب ليس عن حيث غير المأكوليّة، و مانعيته للصلاة و عدم مانعيته أصلا. «1»

و في هذا الباب رواية اخرى لم يتعرض فيها لحال الصّلاة، و لكن نتعرض لها بعد ذلك إن شاء اللّه، و هي الرواية 1 من الباب المذكور، هذا حال الروايات الّتي نقل في الوسائل في الباب 10 من أبواب لباس المصلّي و غير ما تعرضنا لها، فكل روايات هذا الباب متعرضة للبس الخزّ، و لم تكن مربوطا بما نحن في مقامه.

______________________________

(1)- أقول: انّ في الباب المذكور رواية تعرضت لحال الصّلاة، و هي ما رواها حفص بن عمر أبي محمد من نقل فعل أبي عبد اللّه عليه السّلام من أنّه يصلّي في الروضة و عليه جبة خزّ سفر جلية) لم يتعرض لها سيدنا الاستاد مد ظله، و لعلّ وجهه هو عدم كون (الصّلاة) في الرواية في نقل اخر، و هو ما رواها علي بن يقطين قال رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام في الروضة و عليه جبة خز سفر جلية.

و هي الرواية 11 من الباب المذكور). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 69

و أمّا بعض الروايات الّتي ذكرها صاحب الوسائل في الباب التاسع من أبواب لباس المصلي منه متعرض لحيث ما يغش

من الخزّ بوبر الأرانب و نحوها، نعم يستفاد منها جواز الصّلاة في الخزّ الخالص، و لكن بمناسبة كون مورده هو جواز الصّلاة في الخالص من الخزّ و كونه متعرضة للمنع أو عدم المنع في ما يغش بوبر الأرانب، نفهم أن الحكم بجواز الصّلاة في الخزّ الخالص يكون في خصوص وبر الخزّ، فلا يستفاد من هذه الطائفة حال الجلد.

و أمّا الروايات المذكورة في الباب 8 من أبواب لباس المصلي من الوسائل، فنقول: إنّ بعضها متعرضة لفعل بعض المعصومين عليهم السّلام و أنّهم لبسوا الخزّ أو امر بالصّلاة في الخزّ، و لكن لا يستفاد منها إلا خصوص وبر الخز، كالرواية الّتي رواها سليمان بن جعفر الجعفري أنّه (قال: رأيت الرضا عليه السّلام يصلّي في جبة خزّ). «1»

و ما رواها علي بن مهزيار (قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السّلام يصلّي الفريضة و غيرها في جبّة خزّ طاروىّ، و كساني جبّة خزّ، و ذكر أنّه لبسها على بدنه و صلّى فيها، و أمرني بالصّلاة فيها). «2»

و ما رواها زرارة (قال: خرج أبو جعفر عليه السّلام يصلّي على بعض أطفالهم و عليه جبّة خزّ صفراء و مطرف خزّ أصفر). «3»

و الرواية 6 من الباب المذكور في الوسائل بهذا النحو: و قد تقدم حديث دعبل أنّ الرضا عليه السّلام خلع عليه قميصا من خزّ و قال له: احتفظ بهذا القميص فقد صلّيت فيه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 70

ألف ليلة كلّ ليلة ألف ركعة.

[المستفاد من الاخبار جواز الصّلاة في وبر الخز]

و هذه الروايات

لا تدلّ إلّا على جواز الصّلاة في وبر الخز، لأنّ المتيقن من فعلهم ليس إلا هذا، و لا يمكن دعوى إطلاق لها يشمل الجلد أيضا خصوصا مع ما رأيت من أنّها كانت متعرضة لجبّة خزّ أو مطرف خز، أو قميص خز لامكان كل ذلك منسوج من وبر الخزّ خصوصا القميص، فمن البعيد كون القميص من و برّ الخز مع جلده.

[هل تشمل الروايات صورة الصّلاة فى جلد الخز او لا؟]

و بعض الروايات المذكورة في هذا الباب هو ممّا قد يتوهم دلالته على جواز الصّلاة في وبر الخز و جلده، و هي ما رواها الكلينى عن علي بن محمد عن عبد اللّه بن إسحاق العلوى عن الحسن بن على عن محمد بن سليمان الديلمي عن قريب عن ابن أبي يعفور (قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له:

جعلت فداك، ما تقول في الصّلاة في الخز؟ فقال: لا بأس بالصّلاة فيه. فقال له الرجل: جعلت فداك إنّه ميت و هو علاجي و أنّا أعرفه، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: أنا أعرف به منك، فقال له الرجل: إنّه علاجي و ليس أحد أعرف به مني، فتبسّم أبو عبد اللّه عليه السّلام، ثمّ قال له: أ تقول: إنّه دابة تخرج من الماء، أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداك، هكذا هو. فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: فإنّك تقول: إنّه دابة تمشي على أربع، و ليس هو في حدّ الحيتان، فتكون ذكوته خروجه من الماء، فقال له الرجل: إي و اللّه هكذا أقول، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: فإنّ اللّه تعالى أحلّه و جعل ذكوته موته، كما أحلّ

الحيتان و جعل ذكاتها موتها). «1»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 71

فنقول أمّا سند هذه الرواية فضعيف في غاية الضعف أوّلا لأنّ عبد اللّه بن إسحاق العلوي مجهول و لم يوثق في كتب الرجال، و ثانيا إنّ الحسن بن على مجهول و مشترك، و ثالثا إنّ محمد بن سليمان الديلمي مرميّ بالغلو و الضعف، مع أنّه لم يكن كثير الرواية، و لم يكن له شيوخ معروفة و لا تلامذة معروفة كي تحصل الوثاقة في حقه بهذه الامور الّتي هي مناط في حصول الوثاقة بالراوي و رابعا إنّ قريب غريب في نقل الرواية، فإن كان القريب بالقاف فلا يرى منه رواية إلا هذه الرواية، و ليس له ذكر و لا اسم في كتب الرّجال مع ما في هذا اللفظ من الاحتمالات في ضبطه من أنّه هل القريب بالقاف أو الغين، أو بالفاء أو الغريت بإلغاء و التاء كما احتمل، فعلى هذا تكون الرواية من حيث السند في غاية الضعف، أمّا الصحيح في ابن أبي يعفور الناقل مجلس الامام عليه السّلام هو ابن أبي يعفور كما في الكافي فضبطه أبي يعفور كما يرى في الوسائل غير «1» صحيح، هذا حال الرواية من حيث سندها.

و أمّا دلالتها فهي تدلّ على جواز الصّلاة في جلد الخزّ، لأنّه و إن لم يكن في الرواية لفظ الجلد إلّا أنّ حيث يكون الظاهر من الرواية هو حيث كونه ميتة مورد إشكال السائل، فيكون النظر في السؤال و الجواب إلى الجلد، لأنّ وبر الميتة لا إشكال من حيث كونه وبر الميتة في جواز الصّلاة فيه، و ما يكون مانعا من حيث مانعية الميتة

هو الجلد، فسئل، و أجاب عليه السّلام بأنّه ممّا يقبل التذكية و ذكاته مثل ذكاة الحيتان.

و لكن الرواية تشتمل على ما لا يمكن الالتزام به بحسب ظاهره، و هو أن قوله

______________________________

(1)- هذا مربوطة بقبل طبع الوسائل بعشرين مجلدا، و إلّا فالسند في هذا الطبع كما قال قدس سره الشريف ابن أبي يعفور مصحح.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 72

(أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان) تدلّ على جواز أكل لحمه، لأنّه قال (أحلّه) إلّا أن يقال كما قيل: بأن المراد خصوص حلّ لبس جلده و وبره.

و ما رواها معمر بن خلاد (قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الصّلاة في الخز، فقال: صلّ فيه). «1»

و دلالة هذه الرواية على جواز الصّلاة في الخزّ واضح، لأنّ صريح الرواية هو كون السؤال عن الصّلاة في الخزّ فقال عليه السّلام (صل فيه) و هل الرواية تشمل جواز الصّلاة في الجلد أيضا كما تشمل الوبر أم لا؟

ظاهر قول السائل بأنّه (سألت عن الصّلاة في الخزّ) بدون تعرضه للجلد أو للوبر، و ترك استفصال الامام عليه السّلام و جوابه بأنّه (صلّ فيه) يدلّ على كون نظر السائل إلى الجلد و الوبر، و يجوّز عليه السّلام الصّلاة في كليهما، و الّا لكان عليه البيان، لأنّه لو كان الجائز خصوص الصّلاة في الوبر و لم يقله عليه السّلام، فقد أخلّ بالفرض، و هو ممّا لا يليق بجنابه عليه السّلام، فهذا شاهد على أن مفاد الرواية هو جواز الصّلاة في الجلد و الوبر كليهما.

[دلالة رواية عبد الرحمن على جواز لبس جلد الخز]

و مثلهما و ان كانت رواية مستقلة في إمكان دعوى دلالتها على جواز الصّلاة في الخزّ و هي ما أشرنا إليها او قلنا نتعرض لها، و هي

ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل و أنا عنده عن جلود الخز، فقال: ليس بها بأس. فقال الرجل: جعلت فداك إنّها علاجي (في بلادى) و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال: ليس به بأس). «2»

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 73

و اعلم أنّه لا يبعد كون هذه الرواية متحدة مع الرواية ابن أبي يعفور المتقدمة بمعنى أنّ عبد الرحمن بن الحجاج و ابن أبي يعفور ينقلان واقعة واحدة، لا أن يكون مفاد الروايتين نقل قضيتين، لما ترى من اتحادهما في أساس ما نقل- أعنى: أصل القضية و سؤال الخزاز- غاية الأمر يحتمل أن رواية ابن أبي يعفور إذا بلغ محمد بن سليمان الديلمي نقلها بصورة الاعجاز و يناسب معه لكونه مرميا بالغلو، و أمّا نقل عبد الرحمن بن الحجاج لكون رواته رجالا مبرزين نقلوا جهة الفقاهتى من الرواية، و لكن بينهما اختلاف من حيث إنّ رواية ابن أبي يعفور تعرضت للصّلاة في الخزّ و رواية عبد الرحمن بن الحجاج تعرضت للسؤال عن جلود الخزّ، و لا تعرض فيها للصّلاة، و على كل حال حدسنا ينتهي إلى كون الروايتين رواية واحدة، أعنى: كل من الروايتين ينقلان واقعة واحدة من أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و أمّا دلالتها فيظهر منها كون نظر السائل السؤال عن جلود الخزّ و نفي البأس الامام عليه السّلام عنه، و أمّا جواز الصّلاة فيه فلا يستفاد

من الرواية، لأنّه على تقدير كونها عين رواية ابن أبي يعفور، فحيث إنّ سند رواية ابن يعفور ضعيف، فلا يمكن الأخذ بما هو متفرد في نقله، بل لا بدّ في الأخذ بما هو مدلول رواية عبد الرحمن، و هي لم يتعرض للصّلاة، بل يمكن كون السؤال عن جواز لبس الخزّ و عدم جوازه، و أجاب أبو عبد اللّه عليه السّلام بعدم البأس به.

و لا يمكن أن يقال: إنّ حذف المتعلّق يفيد العموم، لأنّه بعد ما قال الراوي: بأن رجلا سئل عن جلود الخزّ، و لم يتعين عن أيّة جهة من جهاته عن لبسه أو الصّلاة فيه، و لم يفصّل الامام عليه السّلام في مقام الجواب، فتدل الرواية على جواز كل جهاته و منها الصّلاة فيه.

لأنّه يقال: إنّ السؤال يمكن أن يكون عن لبسه، لأنّ ما يأتي بالنظر عن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 74

الجهات الراجعة إلى الجلد هو لبسه، لا جهاته الاخر خصوصا، مع كون هذا الحيث، أعنى: حيث لبسه، كان مورد الكلام في صدر الأول، كما بيّنا من ورود بعض الروايات في طرق العامة، فيمكن أن يكون السؤال عن هذا الحيث.

فعلى هذا لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية لصحة الصّلاة في جلد الخزّ بعد ما قلنا من كون نظر السائل بحيث اللبس، و لا أقلّ من احتماله، هذا كله حال هذه الروايات.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إنّ الكلام يقع في ما يستفاد من الروايات و إن بيّناها ضمنا فنقول: أمّا وبر الخز فجواز الصّلاة فيه، و استثنائه عن الحكم الصادر من الشارع بعدم جواز الصّلاة في غير المأكول، مسلم و لا يبعد كونه إجماعيا، كما يظهر من كثير من عبارات أصحابنا رضوان اللّه عليهم،

و لدلالة بعض الروايات على ذلك مثل ما ذكرنا من الروايات الناقلة من أنّ المعصومين: كانوا يلبسون جبّة الخز أو مطرف الخزّ أو قميص الخزّ و يصلّون فيه، و لا إشكال في أنّ ما لبسوه إمّا كان وبره الخالص بلا جلد كما لا يبعد ذلك أو كان مع الجلد، و على كل حال يثبت جواز الصّلاة في وبر الخزّ و مثل ما دلّ من الروايات المتقدمة على عدم جواز الصّلاة في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب، و أمّا في الخز الخالص فلا بأس بالصّلاة فيه مثل ما رواها أيوب بن نوح رفعه (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الصّلاة في الخزّ الخالص لا بأس به، فأمّا الّذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 9 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 75

فهذه الرواية كما ترى تدلّ على خصوص الوبر، لأنّ ما يمكن أن يغش بوبر الأرانب هو وبر الخزّ لا جلده، فالخالص المقابل للمغشوش هو الوبر، فتدلّ على جواز الصّلاة في وبر الخزّ، فجواز الصّلاة في وبره ممّا لا إشكال فيه.

[في ذكر الروايات الدالّة على عدم البأس بجلد الخز و جوابها]
اشارة

أمّا الكلام في جواز الصّلاة في جلد الخزّ و عدمه فنقول: إنّ ما يظهر من القدماء هو استثناء الخزّ الخالص من الحكم بعدم جواز الصّلاة في ما لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه، و شموله للجلد غير معلوم، و ما يمكن أن يستدل به لجواز الصّلاة في جلد الخزّ هو بعض الروايات المتقدمة:.

أحدها: ما رواها سعد بن سعد عن الرضا عليه السّلام

(بأن يقال: إنّ قوله فيها (إذا حلّ وبره حلّ جلده) «1» يدلّ على الجواز في الجلد، لأنّ الملازمة بين الوبر و جلد الخزّ تثبت من هذه الرواية، فكما يحلّ أن يصلّي في وبره يحلّ في جلده، و لا وجه لأنّ يقال: إنّ السؤال من حيث الميتة، لأنّ الملازمة بين الوبر و الجلد تكون من حيث غير مأكولية اللحم، لأنّ غير المأكول كما لا يحلّ أن يصلّي في وبره لا يحلّ في جلده، و لكن مع ما أسلفنا من أنّ السؤال يكون من حيث اللبس، و الشاهد جواب الامام عليه السّلام (هوذا نحن نلبسه) فليست الرواية أصلا مربوطا بباب الصّلاة، فلا وجه للاستدلال بها على صحة الصّلاة في وبره الخزّ و لا في جلده.

ثانيها: ما رواها ابن أبي يعفور

«2»، فإنّ السؤال فيها يكون عن الصّلاة في الخزّ و من خصوصيات الواردة فيها مثل قوله (إنّه ميت) و غير ذلك يستفاد كون السؤال راجعا إلى الجلد فقط، أو إلى الجلد و وبر الخزّ، و يظهر من جواب الامام عليه السّلام

______________________________

(1)- الرواية 14 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 76

حلية الصّلاة في جلد الخزّ.

و فيه أنّه كما قلنا تكون هذه الرواية ضعيفة في غاية الضعف، فلا يمكن العمل بها.

ثالثها: ما رواها عبد الرحمن الحجاج

، وجه الاستدلال هو أن في هذه الرواية صرح الجلد، لأنّ عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل و أنا عنده عن جلود الخزّ، فقال: ليس به بأس). «1»

و حيث إنّ السائل لم يعين أنّ سؤاله عن لبسه جلود الخزّ أو عن الصّلاة فيها، و لم يفصّل الامام عليه السّلام في الجواب، فيستفاد جواز الصّلاة في جلده.

و فيه أنّه كما قدمنا يمكن أن يكون السؤال عن خصوص لبس جلد الخزّ لوقوع ذلك مورد الكلام في الصدر الأول، و هذا الحيث يأتى بالنظر عن الجلد، فإذا سئل عن الجلد، و قيل مثلا (ما تقول في جلود الخز) يأتى بالنظر كون السؤال عن لبسه، فمع هذا الاحتمال لا يمكن دعوى كون الظاهر من الرواية هو السؤال عن الصّلاة في جلد الخزّ في هذه الرواية، و لا يمكن الاستشهاد على استثناء جلد الخزّ.

رابعها: ما رواها معمر بن خلاد

(قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الصّلاة في الخزّ فقال: صلّ فيه). «2»

و دلالة هذه الرواية على جواز الصّلاة في الخزّ ممّا لا إشكال فيه لصراحة الرواية في ذلك، و لا وجه لدعوى اختصاصها بجواز الصّلاة في وبر الخزّ، لأنّ

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 77

السؤال عن الخزّ و لم يعين السائل وبر الخزّ أو جلده، و لم يفصّل الامام عليه السّلام في الجواب بين الوبر و الجلد، فتفيد عموم الحكم من الرواية لجواز الصّلاة في الجلد و وبر الخز.

و لكن مع ذلك يكون الحكم باستثناء جلد الخزّ عن عموم الحكم بعدم جواز الصّلاة في ما

لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه مشكل، فنقول توضيحا للمطلب بعونه تعالى: بأنّه بعد ما يكون المسلم عندنا مانعية كون لباس المصلّي من أجزاء الميتة، و مانعية كونه من أجزاء حيوان الّذي لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه، فكل ما يكون غير مذكّى أعنى: يكون ميتة، و كل حيوان يكون غير مأكول اللحم، لا تجوز فيه، فتارة يدعي كون منصرف الأدلة الدالة على عدم جواز الصّلاة في الميتة هو الحيوانات البرية، أو يدعى كون منصرفها هو كل حيوان يكون له نفس سائلة من باب أنّ مانعية الميتة للصّلاة ليست إلّا من باب نجاسة الميتة، و ما لا نفس له ليس نجسا أو يدعى كون منصرف الأدلة الدالة على مانعية غير المأكول من الحيوانات البرية، و لا تشمل هذه الأدلة حيوانات البحرية، أو يدعى كون الخزّ من الحيوانات التي يحلّ أكل لحمه كالسمك، و تارة لم نقل بتمامية تمام هذه الدعاوي أو بعضها.

فإن قلنا بكون الخزّ مأكول اللحم و بكون منصرف أدلة مانعية الميتة هو الحيوان البرى غير مأكول اللحم، فلا إشكال في جواز الصّلاة فيه، و عدم شمول الأدلة الدالة على مانعية الميتة و غير المأكول لجلده و وبره أصلا، و لا حاجة إلى ورود الدليل الخاص على جواز الصّلاة فيه.

أو قلنا: بأنّ مانعيته الميتة في خصوص ما له نفس سائلة، و انصراف أدلة الدالة على مانعية غير المأكول بخصوص حيوانات البرية، فلا إشكال في صحة الصّلاة في الخزّ جلده و وبره، لأنّه خارج موضوعا عن الأدلة الدالة على مانعية الميتة و غير

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 78

المأكول بناء على كون الخزّ من الحيوانات البحرية، لأنّه بعد كون الخزّ من الحيوانات البحرية،

فلا تشمل الأدلة الدالة على مانعية الميتة و غير المأكول للصّلاة، فيكون الخزّ موضوعا خارجا عن عموم هذه الأدلة، و لا حاجة في جواز الصّلاة فيه إلى ورود دليل خاص، فتصح الصّلاة في جلده و وبره.

و أمّا لو قلنا: بكون منصرف أدلة الدالة على مانعية الميتة هو حيوان البري، و قلنا بكون الخزّ حيوان بحري، فمن حيث مانعية الميتة لا يبقى إشكال في الخزّ، لأنّ الخز ليس من أفراد الميتة الّتي تكون لبسها في الصّلاة ممنوعا.

أو قلنا: بأنّ مانعية الميتة باعتبار نجاستها، و ما لا نفس له لا يكون نجسا، و قلنا: بكون الخزّ من الحيوانات الّتي لا نفس لها، فأيضا يكون الخزّ خارجا موضوعا عن أدلة الدالة على مانعية الميتة، و لا يحتاج جواز الصّلاة من حيث مانعية الميتة إلى دليل خاص في الجلد و وبر الخزّ.

و لكن بأحد النحوين لو ارتفع الاشكال في الخزّ من حيث مانعية الميتة إما بعدم كون حيوان البحري مانعا، و إما من باب عدم كون ما لا نفس له من الحيوانات مانعا في الصّلاة من حيث مانعية الميتة، لكن يبقى الاشكال فيه من حيث مانعية غير المأكول، فإن قلنا: بكون منصرف الأدلة في مانعية غير المأكول هو خصوص حيوانات البرية، و قلنا بكون الخزّ حيوانا بحريا، أو قلنا: بكونه ممّا يؤكل لحمه فأيضا يرتفع الاشكال من حيث غير المأكولية، و يخرج الخزّ أصلا عن عموم ما دلّ على مانعية غير المأكول، فلا حاجة في جواز الصّلاة في جلده و وبره إلى دليل خاص.

[لا دليل على عدم كون الخز ممّا لا نفس له]

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا دعوى انصراف أدلة مانعية الميتة عن الحيوانات البحرية، فما لا دليل عليه، و لا وجه للالتزام به، و أمّا دعوى

انصراف الأدلة عن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 79

الميتة الغير النجسة مثل ما لا نفس لها، فإن تكن ممكنا، و لا يبعد ذلك كما قدمنا، و لكن كون الخزّ من الحيوانات الّتي لا نفس لها ممّا لا دليل عليه، و كذلك لا وجه لدعوى انصراف الأدلة الدالة على مانعية الصّلاة في غير المأكول عن الحيوانات البحرية، و أمّا كون الخزّ من الحيوانات الّتي يؤكل لحمه، حتّى لا يشمله عموم المنع عن الصّلاة في غير المأكول، و إن كان ربما يتوهم أنّه يستفاد من بعض الروايات:

مثل ما رواها ابن أبي يعفور (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أكل لحم الخزّ؟

قال: كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه و إلّا فاقربه). «1»

ما رواها زكريا بن آدم (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت: إنّ أصحابنا يصطادون الخزّ، فاكل من لحمه؟ قال: فقال: إن كان له ناب فلا تأكله. قال: ثمّ مكث ساعة، فلما هممت بالقيام قال: أمّا أنت فإنّي أكره لك أكله فلا تأكله). «2»

بناء على كون المستفاد منهما أن الخزّ على قسمين أحدهما ما كان له ناب، و الآخر ما ليس له ناب فالأول لا يجوز أكله، و الثاني يجوز أكله، و ربما يستظهر ذلك من ذيل رواية ابن أبي يعفور المتقدمة «3» حيث قال عليه السّلام في ذيلها (فإنّ اللّه تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحل الحيتان و جعل ذكاتها موتها) بأن يقال: إنّ (أحلّه) يعني جعله من الحيوانات الّتي يحلّ أكل لحمها.

و لكن الالتزام بكون الخزّ ممّا أكل لحمه غير ممكن:

أمّا أوّلا فلأنّ الرواية أعين (قال: سألت أبا جعفر عن الخزّ فقال: سبع يرعى

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 38

من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 38 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 80

في البر و يأوي البحر) «1» تدلّ على عدم جواز أكل لحمه بناء على كون السؤال عن أكل لحمه و جواب الامام عليه السّلام بأنّه (سبع يرعى في البر و يأوي البحر) كان جوابا عن عدم جواز أكل لحمه من باب كونه سبعا، غاية الامر اكتفي في مقام الجواب بقوله (سبع) لأنّه بعد كونه سبعا لا يجوز أكل لحمه (لبعد كون سؤال المسائل عن الموضوع و عن حقيقته، و كان جواب الامام عليه السّلام راجعا بيان الموضوع، بل الظاهر كون السؤال عن حكمه، و الجواب بكونه سبعا يكون جوابا عن الحكم، و أنّ حكمه حكم السباع).

و ثانيا أنّه على فرض دلالة رواية على جواز أكل لحمه فلا يمكن العمل بها، لأنّه بعد كون المسلّم تقريبا عند أصحابنا رضوان اللّه عليهم كون جائز الاكل من الحيوانات البحرية هو خصوص السمك، و السمك خصوص ما له الفلس فلا يمكن الالتزام بجواز أكل لحم الخزّ على تقدير كونه من الحيوانات البحرية.

[لا اشكال فى صحّة الصّلاة فى وبر الخز]

فإذا عرفت شمول أدلة مانعية الميتة لحيوانات البرية و البحرية، و كذلك عموم مانعية غير المأكول و عدم انصرافهما بحيوانات البرية، و عدم إثبات كون الخزّ يجوز أكل لحمه، فيشمله عموم المنع عن الصّلاة في الميتة و في غير المأكول، و لا بدّ لإخراجه إلى ورود دليل مخصص للعمومين: عموم مانعية الميتة، و عموم مانعية غير المأكول.

فنقول: أمّا وبر الخزّ فقد استظهرنا من الأدلة جواز الصّلاة فيه و تخصيص العام به، و أمّا جلد الخزّ

فقد بيّنا أنّ ما يمكن أن يعتمد به في مقام تجويز الصّلاة في جلده هو رواية معمر بن خلاد، فنقول: إنّه بعد ما عرفت من أنّه لا يظهر من كلام اللغة كون الخزّ حيوانا إلا ما عن المصباح من أن الخزّ صوف غنم البحر، و بعد ما

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 81

عرفت من أن المستفاد من رواية ابن أبي يعفور و رواية عبد الرحمن بن الحجاج هو كون الخزّ حيوانا بحريا و من بعض الروايات كونه من السباع، و من بعضها كونه حيوانا يرعى في البر و يأوي البحر، و المستفاد من رواية ابن أبي يعفور كون ذكاته خروجه من الماء، و بعد كون صحة الصّلاة فيه موقوفا بورود الجواز للصّلاة فيه من حيث مانعية الميتة أعنى: يصح فيه الصّلاة و إن كانت ميتة، أو أنّه مذكّى و من حيث مانعية الصّلاة في غير المأكول و قدر المسلّم من رواية معمّر بن خلّاد هو عدم البأس فى الصّلاة فيه من حيث كونه من غير المأكول من الحيوانات، و امّا من حيث الميتة ففي وبره حيث ليس مانع من هذا الحيث لجواز الصّلاة في وبر الميتة، فلا يبقى إشكال في جواز الصّلاة في وبر الخزّ.

و امّا جلده فحيث إنّه لا بد في صحة الصّلاة فيه من إثبات كونه مذكّى أو من ورود دليل على عدم كون حكمه كميتة ساير الحيوانات، و حيث أن عموم الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة في حدّ ذاته يدلّ على عدم جواز الصّلاة في الميتة، و منها ميتة الخزّ و رواية معمر بن خلاد و إن كانت في

حدّ ذاتها تدلّ على جواز الصّلاة في الخزّ و نقول: بشمول إطلاقها للجلد و الوبر، و لكن ليست هنا الرواية خاصا بالنسبة إلى الدليل الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة، لأنّ دليل حرمة الصّلاة في الميتة تمام باعتبار شموله لجلد الخزّ و لجلد غيره من الحيوانات، و رواية معمر بن خلاد أيضا تمام من جهة لأنّ عمومها أو إطلاقها يشمل الجلد و الوبر، فالدليل الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة تمام من جهة تكفله لكل ميتة خزا كان أو غير خز، و عموم هذه الرواية تمام من جهة شمول عمومه لو بر الخزّ و جلده، فالنسبة بين الدليلين يكون العموم و الخصوص من وجه، لا العموم و الخصوص المطلق، فلا وجه لتقديم رواية معمر على الدليل الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 82

نعم حيث لا يشمل عموم المنع من الصّلاة في الميتة الوبر، فرواية معمر بن خلاد بالنسبة إلى وبر الخزّ يكون بلا معارض، و من حيث غير المأكولية يكون خاصا بالنسبة إلى عموم الدال على عدم جواز الصّلاة في غير المأكول.

[لم يثبت دليل لخروج جلد الخز من الاخبار المانعة]

و أمّا الجلد فلم يثبت خروجه من عدم جواز الصّلاة في الميتة، لما قلنا فلا بدّ في صحة الصّلاة فيه- مضافا إلى دلالة الدليل على عدم كونه محكوما بحكم غير المأكول من الحيوانات- إلى وجود دليل إمّا على بيان تذكيته و إمّا من كونه خارجا بالخصوص عن عموم الحكم بعدم جواز الصّلاة في الميتة، و لم يوجد ما يدلّ على ذلك.

و إن قلت: إنّ المستفاد من رواية عبد الرحمن بن الحجاج و رواية ابن أبي يعفور هو كون تذكيته بالخروج عن الماء، فهو من الحيوانات القابلة

للتذكية و تذكيته الخروج عن الماء، فيكون مذكّى.

نقول: أمّا رواية عبد الرحمن فكما قلنا يحتمل عدم كونها غير رواية ابن أبي يعفور، و نحتمل فيها احتمالا اخر، و هو أن يكون نظر السائل في سؤاله من جهة كونه كلبا، و الكلب يكون نجسا، فلا يجوز لبس جلده، فكيف جوّز لبسه، و لهذا قال (و إنّما هي كلاب تخرج من الماء) و كان قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في جواب ذلك، و أنه ليس حكمه حكم الكلاب، لأنّ الكلب النجس هو الكلب البري لا البحري، و الخزّ كلب بحري، و لهذا قال عليه السّلام (إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال:

الرجل لا. قال: ليس به بأس) يعني ليس كلب بري، لأنّه لا يعيش خارج الماء.

و لكن مع ذلك ما ينتهي إليه الحدس هو كونها متحدة مع رواية ابن أبي يعفور بمعنى أن ابن أبي يعفور و عبد الرحمن بن الحجاج ناقلان لواقعة واحدة، و على كل

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 83

حال ليس في رواية عبد الرحمن بن الحجاج ما يدلّ على كون تذكيته بالخروج عن الماء حتّى يرتفع الاشكال من حيث النجاسة، فيبقى للاستشهاد به على عدم بأس بالخزّ من حيث الميتة رواية ابن أبي يعفور الدالة على كون ذكاة الخزّ خروجه من الماء، و عدم البأس من الصّلاة في جلد الخزّ من هذا الحيث.

[الحكم بجواز الصّلاة في جلد الخز مشكل]

لكن الحكم على عدم البأس بهذه الرواية الضعيفة مشكل، مع ما عرفت من الكلام في كون الخزّ من الحيوانات البحرية لدلالة بعض الروايات المتقدمة على أنّه سبع أو انّه حيوان يرعى في البر و يأوي البحر، فمع ذلك الالتزام بأنّ هذا الحيوان تكون تذكيته بالخروج عن الماء

مع فرض كونه السبع أو كونه ممّا يرعي في البر مع أن حيوان البري لا يموت بهذا النحو، و ليس فيه التذكية بهذا النحو، بل هو يعيش بحسب طبعه في خارج الماء، و ما يكون من الحيوانات البرية قابلا للتذكية يذكّى بالذبح أو النحر، و الالتزام بأنّ الخزّ قسمان قسم بحري و قسم بري، فالبحري يكون تذكيته باخراجه عن الماء، و البري سبع مثلا، و يجوز أن يصلّي في قسمه البحري لا البري أيضا مشكل، لعدم امكان هذه الدعوى بالنظر بسياق بعض الروايات، فالحكم بجواز الصّلاة في جلد الخزّ مشكل. «1»

______________________________

(1)- أقول: بأن المستفاد من رواية معمّر بن خلاد جواز الصّلاة في جلد الخزّ أيضا و إن فرض كون الاشكال في استفادة ذلك من ساير الروايات، لأنّ الظاهر من هذه الرواية هو كون السؤال عن الخزّ و كما اعترف به سيدنا الاستاد مدّ ظلّه بقرينة كون سؤال السائل مطلقا من حيث الجلد و الوبر، و عدم تفصيل الامام عليه السّلام بين الوبر و بين الجلد، نفهم جواز الصّلاة في كليهما، و إلّا لأخل بالفرض و تعالى شانهم: عن ذلك خصوصا مع أن المستفاد من رواياتنا مع اختلافهم في جهات اخرى كون الخزّ هو الحيوان، فلا وجه لأنّ يسأل عن الصّلاة في هذا الحيوان، و مع ذلك

يحمل السؤال على خصوص الوبر، فالجلد إن لم يكن القدر المتيقن في الاطلاق، فلا أقل من كونه في عرض الوبر، و عدم إمكان دعوى الانصراف إلى خصوص الوبر.

فإذا ثبت كون السؤال و الجواب راجعا إلى جواز الصّلاة في الخزّ جلدا و وبرا، فيقع الكلام فيما أفاده مدّ ظلّه: بأن المانع من الصّلاة في الخزّ أمران: أحدهما من حيث الميتة، و

الآخر من حيث غير المأكولية.

أما من حيث غير المأكولية، فكما افاد يستفاد من رواية معمر بن خلاد عدم الاشكال في جواز الصّلاة فيه و كون هذه الرواية خاصا بالنسبة إلى عموم ما دل على مانعية غير المأكول في الصّلاة، و كذلك من غير الروايات لاستفادة استثناء الوبر من هذا العموم منها، و خروج الوبر شاهد على عدم البأس من حيث غير المأكولية، لأنّ غير المأكولية إن كان مانعا كان اللازم عدم تجويز الصّلاة في وبره أيضا، لأنّ الصّلاة لا تجوز في وبر غير المأكول كما لا يجوز في جلده، كما يستفاد ذلك من موثقة ابن بكير.

فيبقى الاشكال بنظره الشريف مدّ ظلّه إلى حيث الميتة فنقول، إنّ ما أفاده مدّ ظلّه من أنّ بعد كون النسبة بين عموم الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة مع رواية معمر بن خلاد المتقدمة عموم من وجه، لأنّ كلا من الدليلين عام من جهة، فعموم الدال على مانعية الميتة عام من جهة شموله لجلد ميتة الخزّ و لغير الخزّ من الحيوانات، و هذه الرواية عام من جهة شمولها للجلد و للوبر، فتكون النسبة بينهما عموما من وجه، لا أن تكون رواية معمّر خاصا بالنسبة إليه فلا وجه لتقديم رواية معمّر على هذا العموم حتّى تكون النتيجة تخصيص عموم مانعية الميتة بالنسبة إلى الخزّ، و بالنتيجة تجوز الصّلاة في جلد الخزّ أيضا.

لا يتم بنظري القاصر، لأنّ عموم الدالّ على مانعية الميتة إن كان شاملا لخصوص الجلد من كل حيوان فقط لا وبره، فتكون النسبة كما أفاده، بين هذا العموم و بين رواية معمر، و لكن ليس كذلك، بل عمومه يشمل للجلد و للوبر و غيره من أجزائه، و الوبر خرج

بدليل خاص، لا أنّ العام لا يشمله، و الشاهد على ذلك دلالة بعض الروايات مثل الرواية 2 من الباب 1 من أبواب لباس المصلي بنقل الوسائل، و هي ما رواها محمد بن ابى عمير عن غير واحد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 85

هذا تمام الكلام في ما يستفاد من روايات الباب في بيان موضوعه و حكمه، و قد اخترنا أن الصّلاة في وبر الخزّ جائز، و أمّا في جلده فمشكل.

______________________________

الميتة قال: لا تصلّ في شي ء منه و لا في شسع.

و هذه الرواية كما ترى في حدّ ذاتها تدلّ على عدم جواز الصّلاة في شي ء من أجزاء الميتة، فتعم وبر الميتة أيضا، و بعد شمول هذا العموم لوبر الميتة فتكون النسبة بين هذا العموم الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة مع رواية معمّر العموم و الخصوص لا العموم من وجه، لأنّ عموم هذا الدليل يشمل كل أجزاء الميتة، و من الأجزاء الوبر و الجلد من ميتة كل حيوان، و رواية معمّر تدلّ على جواز الصّلاة في الجلد و وبر ميتة حيوان خاص، و هو الخزّ.

فهذه الرواية خاص بالنسبة إلى العموم الدال على عدم جواز الصّلاة في أجزاء ميتة الحيوانات، فلا وجه لأنّ يقال: إنّ النسبة بينهما عموم من وجه.

إن قيل: بأنّه بعد استثناء وبر الميتة بالدليل الخارج عن عموم عدم جواز الصّلاة في الميتة، لدلالة بعض الروايات على عدم إشكال في الصّلاة في وبر الميتة، من حيث كونه وبر الميتة كما نحن ملتزمون بذلك، فخصص هذا لعموم، فبعد ذلك التخصيص يكون العموم غير شامل لوبر الميتة، و بعد عدم شمول عموم الدال على مانعية الميتة للوبر، فتكون النسبة بين

هذا العموم و بين رواية معمر عموما من وجه، لأنّ هذه الرواية أعم من جهة شمولها لوبر الخزّ، فلا وجه لتقديم رواية معمر على هذا العموم و تخصيصه بهذه الرواية.

نقول: قد ثبت في محله في التعادل و التراجيح عدم انقلاب النسبة و أنّ دليلا و لو خصص بتخصيصات إذا تعارض مع دليل اخر لا يحاسب العموم بعد تخصيصه، بل يحاسب النسبة بين الدليلين بما يقتضي ظاهرها في حدّ ذاته، مع قطع النظر عن تخصيص أحدهما بخاص اخر، فعلى هذا في المقام و لو خصّص عموم الدال على عدم الصّلاة في الميتة بما دل على جواز الصّلاة في وبر الميتة، و لكن لا يحاسب هذا العموم بعد التخصيص في مقام التعارض مع رواية معمّر، بل بعمومه يعامل معاملة المتعارضين، و حيث يمكن التوفيق بينهما بنظر العرف، و يمكن الجمع بينهما بحمل العام على الخاص فيجمع بينهما، و تكون النتيجة على هذا جواز الصّلاة في جلد الخزّ و وبره من كلا الحيثين، أعنى: لا يضرّ كونه من غير المأكول و لا كونه ميتة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 86

[في البحث عن كون ما في يد الناس الّذي يسمّونه خزّا يجوز الصّلاة في وبره او لا؟]
اشارة

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في جهة اخرى، و هو أنّه بعد الفراغ عن حكم الخزّ، و فرض جواز الصّلاة في جلده و وبره أو في خصوص وبره- هل ما يكون في أيدي الناس من جلد حيوان و يسموه الخزّ و يطلقون عليه اسم الخزّ، هو الخزّ الّذي صحّ فيه الصّلاة، أو هو حيوان اخر؟

و منشأ الاشكال هو كون الحيوان الّذي يسمونه الخزّ في زمن صدور الروايات هو غير هذا الّذي يطلق عليه الخزّ في هذا الزمان، خصوصا بناء على ما يستفاد من بعض الروايات الدالة على قابلية

أن ينسج وبرها، أو قابلية غشّ وبره بوبر الأرانب و الثعالب من كون وبره طويلا، و ما في أيدى الناس في عصرنا ليس وبره كذلك، فمع الشّك في كون هذا الحيوان الّذي يقال في عصرنا بنفسه أو بجلده و وبره الخزّ هو الخزّ الّذي استثنى من عموم حرمة الصّلاة في غير المأكول أم لا، فما هو الحكم في المقام؟

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 4، ص: 86

قد يقال في المقام: بأن أصالة عدم النقل يكفي في إثبات كون الخزّ المتداول في زمن صدور الرواية هو هذا الخزّ المتداول في زماننا بأن يقال: إنّه نرى استعمال اللفظ فعلا في ما يأتي به التجار على وجه الحقيقة، فإذا شك في أنّه هل نقل هذا اللفظ عن معناه الأوّلى إلى هذا المعنى أم لا، فببركة أصالة عدم النقل ندفع هذا الاحتمال، فنقول: إنّ معنى الخزّ في زمن صدور الرواية هو معناه في هذا الزمان. «1»

______________________________

(1)- أقول: بعد ما عطف سيد الاستاد مد ظلّه عنان الكلام إلى هذا المقام، و بيان ما ذكر من التمسك بأصالة عدم النقل قلت بمحضره الشريف: بأن المقام ليس ممّا يمكن التمسك بأصالة عدم النقل و استكشاف كون الخزّ المعمول في هذا الزمان يجوز أن يصلّي في وبره، أو في وبره

و جلده على الكلام المتقدم، لأنّ ما نرى من تمسك العقلاء بها، و المورد الّذي يكون بنائهم عليها هو في موردين: أحدهما في ما يعلم مستعمل فيه في زمان اللاحق، و كون استعمالهم فيه على وجه الحقيقة و لم يعلم كون معناه الحقيقى في السابق، هل هو هذا

أم لا، مثل ما نرى من كون الامر حقيقة في الوجوب في عرف المتشرعة، و نشك في أنّ موضوع له الامر هل هو الوجوب في عرف السابق على هذا العرف، أو كان غير ذلك و نقل عنه إلى هذه المعنى، فبأصالة عدم النقل نقول: كون الموضوع له هو الوجوب في العرف السابق على العرف المتشرعة ثانيهما مورد نعلم موضوع له السابق و لكن نشك في زمن اللاحق، مثلا نعلم كون الموضوع له في الصّلاة سابقا هو الدعاء، و لكن في هذا الزمان نشك في ان موضوع له فيه هل هو معنى السابق، أو نقل إلى معنى اخر، فبأصالة عدم النقل نحكم بكون الموضوع له في اللاحق ما هو الموضوع له في السابق، و كما ترى ما هو الميزان في بناء العقلاء على التمسك بهذا الأصل هو أنّ كل مورد يكون مراد المتكلم غير معلوم، فلا يعلم أنّ مستعمل فيه اللفظ هل هو معناه الحقيقي في السابق أو المراد غير ذلك، فيكون بناء العقلاء على أصالة عدم النقل، و كذا في ما يشكون في ما هو المراد الحقيقى منه في السابق حتّى يحملون الألفاظ المستعملة في السابق عليه إذا كان المعلوم عندهم معناه الحقيقى اللاحق يتمسكون بأصالة عدم النقل و يحملون الألفاظ المستعملة في معنى الحقيقي السابق إذا كان اللاحق مشكوكا و في معنى الحقيقي اللاحق إذا كان السابق مشكوكا كما بينا في الموردين المتقدمين.

و أمّا إذا كان مستعمل فيه اللفظ في السابق معلوما، و بعبارة اخرى يعلم موضوع له اللفظ في السابق، و كذلك يعلم موضوع له اللفظ في اللاحق، و يكون الشّك في اتحاد معنى اللاحق مع السابق، و أنّ موضوع له اللاحق المعلوم

هل هو متحد مع موضوع له السابق أم لا، فليس بنائهم على إجراء أصالة عدم النقل لاثبات اتحاد معنى اللاحق مع معنى السابق، و ما نحن فيه من هذا القبيل إذ نحن بعد الفراغ من كون الخزّ الّذي هو حيوان بحرى صار مورد حكم الأحكام، و هو جواز الصّلاة فيه، فنحن نعلم موضوع له اللفظ في السابق- أعنى: ما صدر من لسان أهل البيت:

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 88

[نقل كلام المجلسي ره]

ثمّ اعلم أن المحكي من المجلسي رحمه اللّه هو الاشكال في جريان أصالة عدم النقل فيما نحن فيه، و حاصل كلامه يرجع إلى أنّه بعد الشّك في كون ما في أيدي الناس في هذا الزمان و يطلقون عليه الخزّ هو الخزّ الّذي كان متعارفا في زمن صدور الروايات، فيكون الحكم بجواز الصّلاة في ما في زماننا من الخزّ مشكل، لأنّه لا يعلم كون هذا هو ما كان موضوعا لحكم الشارع بجواز الصّلاة فيه، و لا يكفي هنا أصالة عدم النقل، لعدم اتصال عرفنا بعرف زمان صدور الروايات، إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السابقين رضوان اللّه عليهم أيضا، و حجية أصالة عدم النقل في ذلك ممنوع، بل الظاهر أنّه غيره، لأنّ الظاهر من الروايات كون الخزّ هو يموت بخروجه عن الماء، و ما في أيدى الناس يقال: إنّه دابة تعيش في البر و لا تموت بالخروج عن الماء، إلّا أن يقال: انهما صنفان بري و بحري و تجوز الصّلاة في

______________________________

في الروايات- و إلّا فإن كنا نحن شاكين في ذلك أعنى: في كونه حيوانا بحريا أو برّيا أصلا كنا شاكين في كونه الإبريسم أو الحيوان فمن، رأس لم نكن عالمين بموضوع حكم الشارع، لا

أن يكون شكنا في كون ما في أيدى الناس في عصرنا هو ما حكم في الأخبار بجواز الصّلاة فيه أم لا.

و في المقام على الفرض بعد فرض كون الخزّ الجائز فيه الصّلاة هو حيوانا بحريا، و على الفرض نرى أنّ ما في أيدى بعض التجار يطلقون عليه الخزّ بلا إشكال، فأيضا لا نشك في أنّ مرادهم فعلا بالخزّ ما هو في أيديهم، و لكن لا ندرى أنّ ما يطلقون عليه الخزّ فعلا هو متحد مع ما اطلق عليه الخزّ في زمن صدور الروايات أم لا، فليس شك في النقل و عدمه حتّى يتمسّك بأصالة عدم النقل، بل الشّك في اتحاد موضوع له الخزّ فعلا مع موضوع له الخزّ سابقا، فلا مجال لأصالة عدم النقل خصوصا مع ما يقال: من أنّ هذا الخزّ الّذي يكون فعلا هو حيوانا بريا، فكيف يمكن أن يقال: بكونه متحدا مع الخزّ السابق الّذي هو حيوان بحري، ثمّ بعد ما قلت ذلك قرره مد ظله ببيان كاف شاف عال، و لم يرده فلعلّه استرضاه مدّ ظلّه). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 89

كليهما، و هو بعيد، هذا حاصل المحكى عن كلامه رحمه اللّه.

[الحكم بجواز الصّلاة فى ما يطلق عليه الخز في هذا الزمان مشكل]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ما قال رحمه اللّه في وجه عدم جريان أصالة عدم النقل غير تمام، إذ لو فرض عدم الاشكال في إجرائها من جهة اخرى، فما ذكره- من أنّ عرفنا إلى عرف زمان صدور الروايات غير متصل، لكون المسألة مورد الاشكال سابقا عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم- لا يوجب عدم إجراء أصالة عدم النقل، لأنّ في زماننا، و كذا قبل زماننا من أزمنة فقهاء السّلف ممّا بعد زمان صدور الروايات كلها، يشكّ في النقل، فتجري أصالة

عدم النقل، و يكون كل هذه الازمنة المتأخرة زمان الشّك في النقل، و ببركة أصالة عدم النقل يحكم بعدم نقل اللفظ عن معناه الّذي كان موضوعا له اللفظ الخزّ في زمان صدور الروايات.

نعم، لو فرض كون الخزّ على نوعين: نوع بري و نوع بحري، و لا يعلم بأنّ الخزّ الموضوع لحكم جواز الصّلاة فيه هو أىّ منهما، فلا يمكن التمسك بأصالة عدم النقل لا ثبات كون الخزّ المحكوم بجواز الصّلاة فيه هو هذا الخزّ الّذي يكون في ايدي الناس في هذا العصر الّذي يقال: إنّه حيوان بري، مضافا إلى أنّ ظاهر بعض الادلة كونه هو حيوان بحري.

نعم، لو كان الخزّ موضوعا لكلا القسمين، و لم يعيّن في الروايات أنّ موضوع حكم جواز الصّلاة هو أىّ من القسمين، و كانت الروايات من هذا الحيث- أعنى: لم يكن مفادها إلا جواز الصّلاة في الخزّ بدون تصريح فيها عما هو موضوعه- فكان للحكم بجواز الصّلاة في كلا القسمين وجه، و لكن ليس الأمر كذلك، و قد عرفت بيان عدم كون المقام مقام التمسك بأصالة عدم النقل لما قلنا، فالحكم بجواز الصّلاة في ما يطلق عليه الخزّ في عصرنا مشكل) هذا تمام الكلام في الخزّ.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 90

الامر الثاني: [في ما قيل بخروجه عن الادلّة المانعة السنجاب]
اشارة

ممّا قيل باستثنائه عن عموم الدالّ على مانعية كون لباس المصلّي من غير المأكول السنجاب، فنذكر أخبار الباب تيمنا، ثمّ بعض الجهات الراجعة إليها فنقول:

[في ذكر الروايات المربوطة بالسنجاب]
الرواية الأولى:

من الأخبار، الرواية الّتي رواها محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن عبد اللّه بن إسحاق عمن ذكره عن مقاتل بن مقاتل (قال؟ سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصّلاة في السمور و السنجاب و الثعالب؟ فقال: لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب، فإنّه دابّة لا تأكل اللحم). «1»

أمّا سندها فضعيف لأنّه، مضافا إلى كون عبد اللّه بن إسحاق في طريقها و هو مجهول، حذف الواسطة بينه و بين مقاتل بن مقاتل.

أمّا دلالتها فهي تدلّ على استثناء خصوص السنجاب، لكن قرنه بعلة لا يمكن الأخذ بها مطلقا، و هي أنّه دابة لا تأكل اللحم إلا أن يقال: بكونها حكمة لا علة.

الرواية الثانية:

ما رواها محمد بن يعقوب عن عبد اللّه بن إسحاق العلوي عن الحسن بن علي عن محمد بن سليمان الديلمي عن علي بن أبي حمزة (قال سألت:

أبا عبد اللّه عليه السّلام و أبا الحسن عليه السّلام عن لباس الفراء و الصّلاة فيها؟ فقال: لا تصل فيها إلّا ما كان منه ذكيّا. قلت: أو ليس الذكيّ ما ذكّى بالحديد؟ قال: بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه، قلت: و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ فقال: لا بأس بالسنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم، و ليس هو ممّا نهي عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ نهي عن كل ذي ناب و مخلب). «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 91

أمّا سند الرواية فضعيف قدمنا وجه ضعفه في طي الكلام في رواية ابن أبي يعفور عند الكلام في

الخزّ، لأنّ الاشكالات المتقدمة في تلك الرواية- غير الاشكال الوارد من جهة (فريت) الّذي كان في سندها- واردة في هذه الرواية.

و أمّا الكلام في دلالتها، فالسائل بعد ما سئل عن لباس الفراء- و المراد ظاهرا هو الفرو و بالفارسية (پوستين) و ان كان الفرو اسم حيوان أيضا على ما في بعض كتب اللغة- فبين عليه السّلام أولا اشتراط التذكية، ثمّ بعد ذلك بيّن اعتبار كون المذكى يؤكل لحمه، ثمّ قال السائل (و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم) أو (و ما يؤكل من غير الغنم).

فإن كان متن الحديث، كما في بعض النسخ هو (ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم) يمكن أن يقال: بأنّه ما معنى قوله (ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم) و أنّه هل من الغنم ما يكون من غير المأكول حتّى يسأل عن غيره.

و أمّا إن كان متن الحديث (ما يؤكل لحمه من غير الغنم) و كان (ما) ما الاستفهامية، و كان مراده أنّ أىّ شي ء يؤكل لحمه من غير الغنم، فقال عليه السّلام في جوابه (لا بأس بالسنجاب فانّه دابة لا تأكل اللحم) فيكون وضع السؤال و الجواب دليلا على كون السنجاب ممّا يؤكل لحمه، فيرد الاشكال بأنّ السنجاب ليس من حيوانات مأكول اللحم، مضافا أنّ التعليل بأنّه (دابة لا تأكل اللحم) أيضا مشكل بيّنا في الرواية السابقة، مضافا إلى أنّ قوله عليه السّلام بعد ذلك (و ليس هو ممّا نهي عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ نهي عن كل ذي ناب و مخلب) أيضا يدلّ على كون النهي عن جواز الصّلاة بالنسبة إلى خصوص السباع، لأنّها ذو ناب و مخلب.

و على كل حال

يستفاد حكم جواز الصّلاة في السنجاب من الرواية و إن كان بعض جهات الرواية مورد الاشكال.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 92

الرواية الثالثة:

ما رواها بشير بن بشار (قال: سألته عن الصّلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمور و الحواصل الّتي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الاسلام أن اصلّي فيه لغير تقية؟ قال: فقال: صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزميّة، و لا تصلّ في الثعالب و لا السمور). «1»

و هذه الرواية مضمرة، و هي تدلّ على جواز الصّلاة في السنجاب و الحواصل.

الرواية الرابعة:

ما رواها أبي علي بن راشد (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: ما تقول في الفراء اى شي ء يصلّي فيه؟ قال أىّ الفراء؟ قلت: الفنك و السنجاب و السمور. قال: فصلّ في الفنك و السنجاب، و أمّا السمور فلا تصلّ فيه) «2» الحديث.

و هي تدلّ على جواز الصّلاة في الفنك و السنجاب، و ربما يقال: بوهن هذه الرواية لاشتمال التجويز في السنجاب بالفنك- بناء على عدم جواز الصّلاة فيه- بهيئة واحدة، أعنى: بقوله (فصل) فإذا لا يمكن العمل و حمل هذه الهيئة على الجواز في أحد متعلقيه و هو الفنك، فيوهن العمل به في متعلقه الآخر، و هو السنجاب.

الرواية الخامسة:

ما رواها يحيى بن أبي عمران أنّه (قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام في السنجاب و الفنك و الخزّ و قلت: جعلت فداك احبّ ألا تجيبنى بالتقية في ذلك، فكتب بخطه إلى: صلّ فيها). «3»

و في هذه الرواية الاشكال الّذي قلنا في الرواية السابقة لاشتمال هذه الرواية أيضا بالفنك.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 93

الرواية السادسة:

ما رواها الوليد بن أبان (قال: قلت للرضا عليه السّلام: أصلّي في الفنك و السنجاب؟ قال: نعم) «1» الحديث.

و في هذه الرواية الاشكال الّذي بيّنا في الرواية 5 و 6.

الرواية السابعة:

ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الفراء و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه؟ قال: لا بأس بالصّلاة فيه). «2»

في هذه الرواية يجرى الاشكال المتقدم، لأنّ الظاهر منها جواز الصّلاة في الثعالب و السمور، و هو ممّا لا يمكن الالتزام به بهيئة واحدة بقوله (لا بأس بالصّلاة فيه) فيمكن أن يقال يوهن الرواية لأجل هذا، و يمكن أن يكون المراد بالفراء في هذه الرواية هو ما قيل: من أنّه اسم حيوان.

و اعلم أن هذه الرواية هو عين الرواية الّتي نقل صاحب الوسائل في الباب 3 من أبواب لباس المصلي، أعنى: 1 من الباب 3 غاية الامر لم يذكر كل الرواية في الباب الثالث و ذكرها فى باب الرابع، فلا تتوهم كونهما روايتين.

الرواية الثامنة:

ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن لبس السمور و السنجاب و الفنك؟ فقال: لا يلبس و لا يصلّي فيه إلا ان يكون ذكيّا). «3»

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 4 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 94

و هذه الرواية ما يمكن أن يقال بوهن الرواية به هو اشتمالها على السمور و الفنك، و تجويز الصّلاة فيهما.

هذا كلّه في الروايات الدالّة على جواز الصّلاة في السنجاب، و الكلام تارة يقع في أنّه بعد كون المستفاد من بعض الروايات، و هو المختار، من عدم جواز الصّلاة في ما لا

يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه، مع قطع النظر عن خصوص موثقة ابن بكير، هل يمكن تخصيص هذا العموم بهذه الروايات، حتّى كانت النتيجة هي جواز الصّلاة في السنجاب مع كونه ممّا لا يؤكل لحمه، أو لا؟

[منشأ الاشكال احتمال صدور هذه الاخبار تقيّة]

منشأ الاشكال هو احتمال صدور هذه الروايات تقية و موافقا لمذهب العامة القائلين بجواز الصّلاة في غير المأكول، لاشتمالها على ما لا تجوز الصّلاة فيها كالفنك و السمور و الثعالب، و بعضها و إن لم يكن فيه هذا الموهن، لكن يكون مشتملا على العلّة الّتي لا يمكن الالتزام بها و ندور معها، و هي (أنّها دابة لا تأكل اللحم) كرواية مقاتل بن مقاتل و علي بن أبي حمزة، فبعد اشتمال جلها على ما يوافق التقية، و بعضها الآخر على علّة لا يمكن الالتزام بعليتها، فليس في هذه الروايات مقتضى الحجية حتى تعارض مع بعض العمومات الدالّة على عدم جواز الصّلاة في غير المأكول حتى يخصص العموم بها.

إذا عرفت ذلك نقول: إن كان الاشكال في الروايات منحصرا في هذا فيمكن دفعه، لأنّه نقول: أمّا الروايات الّتي يقال: بأنّ مفادها جواز الصّلاة في مثل السمور و الفنك الّذي لا يجوز الصّلاة فيهما عندنا، بل جواز الصّلاة فيهما موافق لمذهب العامة، و لاجل ذلك يوهن الروايات، ففيها بعض الشواهد على عدم كونها صادرة تقية، مثل النهي عن الصّلاة في بعضها في الثعالب و السمور مثل الثالث من الروايات

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 95

المتقدمة، فإن كانت الرواية صدرت تقية فكيف قال فيها (لا تصلّ في الثعالب و لا السمور) و كذلك الرابع منها، لكون مفادها عدم جواز الصّلاة في السمور، و هو ينافي حمل الرواية على التقية، و بعض الروايات ليس

مقترنا بغير السنجاب حتّى يتوهم أنّه صدر تقية كالأول من الروايات، و كذا الثاني منها.

و اشتمالهما على علّة و هو (أنّها لا تأكل اللحم) لا يوجب عدم صحة الاستدلال بها لما نحن فيه، أمّا أوّلا فلأنّ عدم فهم العلة، و عدم إمكان الالتزام بكون الحكم وجودا و عدما في جواز الصّلاة و عدمه مدارها، لا يوجب عدم الأخذ بأصل الحكم المعلل بهذه العلّة، و ثانيا أنّ كون هذا علّة غير معلوم، إذا يمكن أن يكون حكمة، فلا يدور الحكم إثباتا و نفيا مدارها.

[تعارض الروايات مع موثقة ابن بكير]

و لكن تارة يقع الكلام من حيث معارضة هذه الروايات مع موثقة ابن بكير، و هي ما رواها ابن بكير (قال: سئل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه، فاسد لا تقبل تلك الصّلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحل أكله، ثمّ قال:

يا زرارة هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاحفظ ذلك يا زرارة فان كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكّى، و قد ذكّاه الذبح، و إن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله و حرم عليك أكله، فالصّلاة في كل شي ء منه فاسد ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من

الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 96

و ليس وجه معارضتها مع هذه الرواية صرف عموم قوله (إنّ الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد الخ) حتّى يقال: بأنّ لسان هذه الرواية عام، و لسان هذه الروايات الواردة في جواز الصّلاة في السنجاب خاص، فيخصص عموم الموثقة بها كما هو مقتضى الجمع بين كل عام و خاص، لأنّ عموم الوارد في الموثقة ليس كعمومات الآخر، بل له خصوصية يشكل أن يخصّص بهذه الروايات، و وجه الاشكال هو أنّ العام الوارد في الموثقة ورد على أسباب خاصة، و مع ورود العموم على أسباب خاصة لا يمكن تخصيص العام في مورد هذه الأسباب، لأنّ ذلك من قبيل التخصيص المستهجن، فإنّه بعد ما سئل زرارة عن الصّلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، ألقى عليه السّلام عموما من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو (أنّ الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله الخ) ففي مقام جواب السائل عن أشياء مخصوصة، إلقاء العموم يجعل العام كالنص في تلك الموارد و المسئول عنها، فعلى هذا بعد عدم كون عدم جواز الصّلاة في السنجاب بمقتضى الموثقة من باب العموم، بل يكون كالنص الخاص بالنسبة إليه، فنسبة هذه الموثقة مع الروايات الدالّة على جواز الصّلاة في السنجاب تكون تباينا لا العموم و الخصوص.

[العام الوارد فى الموثقة ورد على أسباب خاصّة]

إذا عرفت منشأ الإشكال، فاعلم أنّه إن كان العام واردا على سبب واحد لا إشكال في كونه نصا بالنسبة إليه، و كون تخصيصه فى هذا المورد من التخصيصات المستهجنة، مثلا إذا سئل السائل عن إكرام

زيد العالم فقال المولى: أكرم العلماء، فإذا خصص هذا العموم بهذا المورد مثلا يقول المولى في دليل منفصل (لا تكرم زيدا العالم) فيعد عند العقلاء هذا التخصيص مستهجنا، و لكن إذا ورد العموم على أسباب

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 97

متعددة، فهل تخصيص العموم في بعض هذه الاسباب أيضا يعد تخصيصا مستهجنا أولا يعد كذلك؟

اعلم أنّه يمكن أن يقال في المقام: بامكان الجمع بين الموثقة و هذه الروايات بتخصيص عموم الموثقة بها، و عدم ورود إشكال من باب كون ذلك تخصيصا مستهجنا.

أمّا أوّلا: فبأنّ العام لم يكن واردا على أسباب خاصة حتّى يكون التخصيص مستهجنا، لأنّ العام و هو قوله (إنّ الصّلاة الخ) من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو لم يلقه على أسباب خاصة، لأنّ هذه الأسباب الخاصّة وقع في كلام زرارة، و أبو عبد اللّه عليه السّلام بين ما صدر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلم يرد العموم على أسباب خاصة حتّى يرد هذا الاشكال «1».

و ثانيا: إنّ ورود العام على أسباب خاصة، أو سبب خاص على فرض كون تخصيص العام في موردها من التخصيص المستهجن هو في ما يكون النظر إلى فهم خصوص حكم الأسباب أو السبب بحيث يكون النظر إلى خصوصها، حتّى يكون إلقاء العام باعتبار فهم خصوص الأسباب، و أمّا إن لم يكن النظر إلى ذلك، بل يكون النظر إلى فهم عموم، غاية الامر بيّن بعض أفراد العموم من باب المثال بحيث لا

______________________________

(1)- أقول: هذا الوجه لا يكفي في الجواب عن الاشكال، لأنّه و لو كان أصل الكلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،

و لكن بعد ما سئل زرارة عن الصّلاة في هذه الامور، فيكون إلقاء أبي عبد اللّه عليه السّلام هذا العموم من أجل بيان حكم هذه الامور، فهو يكون في مقام جواب السائل، فبيانه هذا العموم يجعل العموم نصا في هذه الامور، فيكون تخصيص العام في هذه الامور من قبيل تخصيص المستهجن، مضافا إلى أنّه بعد ذلك القى عموما و هو قوله (فإن كان ممّا يؤكل لحمه) إلى أن قال (و إن كان غير ذلك الخ) و أورده على هذه الأسباب الخاصة. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 98

يكون النظر لا نظر السائل و لا المجيب- بالمذكورات، فليس تخصيص المذكورات بدليل خارج عند العقلاء تخصيصا مستهجنا.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ ما نحن فيه يمكن أن يكون من هذا القبيل، لاحتمال كون نظر زرارة من السؤال، هو فهم حكم كلي الحيوانات، و كان ذكر المذكورات في سؤاله من باب المثال، و الشاهد على ذلك هو أنّ ما هو المعروف بين المسلمين من العامة هو جواز الصّلاة في غير المأكول، و ما ينبغي أن يسأل عنه هو فهم أنّ حكم اللّه هو ما عندهم، أو غير ذلك، فيكون نظر زرارة إلى السؤال عن عنوان كلى لا عن هذه الافراد الخاصة، غاية الامر ذكر هذه الحيوانات من باب المثال، لا أن تكون خصوصية لها، و الشاهد على ذلك أيضا قول زرارة بعد قوله (عن الصّلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب) قال (و غيره من الوبر).

فمن الواضح أنّ نظره ليس بخصوص المذكورات، فإذا كان ذكر المذكورات من باب المثال، و ما هو مدّ نظره من السؤال هو فهم حكم عنوان كلي، فالمجيب و هو الامام عليه السّلام لم يكن نظره

الشريف إلّا إلى بيان حكم عام، لا أن يكون في مقام جواب حكم خصوص المذكورات، حتّى يكون عموم الجواب نصا بالنسبة إلى المذكورات، و كان تخصيص أحد المذكورات بدليل خارج من قبيل التخصيص المستهجن و بعد احتمال ذلك- إن لم نقل بكون الظاهر من السؤال هو هذا الاحتمال- فليس النظر إلى خصوص المذكورات حتّى يكون العام واردا على هذه الأسباب و كان تخصيص العام في أحد المذكورات مستهجنا، بل بناء عليه ليس حال العام في الموثقة إلا حال ساير العمومات، و إذا ورد دليل من خارج يمكن تخصيصه به.

[في امكان الجمع بين الطائفتين]

فعلى هذا نقول: يمكن الجمع بين هذه الروايات و بين الموثقة بتخصيص عموم

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 99

الموثقة بها، فتكون النتيجة هو جواز الصّلاة في السنجاب، فافهم.

ثمّ لو فرض عدم إمكان الجمع بين الموثقة المذكورة، و بين الروايات الدالّة على جواز الصّلاة في السنجاب بالنحو المذكور، و قلنا بكون التعارض بينهما التعارض بالتباين، فتصل النوبة بالاخذ بما فيه المرجح من الطائفتين.

فنقول: إنّ أوّل المرجحات في باب التعادل و التراجيح هو الشهرة و المراد بالشهرة، الّتي جعلت ترجيحا هو الشهرة الفتوائية، لا الشهرة في الرواية، و في المقام حيث إنّ بعد مراجعة كلمات الفقهاء من القدماء و المتأخرين نرى أنّ المسألة مختلف فيها، فبعضهم قائلون بجواز الصّلاة في السنجاب، و بعضهم بعدم الجواز، فليست الشهرة على أحد طرفي المسألة، لا على جواز الصّلاة في السنجاب، و لا على عدمه، فالشهرة الفتوائية في المقام غير موجودة حتّى يرجح بها أحد من الموثقة أو الروايات الواردة في جواز الصّلاة في السنجاب، و أمّا مخالفة العامة فالموثقة مخالفة لهم لدلالتها على عدم جواز الصّلاة في غير المأكول و هم

على خلاف ذلك و أمّا هذه الروايات فكما قلنا و لو أنّ من دلالتها على استثناء السنجاب و تجويز الصّلاة فيه، قد يوهم كونها موافقة للعامة، لانهم يجوّزون الصّلاة في غير المأكول و منه السنجاب، و لكن بعد كون هذه الروايات مشتملة على ما ينافي التقية مثل عدم جواز الصّلاة في الثعالب و الفنك و السمور، فنفهم عدم كون هذه الروايات موافقا للعامة، فمخالفة العامة لم تكن في المقام سببا لترجيح الموثقة على هذه الروايات، فإذا لا يكون ترجيح لأحد الروايات على الآخر، و يكون الحكم التخيير إن قلنا به.

المسألة الرابعة: لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال، و لا الصّلاة فيه.

اشارة

أمّا عدم جواز لبسه فمن المسلمات عند الفريقين الخاصّة و العامة، و أمّا عدم

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 100

جواز الصّلاة فيه للرجال، فهو من المسلمات عندنا، و نذكر بعض ما ورد في عدم جواز لبسه و عدم جواز الصّلاة فيه من الروايات، ثمّ نتكلم إنشاء اللّه في بعض مواقع لا بد من التكلم فيها.

[في الروايات الواردة فى الباب]
اشارة

فنقول: إنّ الروايات الّتي تكون مربوطا بالباب بعضها مذكور في كتاب الصّلاة، و بعضها في الطهارة في ضمن أبواب كفن الميت، و بعضها في الاحرام في كتاب الحج من الوسائل:

فمنها: ما رواها إسماعيل بن سعد الأحوص

في حديث (قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ فقال: لا). «1»

و منها: ما رواها أبو الحارث

(قال: سألت الرضا عليه السّلام هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ قال: لا). «2»

و يحتمل كون أبي الحارث كنية إسماعيل بن سعد الأحوص، و على هذا تكون الروايتين رواية واحدة.

و منها: ما رواها محمد بن عبد الجبار

(قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام: سألته هل يصلّي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السّلام: لا تحلّ الصّلاة في حرير المحض). «3»

و منها: ما رواها محمد بن عبد الجبار

(قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام: أسأله هل

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 101

يصلّي في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السّلام: لا تحل الصّلاة في حرير محض). «1»

و هاتان الروايتان رواية واحدة مسلمة لأنّ الراوي في كليهما محمد بن عبد الجبار، و الراوي عنه واحد و هو أحمد بن إدريس، و يروي الكليني رحمه اللّه عنه و متنهما أيضا واحد لا اختلاف في عبائر متنهما، فلا تعدّهما روايتين و إن عدهما صاحب الوسائل روايتين، و ذكر كل منهما في باب على حده.

و منها: ما رواها محمد بن عبد الجبار

(قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام أسأله هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير محض، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحل الصّلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه إنشاء اللّه). «2»

و لا تكون هذه الرواية أيضا راوية مستقلة غيرهما و إن كان متنها مغايرا معهما في بعض عبائرها، لأنّ راويها أيضا هو محمد بن عبد الجبار، فهذه الروايات الثلاثة، بحسب عدّ صاحب الوسائل، ليست إلّا رواية واحدة.

و منها: ما رواها يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا بأس بالثوب أن يكون سلاه و زرّه و علمه حريرا، و إنّما كره الحرير المبهم للرجال). «3»

و منها: ما رواها أبو داود يوسف بن إبراهيم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: قلت له: طيلساني هذا خزّ قال: و ما بال الخزّ؟ قلت: و سداه أبريسم. قال: و ما

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 102

بال الإبريسم؟ قال لا تكره أن يكون سدا الثوب أبريسم، و لا زرّه و لا علمه، إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال، و لا يكره للنساء). «1»

و هاتان الروايتان أيضا رواية واحدة رواها يوسف بن إبراهيم، و كنيته أبو داود، و ما يرى في الوسائل من أنّه ذكر في مقام نقلها في الباب 16 (أبي داود بن يوسف بن إبراهيم) فيكون (ابن) زائدا، و هو اشتباه إمّا من صاحب الوسائل رحمه اللّه و إمّا من الناسخين، و الصحيح هو أبو داود يوسف بن إبراهيم، فهما رواية واحدة يرويها يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، غاية الامر نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه هذه الرواية في الباب 13 و 16، و قبل ذلك في الباب 10 من أبواب لباس المصلّي من الوسائل، فمما قلنا ظهر لك أنّ ما نقلنا من الروايات و إن كان بحسب عدّ صاحب الوسائل سبعة روايات إلّا أنّ بعد الدقة يظهر كونها ثلاثة روايات.

و منها: ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام

(قال: لا يصلح لباس الحرير و الديباج، أمّا بيعهما فلا بأس). «2»

و منها: ما رواها العباس بن موسى عن أبيه عليه السّلام

(قال: سألته عن الإبريسم و القزّ، قال هما سواء). «3»

و منها: ما رواها جرّاح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، و يكره لباس الحرير و لباس الوشي (القسى) و يكره

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 103

الميثرة الحمراء فانها ميثرة ابليس). «1»

و منها: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام

(قال: سألته عن الرجل هل يصلح له لبس الطيلسان فيه الديباج و القز كان عليه حرير؟

قال: لا). «2»

و منها: ما رواها إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلّا في الحرب). «3»

و منها: ما رواها ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا يلبس الرجل الحرير و الديباج إلّا في الحرب). «4»

و منها: ما رواها أحمد بن محمد بن أبي نصر

(قال: سئل الحسين بن قياما أبا الحسن عليه السّلام عن الثوب الملحم بالقزّ و القطن و القزّ أكثر من النصف أ يصلّى فيه؟

قال: لا بأس قد كان لأبي الحسن عليه السّلام منه جبّات). «5»

و منها: ما رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان). «6»

و منها: ما رواها أبو الحسن الأحمسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: سأله أبو

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 12 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 12 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 12 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 1 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(6)- الرواية 2 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 104

سعيد عن الخميصة و أنا عنده سداه إبريسم، أ يلبسها و كان وجد البرد؟ فأمره أن يلبسها). «1»

و منها: ما رواها إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(من الثوب يكون فيه الحرير، فقال: ان كان فيه خلط فلا بأس). «2»

و منها: ما رواها موسى بن بكير عن زرارة

(قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام ينهي عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ، أو كتان أو قطن، و إنّما يكره الحرير المحض للرجال و النساء). «3»

و منها: ما رواها محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام

(أنّه كتبت إليه، يتخذ بأصفهان ثياب فيها عتابية على عمل الوشي من قزّ و أبريسم، هل تجوز الصّلاة فيها أم لا؟ فأجاب عليه السّلام: لا تجوز الصّلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان). «4»

و منها: ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: كل ما لا تجوز الصّلاة فيه واحده لا بأس بالصّلاة فيه، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخفّ و الزنار يكون في السراويل و يصلّي فيه). «5»

و منها: ما رواها ليث المرادي

(قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 8 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 105

كسا اسامة بن زيد حلّة حرير فخرج فيها، فقال: مهلا يا اسامة إنّما يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك). «1»

و منها: ما رواها ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال:

النساء يلبسن الحرير و الديباج إلّا في الاحرام). «2»

و منها: ما رواها سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير و هي محرمة، فأمّا في الحر و البرد فلا بأس). «3»

و منها: ما رواها الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه

في حديث المناهي (قال: نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن لبس الحرير و الديباج و القزّ للرجال، و امّا النساء فلا بأس). «4»

و منها: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام

(قال: سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء؟ قال: لا بأس). «5»

و منها: ما رواها الريان بن الصلت

(قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن لبس الفراء و السمور و السنجاب و الحواصل و ما أشبهها و المناطق و الكيمخت و المحشو بالقزّ و الخفاف من أصناف الجلود؟ فقال: لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب). «6»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 9 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(6)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 106

و هذه الرواية نقلها صاحب الوسائل في الباب 46 من أبواب لباس المصلّي لكن لا بتمامها، و جعلها الرواية 2 من ذلك الباب، فلا تتوهم أنها رواية مستقلة غير هذه الرواية.

و منها: ما رواها الحسين بن سعيد

(قال: قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا عليه السّلام يسأله عن الصّلاة في ثوب حشوه قزّ، فكتب إليه قرأته، لا بأس بالصّلاة فيه). «1»

و منها: ما رواها إبراهيم بن مهزيار

(أنّه كتب إلى أبي محمد عليه السّلام: الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزّا، هل يصلّي فيه؟ فكتب: نعم، لا بأس به). «2»

و غير ذلك من الروايات يراها من راجع كتب الأخبار، و نحن ذكرنا بعضها تيمنا، هذا كلّه بعض الروايات الواردة في الباب،

[الجهات الراجعة الى المسألة]
اشارة

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في بعض الجهات الراجعة الى المسألة، فنقول بعونه تعالى:

الجهة الاولى: [لا اشكال فى الحرمة التكليفية نصا و فتوى فى لبس الحرير للرجال فى غير الضرورة]
اشارة

في أنّه بعد ما لا إشكال نصا و فتوى في حرمة لبس الحرير في مطلق الحالات إلّا ما استثنى في الحرب أو مطلق الضرورة للرجال بالحرمة التكليفية، فهل المنع عنه للرجل في حال الصّلاة أيضا يكون من باب حرمة التكليفية، بمعنى أنّه إذا لبس الرجل الإبريسم حال الصّلاة فقد فعل حراما، و لكن لا يضر ذلك بصلاته، أو أنّه مضافا إلى ذلك يكون لبس الحرير من الموانع للصّلاة بالنسبة إلى الرجال، بمعنى أنّه إن كان لباس المصلي، إذا كان رجلا، الحرير تبطل صلاته.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 47 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 47 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 107

[لبس الحرير على الرجال عند العامّة ليس مانعا]

لا يخفى عليك بطلان الصّلاة في لباس الحرير إن كان المصلّي رجلا، و الوجه في ذلك- مضافا إلى تسلم ذلك عندنا، خلافا لما هو المشهور عند العامة من عدم كون لبس الحرير للرجال محرما إلا بالحرمة التكليفية في الصّلاة و غيرها- دلالة بعض الروايات الواردة في الباب في خصوص الصّلاة على ذلك، إذ الظاهر بعد كون حرمة لبسه للرجال بالحرمة التكليفية مسلّم من صدر الأوّل عند المسلمين قاطبة من العامة و الخاصة، كون سؤال السائلين من زمن الصادقين عليهما السّلام و بعدهما عن مانعيته للصّلاة و عدمها، إذ هذا الحيث كان حيثا ينبغي السؤال عنه، لكون المتداول بين العامة من المسلمين عدم كونه من موانع الصّلاة، فالظاهر مثلا من رواية إسماعيل بن سعد الأحوص المتقدمة إذا سئل عن الرضا عليه السّلام (هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم) هو كون سؤاله عن مانعية ثوب أبريسم للصّلاة أم لا، و جوابه عليه السّلام بقوله (لا) يريد مانعيته

للصّلاة (مضافا إلى ما أفاده سيدنا الاستاد مدّ ظلّه في الاصول- في مقام بيان كون النزاع في أنّ النهي في العبادة هل يوجب فسادها أم لا- بأن النزاع تارة يكون في أنّ النهي المتعلّق بالعبادة هل يدلّ على الحرمة التكليفية مثل ساير الموارد، و يكون على هذا نهيا مولويا، أو أنّ النهي في أمثال هذا المورد يكون إرشاديا يرشد بفساد العبادة، و تارة يكون النزاع- بعد الفراغ عن كون النهي في مثل هذه الموارد نهيا تحريما مولويا- في أنّ النهي التحريمي بالعبادة يوجب فسادها أم لا، و يظهر لك الفرق بين النزاعين موضوعا و محمولا.

فبناء على كون النزاع تارة في أنّ النهي في مثل هذه الموارد للارشاد إلى فساد العبادة، أو للنهي التحريمي المولوي، فإذا كان الظاهر من النهي المتعلّق بالعبادة إرشادا إلى فساد العبادة إذا وقعت العبادة مع النهي عنه، فيظهر لك أنّ الظاهر من

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 108

النهي عن الصّلاة في الحرير للرجال هو الارشاد إلى فساد الصّلاة إذا كان لباس الرجل المصلي حريرا، و يظهر من بعض في وجه فساد الصّلاة في الحرير بأنّ النهي متعلق بالصّلاة في الحرير و النهي في العبادة مستلزم للفساد، فالنهي في المقام يقتضي فساد الصّلاة في الحرير للرجال) و على كل حال لا إشكال في مانعية الحرير للصّلاة بالنسبة إلى الرجال.

الجهة الثانية: [في ما هو المانع للصّلاة هو خصوص المنسوج من الابريسم]

هل المحرّم لبسه من الحرير، بالحرمة التكليفية أو مانعية لبسه في الصّلاة، مخصوص بما إذا كان الإبريسم منسوجا، أو يعم الحكم بمطلق الإبريسم و إن لم يكن منسوجا؟

لا يبعد كون المحرّم لبسه و ما هو مانع للصّلاة للرجال هو خصوص المنسوج من الإبريسم و أمّا ما لم يكن منسوجا كنفس الإبريسم و القزّ

الغير المنسوج، فلم يكن مانعا للصّلاة و محرّما للرجال، لأنّ الظاهر من بعض الروايات هو وقوع التعبير فيها بالحرير أو الديباج، و الظاهر كونهما ممّا ينسج من أبريسم بوضع خاص و خصوصية مخصوصة، كما يظهر من اللغة و على كل حال هما منسوجان، و ما في بعض الروايات المتقدمة من التعبير بالإبريسم، مثل رواية إسماعيل بن سعد الأحوص، و هي الرواية الاولى ممّا ذكرنا (قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ فقال: لا) فهي و إن تدلّ على عدم جواز الصّلاة في أبريسم، و لكن بعد ما سئل السائل و قال (في ثوب أبريسم) مراده السؤال عن ثوب أبريسم، فأيضا تدلّ على أن المحرّم هو منسوج أبريسم، لأنّ ثوب أبريسم منسوج.

فعلى هذا لا يستفاد من روايات الباب كون نفس الإبريسم و القزّ محرما لبسهما و الصّلاة فيهما، و لا يعد عند العرف من وضع على بدنه أبريسم غير منسوج

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 109

بأنّه لابس ذلك، فعلى هذا وضع الشخص على بدنه الإبريسم الغير المنسوج لا يكون محرّما و لا مانع من الصّلاة فيه للرجال، نعم قد لا يكون الإبريسم بصورة المنسوج و يتخذ منه لباسا كالنمد مثلا، فهل يقال: بعدم الاشكال في ذلك لعدم كونه منسوجا، بل يعمل كالمنسوج و إن اتخذ منه لباسا، و فرض كون ذلك من الإبريسم أو القزّ، أو يقال بعدم جواز ذلك، لأنّه لباس و ثياب كالمنسوج و إن لم يكن منسوجا.

لا يبعد عدم جواز الصّلاة في مثل ذلك الثوب، و كونه ممّا يحرم لبسه إذا كان من أبريسم، لأنّه كالمنسوج أولا، و شمول رواية إسماعيل بن سعد الأحوص مثل هذا ثانيا،

لدلالتها على عدم جواز الصّلاة في ثوب الإبريسم، و هذا ثوب الإبريسم، فافهم.

و يؤيد ما قلنا من عدم كون نفس الإبريسم و القزّ محرما كما استفدت من مطاوي كلمات سيدنا الاستاد مد ظلّه هو بعض الروايات الواردة في حشو الثوب بالقزّ من عدم الإشكال فيه، مع كون القزّ في الحكم كالإبريسم، كما يستفاد من بعض روايات الباب، و ما نقل عن الصّدوق رحمه اللّه من كون المراد من القزّ الّذي يجعل حشوا هو قزّ المفرط، لا وجه له، لأنّ القزّ اسم لغة لما يسوّى منه الإبريسم، فعلى هذا لا يبقى إشكال في عدم كون المحرم بالحرمة التكليفية و الوضعية نفس الإبريسم.

الجهة الثالثة: [في البحث عن مفاد الروايات الواردة فى الثوب الحرير]
اشارة

قد يقال بكون الكف من الحرير و العلم و الزرّ خارجين موضوعا عن تحت العمومات أو الاطلاقات الدالّة على المنع من لبس الحرير و الإبريسم، و منشأ تخيل ذلك هو كون المراد من الحرير المحض بعد كون الحرير هو المنسوج من الإبريسم و كون النهى عن لبسه أو الصّلاة فيه هو كون المحرّم هو ثوب الحرير، و ثوب الحرير بعد تقييده بكونه محضا، يفيد أنّ المحرم أو المانع في الصّلاة هو

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 110

كون الثوب بتمامه حريرا، فإذا لم يكن الثوب حريرا بتمامه فلا إشكال فيه، فعلى هذا لا إشكال في المكفوف و العلم و خصوصا الزرّ.

إذا عرفت ذلك نقول بعبارة اوضح: إنّ منشأ كون الكف و العلم خارجين بالخروج الموضوعي عن الإطلاقات و عدم خروجهما هو أنّه تارة يقال: بأنّ متعلق النهي الوارد في بعض الروايات المذكورة من أنّه (إنّما كره الحرير المبهم) أو (المصمت من الإبريسم) أو (لا تحل الصّلاة في حرير المحض) هو الثوب الّذي يكون حريرا محضا،

و يكون مقابله جواز الصّلاة و عدم الحرمة في ما لم يكن تمام الثوب حريرا محضا إمّا بأنّ يكون سداه أو لحمته غير حرير، و إمّا بأنّ يكون بعض الثوب حريرا محضا بدون مزجه بشي ء اخر و بعضه غير حرير، أو حرير مخلوط، مثلا يكون أعلى الثوب من القطن الخالص أو من الحرير الممزج بغيره، و أسفله من الحرير المحض الخالص، فإن كان متعلق النهي في قوله مثلا (لا تحل الصّلاة في حرير المحض) هذا، فلا إشكال في خروج مثل الكف و العلم و نظائرهما عن تحت هذا العموم رأسا أعنى:

موضوعا، بحيث لو كنا نحن و هذا العموم، نحكم بعدم شمول النهي لمثل هذه الموارد و إن لم يرد دليل خاص باخراج مثل هذه الموارد عن تحت حكم العام.

و تارة يقال: بأنّ متعلق النهي في قوله مثلا (لا تحل الصّلاة في حرير المحض) هو الحرير المحض المقابل للممزوج و المختلط بغيره، و بعبارة اخرى يكون المراد من الحرير المحض ما يكون سداه و لحمته حريرا محضا أى خالصا سواء كان يطلق عليه الثوب أم لا و في مقابله الممزوج و المختلط، بأن يكون سداه أو لحمته، أو بعض من احدهما غير الحرير، فإن كان الامر كذلك، فالخارج موضوعا هو خصوص ما لا يكون سدا المنسوج و لحمته بتمامه حريرا، و أمّا إذا كان المنسوج حريرا محضا، و إن لم

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 111

يكن تمام الثوب بل أعلى الثوب أو أسفله حريرا محضا من حيث السدا و اللحمة، فلا يجوز لبسه و الصّلاة فيه إلا أن يرد دليل خاص باخراجه عن هذا العموم، فعلى هذا يدخل الكف من الحرير أيضا تحت العموم، و إخراجه

عن حكم العموم محتاج إلى دليل خاص، و إذا ورد دليل خاص بجوازه، فيكون نسبة هذا الدليل مع العموم المذكور تخصيصا لا تخصصا بخلاف صورة الاولى.

[يستفاد من الاخبار المنع عن لبس الثوب]

إذا عرفت ذلك نقول: قد يقال: بكون الحق هو الصورة الاولى، لأنّ المستفاد من الروايات الدالّة على المنع عن الصّلاة في ثوب أبريسم و حرمة لبسه، هو النهي عن ثوب الحرير حيث إنّ في بعضها التصريح بالثوب مثل رواية إسماعيل بن سعد الاحوص، لأنّها نص في النهي عن الصّلاة في ثوب أبريسم، فما ليس بثوب لا يدخل تحت موضوع الحكم أصلا، مثل ما اذا كان بعض الثوب أو كفه أو علمه و زرّه حريرا، و في بعضها و إن عبّر بلفظ الحرير و المستفاد منها النهي عن لبس الحرير، و لكن المستفاد منها أيضا ما إذا كان ثوبا، لأنّ ظاهر الظرفية الحقيقية يقتضي ذلك، فقوله عليه السّلام في مكاتبة محمد بن عبد الجبار (لا تحل الصّلاة في حرير المحض) لا تصدق الظرفية الحقيقية إلّا إذا كان الحرير ثوبا حتّى يصح كون الصّلاة فيه، و يقال: تحل الصّلاة أو لا تحل في حرير المحض مثلا، و في بعضها عبر بلفظ اللباس مثلا قال في رواية جراح المدائنيّ (و يكره لباس الحرير)، و الظاهر منه كون اللباس حريرا لا بعض اللباس، فيستظهر من كل ذلك كون أبعاض الثوب من الكف و غيره خارجا موضوعا عن العموم الدال على المنع عن الحرير.

إن قلت: إنّ التعبير في بعض الروايات بالحرير المحض، و كون المستفاد منها هو أنّ المانع في الصّلاة و المنهي لبسه هو الحرير الخالص أعني غير الممتزج بغيره،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 112

و كون الحكم من الحرمة و المانعية دائرا مدار

كون الحرير محضا سواء كان تمام الثوب أو بعضه، كما يظهر من رواية زرارة، لأنّ المستفاد منها عدم البأس بما كان من حرير مخلوط بخزّ أو قطن أو كتان، و إنّما يكره الحرير المحض، شاهد على أنّ النهي غير مختص بما كان تمام الثوب حريرا، بل المنهي عنه هو الحرير المحض، سواء كان تمام الثوب أو بعضه، فإذا كان كف الثوب مثلا أو أعلى الثوب حريرا محضا أى: غير مخلوط بغير الحرير، فمحرم لبسه و الصّلاة فيه و إن كان بعضه الآخر من الثوب أو أسفل الثوب قطنا خالصا.

نقول: بأنّ المراد بالحرير المحض ما يقابل الحرير المخلوط أعنى: ما يكون سداه أو لحمته غير حرير، و ما يقابل الثوب الّذي يكون بعضه حريرا محضا و أسفله، و بعضه الآخر غير حرير و بعبارة اخرى إذا كان بعض الثوب، مثلا ظهارة الثوب، حريرا خالصا و سداه و لحمته، و يكون بطانته غير حرير، أو بالعكس، أو كان كف الثوب أو علمه أو زرّه حريرا من سداه و لحمته، و لكن ما بقي الثوب لا يكون حريرا، فلم يكن حريرا محضا.

[و الشاهد على ما قلنا رواية يوسف بن ابراهيم]

و الشاهد على ذلك رواية يوسف بن إبراهيم المتقدمة رواها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا و إنّما كره الحرير المبهم للرجال) فإنّ المستفاد منها هو أن الحرير المبهم أعنى: الحرير المحض ما يقابل الثوب الّذي يكون سداه و زرّه و علمه حريرا، و لم يكن لحمته أو غير زرّه و علمه حريرا، فإذا كان زرّ الثوب أو علمه أو سدا الثوب فقط حريرا فلا بأس به، و إنّما يكره الحرير المبهم.

و الظاهر من

الرواية هو عدم كون ما يكون سداه أو زرّه أو علمه حريرا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 113

داخلا في موضوع حرير المحض المحرم لبسه و الصّلاة فيه للرجال، لأنّه قال عليه السّلام (لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا و إنّما كره الحرير المبهم للرجال) لأنّ ظاهرها هو كون الحرير على قسمين: حرير غير مبهم، و هو ما يكون سداه أو زرّه أو علمه حريرا فقط، و حرير مبهم و هو ما يقابل القسم الأول، و ما هو موضوع للحرمة هو القسم الثاني، فالقسم الأوّل خارج موضوعا عن هذا الحكم، فعلى هذا لا حاجة في إخراج صورة كون سدا الثوب أو لحمته حريرا، و كذا صورة كون زرّ الثوب أو علمه أو كفه حريرا إلى ورود دليل خاص دالّ على إخراجها من العموم الدالّ على المنع من لبس الحرير و الصّلاة فيه، بل هذا القسم خارج موضوعا.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه كون الكف و العلم و الزرّ خارجا موضوعا عن تحت عموم المنع عن لبس الحرير، و لكن فيه أنّ ما ادعيت من أنّ الظاهر من رواية إسماعيل بن سعد هو كون المنهي ثوب أبريسم، و المستفاد ممّا ورد بتعبير (في حرير المحض) هو على ما يقتضي الظاهر من الظرفية كونه أيضا ثوبا حتّى يصح أن يقال: (لا تصلّ فيه) فاسد، فإنّ ما عبر فيه بثوب أبريسم، فهو كما قلنا في مطاوي كلماتنا السابقة يكون من باب عدم كون المنهى خصوص أبريسم، بل المنهي المنسوج منه، فالتعبير بثوب أبريسم يكون من باب كون المنهي المنسوج من أبريسم لا خصوص الثوب (و لهذا لو اتخذ منسوجا من أبريسم على

نحو غير الثياب، و أوقعه على بدنه، فلا يمكن الالتزام بعدم الاشكال في ذلك لعدم كونه من الثياب) و قلنا بأنّ لفظ الحرير الوارد في بعض الروايات شاهد على أن المنهى هو الحرير لا الإبريسم، مضافا إلى أنّ هذا أعنى: ثوب أبريسم وقع في سؤال السائل، و لا على انحصار المنهي بخصوص ما سئل السائل، فإنّ إسماعيل قال (سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام هل يصلّي في ثوب أبريسم؟ فقال: لا) فلا يستفاد من الرواية كون

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 114

النهي منحصرا بثوب أبريسم.

[و الشاهد على ما اخترناه رواية اسماعيل بن الفضل]

و أمّا الحرير المحض فعلى ما يستفاد من بعض الروايات هو أن المحوضة في قبال الخلط بغير الحرير، مثل ما إذا كان سداه أو لحمته أو بعض منهما حريرا، و بعضه الآخر غير حرير، مثل رواية زرارة المذكورة في الباب 13 من أبواب لباس المصلي من الوسائل، و كذا رواية عبيد بن زرارة المذكورة في هذا الباب من الوسائل، لا أن يكون المراد من حرير المحض كون تمام الثوب حريرا في قبال ما إذا كان بعض الثوب حريرا و إن كان هذا البعض لمحته و سداه.

و الشاهد على ذلك ما رواها إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الثوب يكون فيه الحرير. (فقال: إن كان فيه خلط فلا بأس) «1» لأنّ المستفاد منها هو أن بعض الثوب إذا كان حريرا غير مخلوط بشي ء اخر من القطن أو غيره لا تجوز الصّلاة فيه بالمفهوم، و منطوقها يدلّ على عدم الباس إذا كان في هذا البعض خلط، فالرواية تدلّ على أنّ عدم الباس في ما إذا كان بعض الثوب حريرا في صورة يكون في هذا البعض الّذي يكون من

الثوب حريرا خلط لأنّ مرجع ضمير (فيه) هو (الحرير) يعني في الثوب يكون في هذا الثوب الحرير، فقال: ان كان في هذا الحرير الذي في الثوب خلط فلا بأس (اللهم إلا أن يقال: بأنّ ضمير (فيه) راجع إلى الثوب، و كان المراد أنّه إن كان في الثوب خلط فلا بأس، فيقال إن خلطه باعتبار عدم كون تمام الثوب حريرا، و هو بعيد إلى الغاية.

و أمّا رواية يوسف بن إبراهيم و أبو داود يوسف بن إبراهيم فقلنا سابقا: إنّ كلاهما رواية واحدة و أبو داود كنية يوسف بن إبراهيم، و ما ترى في الوسائل في

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 12 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 115

مقام نقل سند رواية أبي داود من أنّه ذكر (أبي داود بن يوسف بن إبراهيم) اشتباه، و على كل حال ذكرنا الروايتين سابقا، و نذكره مجددا لتتميم الفائدة.

فنقول: إنّ من روايات الباب رواية يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا، و إنّما كره الحرير المبهم للرجال.

اعلم أنّ الكراهة في الرواية ليست الكراهة المصطلحة، لأنّ الكراهة تارة تنسب إلى فعل، فيقال: إنّ الصّلاة في الحمام مكروه، فالكراهة هو الكراهة المصطلحة، و أمّا في المقام فقوله (إنّما كره الحرير المبهم للرجال) حيث لم تنسب إلى فعل، فالمراد منها هو مكروهية هذا، و بالفارسية (ناخوش داشتن) فليست الكراهة في الرواية شاهدة على أنّ الحرير يكره بالكراهة المصطلحة.

[في ذكر الاحتمالات المربوطة]
اشارة

إذا عرفت هذا نقول: إنّ في الرواية احتمالين:

أحدهما: ما يظهر من عبارة صاحب الجواهر ره

«1» و الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه «2» في مقام بيان إثبات كون الكف و نظائره خارجا موضوعا عن العمومات الناهية عن لبس الحرير، و هو أن يقال: يستفاد من الرواية من عدم البأس بما يكون سدا الثوب و زرّه و علمه حريرا، و دوران حكم النهي مدار كون الحرير مبهما أى: محضا، بأنّ ما إذا كان سدا الثوب أو زرّه أو علمه حريرا لم يكن حريرا محضا، لأنّ الظاهر من الرواية كونه عليه السّلام في مقام بيان حكمين متقابلين من حيث الموضوع فموضوع، الجواز هو الحرير الغير المحض، و هو ما إذا كان سد الثوب

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 129 و 130 و 131.

(2)- مصباح الفقيه، ج 10، ص 336 و 337.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 116

أو زرّه أو علمه حريرا، و موضوع عدم الجواز ما إذا كان الثوب بتمامه حريرا محضا، فيستفاد من الرواية أنّه إذا كان علم الثوب أو زرّه أو سداه حريرا لم يكن موضوع حكم النهى من رأس، فتكون النتيجة أنّ بعض الثوب إذا كان حريرا سواء كان بنحو يكون سداه أو لحمته حريرا فقط، أو كان زرّه أو علم الثوب حريرا فقط، و ليس تمام الثوب حريرا لا بأس به، لعدم كون ذلك من أفراد ما هو موضوع الحرمة أو الفساد.

و ثانيهما أن يقال:

إن غاية ما يستفاد من الرواية كون الامام عليه السّلام في مقام بيان حكمين: عدم البأس في مورد، و البأس في مورد، فبقوله (إنّما كره الحرير المبهم) يفيد أن الحرير المبهم، أى: المحض، مكروه عنده أى: غير مرضيه لا الكراهة المصطلحة، بل الكراهة الّتي تساعد مع الحرمة، و لا تنافي مع بعض الروايات الدالّة على

الحرمة، و بقوله (لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا) يفيد عدم البأس في ذلك، و لا يلزم من حكمه بعدم البأس في ذلك كون ذلك خارجا موضوعا عن الحكم المحمول على الحرير، و هو النهي، بل يحتمل كون ذلك استثناء من هذا العموم، فعدم البأس في سد الثوب و زرّه و علمه قابل لأنّ يكون من باب عدم كونها من أفراد موضوع ما هو المحكوم بالحرمة من الحرير و لاجل هذا لا بأس بها، و قابل لأن يكون خروجها من الحكم فقط و إن كانت داخلا في الموضوع، فيكون تخصيصا، و قابل بأن يكون حكمه بعدم البأس في هذه الثلاثة في بعضها من باب خروجه موضوعا كسدى الثوب، و في بعضها حكما كزرّه و علمه، و حمل الصدر في قوله عليه السّلام (لا بأس بالثوب بان يكون سداه و زرّه و علمه حريرا) على خروج الحكمى، و استثنائه عن الحكم المبين في الذيل، و هو قوله عليه السّلام (إنّما كره الحرير المبهم) لا ينافي مع الذيل لأنّه أثبت حكما بطريق العموم في الذيل، و في الصدر بين بعض ما هو

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 117

خارج عن الحكم، فعلى هذا لا تصير الرواية دليلا على كون خروج بعض الثوب من علمه و زرّه أو كفه خروج الموضوعي. «1»

و بعد ما عرفت من أنّ في الرواية احتمالين، فليس ظهور لها في الاحتمال الأوّل حتى يكون المستفاد خروج مثل الكف و نظائره بالخروج الموضوعي، اذ قابل لأنّ تحمل على الاحتمال الثاني، و غايته خروج علم الثوب و زرّه عن الحكم لا الموضوع.

و من هنا يظهر لك حال رواية داود يوسف بن إبراهيم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: قلت له: طيلسانى في هذا خزّ قال: و ما بال الخزّ؟ قلت: و سداه أبريسم، قال: و ما بال الإبريسم، قال: لا تكره أن يكون سد الثوب أبريسم و لا زرّه و لا علمه، إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال، و لا يكره للنساء) لأنّ هذه الرواية أيضا يحتمل فيها احتمالان المتقدمان على فرض كونها رواية مستقلة، و كما قلنا في السابقة تكون الرواية قابلة لحملها على الاحتمال الثاني (و لعل حمل هذه الرواية على الاحتمال الثاني من الاحتمالين المتقدمين يكون أولى، لأنّ مفاد الرواية هو عدم الكراهة في سدا الثوب و زرّه و علمه إن كان حريرا، و الكراهة إن كان أبريسما

______________________________

(1)- أقول: مضافا أن زرّ الثوب و كذا علمه لم يكن من بعض الثوب و لم يكن كالكف، فإنّ الزرّ شي ء خارج يجعل على الثوب أعنى (التكة) و علم الثوب، على ما يظهر من كلام بعض أهل اللغة، رسم الثوب و رقمه، و لعل المراد بعض ما يخاط في أطراف الثوب من الإبريسم، فلو فرض إخراج العلم و الزرّ موضوعا لا يمكن التعدي إلى غيره، كالكف أو ما إذا كان اعلى الثوب بتمامه حريرا خالصا و أسفله غير الحرير، أو ما إذا كان قدام الثوب حريرا خالصا و خلفه غير حرير، لأنّ كل هذا بعض الثوب.

و لكن يمكن أن يقول الخصم: بان خروج علم الثوب و زرّه ليس إلا من باب عدم كون تمام الثوب حريرا محضا و المحرّم هو الثوب المنسوج من الحرير كله، فكل ما لم يكن كذلك ليس بحرام بالحرمة الوضعية و التكليفية. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 118

مصمتا، و

غاية دلالتها هو المكروهية.

فظهر لك ممّا مر أنّه لا وجه للالتزام بأنّ موضوع المنع هو خصوص ما إذا كان الثوب بتمامه حريرا، و عدم دخول ما يكون بعضه حريرا فقط، و إن كان هذا البعض حريرا بلحمته و سداه في موضوع الحكم، و النهي الوارد عن لبس الحرير و الصّلاة فيه، لما مرّ من عدم ظهور دليل على الاختصاص، و خصوصا لعدم إمكان الالتزام بذلك، فكيف يمكن الالتزام بعدم كون الثوب الّذي قدامه فقط حريرا خالصا، و خلفه غير حرير، أو أعلاه حريرا خالصا و أسفله غير حرير، أو ظهارته حريرا خالصا و بطانته غير حرير، أو بالعكس، من أفراد الموضوع الّذي يكون مورد النهي عن لبسه.

و لهذا ترى أنّ بعض من توهّم كون مثل الكف خارجا موضوعا، بدعوى كون موضوع الحكم هو الثوب، فبعض الثوب خارج عن موضوع الحكم، وقع في المخمصة في مثل الأمثلة المتقدمة، و التزم بعدم كون مثلها خارجا عن موضوع الحكم، و بأن العمومات تشملها، كما ترى من عبارة صاحب الجواهر رحمه اللّه «1»، و صار في مقام رفع الاشكال، و الحال أنّه لو التزمنا بهذه المقالة لا فرق بين ما يكون كف الثوب حريرا محضا و بين ما يكون أعلى الثوب حريرا محضا، و أسفله غير حرير و هكذا.

فعلى هذا بعد عدم إمكان الالتزام بعدم شمول العمومات لمثل المكفوف بالحرير و دخول مثله في العموم، لا بدّ من إخراجه من ورود دليل خاص على إخراجه حتّى يقال: خصص العموم به، و إلّا لو لم يرد دليل مخصص لا وجه لخروج مثل الكف عن العموم، فيبقى الكلام بعد ذلك في أنّه هل الكف و العلم و زرّ الثوب

______________________________

(1)- جواهر

الكلام، ج 8، ص 130.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 119

استثنى عن الحكم الصادر في باب الحرير و هو النهي عن لبسه و الصّلاة فيه أم لا. «1»

______________________________

(1)- أقول: لم يتعرض استادنا الاعظم مدّ ظلّه لبيان حكم المكفوف بالحرير و علم الثوب و زرّه إن كانا حريرين، و قال مدّ ظلّه فقط: بأنّه بعد التفحص التام في باب موضوع الكف لم أجد شيئا يمكن أن يقال: إنّه موضوعه، فعلى هذا يكون الموضوع غير مبين و إن فرض كون حكمه الجواز.

أقول: أمّا بالنسبة إلى زرّ الثوب، فلا مجال للاشكال في جواز كونه حريرا، لدلالة رواية يوسف بن إبراهيم على ذلك، و أمّا بالنسبة إلى علم الثوب فرواية يوسف بن إبراهيم تدلّ على عدم البأس بكون علم الثوب حريرا، و لكن في قبال ذلك يستفاد من رواية عمار بن موسى عدم جواز الصّلاة فيه، لأنّه روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: و عن الثوب يكون علمه ديباج، قال: لا يصلّي فيه) فلو قلنا: بأنّ ما هو الممنوع لبسه من الحرير لا تجوز الصّلاة فيه، لا يمكن الجمع بين هذه الرواية و رواية يوسف بن إبراهيم: بأنّ رواية عمار متعرض للصّلاة و رواية يوسف أعم من حال الصّلاة و غيره، فتكون نتيجة الجمع عدم جواز في ما إذا كان علم الثوب حريرا، لأنّ ما لا يجوز لبسه في غير الصّلاة لا تجوز الصّلاة فيه، لأنّ كل من جوز اللبس في مورد في مسئلة الحرير جوز لبسه، و كل من لا تجوز الصّلاة لا يجوز لبسه في غير حال الصّلاة، فعلى هذا لا يبعد بالنظر أن يجمع بينهما بحمل رواية عمار على الكراهة بقرينة (لا بأس)

في رواية يوسف.

و يؤيد ذلك أنّ من يراجع جميع رواية عمار في التهذيب، يرى أنّ فيها النهي عن بعض امور اخر لا يحمل النهي في بعضها إلا على الكراهة، و أمّا بالنسبة إلى الكف فنقول بعد عدم إمكان الالتزام بكون كف الثوب خارجا عن موضوع عموم النهي عن لبس الحرير و الصّلاة فيه كما قدمنا، فلا بدّ من ورود دليل على استثناء الكف، و لا نجد في الرواية ما يدلّ على الجواز إلا ما قد يتوهم من أنّ رواية جراح المدائنيّ المتقدمة (و هي هذه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، و يكره لباس الحرير، و يكره الميثرة الحمراء فإنّها ميثرة ابليس) تدلّ على كراهة لبس القميص المكفوف بالديباج.

و لكن فيه، مع قطع النظر عما يقال: من أنّ الكراهة الواردة في الروايات ليست الكراهة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 120

الجهة الرابعة: [هل الحرمة تختص بما اذا كان الحرير ممّا تتمّ فيه الصّلاة او لا؟]
اشارة

هل الحرمة تختص بما إذا كان الحرير ممّا تتمّ الصّلاة فيه فقط أو لا، بل لا تجوز الصّلاة في ما لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا أيضا، كالقلنسوة و التكة و نحوها، و منشأ الشمول و عدمه اختلاف ما ورد في المسألة من الروايات، فنذكر أولا بعض الروايات المتعرضة للمسألة، ثمّ نتكلم فيه، و نبين ما هو الحق في المقام.

فنقول: إنّ ما يمكن الاستدلال للمنع عن لبس ما لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا هو:

______________________________

المصطلحة، أنّ الكراهة إذا نسب إلى الشخص، كما قلنا في طي الكلام في رواية يوسف بن إبراهيم هو كراهة الشخص عن ذلك و أنّه مكروه طبعه، لا أن يكون المراد أنّ المحبوب عنده تركه و إنّ كان راضيا بفعله، و كون شي ء مكروها عند الشخص يقال

حتّى بالنسبة إلى المحرمات، فيصح أن يقال: إنّ شرب الخمر ممّا يكرهه الشخص الفلاني مثلا، فالرواية لا تدلّ على جواز لبس المكفوف بالديباج، فعلى هذا لا وجه لاستثنائه.

امّا التمسك ببعض ما ورد في ما لا تتمّ الصّلاة فيه، فيقال: إنّ كف الثوب خصوصا إذا كان بقدر أربع أصابع، كما حدده بعض، يكون ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا، فمع ما سيأتى إن شاء اللّه من الاشكال في جواز لبس الحرير إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة، بأن الظاهر من الرواية الواردة فيما لا تتم، هو ما إذا كان ذلك منفردا كالقلنسوة و نظائرها، لا إذا كان بعض الثوب كالكف، و من هنا يظهر أنّ الثوب إذا كان ذي الطرائق، و كان بعض طرائقه حريرا محضا بسداه و لحمته، فإنّ كان بعض طرائقه الّذي يكون حريرا غير واسع مثلا يكون خيطا واحدا أو خيطين، فلا يبعد عدم الاشكال فيه، لأنّ ذلك إن كان مورد الاشكال فيأتي الاشكال في حرير ممزوج من الإبريسم و غيره إذا كان الحرير أكثر من النصف مثلا كان ثلثيه حريرا و ثلثه الآخر غير حرير، أو يكون فقط ربعه أو خمسه غير حرير، لأنّ في ما كان خمس الثوب غير حرير، فقهرا يكون سدا الثوب كلّه حريرا و اكثر من لحمته أيضا حريرا فتوجد في الثوب مواضع تكون كلها حريرا محضا بسداه و لحمته مثل هذا القبيل من الثوب الّذي له طرائق من حرير، نعم بعض أثواب الّذي يكون طرائقه وسيعا مثل ما إذا كان طرائقه بحيث يقع أسفل الثوب طريقا من الحرير و أعلاه من غيره، فيكون لبسه و الصّلاة فيه مورد الاشكال، هذا كله ما يخطر بالبال فعلا حتّى

يتأمل بعد ذلك. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 121

الرّواية الّتي رواها محمد بن عبد الجبار (قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام: أسأله هل يصلّي في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السّلام: لا تحلّ الصّلاة في حرير المحض). «1»

و الرواية الّتي رواها رواها محمد بن عبد الجبار (قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام:

أسأله هل يصلّي في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السّلام: لا تحل الصّلاة في حرير محض). «2»

و الرواية الّتي رواها محمد بن عبد الجبار (قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام أسأله هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، و تكة حرير محض، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحل الصّلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّا حلّت فيه إن شاء اللّه). «3»

و قد عرفت سابقا أنّ صاحب الوسائل رحمه اللّه و إن عدّ هذه الروايات ثلاثة إلّا أنها ليست إلّا رواية واحدة رواها محمد بن عبد الجبار عن أبي محمد عليه السّلام.

وجه الاستدلال بها هو أنّه بعد ما سئل عنه عليه السّلام عن الصّلاة في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج، أجاب عليه السّلام بعدم حلية الصّلاة في حرير محض، فيكون المفاد بعد كون الامام عليه السّلام في مقام جواب السائل أنّه عليه السّلام اعطى عموما يستفاد منه حكم الصغرى الّتي سئل عنها، و هي قلنسوة حرير أو الديباج، بأنّه لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض، يعنى كلّ ما يكون حريرا محضا لا تحلّ الصّلاة فيه، سواء كان ممّا

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 14 من أبواب لباس

المصلي من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 122

تتم فيه الصّلاة منفردا، أولا، و تكون الحلية و عدمها مدار كون الحرير غير محض و كونه محضا، فيستفاد من الرواية عدم جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة واحده.

[في ذكر ما يستدلّ به على جواز الصّلاة فى الحرير اذا كان ممّا لا تتمّ الصّلاة فيه]

و أمّا ما يستدل به على جواز الصّلاة في الحرير إذا كان ممّا لا تتمّ فيه واحده، ما رواها الشّيخ باسناده عن سعد عن موسى بن الحسن عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: كل ما لا تجوز الصّلاة فيه واحده، فلا بأس بالصّلاة فيه، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلّي فيه). «1»

قد يشكل في الرواية من حيث ضعف سندها بأحمد بن هلال، للتوقيع الصادر في ذمّه، و يجاب عن ذلك، كما يظهر من بعض، بأنّ ابن الغضائري المعروف لم يتوقف في حديث أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير و الحسن بن محبوب، لأنّه قد سمع كتابيهما جل أصحاب الحديث مع أنّ الأصحاب بين عامل به، و بين متوقف متردد من جهة، و بين مرجح لغيره عليه، و الجميع فرع الحجية مضافا إلى أن التوقيع لم ينقله إلّا الكشي، و على كل حال، مع قطع النظر عن السند، لا إشكال في دلالتها على عدم البأس في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من الحرير، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف إذا صنع من الإبريسم و الزنار.

[ذكر وجوه الجمع بين الخبرين و الترجيح]
اشارة

إذا عرفت ذلك، فنقول: يقع التعارض بين رواية محمد بن عبد الجبار و بين رواية الحلبى، لأنّ مفاد الاولى عدم الجواز الصلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة واحده، و مفاد الثانية جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة واحده، ففي مقام رفع التعارض

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 123

بالجمع بينهما، أو بترجيح أحدهما على الآخر

يمكن أن يقال بوجوه:

الوجه الأول: حمل الرواية الاولى على الكراهة

، أعنى: رواية محمد بن عبد الجبار، على الكراهة بقرينة رواية الحلبى، لأنّ رواية محمد بن عبد الجبار ظاهر في الحرمة، و رواية الحلبى نص في عدم الباس، فيتصرف في ظاهر الاولى بقرينة الثانية، و تكون نتيجة الجمع كراهة الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا من الحرير.

و فيه أنّ هذا النحو من الجمع و إن كان عرفيا، و يقال في غير المقام، لكن لا يمكن أن يقال به في المقام، لأنّ لازم هذا الجمع هو حمل قوله (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) في رواية محمد بن عبد الجبار على الكراهة، فيكون المراد من هذه الفقرة بعد هذا الجمع، هو كراهة الصّلاة في الحرير المحض، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، لأنّ الصّلاة في الحرير المحض حرام في الجملة، لأنّ في ما تتمّ الصّلاة فيه منفردا من الحرير لا تجوز الصّلاة مسلما لا أن يكون مكروها، و بعد عدم إمكان حمل عموم قوله (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) على الكراهة، فلا يمكن الالتزام بهذا الجمع.

الوجه الثاني: هو تخصيص عموم الوارد في رواية محمد بن عبد الجبار

، و هو (لا تحل الصّلاة في الحرير المحض) برواية الحلبى الدالّة على جواز الصّلاة في خصوص ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا.

و يشكل على ذلك الجمع بأنّ تخصيص هذا العموم بما لا تتمّ فيه الصّلاة لا يصح في المقام، لأنّه بعد ما سئل محمد بن عبد الجبار عن قلنسوة حرير، و أجاب عليه السّلام عنه بقوله الشريف (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) فيكون هذا العموم واردا على سبب خاص و هو الصّلاة في القلنسوة، فيكون العام بالنسبة إلى القلنسوة نصّا و بعد كونه نصّابا لنسبة إليه، فتخصيصه بدليل خارج في خصوص المورد الّذي يكون

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 124

العموم نصا فيه، يكون من تخصيص المستهجن، فلا يمكن الالتزام بتخصيص العموم في خصوص القلنسوة الّتي لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا، فلأجل هذا الاشكال في هذا النحو من الجمع بين الروايتين.

و لكن يمكن أن يقال: بأنّ نظر السائل، أعنى: محمد بن عبد الجبار، يحتمل أن لا يكون بخصوص فهم حكم قلنسوة الحرير، بل كان نظره إلى فهم حكم مطلق الحرير في الصّلاة، و ذكر القلنسوة كان من باب كون هذا الفرد من الحرير متعارفا في بلده، مثلا كان المتداول في بلده أن يصنع من الحرير القلنسوة، فلهذا كتب (هل يصلّي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج) و إلّا تمام نظره كان بفهم حكم كلي الحرير في الصّلاة، و الامام عليه السّلام أجاب عنه بنحو الكلي و العموم و قال (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) فبعد عدم كون النظر خصوص القلنسوة، فلا يكون تخصيص العموم في مورده مستهجنا، فتأمل.

الوجه الثالث: أن يقال:
اشارة

إنّه بعد كون الحكم في الحرير لدى العامة هو حرمة لبسه بالحرمة التكليفية، سواء كان في حال الصّلاة أو غير هذا الحال، و ليس فيهم من يقول بكونه من الموانع للصّلاة من باب حرمة الوضعية- نعم يظهر من بعضهم بأنّه بعد كون لبسه محرما تكليفا في مطلق الأحوال، فإنّ لبس الرجل حال الصّلاة الحرير، فحيث إنّ لبسه حرام فالصّلاة الواقعة في الحرير مستلزم للحرمة، فهي فاسدة من باب تعلق النهي باللازم- و على كل حال ليس بينهم فرق في حال الصّلاة و غيره، بل في كلا الحالين لبس الحرير محرّم تكليفا، و لا فرق عندهم في الحرمة بين ما تتم فيه الصّلاة و بين ما لا تتمّ فيه الصّلاة.

فعلى هذا

نقول: بأنّ محمد بن عبد الجبار في مكاتبته سئل عن الصّلاة في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 125

القلنسوة، فيحتمل أن يكون سؤاله من حكم كلي الحرير، كما قلنا سابقا، لا عن خصوص القلنسوة، و كان جواب الامام عليه السّلام بقوله (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) ناظرا إلى عدم جواز لبس الحرير في الصّلاة كما لا يبعد ذلك، فيكون على هذا الاحتمال العموم في الرواية قابل لأنّ يخصص برواية الحلبي، لأنّه على هذا لم يرد هذا العموم على سبب خاص أعنى: القلنسوة، حتّى يكون التخصيص في مورد القلنسوة مستهجنا، بل كان النظر إلى بيان القلنسوة هو المثال، و المنظور هو فهم حكم كلي الحرير في الصّلاة، و أعطى عليه السّلام جواب سؤال الكلي بهذا العموم، فيجمع بين الروايتين على هذا الاحتمال بنحو المتقدم في الوجه الثاني.

[ذكر الامام لاجل التقيّة الحكم الكلّي]

و يحتمل أن يكون نظر السائل إلى فهم حكم خصوص القلنسوة، و لكن الامام عليه السّلام حيث رأى أنّ العامة يقولون بحرمة لبس الحرير في الصّلاة و في غيرها، و أنّهم لا يفرّقون في حرمة اللبس بين أن يكون ملبوس الحرير ممّا تتمّ فيه منفردا و بين أن يكون ممّا لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا، فإن أجاب عن السائل بعدم البأس في الصّلاة في القلنسوة من باب عدم كونه ممّا تتمّ فيه الصّلاة، فيصير سببا لتهاجم العامة و إيذائه أو ايذاء الشيعة، خصوصا مع كون رواية محمد بن عبد الجبار مكاتبة، يمكن أن يراها بعض من المخالفين، فلأجل هذا صرف النظر عليه السّلام عن جواب خصوص القلنسوة و لم يجب عنها أصلا، بل بيّن حكم كلي لا ينافي مع فتوى العامة، و هو قوله (لا تحلّ الصّلاة في الحرير

المحض).

فعلى هذا ليس إعمال تقية في العموم، بل التقية اعملت في عدم جواب خصوص السائل، فلا مانع من الأخذ بالعموم، لكن لا يكون العموم واردا على هذا على سبب خاص و هو القلنسوة، لأنّ الامام عليه السّلام لم يكن في مقام جوابه أصلا على ما

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 126

قلنا حتّى تكون القلنسوة من أفراد العموم، و كان العموم الوارد واردا على سبب خاص، فلا يمكن تخصيصه في موردها، بل بعد عدم كون الامام عليه السّلام في مقام جواب خصوص القلنسوة، فليس في البين إلا عموم، و هو قابل لأنّ يخصص بدليل خاص، و هو رواية الحلبي.

فعلى ما قلنا لا نحمل العموم على التقية، بل في مقام إفادة العموم و هو (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) يكون عليه السّلام بسدد بيان حكم الواقعي، و هو عدم حلية الصّلاة في الحرير و ليس مخالفا للعامة، لأنّهم أيضا لا يحلّون الصّلاة في الحرير، غاية الأمر لا من باب خصوصية للصّلاة، بل من باب كون لبسه مطلقا غير محلل، و أمّا إعمال التقيّة يكون في خصوص سكوت الامام عليه السّلام عن بيان حكم خصوص القلنسوة، فإذا لم يبق في البين إلا العموم، فيقال بأنّ هذا العموم مخصص برواية الحلبى المصرحة فيها بعدم البأس بقلنسوة الحرير من باب عدم كونه ممّا لا تتم الصّلاة فيها واحده، فعلى هذا تجوز الصّلاة في ما لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا من الحرير.

[لا يحتاج الى تحمل المشقة كما تحملها صاحب الجواهر]

و ممّا ذكرنا ظهر لك أنّه لا حاجة في حمل رواية محمد بن عبد الجبار على التقية إلى بعد الطريق و اطناب الكلام و تحمّل المشقة كما تحمّلها صاحب الجواهر رحمه اللّه فارجع كلامه.

ثمّ إنّه لو فرض إمكان

الجمع بين الروايتين بأحد الوجوه المتقدمة فهو، و إلّا فإنّ لم يمكن الجمع بينهما، و فرض كونهما متعارضين، فإنّ كان لأحدها ترجيح، من الاخذ به، و إلّا فالتخيير أو التوقف على الكلام المذكور في باب التعادل و التراجيح، فنقول في مقام الترجيح: بأنّ أوّل المرجحات يكون الشهرة، و الشهرة كما أثبتنا في محله هي الشهرة الفتوائية، و في المقام و إن توهّم كون المشهور بحسب الفتوى هو

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 127

جواز الصّلاة في الحرير إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا، و لكن يظهر للمراجع في كلمات القدماء من الفقهاء الذين قولهم ملاك في كون فتوى مشهورة، عدم كون الجواز مشهورا و كذلك عدمه، فعلى هذا لا يكون على طبق أحد من الروايتين- لا رواية محمد بن عبد الجبار و لا الحلبى- الشهرة الفتوائية، فلا ترجيح لأحد الروايتين على الاخرى بحسب هذا المرجّح.

و إذا لم يكن ترجيح لأحدهما على الآخر من هذا الحيث، فتصل النوبة بعد ذلك بمرجح اخر، و هو مخالفة العامة، و لا إشكال في أنّ الترجيح بمخالفة العامة يكون لرواية الحلبى، لكونها بمنطوقها مخالفة لهم، لأنّها تدلّ على جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا من الحرير و لبسه في هذا الحال، و لا إشكال في أنّ هذا مخالف مع العامة، لأنّهم لا يفرقون بين ما لا تتمّ و ما تتمّ في الحرمة و عدم الجواز.

و إن قيل: إنّها تدلّ على جواز الصّلاة في ما لا تتمّ بالجواز الوضعي لا التكليفي، و جواز الوضعي ليس مخالفا لهم، لأنّ جلّهم لا يقولون بفساد الصّلاة في الحرير.

نقول: بأنّه على هذا يكون مفهوم الرواية عدم جواز الصّلاة في ما تتمّ

بالحرمة الوضعية و هو مخالف معهم، لأنّ جلّهم كما قلت غير ملتزمين بالفساد، فعلى هذا أيضا تكون الرواية مخالفة لهم) و أمّا رواية محمد بن عبد الجبار فموافق لهم، لأنّهم يقولون بعدم حلية لبسه في حال الصّلاة و في غير هذا الحال (خصوصا مع اشتمال أحد من رواياته الثلاثة على جواز الصّلاة في وبر الأرانب إذا كان ذكيا و هذا موافق للعامة) فعلى هذا لا بدّ من ترجيح رواية الحلبى و طرح رواية محمد بن عبد الجبار، و لكن مع ذلك كلّه نقول: بأنّه إن ثبت عدم شمول الاطلاقات أو العمومات لمّا لا تتم فيه الصّلاة منفردا من الحرير، فنحن مستريح من أجله، و نحكم بجواز الصّلاة فيه

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 128

لعدم شمول أدلة حرمة لبس الحرير و مانعيته للصّلاة له من رأس، و أمّا لو قلنا بشمولها له كما لا يبعد، فالحكم بجواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا من الحرير مشكل، لأنّ رواية الحلبى لم يكن فيها مقتضى الحجية لضعفها باحمد بن هلال و عدم تمامية وجه لرفع ضعف أحمد بن هلال و بعد ضعفها لا يمكن الاعتماد بها.

الجهة الخامسة: [في حرمة لبس الحرير وضعا و تكليفا مختصة بالرجال]

لا إشكال في كون حرمة اللبس وضعا و تكليفا في الحرير مختصا بالرجال، و خروج النساء عن هذا الحكم لدلالة بعض الروايات على ذلك و تسلّم ذلك عند أصحابنا، و لو فرض وجود رواية دالّة على شمول الحرمة للنساء أيضا فمطروح أو مؤول، لكون جواز لبسه للنساء من المسلمات، فلا ينبغي الاشكال في ذلك، و امّا حكم الخنثى فيأتي إنشاء اللّه عند تعرض حكم الخنثى في بيان حكم لبس الذهب.

المسألة الخامسة: لا يجوز لبس الذهب للرجال و لا الصّلاة فيه

اشارة

، بمعنى فساد الصّلاة بلبسه و الحكم في الجملة مسلم عندنا و عند مخالفينا من حيث حرمة لبسه تكليفا، و كذا فساد الصّلاة بلبسه حالها ممّا لا ينبغي الاشكال فيه عندنا، و استدل على كلا الحكمين ببعض الروايات نذكر بعضه تيمنا:

[في ذكر الاخبار الدالّة على حرمة لبس الذهب للرجال]
الرواية الاولى: ما رواه روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه ع

(قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأمير المؤمنين عليه السّلام: لا تختم بالذهب، فإنّه زينتك في الآخرة). «1»

و هذه الرواية كما ترى تدلّ على خصوص لبس الخاتم و النهي عنه، و لا يكون مربوطا بمانعيته للصّلاة، مضافا إلى ما يأتي في رواية اخرى بأنّ النهي كان من

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 129

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأمير المؤمنين عليه السّلام لا غيره.

الرواية الثانية: ما رواها جراح المدائنيّ عن أبي عبد اللّه ع

(قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب). «1»

و هذه الرواية أيضا لا تدلّ إلّا على النهي عن لبس خصوص خاتم الذهب.

الرواية الثالثة: ما تنتهي سندها بعمار بن موسى عن أبي عبد اللّه ع

(في حديث قال: لا يلبس الرجل الذهب، و لا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنة). «2»

و هذه الرواية مع قطع النظر عن الاشكال في اعتبار سندها، تدلّ على حرمة لبس الذهب للرجال و عدم جواز الصّلاة فيه.

الرواية الرابعة: ما رواها موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد اللّه ع

(في الحديد إنّه حلية أهل النار، و الذهب إنّه حلية أهل الجنة، و جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرم على الرجال لبسه و الصّلاة فيه). «3» الحديث.

و هذه الرواية مع قطع النظر من الاشكال في سندها تدلّ على حرمة لبس الذهب للرجال و الصّلاة فيه لهم.

الرواية الخامسة: ما رواها عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه ع

(قال:

قال علي عليه السّلام: نهاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و لا أقول: نهاكم- عن التختم بالذهب، و عن ثياب القسّى، و عن مياثر الارجوان، و عن الملاحف المفدمة و عن القراة

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 130

و أنا راكع). «1»

الرواية السادسة: ما رواها جابر الجعفي

(قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

ليس على النساء أذان، إلى أن قال: و يجوز للمرأة لبس الحرير و الديباج في غير صلاة و إحرام، و حرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد، و يجوز أن تتختّم بالذهب و تصلي فيه، و حرّم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد). «2»

و غيرها من الروايات و ما تعرض منها لحكم الصّلاة هي الرواية الثالثة و الرابعة و السادسة.

[مناقشة المسألة]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: إن الكلام في هذه المسألة يقع في مواضع:

الموضع الأول: [في حرمة لبس الذهب للرجال بالحرمة التكليفية لا اشكال فيه]
اشارة

ينبغي الاشكال و التردد في حرمة لبس الذهب للرجال بالحرمة التكليفية، لما يرى من تسلم ذلك عند المسلمين، كما يظهر ذلك للمراجع من شهرة ذلك الحكم في الصدر الأول، كما يستكشف ذلك من الروايات المذكورة في طرق العامة، و كذلك لا مجال لدعوى خلاف ذلك عندنا، كما يظهر ذلك من كلمات كل من تعرض للحكم، و يظهر ذلك من الأخبار الواردة في الباب، فلا وجه للترديد في هذا الحكم.

و أمّا الحرمة الوضعية- أعنى: فساد الصّلاة بلبس الذهب للرجال- فقد يقال في وجه ذلك بكون المورد من صغريات اجتماع الامر و النهي بدعوى أنّه إذا لبس الرجل الذهب و صلّى فيه، ففي عين كون هذا الصّلاة الخارجى صلاة يكون تصرفا

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 16 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 131

في اللباس الذهب، فاجتمع الامر و النهي في موضع واحد، لأنّ هذا الفعل من باب كونه صلاة واجب، و من باب كونه التصرف في الذهب حرام.

و فيه أمّا أوّلا فلأنّه إذا لم يكن لباس الذهب ساترا للمكلف، بل كان لباسه بدون أن يكون ساترا لعورته في الصّلاة، فلم يكن اجتماع أصلا، لأنّه في هذه الصورة لم يكن لبسه شرطا حتّى يقال: باعتبار كونه شرطا للصّلاة واجب، و باعتبار كونه لبس الذهب حرام، بل في هذه الصورة يكون ذلك من المقارنات الاتفاقية للصّلاة، و غير مربوط بباب الاجتماع أصلا، فلم يكن اتحاد أصلا،

و ثانيا نقول: بأنّه لو فرض كونه ساترا بأن ستر حال الصّلاة عورته باللباس الذهب، فلو

فرض كون لبسه واجبا، فلا يمكن أن تجتمع مع المحرّم بناء على عدم جواز اجتماع الامر و النهي، فعلى هذا نقول: إن قلنا بمقالة المحقّق الخراسانى رحمه اللّه في الشروط بأنّ الشرط ليس دخله في المركب بنحو دخل الأجزاء بمعنى: أنّ الأجزاء في المركب و إن انبسط الامر بالمركب على فوق الأجزاء و انبسط عليها، فصار كل جزء مأمورا به و تعلق به الامر، و لكن الشرائط ليس كذلك، بل المركب مقيد به، و بعبارة اخرى يكون التقييد عقليا، و إلّا فليس من ناحية المولى أمر متعلق بالشرائط، بل العقل يحكم باتيان المشروط مع الشرط، لما يرى من تقيد المركب المشروط به و عدم حصوله بدونه، فإنّ كان الامر كذلك، فلا إشكال في عدم كون ما نحن فيه من صغريات الاجتماع، لأنّه لا أمر على الشرط بل المشروط، مقيد بالقيد، و العقل يحكم باتيان المشروط مع الشرط، فلا يجتمع الامر و النهي.

نعم، إن قلنا بأنّ الامر على المركب، كما ينبسط على الاجزاء، كذلك ينبسط على الشروط، و يكون مرجع الشروط إلى الاجزاء، و تقع كالأجزاء تحت الأمر،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 132

فيكون محل الكلام- أعنى: صورة كون لباس الذهب ساترا- من صغريات اجتماع الامر و النهي، و مع ذلك لا يتم هذا الاستدلال، لأنّه لو فرض كون ما نحن فيه من صغريات باب الاجتماع، و لكن هذا يفيد لمن يقول بالامتناع، و أمّا نحن فقلنا في الاصول بجواز الاجتماع.

[في ذكر اشكال و دفعه]

و لو قيل: بأنّه بعد كون لباس الذهب ممّا يحرم لبسه تكليفا، كما هو المشهور عندنا، بل عند غيرنا من المسلمين، فعلى ما قلنا في الاصول من أنّ العباديات لا بد فيها من قصد التقريب، و

لا بدّ في عمل العبادي أن يكون بحيث يقبل أن يتقرّب به، و إذا كان العمل عملا يكون طغيانا للمولى و معصية له، لا يكون مقرّبا.

فنقول: إنّه بعد كون لبس الذهب حراما بالحرمة التكليفية، فإذا صلّى في الذهب سواء كان ساترا أو غير ساتر، فهو في هذه الصّلاة يعصي المولى، و يكون طاغيا له، لأنّ بهذا العمل لابس للذهب، و الحال أنّ ذلك حرام عليه، فلا يقبل هذا العمل أى: هذه الصّلاة لأنّ يصير مقربا، فإذا لم يكن قابلا لأنّ يتقرب به، بل علمه بهذا الاعتبار مبعّده عن المولى، فلا يقبل لأنّ تصير صلاته عبادة، فتفسد صلاته في اللباس الذهب.

نقول: بأنّه بعد كون المحرم في الحرير و كذا في الذهب، لبس لباس الحرير و الذهب و لم يكن المصلي في صلاته- أعنى: في هذا العمل العبادي- فاعل شي ء يكون طغيانا على المولى و عصيانا له، كي يكون مضرا بمقربية العبادة، لأنّ المحرم نفس اللبس، و لم يكن كالغصب كل تصرف و قلب و تقليب منه حراما، حتّى يكون في أفعال الصّلاة فاعلا لما يكون عصيانا للمولى، بل في الذهب و الحرير يكون اللباس حراما، و هو غير مربوط بالصّلاة، فلا تفسد الصّلاة لأجل لبس الذهب

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 133

و الحرير حتّى يستشكل بنا، و يقال: بأنك قلت: بأنّ في العبادات لا بد من كون المحلّ بحيث يكون قابلا للتقرب، و مع لبس المحرّم ليس العمل كذلك، لما قلنا في دفعه، و يأتي ما يناسب ذلك في طي اعتبار عدم كون الثوب ممّا لا يجوز له التصرف كالغصب، فعلى هذا التمسك بهذا الوجه لبطلان الصّلاة في الذهب فاسد، و لا وجه لأنّ يقال بطلان

الصلاة في الذهب لأجل هذا.

و قد يقال في وجه فساد الصّلاة في لباس الذهب من باب كون الامر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده الخاص، فيقال: لبس الذهب حرام، فيجب نزعه، فكلّ ما يكون ضد هذا الواجب فهو حرام، لأنّ الامر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، و الصّلاة في هذا الحال من جملة أضداد هذا الواجب، فيجب تركه، و النهي في العبادة موجب للفساد.

و فيه- مضافا إلى إمكان أن يقال: بأنّه على فرض تمامية هذا الاستدلال، ففي صورة إمكان نزع الثوب المغصوب مع الاشتغال بالصّلاة مثل ما إذا لم يكن ساترا، فلا ينافي الامر بالنزع مع الصّلاة، و لا يضاده الصّلاة حتّى يستلزم الامر بالنزع فساد الصّلاة من باب كونها ضدا للواجب، و هو النزع- نقول: إنّه قد مرّ منا في الاصول عدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضده الخاص، فلا يتم هذا الاستدلال لفساد الصّلاة في اللباس الذهب، فالاولى للتمسك بفساد الصّلاة في اللباس الذهب بعض ما قدمناه من الروايات الدالّة على عدم جواز الصّلاة فيه المستفاد منه فساد الصّلاة إمّا من باب كون النهي المتعلّق بالمركبات العبادية إرشاد إلى فساد هذا المركب مع النهي و عدم كون النهي، في مثل هذه الموارد هو النهي التكليفي.

و إمّا من باب أنّه و لو كان النهي حتّى في مثل هذه الموارد ظاهرا في النهي

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 134

التكليفي لا الوضعي، و لكن بعد تعلق النهي بالعبادة نقول: بفساد العبادة، لأنّ النهي بنفس العبادة مستلزم لفسادها، كما مر في النهي عن العبادات في الاصول تفصيل ذلك، و دلالة بعض الروايات كرواية موسى بن أكيل، و رواية عمار على عدم جواز الصّلاة في اللباس الذهب واضح، و

لا ينبغي الاشكال في سندها بعد كون المسألة مشهورا عند كل من تعرض لها.

الموضع الثاني: [في ما كان مموها بالذهب لا يجوز لبسه]

لا يجوز لبس ما يكون مموها بالذهب مثل إذا كان ظاهر الثوب بتمامه مذهبا و إن كان باطنه غير الذهب لشمول الدليل، لأنّ هذا عرفا لبس الذهب و لا يجوز لبس الذهب لما قلنا.

الموضع الثالث: هل يجوز شدّ الأسنان بالذهب أم لا؟

اعلم أنّ الاسنان تارة يشدّ بالذهب بأن يربط بعضها مع بعض الآخر، أو بالسّن المصنوعي بوسيلة قطعة صغيرة من الذهب كالخيط. و تارة يستر ظاهر الأسنان به بحيث يكون ظاهر الأسنان بتمامه ذهبا، كما يكون فعلا متعارفا عند بعض.

لا يخفي عليك أنّ ما ورد من الروايات في هذا الباب: مثل الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: (أنّ أسنانه استرخت فشدّها بالذهب) «1».

و الرواية الّتي رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الثنية تنفصم أ يصلح أن تشبك بالذهب؟ و إن سقطت يجعل مكانها ثنية شاة؟ قال: نعم إن شاء

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 31 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 135

فليضع مكانها ثنية شاة ليشدها بعد أن تكون ذكيّة). «1»

و الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل ينفصم سنّه أ يصلح له أن يشدّه بالذهب؟ فإنّ سقطت أ يصلح أن يجعل مكانها سن شاة؟ قال: نعم إن شاء ليشدّها بعد أن يكون ذكية) «2» لا تدلّ إلّا على جواز شدّ الأسنان بالذهب، و لكن بعد ما لا ندرى كيفية شد الأسنان بالذهب، و ما هو متعارفه في زمن صدور الرواية، فيشكل الحكم بجواز شدّ الاسنان بكلا نحويه خصوصا النحو الثاني.

و أمّا بعض الروايات المطلقة المتقدمة المستفادة منها عدم جواز لبس الذهب في الصّلاة و غيرها،

فنقول: فتارة نقول بكون علّة عدم جواز لبس الذهب، هو كونه زينة، و بعبارة اخرى يستفاد من هذه الروايات كون المحرّم هو التزين بالذهب، و تارة نقول بعدم كون علّة الحرمة هذا، بل غاية ما يستفاد منها هو حرمة اللبس، و على كل تقدير تارة يقع الكلام في شدّ الأسنان على نحو الأول، و تارة في شدّها على النحو الثاني.

أمّا شدّ الأسنان بالنحو الأوّل فيشكل الحكم بحرمته إلّا أن نقول:

بكون الحرمة هي التزين، و كان بنحو يعدّ تزيّنا، و لا يبعد عدم صدق الزينة على نوعها، لعدم ظهور الذهب أصلا، لاتصاله بالأسنان من الداخل، و لا يحسب زينة، و على كل حال إن عدّ زينته فلا يجوز و إلّا فجائز، لعدم صدق اللبس في ذلك، خصوصا مع عدم بعد في شمول الروايات المتقدمة في شد الأسنان لهذه الصورة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 31 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 31 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 136

و أمّا شدها على النحو الثاني، فإنّ قلنا بأنّ علّة الحرمة هو التزين فلا إشكال في كون ذلك تزينا، فهو حرام، نعم يمكن أن يقال بعدم صدق التزين في ما لم يظهر، مثل أن يعمل ذلك في بعض الأسنان الّذي لا يظهر حين التكلم و فتح الفم.

و أمّا إن قلنا: بعدم معلومية كون وجه الحرمة هو التزين، بل غاية ما يستفاد من الروايات المطلقة هو عدم جواز لبس الذهب سواء عدّ زينة أم لا، فيشكل الحكم بالحرمة، للإشكال في صدق اللبس على ذلك، و لا يبعد دعوى عدم صدق اللبس عليه.

ثمّ إنّه على تقدير عدم دلالة إطلاقات الواردة في عدم جواز

لبس الذهب إلا على لبس الذهب لا من باب التزين، فلا إشكال في خروج شدّ الاسنان به موضوعا عن تحت هذه الاطلاقات و لو لم يكن في البين بعض الروايات الدالّة على جواز شدّ الاسنان بالذهب، لعدم كون ذلك لبس الذهب.

و أمّا على تقدير كون العلة في حرمة لبسه هو حرمة التزين به، فعلى الفرض يقع التعارض بين الاطلاقات الأوليّة في الذهب، و بين بعض ما يدلّ على جواز شدّ الاسنان به المتقدم ذكره.

و يمكن أن يقال بكون النسبة بينهما عموما من وجه، لأنّ الاطلاقات تدلّ على حرمة التزين بالذهب سواء كان التزين بشدّ الاسنان أو بغيره، و هذه الروايات تدلّ على جواز شدّ الأسنان به سواء كان زينة أو لا، و لا يبعد كون هذه الأخبار أظهر بالنسبة إلى مورد الاجتماع، و هو صورة شد الاسنان بالذهب مع كونه تزينا عرفا.

و لكن بعد ما قلنا من كون شدّ الأسنان على نحوين، ففي صورة الاولى يمكن دعوى جوازه، لعدم كونه في الغالب تزينا، و إمكان دعوى انصراف الاطلاقات عن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 137

مثل هذا النحو من التزين، و أمّا في الصورة الثانية فإنّ قلنا بأنّ التزين بالذهب حرام، فإنّ كان شدّ الاسنان زينة فيشكل الحكم بالجواز، لما قلنا من عدم دليل على كون شدّ الأسنان بالذهب في زمن صدور الروايات على نحو يشمل هذه الصورة، و على الفرض يحرم التزين به و هذا تزين، فهو حرام و من أجل هذا أعنى: احتمال كون متعارف خاص في زمن صدور الرواية، و كون الروايات الواردة الدالّة على جواز شدّ الاسنان به ناظرة إلى ما هو المتعارف، و لا ندرى ما هو المتعارف، و احتمال كونه

على غير هذين النحوين المذكورين، فيشكل الحكم بالجواز في القسم الأوّل من القسمين الاولين في شدّ الاسنان، نعم يمكن الالتزام بالجواز في صورة الاضطرار. «1»

الموضع الرابع: [هل علّة حرمة لبس الذهب هي التزين]

هل يكون العلّة في حرمة لبس الذهب للرجال تكليفا و وضعا من باب كون ذلك تزينا، و ثمرة ذلك إنّا لا بد من أن ندور في كون ذلك محرما مدار صدق التزين و عدمه، فكلما صدق التزين كان حراما، و كلما لم يكن تزينا لا يكون حراما أو ليس ذلك، بل غاية ما يستفاد من الروايات هو عدم جواز لبسه سواء كان زينة أم لا، ففي كل مورد لم يصدق اللبس ليس بحرام لا تكليفا و لا وضعا.

منشأ كون علّة الحكم هو التحلي و التزين، هو ما ورد في بعض الروايات الواردة في الباب مثل قوله عليه السّلام في ضمن رواية موسى بن أكيل النميري (و جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة للنساء، فحرم على الرجال لبسه و الصّلاة فيه) حيث يشعر منها بأنّ حرمة لبسه على الرجال يكون من باب كون الذهب زينة للنساء في الدنيا

______________________________

(1)- و اعلم أنّ ما بينت في الموضع الثالث ليس بتمامه من إفادات سيدنا الاستاد مدّ ظله و لا انتسب كله به.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 138

بقرينة تفريع الحرمة على ذلك في الرواية، أو ما ورد في بعضها من أنّ الذهب زينة في الآخرة، مثل ما ورد في نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليا عليه السّلام من التختم بالذهب، أو ما ورد في بعضها من أنّ ذلك حليتك في الجنة خطابا بعلي عليه السّلام، و لكن بعد عدم الجزم بكون ذكر ذلك من قبيل العلة، ففي المسألة وجهان.

الموضع الخامس: لا ينبغي الاشكال في حرمة لبس الخاتم من ذهب

أمّا بناء على كون المحرم هو التزين بالذهب، فواضح لأنّ ذلك تزين به، و أمّا بناء على عدم كون وجه الحرمة ذلك، فيقال: إنّ خصوص

ذلك منصوص لورود بعض الروايات في خصوص حرمة التختم بالذهب هذا في حرمته بالحرمة التكليفية. «1»

الموضع السادس: لا إشكال في كون حرمة لبس الذهب و التختم به

و كذا حرمة لبس الحرير مخصوصا بالرجال، فيجوز لبس الذهب و الحرير للنساء و صحة صلاتهنّ فيهما، لتسلم ذلك، و دلالة بعض الروايات، و ما ورد على خلاف ذلك أعنى: على شمول الحكم للنساء أيضا فمطروح أو مؤول.

الموضع السابع: [حكم لبس الخنثى الذهب و الحرير]

هذا كله في تكليف الرجال و النساء بالنسبة إلى لبس الذهب و الحرير، و أمّا الخنثى فقد يقال: بعدم الاشكال في لبسهما له، لعدم علمه بكونه رجلا، فلا يتنجّز هذا التكليف في حقّه، و لكن التحقيق كما بيّن في الاصول هو أنّها مع فرض الالتزام بعدم كونها طبيعة ثالثة مكلف بمقتضى العلم الاجمالي إمّا بتكاليف الرجال أو بتكاليف النساء، لأنّها إمّا منهم أو منهنّ، فيحكم العقل بترك ما يختص

______________________________

(1)- أقول: و أمّا حرمته الوضعية فأيضا واضح بناء على كون وجه حرمة الصّلاة في الذهب حرمة التزين به لصدق التزين بالذهب بالتختم به، و أمّا لو لم نقل بذلك فيدل على الحكم الرواية السادسة الّتي قد منا ذكرها في صدر المبحث، و لا وجه للاشكال في سندها مع كون الشهرة على طبقها، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 139

بالرجال من الألبسة، و ترك ما يختص بالنساء من الألبسة حتّى يقطع ببراءة ذمتها من التكليف المردد في البين، فعلى هذا لا يجوز لها لبس الذهب و الحرير و الصّلاة فيهما، هذا كله في حكم الخنثى في هذه المسألة.

الموضع الثامن: و أمّا محمول الذهب

مثل أن يكون حاملا لدينار الذهب أو حلّى من الذهب فاما أن يكون زينة بنظر العرف و ان كان محمولا فبناء على كون المحرّم مطلق التزين به، فيكون حمله حراما، و أمّا و إذا لم يكن زينة أ و لم يكن لباسا و إن عدّ زينة بناء على عدم كون الحرمة دائرة مدار صدق التزين، بل تكون دائرا مدار صدق اللباس، فلا يكون محمولاه حراما، هذا تمام الكلام في لبس الذهب للرجال.

المسألة السادسة: لا تجوز الصّلاة في الثوب المتعلّق بالغير مع عدم إذنه،

اشارة

و ينبغي عنوان المسألة بهذا النحو، لا بالنحو المذكور في عبارة شرايع، و هي هذه (الثوب المغصوب لا تجوز الصّلاة فيه) «1» لأنّ المعتبر في الغصب هو استيلاء الغاصب على المغصوب، و على هذا ليس كلّ ما يكون تصرّفا في ملك الغير غصبا، مثل ما إذا ورد شخص ضعيف في ملك شخص قوىّ لا يمكن له الاستيلاء على هذا الملك، و لكن كان دخوله على غير رضاه، فهو تصرف في ملك الغير بغير إذنه و الحال أنّ ذلك ليس من مصاديق الغصب، كما أنّ الغصب ليس دائرا مدار التصرف بهذا النحو أعنى: مثلا في المثال بالدخول في الملك، بل يصدق الغصب بصرف الاستيلاء عليه و إن لم يدخل فيه، مثل سد باب هذا الملك عدوانا، و جعل مفتاحه في جيبيه قهرا عليه، فيصدق أنّه غاصب لذلك الملك، و ما يكون مانعا للصّلاة، و لا تجوز الصّلاة

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 141.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 140

فيه هو صرف كون الثوب ثوبا لا يكون الشخص مأذونا في تصرفه و إن لم يكن غاصبا، فتبطل الصّلاة فيه، فلأجل هذا ينبغي عنوان المسألة كما قلنا لا كما قيل.

[لا نصّ دالّ على بطلان الصّلاة في ثوب الغير]

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إنّه ليس في هذه المسألة، و لا في مسئلة بطلان الصّلاة في المكان الغير المأذون، نص وارد عن أهل البيت: يدلّ على بطلان الصّلاة في المسألتين، و كذلك ليس فيهما على بطلان الصّلاة و اعتبار عدم كون لباس المصلّي و مكانه من الغير إلا بإذن من المالك إجماع أو شهرة كاشفة عن وجود نص في المسألتين.

و من حكم من القدماء و المتأخرين رضوان اللّه عليهم بالفساد في ثوب الغير و ملك الغير

بغير اذن الغير قال بذلك بمقتضى قاعدة اصولية: إمّا من باب عدم حصول قصد التقرب من المصلّي كما يظهر من كلمات بعض القدماء، و إمّا من باب عدم جواز اجتماع الامر و النهي كما يظهر من بعض اخر من الفقهاء، و دعوى الاجماع أو الشهرة الّتي يرى في كلمات بعض المتأخرين ممّا لا أصل له، فإذا لم تكن شهرة و لا إجماع كاشف عن نص و لم يصل إلينا رواية يمكن الاستشهاد بها للفساد فلا بد من ذكر وجه اخر على الفساد و تطبيق الفساد على بعض القواعد الاصولية.

إذا فهمت ما تلونا عليك نقول: أمّا من التزم بامتناع اجتماع الامر و النهي أعنى: التزم بكون المسألة المبحوثة من صغريات الاجتماع، فهو في سعة في هذه المسألة و مسئلة المكان، لأنّه بعد عدم جواز الاجتماع و لزوم تغليب جانب النهي، فتكون النتيجة هي فساد الصّلاة في الثوب و المكان الغير المأذون.

و أمّا من يقول بجواز اجتماع الامر و النهي، كما هو مختارنا في الاصول، لما قلنا من أنّ أقوى و أمتن ما استدل به للامتناع هو ما أفاده استادنا العلّامة رحمه اللّه في الكفاية من قضية التضاد بين الأحكام، و لا يمكن للمولى الأمر بالضدين في ان واحد في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 141

موضوع واحد، و قلنا: بأنّ رفع هذا الاشكال لا يمكن بما يظهر من بعض من توجيه يمكن معه جعل الموضوع متعددا كي يكون مركز الأمر موضوعا و مركز النهي موضوعا اخر، فلا اجتماع لأنّ الموضوع واحد، و بالحمل الشائع يعدّ حركات الصلاتية حركات صلاتية، و مع ذلك بالحمل الشائع يعدّ تصرفا في ثوب الغير أو ملك الغير، بل قلنا في مقام دفع

ما أفاده المحقق الخراساني رحمه اللّه في بيان الامتناع بأنّ التضاد بين الأحكام ممنوع، من باب أنّ ما شاع من كون نسبة الحكم بموضوعه نسبة العرض بمعروضه، فيكون الحكم عارضا للموضوع، حتّى يستشكل بأنّ الموضوع الواحد غير قابل لعروض عرضين متضادين عليه، و ذلك محال لاستحالة اجتماع الضدين فاسد، بل إذا لوحظ نحوة صدور البعث و الزجر من المولى، و ملاحظته لما يبعث نحوه أو يزجر عنه يرى أنّ باعتبار ملاحظته المطلوب أو المزجور عنه في نفسه قبل البعث و الزجر، كونهما طرف الاضافة فهو يلاحظ مثلا شيئا و باعتبار جهة من جهات يريد وجوده في الخارج من العبد، فينبعث نحوه، فباعتبار إضافة ما صدر من المولى من البعث أو الزجر بنفس المولى من باب صدوره منه، و بعبارة اخرى من باب قيام الصدوري به، فيقال به الامر، و له إضافة إلى المبعوث منه، فيقال به المأمور، و له إضافة إلى المبعوث إليه فيقال به المأمور به، و هكذا في طرف النهي، فيكون المأمور به طرف الاضافة من باب إضافة ما صدر به، و كذلك المنهي عنه يكون طرف الاضافة، فليس المأمور به معروض الحكم، بل طرف الاضافة، و ما يكون مستحيلا هو كون شي ء واحد في ان واحد معروضا لعرضين متضادين، و أمّا كون شي ء واحد من حيث طرف إضافة أمر و من حيث اخر طرف إضافة امر اخر غير محال، و في المقام يكون الامر كذلك، لأنّ ما يكون مطلوبا و تعلق به البعث حيث

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 142

غير حيث تعلق به النهي و الزجر، مثلا في الصّلاة و الغصب ما هو مطلوب المولى ليس إلا حيث الصلاتية لا غير، و

لا يقبل لدخول حيثيات اخرى تحت المطلوب، لأنّ المطلوب على الفرض ليس إلّا حيث الصلاتية سواء كان هذا الحيث مقارنا مع حيثيات اخرى أم لا؟ و كذلك المزجور عنه ليس إلا حيث الغصبية ليس الّا، فالمبعوث إليه حيث غير حيث المزجور عنه، فعلى هذا لا يكون اجتماع، و قد بيّنا مفصلا شرح الدليل في الاصول، و ليس هنا محل ذكره.

فإذا كان الأمر كذلك و كنا من القائلين بجواز اجتماع الامر و النهي، فمن هذا الحيث لا يمكن لنا الحكم بفساد الصّلاة في الثوب الغير المأذون في تصرفه، و كذلك في مكان الغير المأذون في تصرفه، فلا بدّ لنا في الحكم بالفساد في المسألتين من وجه اخر، و كما قلنا لا وجه للتمسك بالاجماع أو الشهرة على فساد الصّلاة في لباس الغير المأذون من المالك التصرف فيه، و كذلك في مكان الغير المأذون من المالك من التصرف فيه لعدم وجود إجماع و لا شهرة كاشفة عن وجود نص عند القدماء لم يبلغ بأيدينا، و لكن كما بينّا في الاصول أيضا نقول بفساد العبادة في موارد الاجتماع.

[وجه بطلان الصّلاة في المغصوب عدم كونها مقرّبا]

و الوجه في ذلك هو أنّه بعد كون العبادة ممّا يكون المعتبر في إطاعته هو قصد التقرب و إتيانه بعنوان العبودية للمولى، فلا بدّ في حصول الامتثال فيها من إتيانها بنحو يكون العمل مقرّبا للمولى، و ليست العبادات كالتوصليات فإنّ الغرض فيها يحصل بمجرد إتيانها في الخارج على أىّ وجه اتفق و إن لم يكن مقربا، فيسقط الغرض فيها بحصولها، و أمّا العبادات فلا يحصل الغرض فيها إلا إذا أتاها المكلف على وجه التقرب، فإذا كان كذلك، فمن الواضح أنّ العمل إن كان عصيانا و طغيانا على المولى، فلا يقبل

لأنّ يتقرّب به، و فيما إذا كان مورد تصادق عنوان الواجب

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 143

و الحرام، و بعبارة اخرى يكون الفعل مجمع العنوانين من باب كونه مورد إضافة الاضافتين بحيثية مورد إضافة الامر و بحيثية مورد إضافة النهي، لو اختار المكلف من العبادة هذا الفرد الّذي يكون مجمع العنوانين بسوء اختياره، فلم يكن هذا الفرد مقربا، فلو اختار في مقام امتثال الأمر المتعلّق بالصّلاة الصّلاة مع اللباس المغصوب، أو في مكان المغصوب، فهو في هذه الصّلاة أعنى: في أفعال الصّلاة من ركوعه و سجوده و غيرهما عاصيا و طاغيا بالنسبة إلى المولى، لأنّ افعال الصلاتية مجتمع مع التصرف في الغصب، فهذه الصّلاة غير قابلة لأنّ تصير مقربة للعبد بالمولى، فتفسد صلاته هذه، لعدم حصولها على الوجه المعتبر في العبادة، مع فرض كونها عبادة، و لا بديته حصولها في الخارج على وجه العبودية، فلأجل هذا نقول: بفساد الصّلاة في الثوب المغصوب، أو مكان المغصوب.

و ممّا مرّ يظهر لك أنّ الحكم بفساد الصّلاة ليس من باب كون المورد من صغريات الاجتماع و كونه محالا، لما قلنا من أن مختارنا جواز الاجتماع، لأنّ تمام مطلوب المولى و مزجوره ليس إلا حيث يكون مورد ارادته و كراهته بلا نظر إلى حيثيات اخرى يقارنها في الوجود الخارجى، و لا يتعلق طلبه إلا بنفس إيجاد الطبيعة أو تركها، و أمّا المكلف فحيث أنّه بحسب حكم العقل مخير بين اختياره في مقام امتثال الأمر أىّ فرد من الطبيعة يشاء، فهو بسوء اختياره اختار فردا يجامع مع ما هو مزجور المولى، فلا يقبل هذا الفرد لصيرورته مصداقا للعبادة، فلذلك نقول: بفساد الصّلاة مع الثوب أو في المكان المغصوب.

و بما قلنا في

لباس المغصوب و المكان المغصوب من بطلان الصّلاة فيهما لا يمكن أن يقال: ببطلان الصّلاة في لباس الحرير و الذهب، لأنّ أفعال الصّلاة من الركوع و السجود تصرفا في المغصوب الّذي يكون هذا التصرف حراما، فتكون

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 144

نفس العبادة من أجل ذلك طغيانا و عصيانا، و لا تقبل لأنّ يتقرب بها، و أمّا في لباس الحرير و الذهب فحيث إنّ المحرم لبس الذهب و الحرير، لا تصرفاته حتّى يكون الشخص في أفعال الصّلاة فاعلا للمحرّم من باب تصرفه المحرم، فلا يكون لابس لباس الذهب و الحرير بعبادته عاصيا و طاغيا فتمشي منه قصد القربة.

المسألة السابعة: قال المحقّق رحمه اللّه «1» في الشرائع:

اشارة

لا تجوز الصّلاة في ما يستر ظهر القدم كالشمشك، و يظهر من بعض الكلمات عدم جواز الصّلاة في الشمشك (بضم الأوّل و كسر الثاني أو بضمّ الأوّلين و سكون الثالث) و النعل السندي، فنقول مقدّمة:

بأنّا بعد الفحص لم نجد في اللغة تعرضا للشمشك و النّعل السندي حتّى نفهم ما هو الموضوع له لهذين اللفظين، نعم قال في برهان قاطع بأنّ (جمشك بر وزن اندك بمعنى جمشاك است كه كفش و پاى افزار باشد، و باين معنى با جيم فارسى هم امده است) ثمّ قال في موضع اخر (چمشاك بر وزن أفلاك پاافزار و كفش را گويند، و باين معنى بجاى شين قرشت نون هم امده است) ثمّ قال في موضع اخر (چمناك بفتح أول بر وزن نمناك پاى افزار و كفش را گويند) و ينقل بعض طلاب جيلان بأن المعمول في هذا العصر يكون نوعا ممّا يلبس بالرجل يستر ظهر القدم و يقال به.

و قد يحتمل كون الشمشك ما ذكر في برهان القاطع، و ما يكون معمولا عند أهل

بعض البلاد فعلا، و لكن مع ذلك لا مدرك تطمئن النفس بكونه هو الشمشك الوارد في الكلام الفقهاء، و كذلك لا يعلم ما هو الموضوع له للفظ النعل السندي، و أنّ كيفيتهما على أىّ نحو كانت.

[مناقشة المسألة]
اشارة

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في حكم المسألة، فنقول: يقع الكلام في مقامين:

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 153؛ شرايع الاسلام، ج 1، ص 59.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 145

المقام الأول: [في ذكر وجوه حرمة الصّلاة في الشمشك و النعل السندي]
اشارة

في أنّه هل يحرم الصّلاة في الشمشك و النعل السندي أم لا؟

و ما يمكن أن يكون وجها لعدم جواز الصّلاة فيهما، و قيل في وجهه امور:

الامر الأول:

ما يظهر من بعض الكلمات من أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أصحابه و التابعين لم يلبسوهما في الصّلاة، فلا يجوز لبسهما في الصّلاة لنا.

و فيه مع تسليم عدم لبسهما النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فليس ذلك موجبا لعدم جواز الصّلاة فيهما، و إلّا فيلزم عدم جواز نوع الألبسة المعمولة في أعصارنا الّتي لم يلبسها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

الامر الثاني:

الرواية 1 من الباب 26 من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة ما رواها سيف بن عميرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا يصلّي على جنازة بحذاء، و لا بأس بالخف). «1»

و فيه مع قطع النظر من احتمال خصوصية لصلاة الجنازة، بأنّ الحذاء على ما يظهر من كلام بعض أهل اللغة هو النعل، و على كل حال ليس وضعه بحيث يغطي ظهر القدم، و لم يكن له ساق.

الامر الثالث:

ما روى مرسلا في الوسيلة، و هذه عبارة بن حمزة رحمه اللّه في الوسيلة في اللباس (و روي أنّ الصّلاة محظورة في النعل السندي و الشمشك) و ما في مقنعة مفيد رحمه اللّه من إفتائه على عدم الجواز حيث قال رحمه اللّه (و لا يجوز أن يصلّي في النعل السندي حتّى ينزعها و لا يجوز الصّلاة في الشمشك، و يصلّي في الخف و الجرموق إذا كان له ساق) و ما قال الشّيخ رحمه اللّه في النهاية و هذه عبارتها (و لا يصلّي الرجل في

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 26 من أبواب صلاة الجنازة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 146

الشمشك و لا النعل السندي).

[في ما يمكن ان يكون وجها لعدم جواز الصّلاة هو الوجه الثالث]

و ما يمكن أن يكون وجها وجها لعدم جواز الصّلاة فيهما (و لو على النحو الاحتياط المطلق) هو الوجه الثالث، لأنّه كما قلنا غير مرة، من أنّ القدماء قدّس سرّه اكتفوا و اقتصروا بذكر فتاوي المتلقاة عن المعصومين: كما، ترى أنّ الشّيخ رحمه اللّه قال في المبسوط بذلك، و صرّح (بأنّ كتاب المبسوط كتبته لذكر التفريعات الّتي استخرجتها من بطون الاصول المتلقاة، على خلاف مشي القدماء المقتصرين بذكر فتاوي المتلقاة عنهم:، كي لا تتوهم العامة بأنّا لا نقدر على ذكر التفريعات، بل نحن نذكر التفريعات و نستخرجها من بطون النصوص انتهى كلامه.

و الغرض هو بيان أنّ القدماء اقتصروا في كتبهم المعدة للفتاوي لما تلقونها من المعصومين عليهم السّلام، فلأجل ذلك نكشف من فتاويهم في هذا النحو من الكتاب مثل مقنعة المفيد رحمه اللّه، و نهاية الشّيخ رحمه اللّه، و بعض اخر من الكتاب، كون نصّ في المسألة و صل إليهم، و لم يصل إلينا، لأنّه ليس في أيدينا من الروايات

كل ما و صل بأيديهم، فعلى هذا نقول: بأنّا نفهم من إفتاء المفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه في كتابيهما بعدم جواز الصّلاة في الشمشك و النعل السندي، من أنّهما لم يفتيا على ذلك إلّا من باب وصول نصّ بأيديهم استظهرا منه كون الحكم كذلك، فلأجل هذا لا بدّ من أن نقول: إمّا بعدم جواز لبسهما حال الصّلاة بطريق الفتوى، و إمّا بالاحتياط أقلا «1».

______________________________

(1)- أقول: ولي كلام في ما يكون بنظر سيدنا الاستاد مدّ ظلّه من استكشاف النصّ من قول القدماء إذا كان كلام منهم في كتبهم المعدة لذكر فتاوي المتلقاة و أنّ ذلك يوجب أن نفتي على طبق فتواهم، أو أن نقول بالاحتياط في مقام العمل: بأنّه و لو فرض من فتواهم بأنّهم لم يفتوا إلّا.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 147

المقام الثاني:

يقع الكلام في أنّه على فرض عدم جواز الصّلاة في الشمشك و النعل السندي، فهل نقول في مطلق ما يستر ظهر القدم، و لا يغطّي الساق: بعدم جواز الصّلاة فيه كما قال به المحقق رحمه اللّه في الشرائع أم لا؟

اعلم أنّه بعد عدم وجود دليل في الشمشك و النعل السندي إلا ما رواه ابن حمزة مرسلة، و ما أفتى به المفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه من عدم جواز الصّلاة فيهما، فما يمكن أن يقال في وجه عدم جواز الصّلاة في مطلق ما يستر ظهر القدم، هو أن يقال: بكون العلة في عدم جواز الصّلاة فيهما ليس إلّا حيث كونهما ساترا لظهر القدم، فكلّ ما يكون ساترا لظهر القدم فلا تجوز الصّلاة فيه.

و لكن بعد احتمال كون منشأ عدم الجواز فيهما غير ذلك، مثل أن يكون منشأ عدم الجواز فيهما

كون وضعهما بحيث لا يمكن مع لبسهما وضع الأصابع على الارض، فلا يمكن أن يقال: بعدم جواز الصّلاة في مطلق ما يستر ظهر القدم، فعلى هذا لا وجه لعدم الجواز في مطلق ما يستر ظهر القدم.

و أمّا ما رواها محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري (أنّه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله هل يجوز للرجل أن يصلّي و في رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟ فكتب في الجواب: جائز، و سأله عن لبس النعل المعطون فإنّ بعض أصحابنا يذكر أنّ لبسه كريه، فكتب في الجواب: جائز، لا بأس به) «1» فلا تكون دليلا على عدم جواز الصّلاة في كلّ ما يستر ظهر القدم، بدعوى دلالتها على

______________________________

من باب وصول نصّ بأيديهم، و لكن صرف ذلك لا يوجب كون الحكم هو على طبق ما أفتوا به، إذ من الممكن بأنّه لو وصل إلينا هذا النصّ لا نفهم منه ما فهموا منه، و لكن الاحتياط في محلّه). (المقرّر).

(1)- الرواية 4 من الباب 38 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 148

الجواز في البطيط. لأنّه لا يستر الكعبين بناء على كون المراد من الكعبين العظمين، لاحتمال كون المراد من الكعبين العظمين الناشزين جانبي القدم كما هو من معانيه، و على هذا يكون دليلا على الجواز في ما يستر ظهر القدم و لا يغطي الكعبين، لأنّه من قرينة قوله (و لا يغطي الكعبين) يفهم أنّه يستر الباطن و الظاهر من القدم، هذا كلّه في ما يتعلق بهذه المسألة.

أقول: و يظهر من المحقق رحمه اللّه «1» في المعتبر أنّ مستند الحكم في عدم جواز ما يستر ظهر القدم و ليس له ساق، هو

فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث قال (و لا يجوز الصّلاة في ما يستر ظهر القدم و ليس له ساق، كالنعل السندي و الشمشك، قاله الشيخان في النهاية و المقنعة، و مستند ذلك فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و التابعين الخ).

و إن كان وجه ما قاله هذا، فقد عرفت ما فيه، و يظهر من عبارته هذه عدم اتكاله بما نقل المفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه في المقنعة «2» و النهاية «3» في خصوص الشمشك و النعل السندي في حكمه بعدم الجواز في كل ما يستر ظهر القدم، فافهم.

المسألة الثامنة: من شرائط لباس المصلّي ألا يكون قذرا.

اشارة

اعلم أنّ الطهارة على ضربين طهارة الحديثة و طهارة الخبثية، فموضوع الاولى النفس، و الثانية الجسد، و على كل حال لا إشكال في كون الطهارة عن القذارة شرطا في الصّلاة، و هل الطهارة و القذارة كلتاهما أمران وجوديان، أو الطهارة وجودي و القذارة عدمي أو بالعكس؟

لا يبعد كون القذارة وجوديا و الطهارة عدميا لأنّ الطهارة الّتي يعبّر عنها

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 93.

(2)- المقنعة، ص 153.

(3)- النهاية، ص 98.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 149

بالفارسية (به پاك بودن و پاكى) عبارة عن عدم وجود القذارة في الشي ء، و تكون النسبة بينهما العدم و الملكة، و على كل حال تجب إزالة النجاسة عن الثوب، و كذا البدن للصّلاة.

[في وجوب تطهير البدن و اللباس عن القذارة]

و اعلم أنّ المستفاد من بعض الروايات، و قد جمعناها، هو أنّ الواجب تطهير البدن و الثوب عن القذارة، بمعنى أنّ حصول القذارة أوجب التطهير، كما يظهر من الرواية رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السّنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمّا البول فإنّه لا بد من غسله). «1»

و هذه الرواية و ان كان صدرها و هو قوله (لا صلاة إلّا بطهور) موجبا لتوهم كونها متعرضة للطهارة الحدثية، و لكن ذيلها يدفع هذا التوهم، و هو تعرضه (للاستنجاء) و تدلّ على وجوب تطهير البدن عن القذارة بثلاثة أحجار (و أخبار اخر بهذا المضمون في الأبواب المختلفة، جمعها سيدنا الاستاد مدّ ظلّه كما رأيت في بعض مسوداته المكتوبة بقلمه الشريف).

و الغرض من ذكر هذا المطلب ليس بيان كون الشرط هو الطهارة، أو كون المانع هو النجاسة، أو كون المعتبر

شرطية الطهارة و مانعية النجاسة كلتيهما في الصّلاة، بل الغرض هو أنّ ما يوجب التطهير هو القذارة، لعلّه ينفعك في بعض الموارد، و على كل حال لا إشكال في وجوب تطهير البدن و الثوب للصّلاة، و لا إشكال في اعتبار ذلك في البدن و في اللباس سواء كان ساترا فعلا أو ليس بساتر، فلا اختصاص لهذا الحكم بخصوص الساتر،

[فروع]
اشارة

و بعد ذلك نقول بعونه تعالى: إنّ الكلام يقع

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 9 من أبواب احكام الخلوة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 150

في هذه المسألة في طي فروع:

الفرع الأول: [هل يكون محمول النجس مثل نفس النجس فى بطلان الصّلاة او لا؟]
اشارة

كما لا تجوز الصّلاة في اللباس النجس، هل لا تجوز في المحمول النجس، أو تجوز الصّلاة و لو كان مع المكلف المحمول النجس؟

اعلم أنّ المستفاد من صحيحة زرارة «1» المعروفة المتمسك بها في الاستصحاب، هو كون وجه وجوب تطهير الثوب على الشخص كون الشخص ملابسا له، لأنّه بعد ما فرض في الرواية وقوع الدم أو غيره أو شي ء من المني في ثوبه (قال عليه السّلام لا يجب الاعادة، لأنّك كنت على يقين من طهارتك) و وجه نسبة طهارة الثوب إلى الشخص بقوله (من طهارتك) ليس إلّا كون الشخص ملابسا للثوب، و كون الثوب مصاحبا له، فعلى هذا يستفاد من ذلك أنّ كل ما يلابس الشخص يجب عليه تحصيل طهارته، و لا تجوز الصّلاة في كل شي ء متنجس يكون ملابسا للشخص، لأنّ وجه استناد طهارة الثوب إلى الشخص بقوله (من طهارتك) ليس إلا حيث كون الثوب ملابسا له، و حيث كان ملابسه فقد اسند طهارة الثوب إلى الشخص بقوله (من طهارتك).

فيستفاد منها أنّ كل ما يلابس الشخص، و هو ملابس له يجب تحصيل طهارته، و في مورد الرواية حيث يكون الشخص على يقين من طهارة ما يلابسه، فقد صحّ كل صلاة صلّى فيه، و على هذا لا فرق في كون ملابس الشخص ثوب الشخص أو محمولا، لأنّ المحمول أيضا ممّا يلابس للشخص، و على هذا الوجه لا فرق بين كون المحمول ممّا تتمّ فيه الصّلاة، أو ما لا تتمّ فيه الصّلاة، كما لا فرق في

الثوب بين كونه ممّا تتم، أو ممّا لا تتمّ مع قطع النظر عما يدلّ على صحة الصّلاة في ما لا تتمّ

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 41 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 151

فيه الصّلاة إن كان شاملا لما لا تتمّ فيه الصّلاة إذا كان محمولا، و يأتي الكلام فيه في طي الكلام في الفرع الثاني، و هو استثناء ما لا تتمّ فيه الصّلاة إن شاء اللّه.

[في ذكر بطلان الصّلاة فى المحمول المتنجس]
اشارة

و يمكن أن يستدل لعدم صحة الصّلاة في المحمول المتنجس بوجهين آخرين:

الوجه الأول:

و هي مرسلة عبد اللّه بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال: كل ما كان على الانسان أو معه ممّا لا تجوز الصّلاة فيه واحده، فلا بأس أن يصلّي فيه و ان كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما اشبه ذلك). «1»

لأنّ قوله (معه) يدلّ على المحمول، فمنطوق الرواية يدلّ على جواز الصّلاة في كل ما كان على الانسان، أو مع الانسان ممّا لا تجوز الصّلاة فيه واحده، و مفهومه يدلّ على عدم جواز الصّلاة في كل ما كان على الانسان أو معه ممّا كان تتمّ فيه.

و إن كان هذا وجه عدم صحة الصّلاة في المحمول، فكما ترى يستفاد منها عدم جواز الصّلاة في المحمول في خصوص ما يكون ممّا تتمّ فيه الصّلاة، و أمّا إذا كان المحمول ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة واحده فالصّلاة فيه جائزة و لكن التمسك بهذه الرواية مشكل لكونها مرسلة «2» و بعد كون الرواية مرسلة لا وجه لأنّ يتمسّك بها لجواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من المحمول.

الوجه الثاني:
اشارة

أن يقال: بشمول بعض الاطلاقات الدالّة على عدم جواز الصّلاة في النجس و المتنجس للمحمول أيضا، و دعوى أنّ الظاهر من لفظ (فى) هو الظرفية، و لا يصدق على من صلّى مع محمول النجس بأنّه صلّى في النجس فاسدة

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- أقول: مضافا إلى أنّ كون المفهوم للقضية مشكل إلّا على مختار سيدنا الاستاد مدّ ظلّه في المفهوم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 152

بأنّ ما نرى في بعض الروايات من التعبير (بفى) بالنسبة إلى المحمول، شاهد على

صدق (صلّى فيه) أو (لا تصل فيه) على المحمول، مثل ما رواها محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال صلّ في منديلك الّذي تتمندل به، و لا تصلّ في منديل يتمندل به غيرك) «1»، و هكذا ما ورد في السيف مع أنّ السيف محمول، مثل ما رواها وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه أنّ عليا عليه السّلام (قال: السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما، لم تر فيه دما و القوس بمنزلة الرداء). «2»

[الاحوط عدم جواز الصّلاة فى المحمول المتنجس كما هو مختارنا]

و هذا وجه اخر يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه في طهارته لشمول حكم عدم جواز الصّلاة في النجس و للمحمول المتنجس، و على كل حال فالأحوط، كما كان مختارنا سابقا، عدم جواز الصّلاة في المحمول المتنجس، فلا نرفع اليد من الاحتياط الّذي بينا في حاشيتنا على العروة في هذه المسألة، لما قلنا من أنّ ظاهر رواية زرارة هو الشمول للمحمول أيضا مضافا إلى إمكان دعوى شمول الاطلاقات الواردة في النهي عن الصّلاة في النجس للمحمول أيضا كما يظهر من كلام بعض الفقهاء شمول الحكم للمحمول، و كما يظهر من عبارة السرائر قال في السرائر في لباس المصلّي (و لا يجوز الصّلاة في ثوب فيه خمر، أو شي ء من الأشربة المسكرة، و كذلك الفقاع، و ما لا تتم الصّلاة فيه- من جميع الملابس، و ما يطلق عليه اسم الملبوس منفردا كالتكة و الجورب بفتح الجيم، و القلنسوة بفتح القاف و اللام و ضمّ السين، و الخف، و النعل، و الخاتم، و الدملج بضم الدالّ و اللام، و الخلخال، و المنطقة و غير ذلك مثل السيف و السكين- تجوز الصّلاة فيه و إن كان عليه نجاسة، و أمّا

ما لا يكون ملبوسا و لا

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 49 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 57 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 153

يطلق اسم الملبوس عليه، لا تجوز الصّلاة فيه إذا كان فيه نجاسة، لأنّه يكون حاملا للنجاسة، و الأوّل خرج بالاجماع من الفرقة على ذلك، و لا يظن ظان أنّه لا يجوز إلّا في التكة و الجورب و القلنسوة و الخف و النعل فحسب، لمّا نجد في بعض الكتاب، و ذلك أنّ أصحابنا قالوا: كل ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا يجوز الصّلاة فيه و إن كان عليه نجاسة، ثمّ ضربوا المثل فقالوا: مثل التكة و الخف، و عدوا أشياء على طريق ضرب المثل، و المثل عند المحققين غير مستوعب للممثل الخ). «1»

لأنّ المستفاد من عبارته هو كون خروج ما لا تتمّ بالاجماع، و أمّا المحمول فلا تجوز الصّلاة فيه، لأنّ الشخص حامل للنجاسة، فافهم.

الفرع الثاني: [في ذكر الروايات المربوطة]
اشارة

يستفاد من بعض الروايات جواز الصّلاة في كل ما لا تتم الصّلاة فيه واحده.

الرواية الاولى:

ما رواها زرارة عن أحدهما عليهما السّلام (قال: كلّ ما كان لا تجوز فيه الصّلاة واحده، فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب). «2»

الرواية الثانية:

ما رواها حماد بن عثمان عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يصلّي في الخف الّذي قد أصابه القذر، فقال: إذا كان ممّا لا تتمّ الصّلاة فيه فلا بأس). «3»

الرواية الثالثة:

ما رواها زرارة (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ قلنسوتي

______________________________

(1)- السرائر، ج 1، ص 264.

(2)- الرواية 1 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 154

وقعت في بول، فأخذتها فوضعتها على رأسي، ثمّ صليت، فقال: لا بأس). «1»

الرواية الرابعة:

ما رواها إبراهيم بن أبي البلاد عمن حدثهم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بالصّلاة في الشي ء الّذي لا تجوز الصّلاة فيه واحده يصيبه القذر مثل القلنسوة و التكة و الجورب). «2»

الرواية الخامسة:

ما رواها عبد اللّه بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال كلّ ما كان على الانسان أو معه ممّا لا تجوز الصّلاة فيه واحده، فلا بأس أن يصلّي فيه و ان كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك). «3»

و لا يبعد انتهاء سند كل من هذه الروايات إلى زرارة، لأنّ الاولى ينتهي سندها إليه، و ينتهي سند الثانية إلى حماد بن عثمان عمن رواه، و لا يبعد كون من روى عنه هو زرارة، و ينتهي سند الثالثة إلى زرارة و ينتهي سند الرابعة إلى إبراهيم بن أبي البلاد عمن حدثهم، و لا يبعد كون من حدثهم هو زرارة و ينتهي سند الخامسة إلى عبد اللّه بن سنان عمن أخبره، و لا يبعد كون من أخبر عبد اللّه بن سنان هو زرارة، فعلى هذا الاحتمال ليس الراوي لهذه المسألة في هذه الروايات إلّا زرارة،

[في ذكر الاحتمالات الثلاثة فى المراد ممّا لا تتم الصّلاة فيه]
اشارة

و لا إشكال في أصل الحكم في الجملة، إنّما الكلام في أنّ ما هو المراد ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة الّتي جوّز الصّلاة فيه، فنقول: إنّ هنا احتمالات ثلاث:

الاحتمال الأول:

ان يكون المراد منه كلّ ما لا يقبل لأنّ يستر به العورة،

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 155

و لا تتمّ فيه الصّلاة واحده بهيئته و مادته، بمعنى أنّه لو تبدل هيئته فبمادته أيضا لا يقبل لأنّ يستر به العورة.

الاحتمال الثاني:

أن يكون المراد ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة كلّ ما لا تتمّ فيه الصّلاة بهيئة فقط، و إن كان بنحو يقبل بمادته لأنّ تتمّ فيه الصّلاة كالقلنسوة مثلا.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 4، ص: 155

الاحتمال الثالث:

أن يكون المراد ما لا يقبل لأنّ يستر به العورة بهيئته المعمولة الفعلية لبسه في محل من البدن، و بعبارة اخرى كلّ ما يكون من الألبسة في موضعه المعمول لبسه من البدن إن كان بوضعه الفعلي مع كونه في محله المخصوص من البدن ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة، فيجوز الصّلاة فيه و إن كان نجسا، فبناء على هذا إن كان القميص المعمول عند الأعاجم الّذي لا يستر إلا ما فوق العورة، أو ما يقال به (الجليقة) أو الجورب الّذي بهيئته يستر العورة، و لكن كل ذلك متى يكون في البدن لكن في المحل المعد لبسه في هذا الموضع فتجوز الصّلاة فيه و لو كان نجسا على هذا الاحتمال، لأنّ القميص محله فوق العورة، و كذا (الجليقه) و الجورب محله الرجل ما دون العورة فلا تتمّ الصّلاة فيها بوضعها الفعلى لانها مع كونها في محلّها لا تستر بها العورة، نعم يكون على هذا الاحتمال ممّا تتمّ فيه الصّلاة العباء و القباء و نحوهما، لأنّهما بوضعهما الفعلي و كونهما في محلهما من البدن، تستر بهما العورة.

إذا عرفت هذه الاحتمالات الثلاثة يقع الكلام في أنّ الظاهر من روايات الباب أىّ من الاحتمالات، فنقول بعونه تعالى: إنّ ما يضعف الاحتمال الأوّل هو ان بعض المذكورات مثالا لما لا تتمّ فيه الصّلاة في بعض روايات الباب، كبعض أفراد

القلنسوة و الجورب، يكون ممّا يقبل بمادته لأنّ تتمّ فيه الصّلاة و إن لم يكن بهيئته قابلا لذلك، فعدهما بطريق الاطلاق ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة، شاهد على عدم كون

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 156

المراد ممّا لا تتمّ هو ما لا تتمّ فيه الصّلاة حتّى بهيئة، مضافا إلى أنّ الظاهر ممّا لا تتم الصّلاة فيه، أو ما تتم، هو ما يكون فعلا ممّا تتمّ، أو ما لا تتمّ كالقلنسوة، لأنّ الظاهر استثناء نفس القلنسوة، و القلنسوة ليس إلا لباس مخصوص بهيئته خاصة تكون فعلا، و الّا مادتها ليست قلنسوة.

و لا يبعد كون الظاهر من روايات الباب الاحتمال الثاني، لأنّ الظاهر من اللفظ ما لا تتم فيه الصّلاة صدقه على كل ما كان بهيئته فعلا لا تتمّ فيه الصّلاة و ان لم يكن في محله المعهود له من البدن، فتأمل.

ثمّ إنّه هل يشمل الحكم لكل ما لا تتمّ و إن كان محمولا، أو يختص الحكم بخصوص ما لا تتمّ من اللباس، و أمّا المحمول من النجس فتفسد الصّلاة فيه و إن كان مما لا تتمّ فيه الصّلاة.

[ان كان مدرك الحكم مرسلة عبد اللّه بن سنان فتشمل للمحمول]

اعلم أنّه كما قلنا في المحمول، إن كان المدرك في المسألة مرسلة عبد اللّه بن سنان المتقدمة فتشمل للمحمول أيضا، لأنّ الظاهر منها جواز الصّلاة في كلّ ما كان على الانسان، أو معه ممّا لا تجوز الصّلاة فيه، و أثرها عدم البأس بالمحمول إذا كان لا تتم الصّلاة فيه، و لكن قد عرفت عدم إمكان التعويل على رواية عبد اللّه بن سنان، لكونها مرسلة.

و أمّا التمسك في عدم البأس بالمحمول النجس إن كان ممّا لا تتمّ ببعض الروايات المتقدمة الدالّة على نفي البأس عن مطلق ما لا تتم،

بدعوى كون المحمول الّذي لا تتمّ فيه الصّلاة من أفراده، و خصوصا يستفاد من هذه الاطلاقات أنّ طهارة المصلّي لا يعتبر بالنسبة إلى ما لا تتمّ فيه الصّلاة، فإذا لا فرق بين المحمول و غيره إذا كان ممّا لا تتمّ الصّلاة فيه واحده، بل يمكن دعوى كون العفو بالنسبة إلى

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 157

المحمول أولى ممّا إذا كان ما لا تتمّ لباسا، لقوة كون المدار ملابسة الشخص مع النجس، فإذا عفي عن الملبوس إذا كان ممّا لا تتم، فغير الملبوس، و هو المحمول أولى بالعفو، و لكن مع ذلك استثناء المحمول مورد الاشكال، فتأمل.

الفرع الثالث:

إذا كان الثوب طويل الذيل بحيث يجر على الأرض مقدار منه، و فرض نجاسة هذا المقدار الّذي يجر على الارض، فهل نقول: بعدم جواز الصّلاة فيه لكونه لباسا للمصلّي، أو عدم البأس بذلك، وجهان: لا يبعد دعوى كون الميزان هو المتعارف، فإنّ كان الثوب بحيث لا يعد المقدار الزائد الّذي يجر على الأرض ثوبا و ملابسا للشخص، و صلّى فيه، و لا يصدق باعتباره كون المصلّي طاهرا أو نجسا، فلا إشكال في الصّلاة في مثل هذا الثوب إذا كان ذيله نجسا و إلّا فلا تجوز الصّلاة فيه.

الفرع الرابع:

هل يشترط طهارة ما يلقى المريض فوقه أو تحته؟ الظاهر أنّه إن لم يكن له ساتر غيره بحيث يستر بما وضع فوقه، أو تحته، أو بهما، فحكم هذا الثوب الملقى كاللحاف مثلا حكم اللباس، فيعتبر خلّوه عن النجاسة، و إلّا فشمول الحكم له مشكل.

الفرع الخامس: [فى الصور المذكورة للجهل بالموضوع و الحكم]
اشارة

إذا صلّى في النجس فهل الصّلاة فاسدة أم لا؟

اعلم أنّ للمسألة صورا:

الصورة الاولى:

أن يصلّي الشخص في النجس عامدا عالما بالحكم و الموضوع، فلا إشكال في فساد الصّلاة في هذه الصورة سواء وقع بعض الصّلاة مع النجس، أو كلها، فتجب عليه الاعادة في الوقت و القضاء في خارجه، و وجهه ظاهر، لأنّ مقتضى شرطيته الطهارة عن الخبث، أو مانعية النجاسة، على الكلام في ذلك،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 158

هو هذا، فافهم.

الصورة الثانية:

أن يصلّي فيه جاهلا بالحكم، بأن يكون جاهلا بكون البول مثلا نجسا، أو يعلم بذلك، و لكن يكون جاهلا باعتبار شرطيته الطهارة عن البول، أو مانعيته، على الكلام فيه، في الصّلاة، فصلاته فاسدة أيضا لعدم معذورية الجاهل بالحكم إلا في موردين فقط.

الصورة الثالثة:

أن يكون جاهلا بالحكم عن قصور لا عن تقصير.

الصورة الرابعة:

أن يصلّي فيه جاهلا بالموضوع، و لا يعلم بذلك إلّا بعد الفراغ عن الصّلاة، بأن يكون جاهلا بوقوع النجاسة و صلّى، ثمّ تبيّن أنّه صلّى في النجس، و لا إشكال في صحة الصّلاة في هذه الصورة، أمّا أوّلا فلما قلنا في مبحث الإجزاء مفصّلا من كون هذا الفرد من المأمور به الفاقد للشرط أو الواجد للمانع، فردا للطبيعة المأمور بها، و نقول بنحو الاختصار: بأنّه بعد ما قلنا في الاصول: بأنّ عنوان البحث في الإجزاء على ما عنونوه من إجزاء الحكم الظاهري أو الاضطراري عن الواقعي، غير سديد و أنّه ليس ما امر به إلّا الطبيعة، غاية الأمر تارة يكون فرد منها هو الواجد للأجزاء و الشرائط، و هو الواقعى الأولى، و تارة لا يكون كذلك، بل يكون فرد الطبيعة فاقد الجزء، أو الشرط من باب الاضطرار، مثل من اضطرّ عن القيام في الصّلاة، و يقال به الواقعي الاضطراري، و تارة يكون الفرد فاقدا لبعض الأجزاء، أو الشرائط، أو كليهما، و لكن مع ذلك يكون فردا للطبيعة من باب جهل المكلف بالجزء أو الشرط المفقود في هذا الفرد، ففي كل هذه الموارد ليس المامور به إلّا الطبيعة، و ليس ما أتى به المكلف في الأوّل و الثاني و الثالث إلّا فردا للطبيعة، و بعد ما لا يدعو الامر إلّا إلى الطبيعة فقهرا إذا أتى بها في ضمن أىّ فرد من هذه الأفراد

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 159

في مورد يكون كل منها فردا لها، فيسقط الأمر بالطبيعة، و هذا معنى الإجزاء، و قلنا:

بأنّ لسان الأدلة في مورد الاضطرار بترك بعض الأجزاء، أو الشرائط، أو إتيان بعض

الموانع على عدم جزئية الجزء و شرطية الشرط و مانعية المانع، هو كون الفاقد فردا للطبيعة، و كذلك في مورد الأحكام الظاهرية نقول: بأنّ لسان جعل الأمارة حجة أو اعتبار الاصول، هو كون ما أتى طبق الأمارة، أو الأصل فردا للطبيعة، و بعد كون ذلك فردا للطبيعة، فقهرا يسقط الأمر بها، و هذا معنى الإجزاء، و سقوط الإعادة و القضاء.

و قد بينا في الاصول بيان عدم الفرق في ذلك بين الاصول و الامارات، و عدم وجه لتفصيل المحقق الخراسانى رحمه اللّه بالإجزاء في الاصول، و عدمه في الأمارات، و أيضا بينا وجه عدم ورود إشكال التصويب المدعى الاجماع على بطلانه، و بيّنا بأنّ الحق هو الاجزاء و إن انكشف الخلاف بعد الاتيان، لأنّ هذا مقتضى دليل اعتبار الأمارة و الأصل، لأنّه ليس دليل اعتبارهما مقيدا بصورة عدم كشف الخلاف، و إلّا فلا بد من أن ينتظر المكلف في العمل بهما و الأخذ بمؤداهما إلى اخر عمره، لأنّه يحتمل دائما انكشاف الخلاف، و لا يمكن الالتزام بذلك.

فبعد ذلك نقول: بأنّ في مسئلتنا حيث صلّى الشخص و انكشف بعد صلاته كون لباسه نجسا، فتصح صلاته، و لا يجب عليه الإعادة أو القضاء بمقتضى القاعدة، لأنّه أتى بما هو المأمور به، و ليس صلاته الواقعة في النجس حال الجهل فاقدا لما يعتبر في طبيعة الصّلاة، بل هو واجد لما تكون في الطبيعة، لأنّه و إن صلّى في النجس إلّا أنّه حيث كان مستصحب الطهارة، فدليل اعتبار الاستصحاب جعل هذا الفرد من الصّلاة مع الثوب النجس في حكم الطاهر، فصار هذا الفرد بذلك فردا للطبيعة،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 160

و واجدا لما لا بد من وجوده في فرد طبيعة

الصّلاة، فمقتضى القاعدة الصحة في هذا الفرض، و عدم وجوب الإعادة و القضاء، و كذلك لو صلّى بمقتضى قاعدة الطهارة أعنى: كان شاكّا في نجاسة ثوبه مثلا، و لم يكن مستصحب النجاسة أو الطهارة، و لكن حكم بطهارته بمقتضى أصالة الطهارة، ثمّ بعد الصّلاة انكشف كون ثوبه نجسا، لكون مقتضى القاعدة هو الإجزاء كما بينا.

[في الروايات الدالّة على عدم وجوب الاعادة و القضاء]

و أمّا ثانيا يدلّ على الصحة، و عدم وجوب الاعادة و القضاء في الفرض بعض الروايات:

منها الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين، ثمّ علم به (قال: عليه أن يبتدئ الصّلاة. قال: و سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته، ثمّ علم. قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه). «1»

منها الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن سنان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي، ثمّ صلّى فيه، و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّى، و إن كان لم يعلم به، فليس عليه إعادة، و إن كان يرى انّه أصابه فنظر، فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء). «2»

منها الرواية الّتي رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان، أو سنور، أو كلب، أ يعيد

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 161

صلاته؟ قال: إن كان لم

يعلم فلا يعيد). «1»

و في هذه الرواية دلالة على عدم مانعية أجزاء غير المأكول في صورة الجهل، لأنّ السنور من غير المأكول، فافهم.

منها الرواية الّتي رواها العيص بن القاسم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى في ثوب رجل أياما، ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه. قال:

لا يعيد شيئا من صلاته). «2»

منها الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم، فلا إعادة عليه، و إن هو علم قبل أن يصلّي فنسى و صلّى فيه، فعليه الاعادة). «3»

منها الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ذكر المنى فشدّده، فجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصّلاة، فعليك إعادة الصّلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صلّيت فيه، رأيته بعد ذلك، فلا إعادة عليك، فكذلك البول). «4»

و هذه الروايات تدلّ على عدم الاعادة و القضاء، و لا إشكال في شهرتها رواية و فتوى، فلا يعتني ببعض ما يعارض هذه الروايات، مثل الرواية 8 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل، و هي ما رواها وهب بن عبد ربه عن

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 41 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 162

أبي عبد اللّه عليه السّلام في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه،

فيصلّي فيه، ثمّ يعلم بعد ذلك، قال: يعيد إذا لم يكن علم.

[في الروايات الدالّة على لزوم الاعادة]

منها الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صلّى و في ثوبه بول أو جنابة، فقال: علم به أ و لم يعلم، فعليه إعادة الصّلاة إذا علم). «1»

منها الرواية الّتي رواها منصور بن الوليد الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلمّا اصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: الحمد للّه الّذي لم يدع شيئا إلّا و له حدّ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا، فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر، فعليه الإعادة). «2»

و لا يخفي عليك أنّ سند هذه الرواية كما ذكره في الوسائل هكذا (محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن جبلة عن سيف عن ميمون الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام) فنقل (الحسن بن علي بن عبد اللّه بن جبلة) و هو غير صحيح، بل الصحيح (الحسن بن علي عن عبد اللّه بن جبلة)، و ليس الراوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (ميمون الصيقل) بل (منصور بن عبد اللّه الصيقل) على ما وجدنا في نسخة الكافي، فهكذا السند الكليني (عن محمد بن يحيى عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن عبد اللّه بن جبلة عن سيف بن عميرة عن منصور بن عبد اللّه الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام) نعم قد ذكر الشّيخ رحمه اللّه في رجاله منصور بن الوليد الصيقل، و لم نجد في الروايات إلّا ميمون ألبان.

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 41 من

أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 41 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 163

و توهم كون منصور أعنى هذا المنصور، ضعيفا مدفوع بأنّه قد كثر منه الروايات عن المشايخ، و قد كثر رواية المشايخ عنه، كصفوان بن يحيى، و عبد اللّه بن سنان، و علقمة بن محمد، و غيرهم، و هذا من الأمور الّتي يوجب وثاقة الراوي.

[في الجمع بين الروايات]

ثمّ إنّ هذه الروايات الثلاثة يعارض ظاهرها مع ما قدمنا من الروايات، و لا يخفي عليك بأنّ الرواية الاولى من هذه الثلاثة يحتمل فيها قويا اسقاط (لا) قبل قوله (يعيد) و إلّا فلا وجه لاختصاص الاعادة بخصوص صورة جهله بالنجاسة، و يمكن حمل الأمر بالاعادة في هذه الروايات على الاستحباب، و لا ينافي ذلك الثانية من هذه الروايات الثلاثة بأن يقال: لازم ذلك حمل قوله (فعليه الاعادة) في الوجوب في صورة علمه بالنجاسة، و على الاستحباب في صورة جهله بها، لأنّه، كما قلنا في الاصول، الوجوب و الندب خارجان عن حقيقة الطلب، و يستفاد من الخارج، و إلّا فالأمر لا يدلّ إلّا على صرف البعث.

و قيل في توجيه الرواية الثانية من الثلاثة بحمل قوله في الرواية (علم به أ و لم يعلم) على الاستفهام، و كون الجواب قوله (فعليه الاعادة إذا علم)، و هو بعيد.

و على كل حال إن لم تقبل الروايات للتأويل بنحو لا تكون منافية مع الروايات الدالّة على عدم الاعادة، و يكون بينهما التعارض، فلا إشكال في لزوم الاخذ بالروايات المستفيضة الدالّة على عدم وجوب الإعادة، لكونها موافقة مع الشهرة الفتوائية و الروائية، فلا بدّ من طرح ما يعارضها.

ثمّ إنّ في هذه المسألة تفصيلين آخرين نتعرض لهما.

التفصيل الأوّل هو التفصيل

بين الوقت و خارجه، فيجب إعادة الصّلاة إذا علم بالنجاسة بعد الصّلاة، و كان الوقت باقيا، و عدم الإعادة إذا علم بذلك في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 164

خارج الوقت، و الثاني التفصيل بين صورة الفحص و عدمه في مفروض مسئلتنا، فلا تجب الإعادة إذا تفحص قبل الصّلاة، و لم ير النجاسة، و وجوب الاعادة إذا لم يتفحص قبل الصّلاة و صلّى، ثمّ رأى النجاسة.

[الكلام فى التفصيل الّذي يظهر من كلام المحقّق]

أمّا الكلام في التفصيل الأوّل كما يظهر من كلام المحقق رحمه اللّه حيث قال بعد قوله:

بعدم وجوب الاعادة: و قيل: يعيد في الوقت، و الأوّل أظهر، فيظهر من كلامه وجود هذا القول بين القدماء قدّس سرّهم:

فما يمكن أن يكون وجها لذلك، هو أن يقال: بأنّه بعد دلالة بعض الروايات على عدم وجوب الاعادة، و إطلاقها يقتضي عدم وجوب الاعادة في الوقت و خارجه، و بعض اخر يدلّ على وجوب الاعادة، و إطلاقها يقتضي وجوب الاعادة حتّى في خارج الوقت، فنأخذ بالقدر المتيقن من كليهما، فقدر المتيقن من الطائفة الاولى عدم وجوب الاعادة في خارج الوقت، و قدر المتيقن من الطائفة الثانية وجوب الاعادة في الوقت، فيقيد بقدر المتيقن من كل منهما القدر الغير المتيقن من كل منهما، فتكون النتيجة وجوب الإعادة في الوقت و عدمه في خارجه، كما قال الشيخ الانصارى رحمه اللّه في رفع التعارض بين ما يدلّ على عدم البأس ببيع العذرة، و بين بعض ما يدلّ على كون ثمن العذرة سحت، بحمل الأوّل على عذرة المأكول، و الثاني على عذرة غير المأكول.

و فيه أنّه لا شاهد لهذا الجمع، فلا وجه لهذا التفصيل.

[في ذكر التفصيل بين الفحص و عدم الفحص]

أمّا الكلام في التفصيل الثاني أعنى: الفرق بين صورة الفحص و عدمه، و هذا القول لم يكن بين القدماء، بل يظهر من بعض المتأخرين استنادا إلى الرواية 2 من الباب 41 من أبواب النجاسات من الوسائل، و هي ما رواها محمد بن مسلم عن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 165

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ذكر المنى فشدده فجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصّلاة، فعليك إعادة الصّلاة، و إن أنت

نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثمّ صليت فيه، ثمّ رأيته بعد ذلك فلا إعادة عليك، فكذلك البول) و الرواية 3 من الباب المذكور، و هي ما رواها منصور بن الوليد الصيقل (و قلنا في الصفحة السابقة الكلام في سندها) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: الحمد للّه الّذي لم يدع شيئا إلّا و له حدّ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر، فعليه الاعادة.

و لا يخفي أنّ الامر بالاعادة في الرواية الاولى يمكن أن يكون من باب أنّ المورد مورد يكون له خصوصية، و هو أنّ المتعارف في ثوب يصيبه جنابة هو أنّه لو تفحص عن المني لوجده، و يمكن أن يقال: بلزوم الفحص في مثل هذا المورد، و أمّا في غير ذلك المورد فيعمل بعموم الروايات.

و أمّا في الرواية الثانية فالظاهر منها هو ذكر شقوق المسألة، و أنّ الشخص إمّا أن يعلم بالنجاسة قبل الصّلاة، أو في أثنائها، أو بعدها، ففي الاولين تجب الاعادة، و في الثالثة لا تجب الاعادة، فيكون النظر مقدمة للعلم، و إلّا فإنّ كان في مقام بيان الفرق بين النظر و عدمه، فلم يستوف شقوق المسألة، لأنّه ذكر شقين: الأوّل صورة النظر و عدم الرؤية، و الثاني صورة عدم النظر أصلا، و يبقى صورة لم يذكرها، و هي صورة عدم النظر ثمّ الرؤية مضافا إلى أنّ التفصيل خلاف المشهور، فافهم.

فرع تعرض له السيّد رحمه اللّه في العروة فقال: لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته ثمّ صلّى فيه و بعد ذلك تبين له

بقاء نجاسته، فالظاهر أنّه من باب الجهل بالموضوع،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 166

فلا يجب عليه الاعادة او القضاء. «1»

[في ذكر منشأ فتوى السيد امور]
اشارة

ما يمكن أن يكون منشأ هذه الفتوى أمور:

الامر الأول:

و هي رواية منصور ابن ميمون، أو ابن الوليد، أو ابن عبد اللّه على الكلام المتقدم فيها «2»، بأن يقال: بعد دلالتها على التفصيل بين الفحص و عدمه، و الحكم بعدم الإعادة في الأول، و الإعادة في الثاني فإطلاقها يقتضي شمول الحكم لصورة علم الشخص بالنجاسة و غسله و علمه بطهارته و الصّلاة فيها، ثمّ انكشف الخلاف، لأنّ المستفاد منها موضوعية الفحص سواء كان الفحص عن أصل النجاسة، أو الفحص عن زوالها، و حصل بالفحص العلم بالزوال.

و فيه أنّه لا إطلاق للرواية، بل ظاهرها الفرق بين الفحص عن أصل النجاسة و عدمه. «3»

الامر الثاني:
اشارة

و هي ما رواها ميسّر «4» (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله، فأصلي فيه، فإذا هو يابس. قال:

أعد صلاتك، أمّا إنّك لو كنت غسلته أنت لم يكن عليك شي ء). «5»

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ج 1، ص 80، مسأله 2 فى الصّلاة فى النجس.

(2)- الرواية 3 من الباب 41 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- أقول: مضافا إلى أنّ السيّد رحمه اللّه ليس قائلا بالتفصيل بين الفحص و عدمه في أصل المسألة أعنى: في ما صلى، ثمّ انكشف وقوع صلاته في النجاسة، فلم يعمل بهذه الرواية.

(المقرّر).

(4)- (لا وجه للاشكال في ضعف سند الرواية بمسيّر لأنّ ميسّر بن عبد اللّه موثوق بيّن وجهه سيد الاستاد مدّ ظلّه).

(5)- الرواية 1 من الباب 18 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 167

بدعوى أنّ قوله فيها (أمّا إنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء) على موضوعية غسله و علمه بطهارته.

[في ذكر الاحتمالات في الرواية]
اشارة

و فيه أنّه يحتمل في الرواية احتمالان:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون المراد هو الفرق بين غسل الشخص بنفسه ثوبه، و بين غسل غيره، فإنّ غسله بنفسه فلا تجب الإعادة، و أمّا إذا غسله غيره فتجب الاعادة.

الاحتمال الثاني:

إنّ الثوب إن غسلته أنت بنفسك فتبالغ في تطهيره، فلم تبق فيه نجاسته حتّى تكشف لك الخلاف بعد الصّلاة، فلأجل أنّ المتصدي للغسل إن كنت أنت تغسله بنحو لم يبق فيه شي ء من النجاسة، فقال (إنّك لو غسلت أنت لم يكن عليك شي ء) و أمّا إنّ غسله غيره فحيث أنّ الغير لا يهتم مثل نفسك، بل يسامح في غسله فيبقى من النجاسة فيه، فالفرق بين غسل الغير و بين غسل نفس الشخص ليس إلّا من باب أنّ الأوّل لم يغسله و الثاني يغسله و يطهّره من النجاسة، لا أنّ مع بقاء النجاسة في غسل كليهما يكون بين صرف غسل الغير و بين غسل الشخص فرق و على هذا لا دلالة للرواية على فتوى السيّد رحمه اللّه.

و الاحتمال الثاني إن لم يكن أقوى، فلا أقل من تساويه مع الأول، مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال: بأن مقتضى القاعدة في الإجزاء كما بينا، هو كون الامر بالعكس أعنى: عدم وجوب الاعادة في صورة غسل الجارية، لأنّها الوكيل أو ذو اليد، و أمّا في صورة تصدي الشخص الغسل بنفسه لأنّه جاهل المركب و لم يكن معذورا.

و لكن مع ذلك القول بالاجزاء في الإخبار محلّ تأمل، و لذا قلنا في المسألة في حاشية العروة (الأقوى فيه وجوب الاعادة و القضاء، بل الأحوط ذلك في إخبار

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 168

الوكيل) لأنّ في غسل الشخص و كشف الخلاف لا إشكال في وجوب الاعادة، و لذا قلنا (الأقوى) و أمّا في اخبار الوكيل

قلنا (الاحوط) لعدم معلومية الاجزاء في إخباره، فافهم.

الصورة الخامسة: إذا انكشف له النجاسة في أثناء الصّلاة و كان جاهلا بها قبل الصّلاة
اشارة

، فلها صور نتعرض لها في طي أمور:

الامر الأول:

أن يرى حال الصّلاة أنّ بثوبه النجاسة و يعلم بوقوعه في هذا الحال بحيث لم يقع جزء من أجزاءه صلاته في النجاسة قبل ذلك، مثل أن يبتلي بالرعاف و لم يكن شاغلا بفعل من أفعال الصّلاة.

الامر الثاني:

أن يرى بثوبه النجاسة و يشك في أنّها حدث في أثنائها، أو كانت في ثوبه من قبل الصّلاة.

الامر الثالث:

أن يرى في أثناء الصّلاة نجاسة في ثوبه أو بدنه، و يعلم بسبق النجاسة بحيث وقع تمام ما مضى من صلاته في النجاسة، مثل أن يعلم أنّ تلك النجاسة من قبل الصّلاة، أو يعلم بأنّ بعض ما مضى من صلاته وقع في النجاسة مثلا يكون في الركعة الثانية من الصّلاة، و يعلم بوقوع النجاسة في ثوبه أو بدنه في أثناء الركعة الاولى.

أمّا الكلام فى الامر الأوّل فنقول:

لا إشكال في صحة ما مضى من صلاته، فإن أمكن تبديل الثوب أو تطهيره بحيث لا يوجب فعل المنافي، فيفعل و يتم صلاته بعد ذلك، لدلالة بعض الروايات الواردة في الدم الرعاف العارض في أثناء

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 169

الصّلاة على ذلك، و من المسلّم عدم خصوصية لدم الرعاف، و ما في رواية «1» زرارة المعروفة بعد ما قال (و إن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت و غسلته ثمّ بنيت على الصّلاة) قوله (لأنّك لا تدرى لعله شي ء أوقع عليك) فمن الواضح دلالتها على أنّ وقوع النجاسة في أثناء الصّلاة بحيث لم يقع فعل من أفعالها مع النجاسة لا يوجب بطلان الصّلاة، مضافا إلى ما قلنا من إجزاء الأمر الظاهري، فهو بالنسبة إلى ما مضى من صلاته أتى بفرد كان فردا للطبيعة حال جهله، و في الحال ليس مشتغلا بفعل من أفعال الصّلاة، و فيما بقى من الصّلاة يغسل ثوبه، أو يطرحه، أو يبدله بثوب اخر، و المقدار من الزمان الّذي يطرح الثوب أو يغسله أو يبدّله و إن كان من أكوان الصّلاة إلّا أنّ عدم الشرط أعنى: طهارة اللباس مغتفرا إمّا من باب دعوى كون الصّلاة عبارة عن نفس الأقوال و الأفعال، و الأكوان المتخللة بين أفعالها خارجة عن الصّلاة،

و ليست جزء لها، و إمّا من باب أنّه لو لم نقل بذلك، و قلنا: بأنّ الصّلاة عبارة عن الحالة الخضوعية بين يدى الرب عزّ اسمه، فعلى هذا من أوّل التكبير إلى اخر التسليم هو في الصّلاة، و يعد هذا الخضوع الخاص صلاة من أفعاله و أقواله و أكوانه، و لكن نقول: بأنّ بعض روايات الواردة في الرعاف يدلّ على العفو عن هذا الشرط في هذا المقدار من الزمان، و عدم مانعية النجاسة في الكون المتخلل بين العلم و تحصيل الشرط أو رفع المانع.

و أمّا الكلام فى الامر الثاني

أعنى: صورة الشّك في كون النجاسة من السابق أو كونها طاريا في أثناء الصّلاة حال الالتفات، فأيضا إن أمكن له طرح الثوب أو تبديله أو تطهيره بحيث لا يوجب وجود مناف من منافيات الصّلاة،

______________________________

(1)- (و هي من جملة روايات المتمسك بها في باب الاستصحاب).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 170

فيجب عليه ذلك و تصح صلاته و يتمها، و إلّا فيجب عليه إعادة الصّلاة.

أمّا بالنسبة احتمال كونها من قبل، فلاستصحاب الطهارة إلى ان حصول العلم، لاحتمال طروها الآن، مضافا إلى أنّه لو فرض كون النجاسة من قبل الشروع في الصّلاة، فما مضى من صلاته حيث وقع إمّا بمقتضى استصحاب الطهارة أو قاعدتها، و لو علم بذلك فعلا، و لكن ما مضى محكوم بالصحة، لما قلنا من الإجزاء، و لا فرق في الإجزاء بين وقوع تمام الصّلاة و بين بعضها بمقتضى الأصل.

و أمّا بالنسبة إلى الكون و الزمان المتخلل بين حصول العلم بالنجاسة و بين رفعها بالتطهير أو بالتبديل أو بالطرح فأوّلا لما يستفاد من الروايات الواردة في حصول الرعاف في أثناء الصّلاة، و دلالتها على عدم البأس في عدم الشرط أو وجود المانع

في الكون المتخلل، و لا خصوصية للمورد أعنى: الرعاف و حصول النجاسة في الأثناء، بل المستفاد منها هو عدم مضرية النجاسة في هذا الحال، و عدم بطلان الصّلاة بواسطة تلبسها بالنجاسة عند حصول العلم بها و اشتغاله بازالتها، لأنّه بعد كون ما مضى من صلاته محكوما بالصحة، فيكون حاله كحال من علم بطرو النجاسة في هذا الحال، فيغتفر في هذا الكون المتخلل وجود المانع.

و ثانيا يدلّ على الصحة في هذا الفرد خصوص رواية زرارة حيث قال فيها (و إن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت الصّلاة و غسلته ثمّ بنيت على الصّلاة، لأنّك لا تدرى لعله شي ء أوقع عليك) لأنّ موردنا لا يدرى أنّ النجاسة من السابق أو تكون طاريا في الحال، فلعلّه شي ء أوقع عليه.

و أمّا الكلام فى الامر الثالث

و هو كما قلنا ما إذا علم بالنجاسة في أثناء الصّلاة، و لكن علم بسبقها بحيث إنّه يعلم بوقوع تمام ما مضى من صلاته، أو بعض

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 171

ما مضى منها فى النجاسة فاعلم أنّه إن كنّا نحن و مقتضى القاعدة نقول: إنّ مقتضى القاعدة هو الإجزاء بالنسبة إلى ما مضى من صلاته في النجاسة في صورة الجهل بها، لما قلنا من الإجزاء في ما إذا وقع تمام الصّلاة في النجاسة في حال جهل المصلّي بالموضوع، لأنه لا فرق بين وقوع كل الصّلاة في النجاسة و بين وقوع بعضها فيها، مضافا إلى إمكان دعوى دلالة الرواية المتقدمة الدالّة على صحة الصّلاة، و عدم وجوب الاعادة إذا صلّى في النجس جاهلا بالموضوع و انكشف ذلك بعد الصّلاة، لأنّ هذه الروايات لو عرض على العرف يلغى خصوصية انكشاف الخلاف بعد الصّلاة، و لا يفرقون بين وقوع بعضها في

النجاسة، أو كلها إن لم يقولوا بأنّ وقوع تمام الصّلاة في النجاسة لو لم يكن موجبا للاعادة، ففي صورة وقوع بعضها يكون عدم الإعادة أولى.

و أمّا بالنسبة إلى الزمان المتخلل بين العلم بالنجاسة في الأثناء و بين الغسل أو طرح الثوب أو تبديله، فكما قلنا من دلالة بعض أخبار الواردة في الرعاف على ذلك بعد إلغاء خصوصية طروّ النجاسة في الأثناء، لأنّ النجاسة في ما مضى من صلاته إن كانت غير مانعة، فحال العلم بسبقها يكون حاله كحال العلم بطروّها فعلا، فتكون النتيجة بعد أجزاء ما مضى من صلاته، و العفو عن الكون المتخلل، هو أنّه في هذه الصورة مثل الصورتين السابقيتين إن أمكن له بعد علمه بالنجاسة في أثناء الصّلاة تطهير الثوب، أو طرحه، أو تبديله فيفعل ذلك، ثمّ يتم صلاته و تقع صحيحة، و لا إعادة عليه، و إن لم يمكن له ذلك فيجب عليه إعادة الصّلاة بعد تحصيل الشرط أعنى: طهارة الثوب و رفع المانع.

و لكن هنا بعض الروايات يدلّ على بطلان الصّلاة في هذا الفرض، فنقول

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 172

بعونه تعالى: بأنّ رواية زرارة المعروفة المتمسك بها في باب الاستصحاب تدلّ على البطلان، لأنّ قوله (و إن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت الصّلاة و غسلته ثمّ بنيت على الصّلاة، لأنّك لا تدرى لعلّه شي ء أوقع عليك) لأنّ المستفاد منها هو أنّ احتمال وقوع النجاسة في الأثناء و طروّها فعلا بحيث لم يقع فعل من أفعال صلاته مقترنا لمانع، علّة لعدم وجوب الاعادة و عدم البطلان إن أمكن الغسل أو الطرح أو التبديل، فإذا علم بسبقها على الصّلاة و وقوع فعل من أفعالها مع النجاسة فتبطل الصّلاة، لعدم العلة،

لكون حكم عدم الإعادة و وجوبها دائرا مدار وجود العلة و عدمها، مضافا إلى أنّه إن قلنا: بكون الفقرة الاولى من الرواية و هو قوله (قلت: إن رأيته و أنا في الصّلاة؟ قال: تنقض الصّلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رايته) تعرضت لحكم صورة الجهل، لا لمورد العلم الاجمالى بوقوع النجاسة و كون الشّك في موضعها، فتدل هذه الفقرة أيضا على بطلان الصّلاة لو كان جاهلا بالنجاسة قبل الصّلاة، ثمّ علم به في أثنائها.

[مع دلالة الرواية لا مجال للتمسك بقاعدة الاجزاء]

فعلى هذا لا يبقى مجال للتمسك بالإجزاء، لأنّ الإجزاء يكون بمقتضى القاعدة، و لا ينافي عدم الإجزاء في مورد من باب دليل خاص مثل المورد على ما يستفاد من هذه الرواية.

[مورد رواية محمّد بن مسلم مورد النسيان]

و من جملة ما يمكن أن يستدل بها على بطلان الصّلاة في هذا الفرض هو ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ذكر المني فشدّده فجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصّلاة، فعليك إعادة الصّلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صليت فيه، ثمّ رأيته بعد ذلك، فلا إعادة عليك

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 173

فكذلك البول). «1»

لأنّها تدلّ على أنّ رؤية المني إن كان قبل أو بعد ما تدخل في الصّلاة فعليك إعادة الصّلاة، فإذا علم في الأثناء أعنى: بعد ما دخل في الصّلاة فعليه إعادتها.

و فيه أنّ بعد احتمال كون مورد الرواية صورة العلم قبل الصّلاة، و كان دخوله فيها مع النجاسة نسيانا، فهي مربوط بفرض النسيان، و لا ربط لها بفرضنا، و لا يبعد ذلك، لأنّه فرض فيها رؤية المني قبل الصّلاة و بعد ما دخل فيها، ففي صورة الرؤية قبلها لا يدخل فيها عمدا، فيكون بحسب الظاهر دخوله فيها مع الرؤية سابقا من باب النسيان، فكذلك يحتمل أن يكون رؤيته في الأثناء كذلك أيضا بمعنى: كون الرواية متعرضة لصورة الرؤية في الأثناء، ثمّ نسيانها و اتيانه ببعض أفعالها حال النسيان، ثمّ تذكر، فامر بالاعادة في كلتا الصورتين لكونهما صورة النسيان فعلى هذا لا وجه لأنّ يستدل بهذه الرواية لبطلان الصّلاة في مفروض مسئلتنا.

و أمّا ما رواها أبو بصير (عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين، ثمّ علم به قال: عليه أن يبتدئ الصّلاة. قال: و سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته، ثمّ علم؟ قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه). «2»

فتدلّ على فساد الصّلاة لو دخل فيها مع الجهل بالنجاسة، و علم بها في أثنائها، و تدلّ على عدم الاعادة لو التفت بعد الصّلاة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 41 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 174

و أمّا ما رواها محمد بن مسلم (قال: قلت: له الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصّلاة؟ قال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه، و صلّ في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أ و لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صليت فيه). «1»

[في مورد اختلاف نقل الكافى و التهذيب]

هذا متن الحديث بنقل (الكافى) (و أمّا بنقل التهذيب فذكرها مثله، لكن زاد قبل قوله (ما لم يزد) واوا و أسقط قوله (و ما كان أقلّ) فيكون نقل التهذيب هكذا (و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي ء الخ) فنقول: أمّا على نقل الكافي فتارة يقال: بأنّ قوله (ما لم يزد) قيد للجملة الاولى و الثانية كليهما، و تارة يقال:

بكونه قيدا لخصوص الجملة الثانية، فعلى الأوّل تكون الرواية دالّة على وجوب طرح الثوب و

إتمام الصّلاة إن كان له ثوب غيره ما لم يزد الدم على مقدار الدرهم، و تدلّ الجملة الثانية على وجوب المضىّ في صلاته ما لم يزد الدم على الدرهم.

فعلى هذا ليست الرواية معارضة مع رواية زرارة و أبي بصير، لأنّ هذه الرواية متعرضة لصورة خصوص عدم كون الدم أكثر من الدرهم، و إن كان يبقى في الرواية إشكال من حيث إنّه لم يجب طرح الثوب إذا لم يكن الدم أكثر من الدرهم.

و على الثاني تكون الجملة الاولى دالّة على وجوب طرح الثوب و اتمام الصّلاة، و لكن يوجب حمل الأمر بطرح الثوب على الاستحباب في ما إذا كان الدم اقل من درهم، لأنّ إطلاق قوله (إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ) هو

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 175

الامر بطرح الثوب في مطلق الدم، فلا بدّ من حمل الامر بالطرح على الاستحباب فيما يكون الدم أقل من الدرهم.

و هذا الحمل مع كونه خلاف الظاهر لا يمكن في المورد، لعدم القول باستحباب الطرح في صورة كون الدم أقل من درهم، مضافا إلى تعارض منطوق هذه الجملة مع مفهوم الجملة الثانية، لأنّ مقتضى الصدر هو طرح الثوب و إتمام الصّلاة إذا كان له ثوب اخر، و مفهومه عدم وجوب الطرح إن لم يكن له ثوب اخر و إتمام الصّلاة بدون الطرح سواء كان الدم أقل أو أكثر من درهم، لأنّ على هذا الاحتمال لم يكن القيد إلا قيدا لخصوص الجملة الثانية لا الاولى، و الحال أنّ مفهوم الجملة الثانية و هو قوله (و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة

عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم) هو عدم جواز المضىّ إذا كان أكثر من درهم إن لم يكن له إلّا ثوب واحد و بطلان صلاته، و الحال أن مفهوم الصدر يدلّ على عدم وجوب الطرح و لزوم المضى في هذا الحال و إن كان أكثر من درهم، مضافا إلى أنّ الظاهر من الجملة الاولى و الثانية هو التفارق بين الصورتين من باب كون لباس اخر للمصلّي و عدمه، لا من باب كون الموضوع في الجملة الاولى هو صورة كون الدم أقل من درهم.

و على كل حال بناء على إرجاع القيد إلى الجملتين فتكون مورد كل منهما كون الدم أقلّ من درهم، فلا تتعارض هذه الرواية مع رواية زرارة و غيرها ممّا دلّت على البطلان، و على تقدير إرجاع القيد إلى خصوص الجملة الثانية، مضافا إلى أنّه احتمال لا ظهور للرواية في ذلك، لقابلية كون القيد راجعا إلى كل من الجملتين، فأيضا يمكن الجمع بينها و بين رواية زرارة، لأنّ الصدر و ان دلت على وجوب طرح الثوب إذا كان له ثوب غيره ثمّ إتمام الصّلاة، و لكن حيث إنّ الرواية مطلقة بالنسبة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 176

إلى حدوث النجاسة في أثناء الصّلاة و حال العلم بها، و بالنسبة إلى علم الشخص بكونها قبل الصّلاة، فيقيد اطلاقها برواية زرارة الدالّة على بطلان الصّلاة في خصوص العلم بالنجاسة في الاثناء، مع علمه بان النجاسة كانت من قبل الصّلاة، و على كل حال لا تخلوا الرواية على نقل الكافي عن الاضطراب.

و أمّا على نقل الشيخ رحمه اللّه في التهذيب، و هو بزيادة الواو قبل قوله (ما لم يزد) كما قدمنا فتصير (و ما يزد على مقدار

الدرهم) جملة مستقلة غير مربوط بالجملتين الأوّلتين، و يكون مفاد الجملة الاولى من الرواية هو وجوب طرح الثوب إذا كان له ثوب اخر و اتمام الصّلاة، و مفاد الجملة الثانية عدم وجوب الطرح و لزوم إتيان الصّلاة مع الثوب النجس إذا لم يكن له إلّا ثوب واحد، ففي الحقيقة تكون الجملة الثانية مفهوم الجملة الاولى ذكر في الكلام.

و على هذا يقع التعارض بينها و بين رواية زرارة، لأنّها تدلّ على وجوب طرح الثوب و اتمام الصّلاة إذا كان له ثوب اخر، و إتمام الصّلاة بلا طرح إذا لم يكن له إلّا ثوب واحد، و الحال أنّ رواية زرارة تدلّ على بطلان الصّلاة، و لا يمكن حمل رواية زرارة على صورة عدم إمكان الطرح، أو التطهير أو التبديل، لأنّ في نفس رواية زرارة أمر بقطع الصّلاة و غسل الثوب، ثمّ اتمام الصّلاة إذ احتمل طروّ النجاسة في حال الصّلاة.

[فلا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم لكونها خلاف فتوى المشهور]

و إذا وقع التعارض فحيث إنّ إطلاق الحكم بغسل الثوب، أو طرحه، أو تبديله حتّى في سعة الوقت خلاف فتوى المشهور، فلا يمكن العمل بهذه الرواية أعنى: رواية محمد بن مسلم، فلا بدّ من حملها على ضيق الوقت و عدم تمكنه من غسله و إعادة الصّلاة من رأس.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 177

ثمّ إنّ في الرواية و إن لم يكن إلّا طرح الثوب، لا غسله و لا تبديله، و لكن من الواضح أنّ الطرح كناية عن رفع المانع، فباى نحو أمكن رفع المانع لا بد من رفعه و إتمام الصّلاة بلا مانع على القول بوجوب الطرح.

ثمّ إنّ ما قيل: من كون الكافي أضبط من التهذيب و إن كان، تماما لكن لا ينفع في موردنا أعنى: في رواية

محمد بن مسلم، لأنّا في المورد لا ندرى بأن نسخ الكافي صحيح أم لا، نعم لو علمنا بأنّ ما في نسخ الكافي هو عين ما ضبطه الكليني رحمه اللّه، فيكون لهذا الكلام مجال، و علة ذلك كثرة اشتغالات الشّيخ رحمه اللّه و وفور تأليفاته و تصنيفاته.

و على كل حال فالحق هو ما ذهب إليه من بطلان الصّلاة لو دخل المكلف في الصّلاة جاهلا بالنجاسة، فانكشف في الأثناء له ذلك (بمعنى وقوع تمام صلاته أو بعضها جاهلا في النجاسة، فانكشف له في الأثناء) و إن أمكن له إزالة النجاسة و رفع المانع في أثناء الصّلاة، فافهم، هذا تمام الكلام في مسائل الراجعة إلى الصورة الخامسة.

الصورة السادسة:
اشارة

أن يعلم بنجاسة ثوبه، أو بدنه و نسي و صلّى، ثمّ بعد ما صلّى تذكر بوقوع صلاته فيها، فهل يجب عليه الإعادة في الوقت و خارجه، أو لا يجب في الوقت و خارجه، أو التفصيل بين الوقت و خارجه، فتجب الإعادة إذا تذكر في الوقت، و عدم وجوب الإعادة إذا تذكر في خارج الوقت؟

اعلم أن روايات الواردة في المسألة مختلفة، فبعضها يدلّ على وجوب الاعادة في الفرض مطلقا في الوقت و خارجه، و هي على ضربين: بعضها واردة في غير الاستنجاء، و بعضها في الاستنجاء.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 178

الضرب الأول:
اشارة

منهما روايات:

الرواية الاولى:

ما رواها زرارة، و هي الرواية المفصلة المتمسكة بها في الاستصحاب، قطعها صاحب الوسائل رحمه اللّه و ذكر في أبواب مختلفة، نذكر فقرة منها مربوطة بمسألتنا (قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره، أو شي ء من منى فعلمت أثره إلى أن اصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصّلاة و نسيت أن بثوبي شيئا و صلّيت، ثمّ إني ذكرت بعد ذلك. قال: تعيد الصّلاة و تغسله). «1»

الرواية الثانية:

ما رواها ابن مسكان (قال: بعثت بمسألة إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام مع إبراهيم بن ميمون قلت: سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله، فيصلي و يذكر بعد ذلك أنّه لم يغسلها؟ قال: يغسلها و يعيد صلاته). «2»

الرواية الثالثة:

ما رواها سماعة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّي؟ قال: يعيد صلاته كى يهتم بالشي ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه. قلت: فكيف يصنع من لم يعلم، أ يعيد حين يرفعه؟ قال:

لا، و لكن يستأنف). «3»

الرواية الرابعة

ما رواها الحسين بن زياد (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلّي، ثمّ يذكر بعد أنّه لم يغسله؟

قال: يغسله و يعيد صلاته). «4»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 179

الرواية الخامسة:

ما رواها عبد اللّه بن سنان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان قد علم أنّه اصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي، ثمّ صلّى فيه و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّى، و إن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة، و إن كان يرى أنّه أصابه شي ء فنظر، فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء). «1»

الضرب الثاني:
اشارة

و هو بعض ما ورد في من نسي الاستنجاء:

منها: ما رواها سماعة

(قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء، ثمّ توضأت و نسيت أن تستنجي، فذكرت بعد ما صلّيت، فعليك الإعادة، فإنّ كنت أهرقت الماء، فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صلّيت، فعليك إعادة الوضوء و الصّلاة و غسل ذكرك، لأنّ البول مثل البراز). «2»

و مفاد كل هذه الروايات وجوب الإعادة إذا صلّى في النجس نسيانا، و في قبال ذلك يدلّ بعض الروايات على عدم وجوب الاعادة و هو طائفتان: طائفة منها واردة في الاستنجاء.

منها: ما رواها هشام بن سالم

(عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتوضأ، و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال. فقال: يغسل ذكره و لا يعيد الصّلاة). «3»

منها: ما رواها عمّار بن موسى

(قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لو أنّ رجلا

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 180

نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصّلاة). «1»

منها: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام

(قال: سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته، أنّه لم يستنج من الخلاء؟ قال: ينصرف و يستنجي من الخلاء، و يعيد الصّلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك و لا إعادة). «2»

و طائفة منها واردة في غير الاستنجاء، و هي ما رواها أبو العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه، فينسى أن يغسله فيصلّي فيه، ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أ يعيد الصّلاة؟ قال: لا يعيد، قد مضت الصّلاة و كتبت له). «3»

[في ما يمكن ان يكون مدرك التفصيل هو رواية على بن مهزيار]
اشارة

و ما يمكن أن يستدل به على التفصيل بين الوقت و خارجه، و هي ما رواها علي بن مهزيار (قال: كتب سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل، و أنّه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه و لم يره و أنّه مسحه بخرقة ثمّ نسي أن يغسله و تمسح بدهن، فمسح به كفيه و وجهه و رأسه، ثمّ توضأ وضوء فصلّى، فأجابه بجواب قرأته بخطه: أمّا ما توهمت ممّا أصاب يدك فليس بشي ء إلّا ما تحقق، فإنّ حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصّلاة اللواتى كنت صليتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصّلاة إلّا ما كان في وقت، و إذا كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأنّ الثوب خلاف الجسد،

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب الخلوة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من

الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 181

فاعمل على ذلك إن شاء اللّه). «1»

وجه الاستدلال قوله (من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصّلاة إلا ما كان في وقت، إذا عرفت ذلك نقول: أمّا هذه الرواية الّتي توهّم دلالتها على التفصيل، فنقول:

[مناقشة الرواية]
أمّا أوّلا: بأنّ الرواية لم يعلم صدورها عن الامام عليه السّلام

و صرف جلالة شأن علي بن مهزيار لا يفيد، لأنّه إن قال: إنه بنفسه كتب إليه، فكان مجال لأنّ يدعى بأنّه لا يكتب إلّا إلى الامام عليه السّلام للسؤال عن الحكم الشرعى، و لكن هو يروي عن سليمان و أنّ سليمان كتب، و حال سليمان بن رشيد غير معلوم- إلّا أن يقال: بأنّ اهتمام المحدثين بها، و ضبطهم الرواية مع عدم بنائهم إلّا على نقل الروايات المنقولة عن الائمة عليهم السّلام، يوجب الظن القوي بكون المروي عنه هو الامام عليه السّلام-

و ثانيا: اختلال الواقع في المتن من الحديث من وجوه:
الوجه الأول:

من حيث التفصيل بين الوقت و خارجه، و علل بأنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصّلاة ما كان في وقت، مع عدم كون السؤال عن الثوب، بل كان عن البدن.

الوجه الثاني:

عدم ذكر جواب ما سأله الراوي، لأنّ سؤاله عن البدن.

الوجه الثالث:

أنّه إن قلنا بكفاية غسلة واحدة في تطهير الخبث، و عدم احتياج إلى التعدد، و حصول الطهارة عن الحدث بهذه الغسلة، فلا وجه للأمر بالغسل و إعادة الصّلاة، و إنّ قلنا بكفاية الغسلة الواحدة في خصوص الطهارة عن

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 182

الخبث، و عدم كفايتها للطهارة عن الحدث، فلا فرق بين الوقت و خارجه، و إن قلنا بعدم حصول الطهارة الخبثية و الحديثية بغسله واحدة، فأيضا لا فرق بين الوقت و خارجه، و بالجملة اضطراب المتن يمنع عن التمسك بها.

و ثالثا: عدم فتوى المشهور على طبقها، بل إعراضهم عنها يوجب سقوطها عن الحجية

و إن فرض وضوح متنها، و صحة سندها، فالتفصيل لا وجه له استنادا بهذه الرواية.

إذا عرفت ذلك نقول: أما الروايات الواردة في الاستنجاء الّتي تدلّ على عدم وجوب الاعادة، فهي متعارضة بخصوص ما ورد في مورده الدالّ على وجوب الاعادة، و قد يتخيل بامكان الجمع بين ما دلّ على وجوب الاعادة، و بين ما دل على عدم وجوب الاعادة بأنّ ما دلّ على عدم وجوب الاعادة حيث إنّه نصّ في عدم الوجوب، فيرفع اليد عن ظاهر ما دلّ على وجوب الاعادة من باب حمل الظاهر على النصّ، و يقال باستحباب الاعادة.

و اعلم أنّ الجمع بين الطائفتين بحمل ما دلّ على عدم وجوب الاعادة بما إذا انكشف في الوقت، و ما دلّ على عدم وجوب الاعادة بصورة الانكشاف في خارج الوقت غير صحيح، مضافا إلى عدم شاهد على ذلك، مناف مع ظاهر بعض الروايات مثل رواية أبي العلاء، فإنّ فيها قال (قد مضت الصّلاة و كتبت له) مع أنّ الظاهر منها صورة تذكره بعد الصّلاة لم يمض الوقت بحسب المتعارف.

ثمّ إنّ الحق عدم إمكان

الجمع بين الطائفتين من الروايات، لظهور الطائفة الاولى في الاعادة و الثانية في عدم وجوب الاعادة، مضافا إلى ما بينا في الاصول من أنّ الاوامر الصادرة على ضربين: قسم منها ما يصدر في مقام إعمال السلطنة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 183

المجعولة من الشارع، و يعبّر عنها بالأوامر المولوية، و قسم منها ليس فيها إعمال مولوية، بل يكون نظير أوامر الأطباء في مقام بيان ذكر المصلحة المترتبة على الفعل، و من هذا القسم أمر المقلّد فإنّ فيه ليس إعمال مولوية و كذلك بعض الأوامر الصادرة من المعصومين عليهم السّلام، و المورد هكذا، لأنّ مفاد الطائفة الاولى من الروايات هو عدم صحة الصّلاة في مفروض المسألة، و مفاد الطائفة الثانية هو الصحة، و ليست الطائفة الاولى في مقام البعث و التحريك نحو الاعادة، و الثانية على عدمها حتّى يقال: بأنّ الطائفة الثانية قرينة على عدم كون البعث إلزاميا، فيجمع بين الطائفتين بحمل الأخبار الدالّة على الاعادة على الاستحباب. «1»

فاذا لا يمكن الجمع بينهما، فعلى هذا لا بد من الأخذ بما دلّ على وجوب الاعادة مطلقا في الوقت و خارجه، و طرح ما يخالفها من الروايات، لكون الطائفة الاولى موافقة مع الشهرة، فافهم.

فرع:

لو نسى المكلف نجاسة شي ء، ثمّ لاقي النجس مع بدنه او ثوبه فصلّى فى الثوب الملاقي للنجس و نذكر بعد الصّلاة، فالظاهر أنّ ذلك من صغريات الجهل بالموضوع لا نسيان الموضوع، لأنّه غير عالم بنجاسة هذا الثوب الملاقي في زمان سابق حتّى كان من صغريات النسيان.

لم يتعرض مدّ ظلّه لصورة نسيان النجاسة و انكشاف ذلك في أثناء الصّلاة.

مسئلة:

إذا لم يكن عنده إلّا ثوب واحد، و لا يتمكن من غسله لعدم ماء، أو لغيره، فهل يصلّي مع هذا الثوب النجس مطلقا سواء تمكن من النزع أ و لم يتمكن

______________________________

(1)- أقول: لا فرق من هذا الحيث بين كون الأمر مولويا أو ارشاديا، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 184

لبرد أو غيره، أو يصلّي عريانا مطلقا حتّى في صورة البرد و غيره كوجود الناظر، أو يصلّي مع الثوب النجس إذا اضطر إليه من برد أو وجود ناظر، و يصلّي عريانا في صورة عدم الاضطرار إلى اللبس من برد أو وجود ناظر.

[في كون الصّلاة عاريا هو المشهور من زمان الشيخ الى زمان المحقّق]

لا يخفى عليك أنّ المشهور من زمان الشيخ «1» رحمه اللّه إلى زمان المحقق رحمه اللّه هو وجوب الصّلاة عاريا إلّا في صورة الاضطرار لبرد و غيره، فيصلي في هذه الصورة في الثوب النجس، و هذا مختار المحقق رحمه اللّه أيضا في جملة من كتبه كالشرائع و النافع، و اختار في المعتبر التخيير بين أن يصلّي عاريا، و بين أن يصلّي في الثوب النجس، و تبعه العلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه، و جملة من المتأخرين إلى زمان المحقق الاردبيلي رحمه اللّه، و تلميذه صاحب المدارك فاحتملا تعين وجوب الصّلاة في الثوب النجس لو لم يخالف الاجماع و كان هذا القول جاريا على سبيل الاحتمال إلى زمان فاضل الهندي رحمه اللّه- شيخ الامامية في أصفهان في أواخر قرن الحاد يعشر إلى أوائل قرن الثاني عشر- صاحب كشف «2» اللثام، فهو أفتى بنحو الجزم بوجوب الصّلاة في الثوب النجس، فهذا القول حدث في زمانه، ثمّ صار مورد التسلم بين مقاربي عصرنا و معاصرينا، فممّا مرّ ظهر لك أنّ الفتوى بتعيّن وجوب الصّلاة في

الثوب النجس لم يكن عين و لا أثر منه عند القدماء، و تكون الفتوى على خلافه تقريبا في أحد عشر قرنا.

[في الروايات الدالّة على تعين الصّلاة فى الثوب النجس]

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ روايات الباب مختلفة، فبعضها يدلّ بظاهره على وجوب الصّلاة في الثوب النجس:

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 90.

(2)- كشف اللثام جلد 1 صفحه 455.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 185

منها ما رواها محمد بن علي الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلّي فيه، فإذا وجد الماء غسله). «1»

و منها ما رواها الحلبى (أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال: يصلّي فيه). «2»

و منها ما رواها محمد الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلّي فيه إذا اضطر إليه). «3»

فهاتان الروايتان أيضا عن الحلبي، و اعلم أن للحلبي رواية اخرى تدلّ على وجوب الصّلاة عاريا، و هي هذه (عن محمد بن على الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلّا ثوب واحد و أصاب ثوبه منّي؟

قال: يتيمم و يطرح ثوبه، فيجلس مجتمعا، فيصلّي فيومي إيماء). «4»

و لا يبعد كون هذه الروايات الأربعة رواية واحدة، بل هذا قريب بالنظر، و لا ينافي الحكم في أحدها بالصّلاة عاريا و في الثلاثة الاخرى بالصّلاة في الثوب النجس، لأنّ المتأمل في الرواية يرى أنّ المورد الّذي أمر عليه السّلام بالصّلاة عاريا غير المورد الّذي أمر بالصّلاة في الثوب النجس، فمورد الأمر بالصّلاة عاريا، كما يظهر

من الرواية 4 من الباب 46، مورد يكون الرجل في فلاة من الارض، و من الواضح عدم وجود ناظر في هذا الموضع، فليس له كلفة في أن يصير عريانا، ففي هذا المورد

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 186

أمر بالصّلاة عاريا، و أمّا مورد رواياته الاخرى، خصوصا مع التصريح في الرواية الثالثة منه «1» و هو صورة الاضطرار إلى لبس الثوب من جهة وجود ناظر أو برد، فلا تنافي بين رواياته، و لا مانع من كونها رواية واحدة، و يأتى إنشاء اللّه تتمة الكلام عند التعرض لجمع الشيخ رحمه اللّه.

فعلى كل حال أربعة روايات بنقل الوسائل تدلّ على تعين الصّلاة في الثوب النجس:

الرواية الاولى: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب في ثوب ليس معه غيره، و لا يقدر على غسله، قال: يصلّي فيه). «2»

الرواية الثانية: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن الرجل يجنب في ثوب و ليس معه غيره و لا يقدر على غسله، قال:

يصلّي فيه). «3»

و الراوي للروايتين كليهما هو عبد الرحمن، و لا يبعد كونهما رواية واحدة أيضا، لبعد أنّه سئل سؤالا واحدا مرّتين عن المعصوم عليه السّلام.

الرواية الثالثة: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال سألته عن رجل عريان و حضرت الصّلاة، فأصاب ثوبا نصفه دم أو

كله دم يصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟ قال: إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصلّ عريانا).

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 187

الرواية الرابعة: ما رواها عمار الساباطى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سئل عن رجل ليس معه إلا ثوب و لا تحل الصّلاة فيه، و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟

قال: يتيمم و يصلّي، فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصّلاة). «1»

هذا كله في ما يدلّ بظاهره على تعين الصّلاة في الثوب النجس.

و أمّا الروايات المخالفة، و هي ما تدلّ بظاهرها على تعين الصّلاة عاريا في هذا الحال، فهي روايات:

الرواية الاولى: ما رواها سماعة (قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الارض و ليس عليه إلا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال يتيمم، و يصلّي عريانا قاعدا يؤمى إيماء). «2»

الرواية الثانية: ما رواها أيضا سماعة و هي هذه: عن سماعة (قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الارض فأجنب و ليس معه إلا ثوب فأجنب فيه، و ليس يجد الماء، قال: يتيمم و يصلّي عريانا قائما يؤمى إيماء). «3»

فلا يبعد كونهما رواية واحدة.

الرواية الثالثة: ما رواها ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: إن كان حيث لا يراه أحد فليصل قائما). «4»

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 46 من ابواب النجاسات من

الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 188

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن على الحلبى ذكرناها عند التعرض لروايات الحلبي في طي الأخبار المتمسك بها لوجوب الصّلاة في مفروض مسئلتنا في الثوب النجس، و قلنا باحتمال كون ما نقل عنه من الروايات رواية واحدة. «1»

[في ما قيل فى فرض الدوران بين رفع اليد عن الموصوف او الصفة لا بدّ من المشروط في ليس فى محله]

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا ما يتوهم في المقام من أنّ الدوران واقع بين رفع اليد عن الموصوف و هو الستر، و صفته و هو طهارته، و لا إشكال في أنّه منع الدوران بين رفع اليد عن الشرط، و بين رفع اليد عن مشروطه، لا بد من حفظ المشروط، و رفع اليد عن الشرط، ففي المقام لا بد من أن يصلّي مع الثوب النجس، لأنّه لو فعل ذلك حفظ أصل الستر و لكن قطع النظر عن شرطه و هو طهارته.

فليس في محلّه، و لا وجه له، لأنّ الأمر ليس كذلك، أمّا أوّلا فلأنّ الستر شرط مستقل في الصّلاة، و كون المصلّي طاهرا بدنه و لباسه شرط اخر في حياله، لا أن يكون أحدهما شرطا للاخر.

و ثانيا ليست الطهارة إلّا عدم القذارة، فالطهارة أمر عدمى، و النجاسة و القذارة أمر وجودي، فالنجاسة مانعة فيدور الأمر بين حفظ شرط و هو الستر، و بين عدم ابتلائه بالمانع و هو النجاسة.

إذا فهمت بطلان ذلك نقول بعونه تعالى: اعلم أنّ الظاهر من المحقق رحمه اللّه الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات بالتخيير بمعنى تخيير المكلف بين أن يصلّي عاريا أو في الثوب النجس، لأنّه و إن كان الظاهر من كل من الطائفتين هو التعيين، لكن بعد

تعارضهما نقول بالتخيير في المقام أمّا أوّلا فلأنّه بعد كون الدوران في المقام بين أن

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 189

يرفع اليد عن شرطية الستر، و بين أن يرفع اليد عن مانعيته النجاسة، و بين أن يرفع اليد عن كليهما في مقام الثبوت، فظاهر الروايات الدالّة على أن يصلّي عاريا هو إسقاط شرطية الستر في هذا الحال، و حفظ مانعية المانع، و ظاهر بعض ما دلّ على وجوب الصّلاة في الثوب النجس، هو حفظ شرطية الستر و إسقاط مانعية المانع، فالحكم بالتخيير في المقام لم يكن تخييرا شرعيا، لأنّ مورد التخيير الشرعى ليس في مقام الامتثال، و هنا ما صار سببا لرفع اليد عن أحد من الشرط أو المانع ليس إلا عدم تمكّن المكلف في مقام الامتثال من حفظهما، فالتخيير إن كان في المقام فيكون عقليا.

و بعد ذلك نقول: أولا بأنّه في المقام لا معنى للتخيير العقلي، لأنّ معنى تخيير العقلى هو اختيار المكلف بين حفظ مصلحة الستر و ارتكاب مفسدة وجود المانع، و بين ترك مفسدة المانع بالصّلاة عاريا و رفع اليد عن مصلحة الستر، و على الالتزام بالتخيير لا بد و أن تكون المصلحة و المفسدة متساويين، لا كون احدهما أكثر من الاخر، و إلّا لا معنى للتخيير، بل لا بد على هذا حكم العقل بحفظ الأهم.

فعلى هذا نقول: لو كان التزاحم بين المصلحتين المتساويين يحكم العقل بالتخيير، و أمّا لو تزاحمت المصلحة مع المفسدة، فلا يحكم العقل بالتخيير، بل لا حكم له بحفظ أحدهما، ففي المقام لو حفظ الستر يقع في مفسدة المانع، و لو حفظ ترك المفسدة بترك المانع يخرج من

يده مصلحة الشرط، فإذا رأى العقل هذا الحال يرى عدم تأثير الشرط في زيادة المصلحة في المركب، و عدم تأثير عدم المانع في المركب، فيحكم بعدم دخالة الشرط و المانع في المركب (أقول: و يمكن الخدشة في ذلك).

و ثانيا إنّ التخيير ليس جمعا عرفيا كي يقال في مقام رفع التعارض بهذا النحو

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 190

من الجمع، فلا يمكن الذهاب إلى ما ذهب إليه المحقق رحمه اللّه في المعتبر، فافهم.

و أمّا الإشكال بهذا الجمع بأنّ في رواية علي بن جعفر قال (صلّى فيه و لم يصلّ عريانا) و هذا مناف مع التخيير، فيمكن دفعه، لأنّ قوله (لم يصلّ عريانا) يمكن حمله على مرجوحية أحد فردي التخيير أعنى: عريانا، و كون الصّلاة في النجس أفضل فردي التخير، فافهم.

[ما قاله الشيخ ره من حمل ما دلّ على الصّلاة فى الثوب النجس على حال الاضطرار يلائم مع الروايات]

و أمّا ما قاله الشّيخ رحمه اللّه من حمل ما دل على الصّلاة في الثوب النجس على صورة الاضطرار إلى لبس الثوب من برد أو غيره كوجود ناظر، فنقول: إنّ الروايات الدالّة على وجوب الصّلاة في الثوب النجس غير اب عن ذلك الحمل خصوصا مع التصريح في إحدى من روايات الحلبي بالأمر باتيان الصّلاة في الثوب النجس إذا اضطر إليه، و قلنا بأنّ المراد هو الاضطرار إلى اللبس من حيث البرد أو وجود الناظر لا أن يكون قوله (إذا اضطر إليه) تقرير مورد السؤال، يعني: يكون المراد إذا اضطر من باب عدم ثوب اخر له، لبعد ذلك.

و أمّا ما يتوهم من منافات رواية علي بن جعفر بظاهرها مع جمع الشّيخ رحمه اللّه من باب أنّ مفروض السؤال فيها هو صورة يكون الرجل عريانا و حضرت الصّلاة فاصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم، ففي هذا الفرض

(قال: ان وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصلّ عريانا) و من الواضح أن الشخص لم يكن مضطرا إلى لبس النجس في هذا الحال من جهة برد أو ناظر، لأنّه كان عاريا قبل الصّلاة فعلى هذا تدلّ الرواية على وجوب الصّلاة في الثوب النجس حتّى في صورة عدم الاضطرار فتكون رواية علي بن جعفر بظاهرها مناف مع جمع الشّيخ رحمه اللّه.

فهو ممّا لا وجه له، لأنّ رواية علي بن جعفر أيضا قابل للحمل على صورة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 191

الاضطرار، لأنّه من الممكن أنّ قبل صلاته لم يكن ناظر محترم ينظر إليه، ثمّ وجد الناظر في البين (أو أنّه كان البرد و لكن قبل ذلك لا يتمكن من رفع مشقة البرد لعدم ثوب له، و إذا وجد له ثوب فلا بدّ له من رفع مشقة البرد بلبس الثوب النجس و الصّلاة فيه) فعلى هذا لا تنافي بين جمع الشّيخ رحمه اللّه و رواية علي بن جعفر.

فبناء على ذلك نقول: بأنّ في الفرض يجب أن يصلّي عاريا إلّا في صورة الاضطرار بلبس الثوب النجس من بردا أو وجود ناظر، و لو فرض عدم إمكان الجمع بينهما، و فرض التعارض بين الطائفتين من روايات الباب، فلا بدّ من ترجيح الروايات الدالّة على أن يصلّي عريانا، لكونها موافقة للشهرة، لأنّ المشهور أفتوا بمضمونها، بل قلنا: بأنّه لم يكن قول على العمل بمضمون الروايات الدالّة على أن يصلّي في النجس إلى زمان صاحب كشف اللئام «1».

مسئلة: لو لم يكن للمكلف إلّا ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما و طهارة الآخر، و لا يتمكن من غسل أحدهما فللمسألة صورتان:

الصورة الاولى: صورة تمكّنه من الصّلاة في

كل من الثوبين بحيث يكون الوقت موسعا، لأن يصلّي في كل واحد منهما.

الصورة الثانية: صورة ضيق الوقت و عدم بقائه إلّا بمقدار أن يصلّي في أحد

______________________________

(1)- أقول: و لكن قلت بحضرته مد ظله: بأنّ الشهرة الفتوائية الّتي يرجّح بها الروايات، كما أفدت غير مرة، هي فتوى القدماء إلى زمان الشّيخ رحمه اللّه، لا من زمانه و ما بعد، و في المسألة كما أفدت ليست هذه الشهرة لعدم فتوى قبل الشّيخ رحمه اللّه على ذلك، و استرض ما قلت، و لكن بعد اختيار جمع الشّيخ رحمه اللّه لا تصل النوبة إلى التعارض حتّى نحتاج في مقام الترجيح إلى هذه الشهرة، فافهم و الحمد للّه أوّلا و آخرا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 192

من الثوبين فقط.

أمّا الكلام في الصورة الاولى فالمشهور هو وجوب الصّلاة في كل من الثوبين صلاة في ثوب، و صلاة اخرى في ثوب اخر- خلافا للحلي في السرائر و ما حكى عن ابن سعيد، فأوجبا طرح الثوبين و الصّلاة عاريا.

[فتوى المشهور وجوب الصلاة فى كل من الثوبين]

و الحق ما ذهب إليه المشهور أمّا أوّلا فلكون مقتضى القاعدة كفاية العلم الاجمالي في مقام الامتثال في مثل موردنا الّذي لا يتمكن المكلف من الامتثال التفصيلى، لأنّه إن استشكل بكفايته في مقام الامتثال في صورة التمكن من الامتثال التفصيلى، لكن لا يستشكل في هذه الصورة، فيصلي في كل من الثوبين صلاة، فيقطع بامتثال الأمر المتعلّق بالصّلاة واجدة لشرط الطهارة.

و أمّا ثانيا فلخصوص رواية صفوان الواردة في خصوص المسألة و هي رواية صحيحة، لأنّ سند الشّيخ رحمه اللّه إليه صحيحا، و أفتى على طبقه الأصحاب رضوان اللّه عليهم، و لم يحك مخالف إلّا الحلي و ابن سعيد على ما حكى عنه، و هي

هذه (محمد بن علي بن الحسين باسناده عن صفوان بن يحيى أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول، و لم يدر أيّهما هو، و حضرت الصّلاة، و خاف فوتها، و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال يصلّي فيهما جميعا). «1»

و رواه الشّيخ باسناده عن سعد عن علي بن إسماعيل عن صفوان مثله.

[نقل كلام محقّق الحلّى رحمه اللّه فى السرائر]
اشارة

و أمّا الحلي فما يستفاد من عبارته و هي هذه (و إذا حصل معه ثوبان أحدهما نجس و الآخر طاهر، و لم يتميّز له الطاهر، و لا يتمكن من غسل أحدهما قال بعض

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 64 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 193

أصحابنا: يصلّي في كل واحد منهما على الانفراد وجوبا، و قال بعض منهم: نزعهما و يصلّي عريانا، و هذا الّذي يقوى في نفسى و به افتى، لأنّ المسألة بين أصحابنا فيها خلاف، و دليل الاجماع منفى، فإذا كان كذلك، فالاحتياط يوجب ما قلناه.

فإنّ قال قائل: بل الاحتياط يوجب الصّلاة فيهما على الانفراد، لأنّه إذا صلّى فيهما جميعا تبين و تيقّن، بعد الفراغ من الصلاتين معا، أنّه قد صلّى في ثوب طاهر.

قلنا: المؤثرات في وجوه الأفعال تجب ان تكون مقارنة لها لا متأخرة عنها، و الواجب عليه عند افتتاح كل فريضة أن يقطع على ثوبه بالطهارة و هذا يجوّز عند افتتاح كل صلاة من الصلاتين أنّه نجس، و لا يعلم أنّه طاهر عند افتتاح كل صلاة، فلا يجوز أن يدخل في الصّلاة إلّا بعد العلم بطهارة ثوبه و بدنه، لأنّه لا يجوز أن يستفتح الصّلاة و هو شاك في طهارة ثوبه، و لا يجوز أن تكون صلاته موقوفة

على أمر يظهر في ما بعد، و أيضا كون الصّلاة واجبة على وجه تقع عليه الصّلاة فكيف يؤثر في هذا الوجه ما يأتى بعده، و من شأن المؤثر في وجوه الأفعال أن يكون مقارنا لها لا يتأخر عنها على ما بيناه (إلى أن قال) و ليس لأحد أن يقول: إنّه بعد الفراغ من الصلاتين يقطع على براءة ذمته و أنّ العبادة مجزية، لانّا قلنا لا يصح ذلك، لأنّ بعد الفراغ قد سقط عنه التكليف و ينبغي أن يحصل اليقين في حال ما وجب، و ينبغي أن يتميز في حال ما وجب عليه حتّى يصح منه الاقدام عليه و ذلك يكون قبل فراغه عن الصّلاة انتهى). «1»

[في توضيح كلام الحلّي رحمه اللّه]

هو أنّ في نظره إشكالين أحدهما من ناحية القصد، و هو قابل لأنّ يكون نظره إمّا إلى اعتبار قصد الوجه و التميز بدعوى أن الشخص في الفرض لا يقدر على أن

______________________________

(1)- السرائر، ج 1، ص 184- 185.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 194

يأتى بالمكلف به على وجه وجوبه وصفا أو غاية، و لا على التميز لإجمال الّذي يكون في البين، لأنّه لا بد من أن يصلّي صلاتين على ما تقولون كلّ صلاة في احد من الثوبين، فهو يقصد الوجوب بأىّ منهما.

و إمّا إلى أنّه لا يمكن له قصد التقرب، لأنّه بعد ما لا يدرى عند كل صلاة- من باب عدم علمه بأنّ الثوب الّذي يصلّي فيه طاهر أم لا- ان هذا العمل مقربا للمولى أم لا، فلا يتمكن من أن يقصد التقرب به، فمن هذا الحيث لا يصح كل من الصلاتين، و هذا الاشكال يستفاد من قوله (المؤثرات في وجوه الأفعال تجب أن تكون مقارنة لها).

و ثانيهما و هو

ما يظهر من قوله (و الواجب عليه عند افتتاح كل فريضة أن يقطع على ثوبه بالطهارة هو اعتبار العلم عند العمل بكون المأمور به واجدا للشرط، و فاقدا للمانع، و إلّا فلا يجوز أن يستفتح الصّلاة و هو شاك في طهارة ثوبه.

نقول: أمّا إشكاله الأول، فإنّ كان راجعا إلى اعتبار قصد الوجه و التميز، فالحق عدم اعتباره و ان كان راجعا إلى مضرية الاجمال بقصد القربة، ففيه أنّه من المسلم أنّ محرّك المكلف نحو كل من الصلاتين في الفرض ليس إلّا داعي التقرب، فهو لأجل التقرب إلى اللّه، و لأجل الأمر الصادر منه يأتي بالصلاتين، غاية الأمر حيث يرى أنّه لا يفرغ ذمته عن التكليف إلّا باتيان الصلاتين، فهو يأتى بهما قربة إلى اللّه، غاية الأمر لا يقصد بكل منهما بالخصوص الوجوب، و عدم هذا القصد غير مضر، لعدم اعتبار قصد الوجه.

[ردّ كلام المحقّق الحلّي ره]

فظهر لك عدم ورود ما أورده الحلي رحمه اللّه في وجه لزوم الصّلاة عاريا في مفروض مسئلتنا، فمحرّك المكلف هو الأمر الحقيقى المعلوم، لا احتمال الأمر في موردنا، لعلم المكلّف بالتكليف و انبعاثه على إطاعة التكليف بهذا النحو للإجمال

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 195

الطاري له.

إذا عرفت ذلك اعلم أنّ ما يظهر من كلمات بعض أعاظم العصر من أنّ الامتثال بداعى الأمر المعلوم مقدم على الامتثال باحتمال الأمر، يصح في محلّه و قلنا نحن أيضا و أنّ المحرك باحتمال الأمر ليس إلّا في الشبهة البدوية، لأنّ الشخص لا ينبعث نحو الفعل إلّا باحتمال وجود الأمر، و أمّا في مثل ما نحن فيه فلا إشكال في أنّ المحرّك هو الأمر المعلوم، لعلمه بالتكليف لا احتمال الأمر.

ثمّ إنّه ظهر لك أنّ في المورد من جهة

عدم تمكن المكلف من الامتثال التفصيلى، لا إشكال في كفاية الامتثال الاجمالى بالاتيان بصلوة في ثوب و صلاة اخرى في ثوب اخر، و إن كان كلام في كفاية الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلى و الإشكال في كفايته، لأنّه بعد ما كان مقتضى التدين و التشرع بالشرع هو التسليم في قبال ما يصدر من الشارع، و التوقف في الامور حتّى ترد الوظيفة منه، و ما نرى من وضع الشرع و نحوة العبادات من كونها توقيفية، و انتظار صدورها من العباد بنحو خاص يصدر من الشارع، و يحتاج كل عمل من الاذن منه، كما يقول تعالى شأنه (قل اللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون).

[في حكم نجاسة احد الثوبين في ضيق الوقت]

فنحوة الامتثال لا بد من أن ينبّه الشارع عليها، و ليس للعبد اختيار طريق مخصوص في ذلك بنفسه فعلى هذا الاكتفاء بالامتثال الاجمالى مع التمكن من التفصيلى أيضا محتاج من صدور الاذن منه، ففي كل مورد لم يصدر منه الاذن، لا يمكن أن يقال بكفايته، فعلى هذا الالتزام بكفاية الامتثال الاجمالى مع التمكن من التفصيلى مشكل هذا «1» اما الصورة الثانية اعنى صورة ضيق الوقت، و عدم التمكن

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مد ظله العالي: بأنّه أمّا أوّلا أنّ باب الاطاعة و المعصية أمره بيد

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 196

من أن يصلّي صلاتين في الثوبين المشتبهين في الوقت، بل يتمكن من أن يصلّي في أحد من الثوبين في الوقت فقط، فهل يصلّي في أحد من الثوبين أو يصلّي عاريا، أو يكون مخيرا بين الصّلاة عاريا، و بين الصّلاة في أحد من الثوبين المشتبهين.

اعلم أنّه لو قلنا في المسألة السابقة- أعنى: في ما لم يكن للمكلّف إلّا ثوب واحد و هو

نجس- بالصّلاة فيه كما قال بعض، لا الصّلاة عاريا، ففي المقام لا إشكال في وجوب الصّلاة في هذا الثوب المشتبه، لأنّه بعد تقديم حفظ الستر و إلغاء مانعية النجاسة في ما يكون المانع معلوما، ففي المقام لم تكن المانعية معلوما، لعدم علمه

______________________________

العقل، فلا بدّ من أن يعمل على طبق حكم العقل إلّا في كل مورد تصرف الشارع، و جعل طريقا خاصا للاطاعة، و لا إشكال في أن العقل يحكم بكفاية الاجمالى مع التمكن من الامتثال التفصيلى.

و ثانيا إن كان الأمر، كما أفدت، فلازمه عدم كفايته في مقام الامتثال حتّى مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلى أيضا إلّا في كل مورد أذن الشارع، مثل موردنا الوارد فيه رواية خاصة، و إلّا فلا يمكن على هذا القول بالاكتفاء بالامتثال الاجمالى على القاعدة، لأنّه بعد كون نحوة الاطاعة محتاجة إلى الاذن من الشارع، فلا فرق في ذلك بين صورة التمكن من الامتثال التفصيلى و عدمه.

و على هذا يصحّ كلام الحلى رحمه اللّه على مبناه في هذه المسألة، لأنّه بعد عدم إجماع في البين، و عدم حجية خبر الواحد عنده، فلا يعمل بالرواية المتقدمة، فلم يرد من الشارع إذن، فلا بدّ من أن يصلّي الشخص في الفرض صلاة واحدة عريانا، لا في الثوبين المشتبهين، فإذا قلت تمّ مجلس بحثه الشريف في هذا اليوم، و عطف عنان الكلام في اليوم البعد إلى مسئلة اخرى نتعرض له بعد ذلك إنشاء اللّه، و لم يتعرض لما أفاد في اليوم السابق، و قال فقط: بأنّه لا بد من أن يصلّي الشخص صلاتين كل واحد منهما في أحد من الثوبين، و يدل على ذلك الرواية المتقدمة، و لم ادر أنّه بقى على مختاره،

و هو عدم كفاية الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي أم رجع منه، و على كل حال أرجو منه تعالى أن يمنّ علينا بطول بقائه الشريف. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 197

بنجاسة هذا الثوب، لاحتمال كون المتنجس هو الثوب الاخر الّذي لا يصلّي فيه و يقدم حفظ الستر أيضا، بل في هذه الصورة أولى، لأنّه بعد كون حفظ الستر مقدما في صورة الدوران بين حفظ الستر، و بين رفع المانع المعلوم، ففي صورة عدم معلومية المانع يكون أولى، و لهذا قال السيّد رحمه اللّه «1» في العروة على مبناه- من وجوب الصّلاة في الثوب النجس في المسألة السابقة- بوجوب الصّلاة في أحد ثوبى المشتبه في هذه المسألة.

و أمّا إن قلنا في المسألة السالفة: بوجوب طرح الثوب النجس، و وجوب الصّلاة عاريا إلّا في صورة الاضطرار بلبس الثوب النجس، فنقول في هذه المسألة أيضا بوجوب الصّلاة عاريا، و عدم كفاية الصّلاة في أحد من الثوبين المشتبهين، لأنّه بعد فرض كون اللازم- بعد دخل شرط في المكلف به- من إحراز وجوده إمّا وجدانا أو بالأصل و إلّا لا يكتفي بالمكلف به المشروط بهذا الشرط، و كذا المانع، فنقول: إن الستر شرط في الصّلاة و النجاسة مانع، فلا بدّ في امتثال الأمر بالصّلاة من إتيان صلاة واجدة لهذا الشرط، و لعدم المانع إمّا وجدانا و إمّا بأحد الاصول المحرزة لذلك.

فإذا كان اللازم ذلك ففي المقام بعد كون كل من الثوبين، مع العلم الاجمالي بنجاسة أحد منهما، غير معلوم الطهارة، و لا أصل في أحد منهما يحرز به طهارته، لا الاستصحاب، و لا أصالة الطهارة، لمنافات ذلك مع العلم الاجمالي، مع فرض كون الأصل جاريا في كل منهما

مع قطع النظر عن العلم الاجمالي، و لكن معه إمّا لا يجري الأصل في طرفي العلم على مبنى في العلم الاجمالى، و إمّا يجري و يتساقط بالتعارض

______________________________

(1)- العروة، ج 1، ص 76، مسئلة 4.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 198

على مبنى اخر، فعلى كل حال لا يمكن إحراز طهارة أحد الثوبين لا وجدانا، و لا بالأصل.

فإذا كان الأمر كذلك، ففي الفرض لا يمكن للمكلف تحصيل ثوب طاهر فاقد للمانع أعنى: النجاسة، فيكون في الأثر كل من الثوبين الغير المحرز طهارتهما في حكم واجد المانع، لأنّه كما لا يمكن الصّلاة في الثوب النجس كذلك لا يمكن فيهما، فعلى هذا يكون دوران الأمر بعد ذلك بين حفظ شرطية الستر و الصّلاة في أحد من الثوبين، و بين الغاء المانع و الصّلاة عاريا، فإذا كان الدوران بينهما بمقتضى ما قلنا، فبعد ما استكشفنا في المسألة السالفة بعد الجمع بين الروايات الدالّة على الوجوب عاريا و بين الروايات الدالّة على وجوب الصّلاة في الثوب النجس، و الجمع بينهما، و الحكم بوجوب الصّلاة عاريا إلّا في صورة الاضطرار، بأنّ الشارع لم يعمل تعبد في المورد، بل بعد ما رأى من أنّه لا يمكن للمكلّف حفظ الشرط و رفع المانع كلاهما، فقدم ملاك رفع المانع إلّا في صورة الاضطرار، بلبس الثوب النجس.

[هذه المسألة من صغريات المسألة السابقة]

نقول في المقام أيضا: بوجوب الصّلاة عاريا، و عدم كفاية الصّلاة في أحد من الثوبين فقط، لأنّ مسئلتنا هذه أيضا بعد ما قلنا تكون من صغريات المسألة السابقة، لعدم قدرة المكلف بعد عدم أصل محرز للطهارة من حفظ الشرط و رفع المانع كليهما، فحيث أن في هذه الصورة قدم الشارع بمقتضى الجمع الّذي قلنا جانب رفع المانع و عدم

لزوم حفظ الشرط، نقول: بوجوب الصّلاة عاريا في هذا الفرض، فظهر لك مما مرّ أنّ في الصورة الاولى يجب على المكلّف من إتيان بصلاتين احدهما في ثوب و الاخرى في ثوب اخر، و في الصورة الثانية على مختارنا تجب الصّلاة عاريا عليه.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 199

المقدّمة الخامسة: في مكان المصلي

اشارة

اعلم أنّ المرسوم عند الفقهاء تعرّض مسائل في بحث مكان المصلّى، و لم يكن بعضه من المسائل المربوطة بمكان المصلّي مثل مسئلة محاذاة المرأة للرجل حال الصّلاة، و على كل حال يقع الكلام في مكان المصلّي في طي مسائل:

المسألة الاولى:

اشارة

في اشتراط كون مكان الصّلاة مملوكا للمصلّي، أو مأذونا في التصرف فيه.

أعلم أنّ ما يعتب في مكان المصلّي هو كون المكان مملوكا للمصلّي مأذونا في التصرف فيه، و كما قلنا في مبحث لباس المصلّي عند التعرض لاشتراط هذا الشرط في لباسه بأنّه ليس في المسألة نص وارد دالّ على اعتبار هذا الشرط، و بطلان إذا وقعت في مكان ليس من المصلّي و لا يؤذن له في التصرف فيه، و المدرك في ذلك ليس إلّا كون ذلك من صغريات مسئلة اجتماع الأمر و النهي.

فمن يقول بالاجتماع و تغليب جانب النهي، فلا بدّ من الالتزام بفساد الصّلاة في المكان المغصوب، و أمّا نحن فحيث التزمنا بالجواز، لما بينا وجهه في الاصول مفصلا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 200

و في لباس المصلّي بنحو الاختصار، فلا يمكن لنا الالتزام بفساد الصّلاة في المكان المغصوب من هذا الحيث، و كذلك لا وجه للتمسك بالفساد بأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، و الصّلاة ضدّ للتصرف في ملك الغير، فيكون منهيا عنه، و بعد كونه منهيا عنه، و النهي في العبادة يقتضي الفساد، فتفسد الصّلاة في مكان الغير المأذون من قبل المالك، و لا وجه للتمسك للفساد بالاجماع، لأنّه، كما قلنا في لباس المصلّي، لا إجماع في المسألة يكشف عن وجود النص، بل القائلين بالفساد لم يقلوا بذلك إلّا من باب عدم كون الصّلاة في المغصوب مقرّبا.

[وجه فساد الصّلاة عدم كونها مقرّبة]

و الحق كما قلنا في وجه الفساد هو أنّه لا بد في العبادات من أن تكون بنحو يمكن التقرب بها، لاعتبار إتيانها بقصد التقرب، و مع كون الفعل مورد زجر المولى و نهيه، لم يكن مقربا له، لأنّ المكلّف بهذا الفعل يكون عاصيا و

طاغيا للمولى، فكيف يمكن أن يكون هذا الفعل مقرّبه فعلى هذا لا يقبل هذا العمل لأنّ يتقرب به، فلا يقبل لصيرورته عبادة، لعدم إمكان قصد العبودية و التقرب به، فلأجل هذا تكون في مكان الغير بغير إذنه فاسدة، لأنّه بصلاته يأتي بما هو مزجور عنه، و هو التصرف في ملك الغير بغير إذنه، فتفسد الصّلاة في مكان المغصوب.

ثمّ إنّه كما مرّ منّا في لباس المصلّي يكون مورد فساد العبادة، على ما قلنا، كل مورد يكون النهي منجّزا على المكلف، و أمّا لو لم يكن منجّزا مثل أن يكون جاهلا بالغصبية، أو ناسيا لها فلا تفسد الصّلاة، لأنّ العمل على هذا لم يكن عصيانا و طغيانا حتى لا يقبل لأنّ يتقرب به، نعم في ما يكون نفس الشخص غاصبا و نسي الغصبية و صلّى في المكان الّذي غصبه، فالمختار عندنا أيضا عدم صحة الصّلاة و إن قلنا بعدم فساد الصّلاة في المكان المغصوب في صورة النسيان و الجهل، لأنّه يشكل عندنا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 201

الحكم بكون نسيان مثل هذا الشخص عذرا حتّى يقبل العمل لأنّ يتقرب به و تصح الصّلاة لمثله مع النسيان، و قد بيّنا بعض مطالب أخر الراجع إلى هذا الشرط في لباس المصلّي عند التعرض لهذا الشرط فيه، راجع.

المسألة الثانية: [في الكلام في محاذاة المرأة مع الرجل فى حال الصّلاة]

اشارة

هل تبطل صلاة كل من الرجل و المرأة إذا كانت المرأة مقدمة عليه أو بمحاذاته، أو لا، بل يكره ذلك؟

اعلم أنّ الكلام تارة يقع في أصل المسألة في الجملة، و تارة في بعض خصوصياتها.

أمّا الكلام في أصل المسألة، فنقول بعونه تعالى: أمّا العامة فلا يوجد في كلماتهم تعرّض لحكم محاذاة الرجل و المرأة حال الصّلاة في ما يصليان منفردا، و لكن في

باب الجماعة تعرّضوا لحكم محاذاتها، فبعضهم اعتبروا في سعة الموقف وجوب تأخر النساء عن الرجال، كما بيّن الشّيخ رحمه اللّه الكلام في ذلك في الخلاف فراجع.

و أمّا عندنا فما يظهر من المفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه و بعض اخر هو عدم جواز محاذاة المرأة للرجل حال ما يصليان منفردا، و لكن المرتضى رحمه اللّه و بعض اخر و المشهور عند المتأخرين جواز ذلك على كراهة.

إذا عرفت ذلك فلا بدّ أوّلا من التعرض لأخبار الباب، و بيان مقدار دلالتها حتى نختار ما هو مقتضى الحق في المقام.

فنقول: إنّ روايات الباب على أنحاء، بعضها ما يستدل به على المنع، و بعضها ما يمكن أن يستدل به على الجواز، و بعضها ما يمكن أن يستدل به على التفصيل فعلى هذا نتعرض للروايات، فنقول بعونه تعالى: إن صاحب الوسائل رحمه اللّه انعقد سبعة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 202

أبواب- من الباب 4 إلى 10 من أبواب مكان المصلي- في الوسائل ذكر فيها روايات راجعة إلى هذه المسألة، و لكن بعضها غير مربوط بمسئلتنا، فنذكر الروايات و نتعرض لمقدار دلالتها فنقول:

[في ذكر الروايات الواردة فى محاذاة المرأة مع الرجل]

الرواية الاولى:

ما رواها إدريس بن عبد اللّه القمي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و بحياله امرأة قائمة على فراشها جنبا، فقال: إن كانت قاعدة فلا يضرك، و إن كانت تصلّي فلا). «1»

اعلم أنّ لادريس بن عبد اللّه القمي رواية واحدة في الباب مضطربة المتن من حيث اختلاف النسخ في فقرة منها، و هي بعد قوله (بحيال امرأة) فعلى نقل الكافي (قائمة على فراشها جنبه) و على نقل التهذيب (قائمة على فراشها جنبا) و ذكر أنّه في بعض نسخ التهذيب (قائمة على جنب فراشها)

كما في حاشية فقيه، و خصوصا من جهة عدم مناسبة (قال: إن كانت قاعدة فلا تضرك) مع فرض كون السؤال عن الرجل يصلّي بحيال امرأة قائمة، أو نائمة على ما نقل من نقل نائمة، بل قائمة في بعض النسخ، لأنّه مع فرض كون امرأة قائمة على نقل أو نائمة على نقل، لا يناسب أن يقول في مقام الجواب (إن كانت قاعدة فلا تضرك) لأنّ الجواب لا يناسب السؤال، فالرواية مضطربة من حيث المتن.

الرواية الثانية:

ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و المرأة بحذاه عن يمينه أو عن يساره، فقال: لا بأس به إذا كانت لا تصلّي). «2»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 203

و له أيضا رواية واحدة في الباب تدلّ على عدم البأس بصلوة الرجل بحيال المرأة إن كانت لا تصلّي المرأة، و بمفهومها يدلّ على البأس إذا كانت تصلّي، و حيث إنّ المفهوم يدلّ على البأس بصلوة الرجل ان كانت المرأة تصلّي حذاه فإنّ دل على الجواز رواية فيمكن حمل البأس في هذه الرواية على البأس الجامع مع الكراهة، و في التهذيب هكذا: نقل عن الرجل يصلّي و المرأة بحذاه يمنة أو يسرة و قال في الوسائل (عن يمينه أو يساره، فقال: لا بأس به إذا كانت لا تصلّي.

الرواية الثالثة:

ما رواها معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أقوم صلّى و المرأة جالسة بين يدىّ أو مارة، قال: لا بأس بذلك، إنّما سميت بكة لأنّه تبك فيها الرجال و النساء). «1»

غير مربوطة بمسألتنا لأنّ المفروض في الرواية كون المرأة جالسة أو مارة لا أن تصلّي في حذاء الرجل.

الرواية الرابعة:

ما رواها علي بن الحسن بن رباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي و عائشة قائمة معترضة بين يديه و هي لا تصلّي). «2»

و هي أيضا غير مربوطة بمسألتنا لعدم كون المفروض فيها كون المرأة تصلّي و الرجل بحيالها يصلّي.

الرواية الخامسة: ما رواها ابن أبي يعفور، و له روايتان
اشارة

بنقل الوسائل:

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 204

الاولى:

و هي هذه عبد اللّه بن أبي يعفور (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اصلّي و المرأة إلى جنبى و هي تصلّي، قال لا: إلّا أن تقدّم هي أو أنت، و لا بأس أن تصلّي و هي بحذاك جالسة أو قائمة). «1»

و هي تدلّ على عدم جواز المحاذاة إلا أن تقدّم أحدهما على الآخر زمانا في الصّلاة، و لا يمكن حمل الرواية على التقدم المكاني، لأنّ لازم ذلك عدم جواز محاذاتهما، و مع ذلك كان الجائز تقدم المرأة على الرجال في الصّلاة، و لا يمكن الالتزام بجواز تقدم المرأة على الرجل مع فرض الالتزام بعدم جواز محاذاتهما، و كون احدهما في عرض الاخر حال الصّلاة، فقوله (إلا أن تقدم هي أو انت) لا بد من حمله على التقدم الزماني.

الثانية:

هي هذه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: لا بأس أن تصلّي و المرأة بحذاك جالسة او قائمة). «2»

و اعلم أنّ هذه الرواية ليست غير الرواية الاولى، لأنّ الشيخ رحمه اللّه في التهذيب نقل، و صاحب الوسائل نقل عنه، غاية الأمر في الباب 4 أسقط صدر الرواية، فتوهم كونها غير الرواية الاولى، و الحال أنّ ما روى ابن أبي يعفور ليس إلا رواية واحدة، فليس في الباب رواية عن ابن أبي يعفور تدلّ على الجواز.

الرواية السادسة: ما رواها جميل
اشارة

، و اعلم أنّ له بنقل الوسائل روايات:

الاوّل:

و هي هذه عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه (قال: لا بأس أن تصلّي

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 5 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 205

المرأة بحذاء الرجل و هو يصلّي فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يصلّي و عائشة مضطجعة بين يديه و هو حائض، و كان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها يسجد.) «1»

و الظاهر كون هذه الرواية مشتملة على ما لا يقبله الذوق السليم، بل يكون مفادها موافقا مع مشرب العامة، و ما تنسب عائشة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انتخابها لنفسها مثل ما ينقلون خذلهم اللّه بانّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رفعها لأنّ ترى مجلس الرقص، و نحن مع ما نعلم من جلالته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علوّ شأنه نعلم أنّ وضعه و مشيه غير هذا، و كيف يمكن استناد مثل هذه القضية و نظائرها به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

الثاني:

و هي هذه عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يصلّي و المرأة بحذائه أو إلى جنبيه قال: إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس). «2»

فهي كما نقول يمكن كونها متحدة مع رواية ابن بكير، و على كل حال كما نقول في ذيل رواية ابن بكير ما يستفاد منها هو الجواز في صورة كون سجود المرأة مع ركوع الرجل.

الثالث:

و هي هذه عن جميل بن دراج (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذاه، قال: لا بأس). «3»

فيحتمل قويّا كون هذه الرواية متحدة مع السابقة، غاية الأمر لم يذكر فيها تمام ما في السابقة، لبعد تعدد سؤال الجميل عنه عليه السّلام عن مسئلة واحدة، و مع هذا الاحتمال بعد ما قلنا من أنّ العمدة في حجية خبر الواحد بناء العقلاء، فنقول ليس

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 6 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 5 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 206

بنائهم على جعل هذه الرواية روية اخرى غير السابقة، فإذا كان الأمر كذلك فالقدر المتيقن من بنائهم على الاخذ برواية جميل هو عدم البأس في صورة كون سجودها مع ركوعه، و إن أبيت عن ذلك نقول: بأنّ بعد كون الرواية الثانية من جميل دالا على الجواز في خصوص ما إذا كان سجودها مع ركوعه، لأنّ مفهومها عدم الجواز في غير هذه الصورة، فيقيد إطلاق روايته الثالثة بها، فبعد الجمع لا تدلّ روايتي الجميل على الجواز في صورة المحاذاة الحقيقية، فليست روايات الجميل دليلا على الجواز المطلق، فافهم.

الرواية السابعة:

ما رواها محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضّال عن ابن بكير عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذاه، أو إلى جانبه، فقال: إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس). «1»

و لا يبعد كون راوي هذه الرواية أيضا جميل، و كونها عين الرواية الثانية من الروايات المتقدمة

من جميل، لأنّ الراوي في كل منهما ابن فضّال، غاية الأمر في أحدهما عمّن أخبره عن جميل، و في أحدهما عن ابن بكير عمن أخبره، و يكون مضمونهما متحدا و إن كان اختلاف مختصر في متنها (إلّا أنّ سند الرواية الثانية من روايات الجميل ينتهي إلى ابن فضال، و هو يروى عن أخيه عن جميل و على هذا فيبعد كونهما رواية واحدة).

و على كل حال تدلّ الرواية على الجواز بمجرد تأخر المرأة عن الرجل و لو بمقدار يقع موضع سجودها في موضوع ركوع الرجل، و بعبارة اخرى تكون كل

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 6 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 207

واحد من مواضعها السبعة مؤخّرا عن كل واحد من مواضعه السبعة، فيكون موضع سجودها مؤخرا عن موضع سجوده، و موضع ركوعها عن موضع ركوعه، و هكذا، و الرواية يحمل على ذلك لا أن يكون هذا ظاهر قوله فيها (إذا كان سجودها مع ركوعه). «1»

الرواية الثامنة: روايات زرارة بنقل الوسائل
اشارة

، و قد نقل منه روايات أربعة:

الاولى:

ما رواها عن الفقيه باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا كان بينها و بينه ما يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا، فلا بأس إن صلّت بحذاه واحدها). «2»

و قد أسقط صاحب الوسائل الفقرة الأخيرة و هي قوله (إن صلّت بحذاه واحدها) عن الرواية، و زاد لفظ (لا) قبل قوله (يتخطى).

الثانية:

ما رواها زرارة (قال: قلت له؟ المرأة تصلّي بحيال زوجها فقال:

تصلّي إذا كان بينها و بينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا). «3»

و على كل حال هما رواية واحدة لاتحاد مضمونهما باختلاف يسير (و لعل لفظ (لا) في الرواية الثانية الّتي رواها ابن ادريس قبل قوله (يتخطى) تكون زائدة كما نقل عن بعض بان لفظ (لا) ليس في السرائر) و على كلّ حال تدلّان على عدم

______________________________

(1)- (أقول: بل الظاهر كون المراد من الرواية هذا)، فهذه الرواية لا تدلّ على الجواز المطلق، بل تدلّ على الجواز في صورة كون سجودها مع ركوعه، فليست دالّة على الجواز، المطلق حتّى يستفاد منها الجواز و لو مع عدم التأخر اليسير مثل ان يكون سجودها مع ركوعه. (المقرّر)

(2)- الرواية 8 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 208

الجواز إلّا إذا كان بينها و بينه قدر ما يتخطى أو قدر عظم الذراع.

الثالثة:

ما رواها محمد بن ادريس في اخر السرائر نقلا من كتاب حريز، و هي ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: المرأة و الرجل يصلّي كل واحد منهما قبالة صاحبه قال نعم إذا كان بينهما موضع رحل). «1»

و هي تدلّ على الجواز إذا كان بينهما موضع رحل، و لا يبعد أيضا عدم كونها رواية اخرى غير الاولى و الثانية، لبعد سؤال زرارة مرات عن المسألة الواحدة، فليس بناء العقلاء على جعلها رواية مستقلة.

الرابعة:

ما رواها عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل؟ قال: لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلّا أن يكون قدامها و لو بصدره). «2»

و هي تدلّ على عدم الجواز إلا إذا كان قدامها و لو بصدره.

الرواية التاسعة:

ما رواها حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريبا منه؟ فقال: إذا كان بينهما موضع رحل فلا بأس). «3»

و هي بمنطوقها تدلّ على الجواز إذا كان بينهما موضع رحل، و مفهومها على عدم الجواز إذا لم يكن بينهما الفصل بهذا المقدار (و يمكن أن يخدش في دلالتها على مسئلتنا بأنّ الرواية غير متعرضة لصورة كون كل من الرجل و المرأة في الصّلاة، لأنّه قال (في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريبا منه) و هو غير متعرض لكون الرجل في

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 6 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 209

الصّلاة أم لا.

الرواية العاشرة:

ما رواها محمد الحلبي قال: سألته (يعنى: أبا عبد اللّه عليه السّلام) عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و ابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الاخرى؟

قال: لا ينبغي إلّا أن يكون بينهما ستر، فإنّ كان بينهما ستر أجزأه. «1»

و رواه الشّيخ كما مرّ، و اعلم أنّ الموجود في النسخ هنا بالتاء المثناة فوق بعد المهملة، و تقدم بالمعجمة ثمّ بالباء المواحدة و يمكن صحتهما (هكذا في الوسائل). «2»

تدلّ على أنّه لا ينبغي ذلك إلّا أن يكون بينهما ستر أو شبر، و قوله (لا ينبغي) لا ظهور له في الكراهة، لأنّ كثيرا ما عبّر في مقام بيان التحريم بلفظ (لا ينبغي) فهذه الرواية من الأخبار المفصّلة بين ما يكون بينهما الفصل بستر أو بشبر فيجوز، و بين ما لا يكون فصل بينهما بهذا المقدار فلا يجوز.

الرواية الحادية عشرة: ما رواه محمد بن مسلم
اشارة

، و له على ما ذكر في الوسائل نقلا عن الشّيخ في التهذيب (و رأيت في التهذيب) روايتان:

الاولى:

و هي هذه عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و امرأته و ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاخرى؟ قال:

لا ينبغي ذلك، فإنّ كان بينهما شبر أجزأه، يعني إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر). «3»

الثانية:

و هي هذه عن محمد عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته عن المرأة تزامل

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الوسائل، ج 2، ص 432.

(3)- الرواية 1 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 210

الرجل في المحمل يصلّيان جميعا، قال: لا، و لكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة). «1»

و رواهما في الكافي، و جعلها رواية واحدة أعنى: على ما في الكافي نقل رواية واحدة مشتملة على الفقرتين مع اختلاف قليل بين نقل الكافي و التهذيب.

و على كل حال يستفاد من روايته الاولى أنّه لا ينبغي أن يكون كل من الرجل و المرأة محاذيا للاخر حال الصّلاة إلّا أن يكون الفصل بينهما بشبر على بعض النسخ، أو ستر على بعض النسخ، و لا يخفي عليك أنّ قوله (لا ينبغى) ليس ظاهرا في حدّ ذاته في الكراهة كما يقال في بعض الموارد، و أيضا لا يبعد ان يكون الصادر من المعصوم عليه السّلام هو (ستر) لا (شبر) لأنّ السائل فرض في سؤاله أنّهما في حجرة و من البعيد كون الحجرة صغيرا بحيث إذا وقف الرجل في زاوية منها، و المرأة في زاويته الاخرى يكون الفصل بينهما بقدر شبر فقط، فالظاهر كون ما صدر هو (ستر) لا (شبر) يعنى: إذا كان بينهما ستر فلا تضر المحاذاة. «2»

و أمّا رواية الثانية فنقول:

إن كان ما روى محمد بن مسلم رواية واحدة كما في الكافي، و هو الحق، ففي فقرة الاولى سئل سؤالا و أجاب عنه عليه السّلام، و في الفقرة الثانية سئل سؤالا اخر و هو مورد كون الرجل و المرأة يتزاملان في المحمل، أعنى: كون كل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- أقول: لا مانع من كون الصادر منه عليه السّلام (شبرا) لأنّ السائل و ان فرض حجرة يصلّي الرجل في زاوية منها، و المرأة في زاويته الاخرى، و لكن جواب الامام عليه السّلام كليّا، و هو أنّ ملاك الجواز وجود الفصل بشبر، و عدم الجواز مع عدم الفصل بشبر، و على كل حال إن كان الصادر سترا فلا ينافي ظاهر الرواية مع ما دلّ على عدم مضرية المحاذاة مع الفصل بعشرة أذرع، و أمّا إن كان الصادر شبرا فينافي معه. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 211

منهما محاذيا للاخر، فتدلّ الرواية على أن الرجل يصلّي أوّلا ثمّ المرأة، و الغرض عدم وقوع صلاتهما معا في محاذاة الآخر، لا ان يكون اللازم تقديم خصوص صلاة الرجل، فإن كان الصدر (شبرا) فينافي مع الذيل، لأنّ في المحمل الفصل بالشبر حاصل، و مع هذا أمر بأن يصلّي الرجل أوّلا ثمّ بعده المرأة حتّى لا تقع صلاته في محاذاة الرجل، و لعل هذا أيضا شاهد على كون الصادر منه عليه السّلام سترا لا شبرا في الفقرة الاولى.

و أمّا إن كانت الثانية رواية مستقلة كما نقلها التهذيب، فمفادها أيضا واضح، و لا تدلّ على الجواز، بل تدلّ على المنع مع تحقق الفصل بشبر، بل و ذراع.

و له رواية اخرى، و هي هذه محمد بن مسلم

عن أبي جعفر عليه السّلام (في المرأة تصلّي عند الرجل؟ قال: إذا كان بينهما حاجز فلا بأس). «1»

و هذه الرواية رواها الحجّال عن محمد بن مسلم تدلّ على الجواز في صورة وجود الحاجز بينهما بمنطوقها، و على عدم الجواز في صورة عدم الحاجز بمفهومها، و يحتمل أن يكون الحاجز في هذه الرواية قرينة على كون الوارد في روايته الاولى هو (سترا) لا (شبرا)، فافهم.

الرواية الثانية عشرة:
اشارة

ما رواه عمار و هي ما رواها في التهذيب هكذا: محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟ قال: لا يصلّي حتّى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع و إن

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 212

كانت عن يمينه و عن يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك، فإنّ كانت تصلّي خلفه فلا بأس و إن كانت تصيب ثوبه، و إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت).

[في ما عدّ صاحب الوسائل الروايات ثلاثة مع كونها واحدة]

نقل في الوسائل هذه الرواية عن الشّيخ رحمه اللّه، و عدها روايات ثلاث «1»، و لكن ليست إلّا رواية واحدة، غاية الأمر قطعها صاحب الوسائل و عدّها روايات ثلاث، فتمام الرواية ذكر في الباب 7 و هي 1 منه، و قطعها فنقل بعضها في الباب 4 و هو 6 منها و بعضها في الباب 6 و هو 4 بعضها، فما رواها عمار ليست إلّا رواية واحدة.

و على كل حال تدلّ هذه الرواية على عدم جواز تقدم المرأة و محاذاتها للرجل في حال يصلّيان معا إلّا بالفصل بعشرة أذرع، فهي من الروايات الدالّة على عدم الجواز بدون فصل هذا المقدار.

الرواية الثالثة عشرة: و هي ما رواها ابو بصير
اشارة

، و قد نقل صاحب الوسائل منه ثلاث روايات:

أوّلها:

و هي هذه: ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل و المرأة يصلّيان معا في المحمل؟ قال: لا، و لكن يصلّي الرجل و تصلّي المرأة بعده). «2»

ثانيها:

و هي هذه: عن ابن مسكان عن أبي بصير هو ليث المرادى (قال:

سألته عن الرجل و المرأة يصلّيان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال:

لا إلّا أن يكون بينهما شبر أو ذراع، ثمّ قال: كان طول رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذراعا

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 4 و أيضا الرواية 4 من الباب 6 و أيضا الرواية 1 من الباب 7 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 10 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 213

و كان يضعه بين يديه إذا صلّى يستره ممّن يمرّ بين يديه). «1»

ثالثها:

و هي هذه: عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل و المرأة يصلّيان جميعا في بيت، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟

قال: لا حتّى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه). «2»

و لا يخفي عليك أنّ الرواية الثالثة و الثانية رواية واحدة رواها في الكافي و التهذيب مع اختلاف يسير في متنها فعلى هذا ما رواه أبو بصير روايتان أوّلهما تدلّ على عدم جواز محاذاتها مطلقا و وجوب تقدم صلاة أحدهما على الآخر زمانا، و ثانيهما على الجواز إذا كان الفصل بينهما بقدر شبر، أو ذراع، فلا تدلّ على الجواز المطلق، بل تدلّ على التفصيل.

الرواية الرابعة عشرة: ما رواها معاوية بن وهب

، و هي هذه: معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سأله عن الرجل و المرأة يصلّيان في بيت واحد؟ قال:

إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه واحدها، و هو واحده فلا بأس). «3»

فهي أيضا من الروايات المفصلة دلالتها على التفصيل بين فصل الشبر و عدمه، فلا تدلّ على الجواز المطلق.

الرواية الخامسة عشرة: ما رواها هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه ع

(قال:

الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه). «4»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(4)- الرواية 9 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 214

و هذه الرواية مع ورودها في الجماعة و احتمال كون هذا الوضع معتبرا في سنة الموقف في الجماعة، لا تدلّ على جواز محاذاة الحقيقية بينهما، لأنّ فيها قال (كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه.

الرواية السادسة عشرة: ما رواها الفضيل عن أبي جعفر ع

(قال: سميت بكة لأنّه تبك فيها الرجل و النساء، و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن يسارك و معك، و لا بأس بذلك، و إنّما يكره في ساير البلدان). «1»

و لا يمكن العمل بهذه الرواية، لعدم عامل بها بين أصحابنا رضوان اللّه عليهم، لعدم قائل بالتفصيل بين مكّة و غيرها فيجوز فيها و يكره في غيرها.

الرواية السابعة عشرة: ما رواها علي بن جعفر
اشارة

، و قد ذكر في الوسائل منه روايات أربع في ما نحن فيه:

أوّلها:

ما رواها عن قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّي ضحى و أمامه امرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع، قال: لا بأس ليمض في صلاته). «2»

تدلّ على الجواز في صورة الفصل بعشرة أذرع.

(و المراد من صلاة الضحى لعلّه هي الصّلاة الّتي تصلّيها العامة) فهي لا تدلّ على الجواز في صورة المحاذاة مع عدم الفصل.

ثانيها: ما رواها الشّيخ في التهذيب باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 7 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 215

موسى بن جعفر عليه السّلام في حديث (قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كله قبلته و جانباه، و امرأته تصلّي حياله يراها و لا تراه، قال: لا بأس). «1»

و هي لا تدلّ على الجواز المطلق حتّى مع عدم الحائل، لأنّ المفروض فيها هو أنّ بينهما حيطان و يكون كوى كله «2».

ثالثها: ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد

عن عبد اللّه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل هل يصلح أن يصلّي في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلّي، و هو يراها و تراه؟ قال: إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس). «3»

تدلّ على الجواز بمنطوقها مع وجود الفصل بينهما بحائط طويل أو قصير، و بمفهومها على عدم الجواز إن لم يكن بينهما حائط طويل أو قصير، فهذه الرواية على تقدير كونها غير روايته الثانية مع عدم دلالتها على الجواز المطلق، تدلّ على عدم جواز في الجملة، لدلالتها بالمفهوم على عدم جواز الصّلاة في صورة عدم وجود الفصل بحائط طويل أو قصير.

رابعها: ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن مسعود العياشي عن جعفر
اشارة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- أقول: لا تدلّ على الجواز إمّا من باب وجود الحائل بينهما لفصل الحيطان و يكون كوى بحيث يمنع عن المشاهدة، و إمّا من باب أنّ بينهما فصل لاجل فصل الحيطان بينهما، و ربما كان الحيطان بحيث يكون معه الفصل بقدر شبر، أو قدر ما يتخطى، أو قدر عظم، فيكون لسانها لسان بعض ما يدلّ على الجواز في صورة الفصل بأحد هذه الامور، فتأمل. (المقرّر).

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 4، ص: 215

(3)- الرواية 4 من الباب 8 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 216

بن محمد عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال: سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلّي و هي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم و ما

حال المرأة في صلاتها و قد كانت صلت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة). «1»

و في هذه الرواية احتمالات ثلاث:

الاحتمال الأول:

هو كون فساد صلاة المرأة مستندا إلى اقتدائها العصر بالظهر، و فرض عدم جواز اقتداء صلاة العصر بالظهر (و هذا بعيد، لقوله (و لا يفسد ذلك على القوم) لعدم مجال لتوهم بطلان صلاة القوم من باب عدم صحة اقتداء المرأة صلاة عصرها بالظهر).

الاحتمال الثاني:

كون فساد صلاتها مستندا إلى وقوع صلاتها محاذيا لصلاة الامام و منشأ فساد صلاتها كان مستندا إلى وقوع صلاتها محاذيا لصلاة الرجل و هو الامام، و منشأ فساد صلاتها فقط هو أنّها شرعت فيها متأخرة فيفسد صلاة المتأخر لا المتقدم.

الاحتمال الثالث:
اشارة

احتمال كون الحكم في الرواية ببطلان صلاتها من باب كون عملها على خلاف سنة الموقف في الجماعة، لأنّ سنة الموقف في الجماعة هي تأخر النساء عن الرجال، لا من باب كون فساد صلاتها مستندا إلى وقوعها محاذيا لصلاة الرجل و لهذا لو كانت صلاتها فرادى لم تفسد صلاتها على هذا الاحتمال فعلى هذا يكون الفساد مستندا إلى عدم رعاية المرأة سنة الموقف في الجماعة كما عليه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 9 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 217

بعض العامة، فإنّهم- مع عدم قول بينهم على جواز المحاذاة حال الصّلاة إذا كان صلاة الرجل و المرأة فرادى- لم يجوز بعضهم محاذاة المرأة للرجل حال الصّلاة في الجماعة من باب كون ذلك خلاف سنة الموقف كما نقل الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف.

و على كل حال إن قلنا بالاحتمال الثاني فهذه الرواية من الروايات المانعة من المحاذاة، و إن قلنا بالاحتمال الثالث فلا، و على أىّ حال لم يكن أحد من الروايات المنقولة عن علي بن جعفر دالّا على جواز محاذاة كل من الرجل و المرأة حال الصّلاة مطلقا، لما عرفت من أن الاولى و الثانية و الثالثة تدلّ على الجواز مع الفصل، و الرابعة إمّا غير مربوط بما نحن فيه، و إمّا تدلّ على عدم الجواز مطلقا.

هذا حال الأخبار الواردة في الباب و قد علم ممّا مرّ، أوّلا أنّه ليس تمام الأخبار

الّتي ذكر صاحب الوسائل في الباب 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 10 مربوطا بما نحن فيه، و ثانيا أنّ بعض أخبارها ليس أخبارا مستقلا، بل متحد مع بعض الآخر، و ثالثا عرفت مقدار دلالة الأخبار.

فإذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: بأنّه ليس بين روايات الباب ما يدلّ على الجواز المطلق، لأنّ ما تتوهم دلالته على ذلك روايتان من روايات الجميل «1»، و رواية فضيل «2» و كلها ليست قابلة للتمسك على الجواز المطلق بها.

أمّا الرواية الجميل فلاشتمالها على ما لا يمكن نسبته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع أنّ العلة لا يناسب مع الحكم، لأنّ المذكور في العلة هو عدم كون عائشة مشتغلة بالصّلاة،

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل و أيضا الرواية 6 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 218

و مفروض الكلام يكون موردا يكون كل من الرجل و المرأة في الصّلاة و يصلّيان بحذاء الاخر (مع إمكان دعوى عدم كون هذه الرواية غير رواية اخرى من روايات جميل أعنى: غير رواية 3 من باب 6 من أبواب المذكور من الوسائل المقيد فيها الجواز بما إذا كان سجودها مع ركوعها).

[عدم وثوق النفس بكون رواية الاخرى من الجميل رواية مستقلة]

و امّا الرواية الاخرى من جميل، فكما بينا لا يوثق الانسان بكونها رواية مستقلة غير روايته الاخرى أعنى: غير الرواية 3 من باب 6، لبعد كون الجميل يسأل عن حكم مسئلة واحدة ثلاث مرات، و بعد احتمال ذلك فليس بناء العقلاء على صدور روايات ثلاثة رواها جميل، فقدر المتيقن ليست

إلّا رواية واحدة، و لا ندري بأنّ ما صدر عنه عليه السّلام و رواها جميل هو الجواز على نحو الاطلاق، كما هو الظاهر من روايته 4 من باب 4 و 6 من باب 5 بنقل الوسائل، أو ما نقل عنه المقيد فيه بما إذا كان سجودها مع ركوعه لا على الجواز المطلق كما هو الظاهر من 3 من باب 6 و هي روايته الاخرى بنقل الوسائل، فلا حجة لنا على الجواز المطلق، بل المتيقن هو الجواز في صورة تقدم الرجل على المرأة بحيث يكون سجود المرأة محاذيا لمحل راس الرجل حال الركوع، فليس في ما نقل عن جميل ما يمكن جعله حجة على جواز المحاذاة، مضافا إلى أنّه لو فرض صدور رواية راويها جميل تدلّ على الجواز المطلق و رواية على الجواز مقيدا بما إذا كان سجودها مع ركوعه، فلا بدّ من تقييد مطلقها بمقيدها.

و أمّا رواية فضيل «1» بنقل الوسائل، فهي و إن كانت دالّة على جواز المحاذاة في مكّة بدون كراهة، و على جوازها مع الكراهة في ساير البلدان، و لكن هذه الرواية

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 219

غير قابلة الاعتناء، لعدم قائل بهذا التفصيل بين أصحابنا رضوان اللّه عليهم.

إذا عرفت ما بينا لك من عدم وجود رواية تدلّ على جواز المحاذاة مطلقا في قبال التفصيلات الواردة في الروايات، فنقول: أمّا منع المحاذاة مطلقا فيستفاد من رواية محمد بن مسلم، و من رواية عبد اللّه بن أبي يعفور بناء على حمل قوله عليه السّلام فيها (إلّا أن تقدم هي أو أنت) على التقدم الزمانى، كما هو الحق كما بينا في ذيل الرواية

سابقا، و من أحد روايات أبي بصير، و من رواية إدريس بن عبد اللّه إن لم نقل بكونها مضطرب المتن كما مضى الكلام فيها، و من رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، و خصوصا تدلّ رواية محمد بن مسلم و رواية أبي بصير على عدم جواز المحاذاة بالمنطوق بدون إشكال في متنهما.

[الروايات الدالّة على التفصيل ضربان]

اشارة

و في قبال هذه الروايات كما بينا يدلّ بعض الروايات على التفصيل، و هو على ضربين:

الضرب الأول:

ما يدلّ على جواز ذلك إذا كان الرجل مقدّما على المرأة بمقدار، أو فيما كان بينهما حاجزا و سترا و حيطان، و هي ما رواها محمد بن مسلم «1»

إن كان قوله (فإن كان بينهما ستر أجزأ) بالسين و التاء لا بالشين و الباء كما بينا وجه قوة كونه سترا لا شبرا، و رواية 9 من باب 5، و 2 من باب 6، و 3 من باب 6، و 5 من باب 6، على تقدير كونها غير رواية 3 من باب 6، و 1 من باب 8، و 2 من باب 8، و هي رواية اخرى عن محمد بن مسلم، و 3 من باب 8، و 4 من باب 8.

و هذه الروايات لو فرض تعارضها مع الروايات الدالّة على المنع من باب

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 220

دعوى شمول إطلاق أخبار المانعة لموردها، فيمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار المطلقة الظاهرة في المنع على الأخبار المقيدة (مع إمكان دعوى عدم تعارضهما من باب كون كل واحد من الطائفتين واردا في غير مورد الآخر، لأنّ أخبار المانعة متعرض لصورة كون كل من الرجل و المرأة محاذيا للاخر في الصّلاة و أخبار المفصّلة متعرض لصورة تقدم مكان الرجل على المرأة و لو بقليل).

الضرب الثاني:
اشارة

بعض الروايات يدلّ على التفصيل، و لكن يتوهم دلالته على التفصيل لا بالنحو المذكور في الضرب الأول، بل على التفصيل بين صورة الفصل بينهما بشبر، أو ذراع، أو موضع رحل، أو قدر موضع رحل، أو ما يتخطى، أو قدر عظم الذراع، أو عشرة أذرع، فتدل على عدم الجواز مع عدم وجود الفصل بأحد هذه الامور،

و الجواز مع حصول الفصل بهذه المقادير، و منشأ العمدة في حمل بعض الفقهاء رضوان اللّه عليهم الأخبار المانعة على الكراهة، هو هذه الأخبار.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ في المقام احتمالين:

الاحتمال الاوّل:

الالتزام بكراهة المحاذاة مع عدم حصول أحد الامور المتقدمة من الشبر و الذراع و غيرهما، و عدم الكراهة أصلا مع حصول الفصل بعشرة أذرع أو وجود الحاجز بينهما، غاية الأمر أنّ مع عدم حصول أحد هذه الامور تكون الكراهة شديدة، و كلما يصير الفصل اكثر يخفف مرتبة الكراهة بالنسبة إلى ما كان الفصل أقلّ، مثلا في صورة الفصل بالشبر تخفف مرتبة من الكراهة ففي الفصل بقدر الذراع تخفف مرتبة من الكراهة بالنسبة إلى صورة الفصل بالشبر، و هكذا إلى أن يصل الفصل بعشرة أذرع ترتفع الكراهة بتمامها.

و وجه الأخذ بهذا الاحتمال هو أن يدعي بأنّه بعد ما يعرض على العرف بعض

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 221

الروايات الدالّة على المنع مطلقا، و يعرض عليه بعض ما يدلّ على الجواز إذا حصل الفصل، و جعل حدودا مختلفة للجواز، ففي بعضها حدد بالشبر، و في بعضها الذراع، و في بعضها ما يتخطى، أو ما لا يتخطى، و عظم الذراع، و في بعضها عشرة أذرع، فيفهم العرف من هذه التحديدات المختلفة أنّ الحكم ليس تحريميا، و إلّا فلا معنى لذكر تحديدات مختلفة للجواز مع التفاوت الفاحش بين بعضها مع بعض الآخر، فمن هذا الاختلاف نكشف كون النهي الوارد في بعض الأخبار تنزيهيا لا تحريميا، و بحسب تفاوت مراتب الكراهة اختلفت التحديات، فمن حيث إنّ في كل من التحديدات مرتبة من الكراهة على الجواز على تحقق هذا الحد.

الاحتمال الثاني:

أن يقال: بأنّه بعد ما قلنا من عدم وجود رواية دالّة على الجواز المطلق، و بعد ما قلنا من أنّ بعض الروايات المفصلة متعرضة لحيث تقدم الرجل على المرأة مكانا حال الصّلاة، و عدم المحاذاة في هذه الصورة، و لا يكون

بين هذه الأخبار و اخبار المانعة إمّا تعارض بناء على عدم إطلاق لروايات المانعة يشمل المنع في صورة تقدم الرجل بالمقدار المذكور في هذه الطائفة من الأخبار المفصلة، و إمّا يمكن الجمع بينهما لو فرض تعارض بينهما بحمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة هو عدم الجواز مع المحاذاة، و عدم حصول الفصل بهذا المقدار، و الجواز مع تقدم الرجل على المرأة بصدره، أو إذا كان سجودها مع ركوعه و غيرهما.

فيبقى ما يمكن دعوى تعارضها مع أخبار المانعة روايات أحدها روايات زرارة و حريز الدالّة بعضها على الجواز في ما كان الفصل بينهما بقدر موضع رحل، و بعضها في ما كان الفصل بقدر ما يتخطى، أو ما لا يتخطى او قدر عظم الذراع، فمع

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 222

ما بينا في طي شرح روايتهما قلنا أوّلا بأنّ من القريب كون كل هذه الروايات رواية واحدة (إلّا ما نقل حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و لكن الكلام فيها الكلام في أن أيا منها صدرت عن المعصوم عليه السّلام هل الرواية الدالّة على الجواز اذا كان الفاصل موضع رحل.

او الدالة على الجواز اذا كان الرجل قدام المرأة و لو بصدره او الدالّة على الجواز اذا كان الفصل بقدر رحل او كان الفصل بما يتخطى او قدر عظم الذراع فلا ندري ما صدر معينا.

[لا يمكن الاستدلال باحد الروايات لعدم معلومية ما صدر من المعصوم]
اشارة

فلا يمكن الاستدلال بأحدها، إذ من الممكن أنّ ما سمع زرارة من المعصوم عليه السّلام هو ما يدلّ على الجواز في ما كان الرجل مقدما على المرأة و لو بصدره، فيخرج من القسم الثاني من الروايات المفصّلة، بل يكون من القسم الأوّل الّذي قلنا بإمكان جمعه مع الروايات المانعة بالإطلاق و التقييد.

ثانيا بأنّه إن كانت روايات زرارة روايات متعددة، فيحتمل أنّه سمع زرارة من الامام عليه السّلام كلا ما يناسب مع كل ما روى عنه، و نقل كلامه عليه السّلام بالمعنى، و بعد هذا الاحتمال، فيمكن أن يقال: إنّه بقرينة إحدى رواياته علّق الجواز فيها بما إذا كان الفصل بقدر موضع رحل، و الحال أنّ الرحل هو ما يقال به بالفارسية (پالان شتر) فتكون هذه الرواية في مقام الفصل بنحو الحائل لا في مقام فصل السعى «1»، غاية الأمر كفاية الحائل بقدر الرحل مثل رواية من روايات علي بن جعفر الّتي علّق الجواز فيها بما إذا كان بينهما حائط طويل أو قصير، و بقرينة روايته الاخرى علق

______________________________

(1)- مراده دام عزّه من (السعى) بحسب سعة الشبر، أو ذراع، أو عشرة أذرع كما قال بعدا إن شاء اللّه. مصحح

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 223

الجواز بما إذا كان الرجل مقدما على المرأة و لو بصدره أنّ ما سمع زرارة عنه عليه السّلام هو الحكم بالجواز في ما يكون بينهما ساتر، أو يكون الرجل مقدما على المرأة، فيكون المراد من روايته الاخرى لأجل ما ذكرنا من القرينة، هو وجود ساتر بقدر ما يتخطى، أو بقدر عظم الذراع، و إن أبيت عن ذلك فنقول: بأنا لا نفهم بأنّ أىّ رواية من رواياته قرينة على الاخرى، فلا يمكن كون رواياته مستندة للفتوى بالجواز).

و على فرض عدم كون رواياته رواية واحدة فروايته الدالّة على موضع رحل غير معلوم المراد، لأنّه لا نعلم بأنّ المراد محلّ الرحل حتّى كان المراد الفصل بينهما بقدر موضع الرحل، أو يكون المراد بيان كون الحائل بقدر الرحل، و روايته الدالّة على الجواز إذا كان الرجل مقدما على

المرأة و لو بصدره قلنا بكونها من القسم الأوّل من الأخبار المفصلة، فتبقى روايته الاخرى الدالّة على الجواز في ما إذا كان الفصل بما يتخطى، أو قدر عظم الذراع، فهذه إحدى الروايات الّتي يمكن كونها معارضة مع أخبار المانعة.

ثانيها رواية محمد بن مسلم، فقلنا بأنّ ما يقرب بالنظر كون الوارد فيها (ستر) لا (شبر)، و أمّا رواية عمار فهي و إن كانت من الروايات المفصلة إلّا أنّه لا إشكال في تقييد إطلاق اخبار المانعة بها، فتكون النتيجة هو جواز محاذاتهما إذا كان الفصل بينهما أكثر من عشرة أذرع، و إلّا فلا تجوز محاذاتهما.

إذا عرفت بأنّ ما يمكن تعارضها مع روايات المانعة هو هذه الروايات الثلاثة المتقدمة فيمكن أن يقال: بأنّ هذه الروايات المتعرضة للشبر، أو الذراع أو ما يتخطى، أو عظم الذراع قابلة للحمل على الجواز في ما يكون الرجل قدام المرأة بقدر أحد هذه المقادير، أو على صورة يكون بين الرجل و المرأة ساتر بقدر أحد هذه

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 224

المقادير و لهذا بعض الشواهد:

[ذكر الشاهدين لما قلنا]
الأول:

بعد حمل الروايات المانعة على خصوص صورة لم يكن الفصل بين الرجل و المرأة بعد شبر أو ذراع، لأنّ لازم ذلك حمل مطلقات المانعة على مورد نادر، لندرة وقوع صلاتهما قريبا من الاخر بحيث لم يكن الفصل بينهما إلّا شبر أو ذراع، بل يمكن دعوى عدم وجود ذلك، فلا تقبل هذه المطلقات للحمل على هذا المورد، و أمّا لو حملت روايات المجوزة في صورة الفصل بشبر، أو ذراع على صورة تقدم الرجل على المرأة بهذا المقدار، فتحمل روايات المانعة على صورة المحاذاة و روايات المجوزة على جواز هذه المحاذاة إذا كان الرجل مقدما عن المرأة بقدر أحد

هذه المقادير، فيرتفع المنع بصرف التقدم بهذا المقدار، فلا تعارض على هذا بين الطائفتين، و لا حمل بعض ما دلّ على المنع على المورد النادر، و أنّ بعض روايات الواردة في المحمل مثل الرواية الّتي تدلّ على المنع مع أنّ المتزاملين في المحمل يكون الفصل بينهما بشبر و أكثر «1»، و هذا أيضا مبعّد حمل روايات المانعة على المنع في خصوص صورة عدم الفصل بشبر أو ذراع أو نحوهما بحمل أخبار المجوزة على الجواز في صورة الفصل بينهما بقدر هذه المقادير.

الثاني:

أنّ حملها على صورة التقدم أعنى: تقدم الرجل على المرأة بشبر، أو ذراع أو نحوهما مؤيد ببعض ما ورد في الروايات من جواز أن يصليا معا إذا كان الرجل مقدما عليها و لو بصدره، أو ركبته أو إذا كان سجودها مع ركوعها، فلو حمل هذه الروايات على المحمل المذكور فيرتفع التعارض بين الروايات، و تكون النتيجة عدم جواز صلاتهما محاذيا للاخر إلّا أن يقدم الرجل على المرأة بأحد من المقادير

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 225

المذكورة في الروايات، أو أن يكون بينهما ساترا أو الفصل بعشرة أذرع.

[في توضيح الروايات المتقدمة]

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّه ليس بين روايات الباب ما يدلّ على الجواز المطلق على ما بينا سابقا، فيبقى بعض الروايات الّتي يمكن الاستدلال به على الجواز في الجملة، و بعض يدلّ على المنع، فنقول: إنّ لسان الروايات مختلفة بعضها يدلّ على المنع المطلق إمّا بمنطوقها أو بمفهومها مثل رواية إدريس بن عبد اللّه القمي، و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و عبد اللّه، بن أبي يعفور، و ما رواها العمركى عن علي بن جعفر و هو عن موسى بن جعفر عليه السّلام، و بعضها على المنع، و مورده المحمل مثل أحد روايات محمد بن مسلم، و رواية أبي بصير، و بعضها على التفصيل بين الفصل بعشرة أذرع و عدمه، فيجوز في الأول، و لا يجوز في الثاني مثل رواية من روايات علي بن جعفر على نحو تقدم، و رواية عمار بن موسى، و بعضها على التفصيل بين وجود الحاجز بين الرجل و المرأة، أو الساتر، أو الحائط القصير أو الطويل، و عدمه بالجواز في الأول،

و عدمه في الثاني مثل روايتين من روايات محمد بن مسلم، و روايتين من روايات علي بن جعفر، و رواية محمد بن على الحلبى، و بعضها على التفصيل بين الفصل بشبر، أو ذراع، أو مقدار عظم الذراع، أو قدر موضع الرحل، أو موضع رحل، ما يتخطى، أو ما لا يتخطى، أو قدر عظم الذراع فصاعدا على اختلاف مضامين هذه الطائفة من الروايات، مثل رواية معاوية بن وهب، و روايتى أبي بصير، و روايات زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، و حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فمجموع الروايات ينتهي لسانها إلى خمسة أقسام المتقدمة، و من الواضح عدم تعارض بين الطائفة الاولى و الثانية، و كذلك بينهما و بين الثالثة بحمل المطلق على المقيد، فيحمل أخبار المنع على غير مورد الحاجز، و كذلك بينها و بين الرابعة، لأنّ

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 226

نتيجة الجمع بين أربعة طوائف هو المنع إلّا إذا كان بينهما حاجز، أو كان الفصل بينهما بعشرة أذرع.

فتبقى الطائفة الخامسة فإنّ ظاهرها الجواز مع وجود الفصل بشبر، أو ذراع، أو غيرهما من المذكورات في روايات هذه الطائفة، و الحال أنّ ظاهر روايات المنع هو المنع في هذا المورد، كما أنّها معارضة مع الطائفة الثالثة و الرابعة، لأنّ مفادهما عدم الجواز مع عدم الفصل بالحاجز أو بعشرة أذرع.

[قبل ذكر علاج التعارض لا بدّ من ذكر مقدّمة]
اشارة

و قبل علاج التعارض نقول؟ بأنّ هذه المسألة لم تكن معنونة قبل زمان الصادقين عليهما السّلام- و ما كان معنونا بين فقهاء العامة هو مسئلة اعتبار عدم محاذاة المرأة مع الرجل في الجماعة و عدمه، و بعبارة اخرى كان الكلام بينهم في سنة الموقف بأنّه هل يعتبر فيها عدم محاذاة المرأة للرجل أم لا، و

هذه المسألة كانت موردا للخلاف بين أبي حنيفة و بين أحمد و الشافعي، و لكن كلامهم و خلافهم كان في الجماعة لا في الفرادى، و كان المتعارف تأخر المرأة عن الرجل في الجماعة بحيث كان خلاف ذلك مستنكرا عند المسلمين- فلمّا بلغ زمان الصادقين عليهما السّلام و كان زمان بسط يديهما لشرع أصحابهما رضوان اللّه عليهم بالسؤال عن صورة الفرادى، و من البعيد كون سؤالهم عن الكراهة، بل الظاهر كون سؤالهم عن صحة الصّلاة في صورة محاذاتها، أو صورة تقدم المرأة على الرجل و عدم صحتها، و لهذا ترى أنّ في صورة السؤال عن ذلك في المحمل أجاب عليه السّلام (بأن يصلّي الرجل أوّلا ثمّ تصلّي المرأة) مع مشقة ذلك على المسافر، و هذا من جملة مبعدات حمل التفصيل في الروايات على مراتب الكراهة.

هذا حال المسألة عند فقهاء العامة، و قد عرفت بأنّ مسئلة المحاذاة في الفرادى لم تكن معنونة عندهم كما ترى أنّها غير مذكورة في الكتاب المعدة لنقل موارد

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 227

الاختلاف، مثل خلاف الشّيخ رحمه اللّه و الناصريات و الانتصار للسيد رحمه اللّه و الغنية لابن زهرة رحمه اللّه و المختلف للعلامة رحمه اللّه، نعم كما قلنا كانت المسألة عندهم في سنة الموقف في صلاة الجماعة.

و أمّا عند فقهائنا رضوان اللّه عليهم فما نرى في كلمات من تعرّض للمسألة هو المنع، كالسيد و الشيخان و من تبعهما، في صورة تقدم المرأة على الرجل، أو محاذاتهما، غير أنّ ابن إدريس كان قائلا بالجواز، و لكن طريقته في الفقه غير طريقة القدماء، هذا حال المسألة بحسب وضعها من الصدر الأوّل و عند القدماء.

إذا عرفت هذا نقول: إمّا حال المسألة بحسب الاخبار،

فقد عرفت أنّ الاخبار بحسب اللسان و المفاد على طوائف خمسة، و ما يكون محل الكلام هو رفع تعارض الطائفة الخامسة مع طوائف أربعة، و خصوصا مع الطائفة الاولى الدالّة على المنع.

فنقول: إنّ في الطائفة الخامسة من الروايات المتعرضة للتفصيل بين الشبر و الذراع و غيرهما، و بين عدم الفصل بهذه الامور تحتمل وجوه:

الوجه الأول:

أن يحتمل هذه الطائفة على الفصل السعي بمعنى: أنّه إذا كان بين الرجل و المرأة فصلا بحسب سعة الشبر، أو ذراع، أو غيرهما فتجوز محاذاتهما في الصّلاة.

و مبعّد هذا الاحتمال هو بعض الروايات الواردة في المنع عن صلاتهما محاذيا للاخر في المحمل مع فرض حصول الفصل في المتزاملين في المحمل بشبر و أكثر.

الوجه الثاني:

أن تحمل هذه الطائفة على الفصل بالارتفاع، يعني: أنّه إذا كان بينهما حاجز، أو ستر بقدر شبر، أو ذراع، أو غيرهما من المذكورات يرتفع المنع،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 228

و مؤيده بعض الروايات الدالّة على الجواز في صورة الحاجز طويلا كان أو قصيرا.

الوجه الثالث: في العلاج

أن تحمل هذه الطائفة على أنّ المنع يرتفع إذا كان الرجل مقدما على المرأة بمقدار أحد هذه الامور، فكان المراد أنّ في صورة تقدم الرجل على المرأة بقدر أحد منها، فتجوز صلاتهما في حال واحد، و يؤيد ذلك بعض الدالّة على الجواز إذا كان الرجل مقدما على المرأة و لو بصدره، أو ركبتيه، أو كان سجودها مع ركوعه.

فإنّ حملت هذه الطائفة على هذا المحمل فيرتفع التعارض بينها و بين المانعة، بحمل أخبار المانعة على صورة محاذاة الحقيقية، و هو صورة كونهما متساويين في الموقف و حال الركوع و السجود، و لا تعارض على هذا بينها و بين الطائفة الثالثة و الرابعة أيضا، لأنّهما تدلّان على الجواز في صورة وجود الحاجز أو الفصل بعشرة أذرع، فتكون النتيجة المنع إلّا في هاتين الصورتين، و في صورة تقدم الرجل على المرأة في الموقف بقدر شبر أو أحد من الامور المتقدمة، و هكذا يرتفع التعارض بينها و بين الطوائف على الاحتمال الثاني.

و أمّا على الاحتمال الأوّل فحيث يكون ظاهر هذه الطائفة على هذا الاحتمال هو كفاية الفصل بالشبر و نظائره في رفع المنع، و ظاهر بعض الأخبار هو المنع، فيشمل هذه الصورة، بل بعضها نصّ في المنع مطلقا في خصوص مورد هذه الطائفة مثل رواية محمد بن مسلم الدالّة على المنع في المتزامين في المحمل، و ظاهر أخبار المفصلة بين وجود الحاجز و عدمه، و بين

الفصل بعشرة أذرع و عدمه هو المنع في صورة عدمهما، فمفادها المنع في مورد الفصل بالشبر و نظائره، فيقع التعارض بين هذه الطائفة أعنى: الطائفة الخامسة، و بين طوائف أربع.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 229

فقد يقال في مقام رفع التعارض، كما قال بعض، بأنّه تحمل أخبار المانعة على الكراهة، و اختلاف الأخبار في المنع من حيث إنّ لسان بعضها المنع، و بعضها المنع مع الفصل بالحاجز، و بعضها مع الفصل بعشرة أذرع، و بعضها مع الفصل بالشبر و أمثاله من المذكورات في الروايات، شاهد على ذلك، فيحمل كل طائفة على مرتبة من الكراهة، فإذا لم يكن الفصل بينهما أصلا فالكراهة أشد، و إذا حصل الفصل بشبر تكون كراهة أقل مرتبة منها، و إذا حصل الفصل بالحاجز أو بعشرة أذرع فالكراهة أقل منها.

و بعد ما عرفت من أنّه يمكن الجمع بين الروايات بأحد من النحوين، فأىّ نحو منهما أولى من الآخر في مقام الجمع، هل تحمل الروايات الدالّة على المنع مطلقا، أو في صورة عدم الحاجز و عدم الفصل بعشرة أذرع على الكراهة، فتكون النتيجة كراهة المحاذاة، أو تحمل أخبار الطائفة الخامسة على صورة تقدم الرجل على المرأة، أو على صورة كون الفصل من حيث الارتفاع بشبر أو غيره، فتكون النتيجة عدم الجواز في صورة عدم تقدم الرجل على المرأة و عدم الحاجز و عدم الفصل بعشرة أذرع (فإن حملت المحاذاة الواردة في هذه الروايات على المحاذاة الحقيقية، و كان الاستثناء منها، و حملت هذه الطائفة على المحمل الأوّل أعنى: على الفصل من حيث السعة، فيكون الاستثناء متصلا، و امّا لو حملت على المحمل الثالث فيكون منقطعا، لأنّ صورة تقدم الرجل على المرأة خارج عن المحاذاة

الحقيقية (إلّا أن يقال: إن المحاذاة أعم من الحقيقي، فيكون الاستثناء على الاحتمال الثالث متصلا أيضا).

إذا عرفت ذلك فكما قلنا حمل الروايات المفصلة على الاحتمال الثالث مؤيد ببعض المؤيدات، فلو لم نقل بأنّ الجمع بين الروايات المانعة هو بقاء الأخبار المانعة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 230

بحالها، و حمل أخبار المجوزة على صورة تقدم الرجل هو الاظهر، فلا أقل من دوران الأمر بين هذا الحمل، و بين الحمل على الكراهة بالتصرف في الأخبار المانعة بقرينة روايات المجوزة، و حمل اختلاف أخبار المجوزة في المقدار على اختلاف مراتب الكراهة، و لا نرى كون جمع الثاني بنظر العرف مقدّما.

و إذا احتمل كون مفاد روايات المجوّزة هو صورة التقدم بشبر، أو ذراع، أو غيرهما من المذكورات بقرينة بعض ما دلّ على الجواز في صورة تقدم الرجل و لو بصدره، أو إذا كان سجودها مع ركوعه، أو إذا كانت تصيب ثوبه، فحينئذ تسقط روايات الجواز عن الخصوصية بالنسبة إلى موضوع أخبار المانعة، و بعد عدم ظهورها في أحد الاحتمالين، فلا يمكن الجمع بينها و بين الأخبار المانعة بحسب الدلالة، فلا بد في مقام التعارض الاخذ بما فيه الترجيح إن كان لأحد الطرفين ترجيح على الآخر، و اذا نرجع إلى المرجحات نرى أنّ الترجيح مع الأخبار المانعة لاشتهاره فتوى و رواية مضافا إلى إمكان أنّ يقال: بأنّ الأخبار المانعة مخالف للعامة، لأنّ العامة لم يمنعوا عن محاذاة الرجل و المرأة إلّا في صلاة الجماعة، فالفتوى بالجواز مشكل.

[مسائل:]

اشارة

ثمّ إنّ هنا مسائل:

المسألة الاولى: [اذا شرعا معا فصلاتهما باطلة]

المستفاد من الأدلة بطلان صلاة كل من الرجل و المرأة إذا شرعا معا، لأنّ الأمر دائر بين بطلان صلاتهما، أو صحة صلاتهما، أو بطلان أحدهما المعيّن، أو بطلان أحدهما الغير المعيّن.

أمّا الرابع فأحد الغير المعين غير موجود، و أمّا الثالث فلا ترجيح لأحد المعين على الاخر حتّى يقال بفساد المعيّن، و أمّا الثاني فمن الواضح عدم إمكان أن يقال بصحة الصلاتين، فيتعين الأول، و هو بطلان صلاة كل منهما.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 231

المسألة الثانية: [اذا شرع احدهما أوّلا فصلاة المتأخر باطلة]
اشارة

اعلم أنّ المستفاد من الروايات هو بطلان صلاتهما لو شرعا معا، لكن لا بمعنى أنّ صلاتهما تتحققان آنا ما ثمّ تبطلان معا كما يظهر ذلك من الجواهر، لأنّا نكون محتاجا إلى فرض وقوعهما آنا ما ثمّ بطلانهما لو كان دليل في البين دالا على كون المتصف بالبطلان هو الصّلاة المتحققة، كما يكون الأمر كذلك في (اعتق عبدك عنّى) فإنّه بعد دلالة الدليل على أنّه (لا عتق إلّا في ملك) فلا بدّ من فرض ملكية آنا ما، ثمّ وقوع العتق في ملكه، و أمّا في ما نحن فيه، فكون المتصف بالبطلان هو الصّلاة الصحيحة المتحققة، فيكون أول الكلام، بل يكون معنى بطلانهما هو عدم صيرورتهما صلاة في مرتبة واحدة، لوجود المانع من الصحة، و هو المحاذاة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه لو شرع أحدهما أوّلا ثمّ بعده شرع الآخر محاذيا له، مثلا شرع الرجل أوّلا ثمّ بعده شرعت المرأة أو بالعكس، فهل تبطل صلاة كل منهما أيضا، أو تبطل صلاة المتأخر في الشروع فقط، وجهان و قولان، يظهر من صاحب «1» الجواهر رحمه اللّه الأوّل مستندا إلى رواية محمد بن مسلم، و أبي بصير، و عبد اللّه بن أبي يعفور بدعوى أنّ إطلاقها

يقتضي بطلان صلاة كل منهما إذا كانا محاذيين، أو كانت المرأة مقدما على الرجل.

و لكن الحق هو بطلان صلاة خصوص المتأخر، لأنّه بعد دلالة الروايات على كون عدم المحاذاة شرطا، أو وجودها مانعا، فمن شرع من الرجل أو المرأة في الصّلاة أوّلا فصلاته واجدة لشرط الصحة، و فاقدة للموانع، و من شرع بعد ذلك فصلاته غير واجدة للشرط، أو واجدة للمانع، فصلاة الأوّل وقعت صحيحة لحصول كل ما يعتبر فيها وجودا أو عدما، بخلاف صلاة الثاني فإنّها غير واجدة لما

______________________________

(1)- جواهر، ج 8، ص 318.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 232

هو المعتبر في الصّلاة فلم تنعقد صلاته، كما أنّ الظاهر من بعض الروايات هو بطلان صلاة المتأخر مثل الرواية الاولى، و هي رواية إدريس بن عبد اللّه القمى، و يمكن دعوى استفادة ذلك من غيرها من الروايات أيضا، حيث إنّ ظاهرها تعلق النهي بالمتأخر، و بعد كون النهي وضعيا، فظاهره فساد صلاة خصوص من تعلق به النهي لا المتقدم.

[في كلام صاحب الجواهر ره من بطلان صلاتهما]

و أمّا ما قاله صاحب الجواهر رحمه اللّه من دعوى بطلان صلاتهما بإطلاق رواية محمد بن مسلم، و أبي بصير، و عبد اللّه بن أبي يعفور، فغير تمام أمّا رواية محمد بن مسلم فظاهرها التعرض لصورة كون دخولهما في الصّلاة معا، و لا تعرض فيها لصورة تأخر أحدهما عن الآخر في الشروع، و هكذا رواية أبي بصير، و أمّا رواية عبد اللّه بن أبي يعفور فهي متعرضة لصورة شرعت المرأة في الصّلاة قبل الرجل، و الرجل يسأل عن جواز شروعه في الصّلاة محاذيا لها فأجاب عليه السّلام بعدم الجواز، إلّا أنّ تقدم هو أو هي فلا دلالة لهذه الروايات على بطلان صلاتهما فى صورة كان شروع

أحد منهما مقدما على الآخر، هذا تمام الكلام في هذه المسألة، فافهم.

المسألة الثالثة:
اشارة

لا يخفي عليك أن المنع الوضعى حرمة أو كراهة على الكلام فيه يرتفع بأمرين: الأوّل بتقدم الرجل على المرأة مكانا، الثاني بوجود الحاجز بينهما و هذان الحكمان في الجملة ليسا محل الكلام، إنّما الكلام في حدّهما، بمعنى أنّ أىّ مقدار من تقدم الرجل على المرأة كاف في رفع المنع، و أنّ الحاجز الّذي يرتفع به المنع بأىّ حد، فيقع الكلام في أمرين:

الامر الاول:
اشارة

كما قلنا يرتفع المنع بتقدم الرجل على المرأة، فالكلام يقع في أنّ أىّ مقدار من التقدم يكفي في رفع المنع، و لا بدّ من استفادة ذلك من أخبار الباب، فنقول: إنّ لسان الأخبار مختلف، ففي رواية عمار قال عليه السّلام (فإن كانت تصلّي خلفه،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 233

فلا بأس و إن كانت تصيب ثوبه) و في رواية من روايات زرارة قال عليه السّلام (إلّا أن يكون قدامها و لو بصدره) و في رواية من روايات جميل قال (إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس) و ظاهر هذه التعبيرات و إن كان مختلفا حيث إنّ رواية عمار قابلة للاحتمالين:

الاحتمال الأول:

أن يكون المراد من تأخر المرأة و إن كان هذا المقدار بمقدار تصيب ثوب الرجل، هو كون هذا المقدار معتبرا في جميع حالات صلاتهما حال القيام و حال الركوع و حال السجود، و لازم ذلك تأخرها عنه في جميع الحالات بهذا المقدار.

الاحتمال الثاني:

أن يكون المراد كفاية هذا المقدار من التأخر في خصوص موقفهما، بمعنى أن يكون موقفها مؤخرا عنه بهذا المقدار اليسير عن موقفه، و بعبارة اخرى كان هذا المقدار من التأخر معتبرا في خصوص حال القيام، و لازم ذلك هو عدم اعتبار تأخرها بهذا المقدار حال الركوع و السجود، فلو وقفت بحيث تكون محاذيا للرجل ببعض بدنها حال الركوع و السجود لا تضر بصلاتها، لأنّها متأخرة عنه في حال القيام بهذا المقدار، فعلى الاحتمال الثاني يرتفع المنع بمقدار من تقدم الرجل على المرأة اقل من المقدار المعتبر على الاحتمال الأوّل.

و أمّا رواية زرارة فلا يبعدان يكون المراد بقوله عليه السّلام (إلا أن يكون قدامها و لو بصدره) يعنى يكون الرجل مقدما على المرأة بمقدار صدره، و أمّا رواية جميل فقوله عليه السّلام فيها (إذا كان سجودها مع ركوعه) لا يبعد أن يكون المراد هو كون مسجدها محاذيا بموضع ركوع الرجل.

و لكن مع ذلك يمكن أن يقال: بأنّ مفاد كل من هذه الروايات المتعرضة لهذه

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 234

الجهة واحدة و ليس تقريبا بينها اختلاف أمّا قوله (و إن كان قدامها و لو بصدره) مع قوله (إذا كان سجودها مع ركوعه) بحسب المفاد متحد تقريبا، و التقدم المحدود بينهما واحد تقريبا، و رواية عمار و إن كان مفادها بحسب الاحتمال الأوّل في قوله (فان كانت تصلّي خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب

ثوبه) مخالف مع مفاد الروايتين، و لكن حيث يكون فيها احتمال اخر و هو احتمال الثاني، فيمكن أن يكون المراد الاحتمال الثاني، فتكون مفادها موافقا تقريبا معهما أيضا، فيرتفع المنع بتقدم يسير و إن كان بمقدار مذكور في الروايات، و إن كان الاحوط تأخر المرأة عن الرجل في تمام حالات الصّلاة حال القيام و الركوع و السجود.

الامر الثاني: ممّا يرتفع به المنع هو وجود الحاجز بينهما

، و الأخبار المتعرضة لهذه الجهة وردت بالسنة مختلفة، و الأحوط وجود الحاجز من الرؤية في جميع حالات الصّلاة:

و الحمد للّه و الصّلاة و السلام على رسوله و آله تمّ الكلام في مقدمات الصّلاة، و بعد ذلك نشرع في مبحث الأذان و الإقامة إن شاء اللّه.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 235

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصّلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين المعصومين

المقدّمة السادسة: في الاذان و الاقامة

[ابتداء بحث الاذان و الاقامة]

اعلم أنّ ما يأتى بالنظر و يقرب بالذهن هو كون الأذان نداء للصّلاة و إعلانا لها لأنّ الناس يتوجهون به نحو أدائها كما يظهر من قوله تعالى إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ «1» و قوله وَ إِذٰا نٰادَيْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ الخ «2» فقوله إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ أى: اذّن لها، و قوله (إذا ناديتم) أذّنتم، فالأذان نداء للصّلاة، كما أنّ ما يقرب بالذهن هو كون الاقامة أيضا نداء لها، غاية الأمر الاذان نداء لحضور الناس لأداء الصّلاة، و الاقامة نداء لاقامة الصّلاة لأنّ يصير الحاضرون متهيئين لها.

هذا في الأذان و الاقامة في الجماعة واضح، و أمّا بالنسبة إلى صلاة الفرادى

______________________________

(1)- السورة الجمعة/ الآية 9.

(2)- السورة المائدة/ الآية 58.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 236

فأيضا حيث يستفاد من «1» بعض روايات الباب من أنّ المصلّي إذا أذّن و أقام يصلّي خلفه صفان من الملائكة، فالأذان و الاقامة نداء لهم أيضا بالصّلاة. «2»

[الاذان و الاقامة خارجان عن حقيقة الصّلاة شرطا و شطرا]

و بعد كون الأذان و الإقامة نداء للصّلاة يظهر لك أنّهما خارجان عن الصّلاة، و ليسا دخيلا فيها لا شرطا و لا شطرا، فلا وجه لأنّ يقال: بوجوب الأذان و الاقامة وجوبا شرطيا أو شطريا بمعنى أن يكونا شرطين أو شطرين من شرائطها أو من أجزائها، مضافا إلى عدم الدليل على اعتبارهما في الصّلاة شرطا أو جزء، فالقول بوجوبهما الشرطى أو الشطرى ممّا لا وجه له.

و أمّا الكلام في وجوبهما نفسيا أو تكليفا أو استقلاليا، لا الوجوب الغيرى و الوضعى و التبعى، فنقول: أمّا الأذان فيظهر للمراجع إلى أخبار الباب عدم وجوبه لظهور بعض الأخبار في ذلك، و كذلك الاقامة ليست بواجبة، أمّا أوّلا فالوجه في عدم وجوب الإقامة، كما أن ذلك وجه لعدم

وجوب الأذان أيضا، هو أنّ الاذان و الاقامة ممّا يكون الناس مبتلى بهما في كل يوم و ليلة خمس مرات قبل إتيان فرائض الخمس من الصدر الأوّل من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الآن، فإنّ كانا واجبين لم يكن وجوبهما بهذه المرتبة من الخفاء بحيث يكون مورد النقض و الابرام عندنا، بل لو كانا واجبين لصار وجوبهما ضروريّا مثل أصل الصّلاة، فكما أنّ وجوب الصّلاة من الضروريات عندنا جماعة المسلمين كذلك وجوبهما، فمن عدم ظهور وجوبها عند

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 4 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- أقول: هذا تقريب منه مد ظله لا أنّه يمكن دعوى استظهار ذلك من الروايات، فتأمل.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 237

المسلمين إلى الآن نفهم و نكشف عدم وجوبهما. «1»

[لم نجد فى الاخبار ما دلّ على وجوبهما]

و أمّا ثانيا فنقول: إنّه بعد ما كنّا أهل النص فإذا نراجع أخبار الباب لم نجد ما يوجب الالتزام بوجوب الإقامة، و وجوب الأذان، أمّا الأذان فكما قلنا عدم وجوبه و استحبابه واضح، لدلالة بعض الروايات على ذلك، و لا حاجة لطول الكلام في ذكره، و كذا الاقامة لا في الجماعة و لا في الفرادى، لا في الحضر و لا في السفر، لا على الرجال و لا على النساء، لأنّه و ان وردت بعض ما يوهم وجوب الاقامة في الحضر مثلا، أو على الرجال، أو في الجماعة، و لكن بعد ضم هذا البعض ببعض الآخر الدالّ على عدم الوجوب بالإطلاق، أو بالتصريح في هذه الموارد، لا تجد دليلا ظاهرا على الوجوب، كما أنّ بعض ما يستفاد منه أنّ أقل ما يجزى هو الاقامة أيضا لا يدلّ على الوجوب، لأنّ لفظ الإجزاء لا

يفيد الوجوب، كما أنّ بعض ما يدلّ على عدم وجوب إعادتها، إذ انسي و صلّى، ثمّ بعد الفراغ تذكر بأنّه لا يأتى بها (قال لا يعيد

______________________________

(1)- أقول: كما قلت له مدّ ظلّه في مجلس بحثه، لا نسلم ذلك، إذ ربما يتفق في العبادات ما يكون موردا لابتلاء المسلمين و لم يكن حكمه ضروريا، كما ترى في باب التسبيحات الأربع في الصّلاة، فإنّه مع الابتلاء به في كل يوم و ليلة مرات، مع ذلك يكون الخلاف في أنّ الواجب هو المرة أو ثلاث مرات، فبهذه الدعوى الآتي ادعيت في المقام نقول بأنّ الواجب ليس إلّا مرة واحدة مثلا قال مد ظله: فرق بينها و بين الاذان، لأنّ التسبيحات حيث تقرأ إخفاتا، فلم يحرز وضعها من الصدر الأوّل إلى الآن.

قلت: و إن تقرأ إخفاتا، و لكن بعد عموم الابتلاء بها لا بد و أن يصير حدها من مرة أو ثلاث مرات ضروريا، لأنّ المسلمين يد بيد يسألون عن حده، و ما ورد من صاحب الشرع على صادعه افضل الصّلاة، فلا ملازمة بين شدة الابتلاء و بين وضوح أمره، نعم مع ذلك لا يبعد دعوى أنّ أمرا من الامور إذا لم يكن داعيا على إخفائه و كتمانه، إذا كان واجبا لم يبق خلاف في وجوبه عند المسلمين، و ليصير وجوبه ضروريا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 238

و لا يعود لمثلها) فقوله (لا يعود لمثلها) لا يدلّ على وجوبها، بل هذا التعبير يناسب مع الاستحباب أيضا فيقول يواظب حتّى لا يفوت منه مستحب، و كذلك بعض ما يستفاد منه جواز قطع الصّلاة، قبل الركوع أو مطلقا قبل إتمام الصّلاة إذا نسيتها، لأن يعيدها لا يدلّ على وجوبها، لأنّ

قطع الصّلاة جوّز لأجل درك المستحب كما جوّز لأجل أمر دنيوى.

فعلى كل حال لا يجد المراجع إلى أخبار الباب وجوب الأذان و الاقامة، خصوصا بعد عدم القول بوجوب الأذان لا وجه للقول بوجوب الاقامة، لأنّ بابهما واحد، و هما نداء للصّلاة كما ترى في بعض «1» الروايات من اطلاق الأذان على الأذان و الاقامة، و هذا شاهد على كون بابهما واحدا كما أنّه لا وجه للتمسك بوجوب الاذان الّتي قال في ذيلها (فانما الأذان سنة) «2» بأنّ المراد من السنة هو فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا ينافي عدم وجوب إعادتها مع صورة النسيان، لوجوبه و عدم جواز تركه عمدا مثل ساير ما فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنّ الظاهر من السنة هو الاستحباب فلا بدّ من حمل السنة على الاستحباب، و إن رأيت من حمل السنة على فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان من باب الدليل، و إلّا فالظاهر من السنة الاستحباب.

[الحقّ استحباب الاذان و الاقامة]

هذا تمام الكلام في هذه الجهة فعلى هذا الحق هو استحباب الأذان و الاقامة، غاية الأمر استحبابهما اكد بالنسبة إلى صلاة الغداة و المغرب، لدلالة بعض الروايات على ذلك، كما أنّهما يستحبان على النساء كما يستحبان على الرجال و إن كان بالنسبة إلى الرجال اكد، كما أنهما يستحبان في الجماعة و الفرادى، و يظهر كل

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 29 من أبواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 29 من أبواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 239

ذلك لمن يراجع أخبار الباب بعد ضم بعضها مع بعض الآخر، فالقول بوجوبهما أو وجوب خصوص

الآذان لا وجه له.

[في ذكر بعض الجهات في المسألة]

اشارة

إذا عرفت ذلك نتوجه عنان الكلام إلى جهات:

الجهة الاولى:

بعد ما عرفت من مشروعية الأذان و الاقامة، و ورود الأخبار على مطلوبيتهما، و الحث عليهما، و الثواب المترتب عليهما لا إشكال بمقتضى صراحة بعض الأخبار و ما نرى في الخارج عند المسلمين من مشروعية الأذان و كذا الاقامة للصلوات الخمس، في استحباب الأذان للصّلاة، بمعنى: أنّ من يريد الصّلاة فرادى أو جماعة يستحبّ أن يؤتى بالأذان للصّلاة.

إنّما الكلام في أنّه هل يكون أذان اخر مشروعا و مستحبا في الشرع غير أذان الصّلاة، و هو الأذان الذي يسمونه (أذان الاعلام) أم لا؟

و بعبارة اخرى تارة يكون الشخص عازما على إتيان أحد صلوات الخمس فرادى، أو قوم يعزمون على إتيان أحدها جماعة، فلا إشكال في استحباب الأذان قبل الصّلاة.

و تارة لا يكون الشخص عازما على إتيان الصّلاة، و لا يريدون صلاة الجماعة أصلا و لكن دخل وقت الظهر مثلا، أو المغرب، أو الصبح، فهل يكون أذان مشروعا لمجرد الاعلام بالوقت و إن لم يكن المؤذن بنفسه عازما لاتيان الصّلاة عقيب الأذان فرادى أو بالجماعة، أولا؟

اعلم أنّ ما نرى من وضع تشريع الاذان نرى انّه شرع للاعلام و النداء بالصّلاة لا لاعلام مجرد الوقت و ان لم تكن صلاة في البين كما ان من يتأمل في بعض فصول الأذان أيضا يرى أنّ تشريعه يكون للنداء بالصّلاة، كما ترى من (حىّ على الصّلاة) أو (حيّ على الفلاح) أو (حي على خير العمل) مضافا إلى ما نرى من أنّ

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 240

العمل الخارجى في الصدر الأوّل كان على أن يؤذّن المؤذّن و يقيم الصّلاة في أوقاتها، و لم يكن بناء على إتيان الأذان لمجرد الاعلام بالوقت، و فوضع

مشروعيته و العمل الخارجى في الصدر الأوّل من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان على إتيان الأذان قبل الفرائض إعلاما لاقامة الصّلاة كى يجتمعوا نحوها.

إذا عرفت ذلك تفهم أنّه لا دليل على استحباب أذان الاعلام، و بعد عدم الدليل فالأصل عدم مشروعيته، و لا نجد في أخبار الباب رواية تدلّ على استحباب الأذان للاعلام، فارجع إليها حتّى يظهر لك صدق ما ادعياه، كما أنّه بعد ما نراجع كلمات الفقهاء لم نجد تعرضا لأذان الاعلام قبل المحقق رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه، و لكن لهما كلام يمكن استظهار استحباب الأذان للاعلام منه، ثمّ بعد ذلك الشهيد رحمه اللّه أنكر أذان الاعلام، فعلى هذا ليس في البين وجه قوى على استحباب الأذان للاعلام إلّا أن يقال بأنّ أدلة التسامح في أدلة السنن تشمل فتوى الفقيه، و يقال: إنّ بعض الفقهاء أفتى على استحبابه للاعلام، فيقال باستحبابه من هذا الباب، و إلّا فلم نجد في روايات الباب ما يستظهر منه استحباب الأذان للاعلام.

الجهة الثانية: في فصول الأذان و الاقامة.

اشارة

اعلم أنّ فصول الأذان ثمانية عشر على المشهور عندنا عملا و فتوى «1»، التكبير في أوّله أربع مرات، و الشهادتان مرتان مرتان و (حيّ على الصّلاة) مرتان و (حيّ على الفلاح) مرتان و (حيّ على خير العمل) مرتان و (اللّه أكبر) مرتان و (لا إله إلا اللّه) مرتان و قال الشّيخ في الخلاف «2»: و في أصحابنا من قال: عشرون كلمة

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 41.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 374.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 241

(التكبير) في آخره أربع مرات.

[في ذكر الاقوال فى الاذان و الاقامة]

و أمّا عند العامة، فبعضهم قال، بأنّ الأذان تسعة عشرة كلمة في غير صلاة الفجر، التكبير أربع مرات و الشهادتان ثمان مرات مع الترجيع، و الدعاء إلى الصّلاة و إلى الفلاح مرتان مرتان، و التكبير مرتان، و الشهادة بالتوحيد مرة واحدة، و في خصوص صلاة الفجر إحدى و عشرون كلمة التثويب مرتان، و هذا قول الشافعى.

و قال بعضهم و هو أبو حنيفة، بأنّ فصوله خمس عشرة كلمة بإلغاء الترجيع و التثويب، فيكون التكبير أربع مرات، و الشهادتان كل واحد منهما مرتان فقط، و حي على الصّلاة و حي على الفلاح مرتان مرتان، و التكبير مرتان و التهليل مرة واحدة.

و قال بعضهم و هو قول مالك: يستحبّ الترجيع و التكبير في أوله مرتان فيكون سبع عشرة كلمة.

و قال بعضهم و هو قوله أبو يوسف: التكبير مرتان و الترجيع لا يستحبّ فيه فيكون ثلاث عشرة كلمة.

و قال أحمد بن حنبل: إن يرجع فلا بأس و ان لم يرجع فلا بأس، و هذا حكاه أبو بكر بن المنذر.

إذا عرفت أنّ المشهور عندنا هو كون الأذان ثمانية عشر كلمة نقول: بأنّ روايات الباب مختلفة، فمن بعضها «1»

يستفاد كون الأذان ثمانية عشر كلمة.

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 278؛ تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 43.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 242

و أمّا الاقامة فقال الشيخ رحمه اللّه «1» في الخلاف: الاقامة سبعة عشر فصلا على ترتيب فصول الأذان، و ينقض من التكبيرات في أوّله تكبيرتان، و يزاد فيها بدلهما (قد قامت الصّلاة) مرتين بعد قول (حي على خير العمل) و ينقص أيضا من التهليل مرة واحدة، و من أصحابنا من قال: إنّ الأذان عشرون فصلا قال: إنّ عددها اثنان و عشرون فصلا أثبت عدد فصول الأذان على ما حكيناه، و زاد فيها (قد قامت الصّلاة) مرتين، و قال الشافعى «2» الاقامة أحد عشر كلمة التكبير مرتان، و الشهادتان مرتان، و الدعاء إلى الصّلاة و إلى الفلاح مرة مرة و الاقامة مرتان، و التكبير مرة مرة، و قال في القديم الاقامة مرة مرة ذكره أبو حامد المروزى و الأوّل هو المشهور عندهم، و به قال الاوزاعي و أحمد بن حنبل، و إسحاق، و ابو ثور، و عروة بن الزبير، و الحسن البصرى، و قال ابو حنيفة و سفيان الثوري الاقامة مثنى مثنى مثل الأذان و يزاد فيها (قد قامت الصّلاة) مرتين فتكون الاقامة عنده أكثر فصولا من الأذان و هي سبع عشر كلمة، و قال مالك و داود: الاقامة عشر كلمات و لفظه الاقامة مرة واحدة.

إذا عرفت حال الأقوال في الأذان و الاقامة عندنا و عندهم، فكما قلنا يكون لسان رواياتنا مختلفا، فمن بعضها يستفاد كون فصول الأذان ثمانية عشر و الاقامة سبعة عشر مثل ما رواها إسماعيل الجعفي (قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول الأذان و الاقامة خمسة و ثلثون حرفا، فعدّ ذلك

بيده واحدا واحدا الأذان ثمانية عشر حرفا، و الاقامة سبعة عشر حرفا). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 19 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 44.

(3)- الرواية 1 من الباب 19 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 243

و هذه الرواية تدلّ على كون الأذان ثمانية عشر حرفا، و الاقامة سبعة عشر حرفا، و بعد معهودية الأذان و الاقامة في الخارج عند الامامية كما ترى الآن من كيفيتهما بحسب الفصول، تدلّ الرواية على أنّ الأذان عبارة عن ثمانية عشر فصلا بهذه الكيفية يعنى (اللّه أكبر) أربع مرات ثمّ (أشهد ألا إله إلّا اللّه) ثمّ (أشهد أنّ محمدا رسول اللّه) ثمّ (حيّ على الصّلاة) ثمّ (حيّ على الفلاح) ثمّ (حيّ على خير العمل) ثمّ (اللّه أكبر) ثمّ (لا إله إلّا اللّه) كل ذلك تقول مرتين، فتكون فصوله ثمانية عشر، و الاقامة اللّه أكبر و أشهد ألا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه و حيّ على الصّلاة و حيّ على الفلاح و حيّ على خير العمل و قد قامت الصّلاة و اللّه أكبر كل ذلك مرتان و لا إله إلا اللّه مرة واحدة.

فهذه الرواية مع معهودية الأذان و الاقامة بهذه الكيفية المذكورة كما ترى من عمل الشيعة تدلّ على أنّ الأذان و الاقامة بهذه الكيفية، و ليس في الروايات رواية اخرى تكون بلسانها دالّا على كون الاقامة سبعة عشر فصلا بهذه الكيفية المذكورة أعنى: حتّى بالنسبة إلى كون التهليل في آخره واحدا، و أمّا بالنسبة إلى الأذان ففي الروايات ما بيّن فيه فصوله بالنحو الّذي ذكرنا مثل الرواية 6 من الباب المذكور، و 9 من

الباب المذكور.

و بعض الروايات يدلّ على غير ما ذكرنا من كون فصول الأذان و الاقامة خمسة و ثلاثون حرفا، فعن بعضها يستفاد كون فصول الأذان ستة عشر حرفا مثل الرواية 5 من الباب المذكور، و من بعضها يستفاد كون الأذان و الاقامة مثنى مثنى مثل الرواية 4 من الباب المذكور، و لازم ذلك عدم كون فصول الاقامة سبعة عشر حرفا، بل لا بدّ و أن تكون فصولها شفعا لا وترا، و من بعضها يستفاد كون فصول الاقامة ثمانية عشرة حرفا، مثل الرواية 9 من الباب المذكور، لأنّ فيها بعد ذكر

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 244

فصول الأذان قال (و الاقامة كذلك) (و إن احتمل فيها بأنّ المراد من قوله و الاقامة كذلك كان من الراوي، و كان مراده انّه عليه السّلام حكى الاقامة كذلك أى: ذكر فصولها بعد ذكر فصول الأذان) و على كل حال يرى المراجع إلى أخبار الباب كون الروايات من حيث فصول الأذان و الاقامة مختلفة و متعارضة.

فإذا كان بينها التعارض فتارة نقول في مقام التعارض بين الروايتين بما قاله المحقق الخراسانى رحمه اللّه أنّ الوظيفة هو التخيير بينهما، و أنّ الأخذ بالمرجحات يكون مستحبا لا واجبا، فيكون الشخص مخيرا بين الأخذ بما يدلّ على كون فصول الأذان و الاقامة خمسة و ثلاثون حرفا و بين الاخذ بما يخالفه.

و تارة نقول: بأنّ في مقام التعارض لا بدّ من الأخذ بما فيه المرجح إن كان لأحدهما مرجح على الاخر، فلا إشكال في أنّ الترجيح مع البعض الروايات الدالّة على أنّ فصول الأذان ثمانية عشرة حرفا، و أنّ فصول الاقامة سبعة عشرة حرفا لكون الشهرة على طبقه فعلى هذا يكون هذا فصولهما «1».

الجهة الثالثة: [فى ذكر بعض ما يقال باعتباره فى المؤذن]

اشارة

في

بعض ما يقال باعتباره وجودا، أو عدما في المؤذن، أو في الأذان و الاقامة و هو امور:

الامر الأوّل: (العقل)

و لا دليل لاعتباره في الأذان و الاقامة إلّا دعوى تسلّم

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: إنّ العرف لا يرى التعارض بين الروايات، بل يحمل ما ذكر فيه فصول أحدها أقل من بعض روايات الاخر أنّ فيه مرتبة من الفضل، و ما ذكر فيه فصول أحدهما أكثر على أفضل الافراد، أو أنّ أقل ما يجزى في الاستحباب أقلّ فصولا و الأفضل ما ذكر فيه بعض الفصول أكثر، فلا يرى التعارض بينهما حتّى تصل النوبة إلى ما بيّن مد ظلّه، فتأمل.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 245

اعتباره مثل ما نقل عن المدارك هذا: مذهب العلماء كافة «1»، فبناء على اعتباره لا يكتفي بأذان المجنون في صلاة الجماعة.

الامر الثاني و الثالث: الاسلام و الايمان

، فلا يكتفي بأذان غير المسلم، و لا غير المؤمن، و لا على اقامته، لدلالة الرواية 1 من الباب 26 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل على ذلك، و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون عن غير عارف؟ قال: لا يستقيم الأذان، و لا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف، فإنّ علم الأذان و اذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و إقامته و لا يقتدى به.

و يستفاد منها اعتبار الاسلام في إجزاء اذان المؤذن و اقامته، و إن يكون عارفا أى: مؤمنا عارفا بالولاية بناء على كون المراد بالعارف هو العارف بالامامة، كما هو الظاهر من قوله (عارفا) و يستفاد منها أنّ أذان غير المؤمن لا يكتفي به و إن أذن بنحو الّذي نؤذّن و نقيم، لأنّه قال عليه السّلام (فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز

أذانه و اقامته) و يستفاد منها أنّ الأذان يطلق على الأعم من الأذان و الإقامة لأنّه قال عليه السّلام (فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و إقامته) فمع فرض أنّه قال إن أذّن قال (لم يجز أذانه و إقامته) فمن المعلوم أنّ قوله (و إن علم الأذان و أذّن به) هو الاعم من الأذان و الاقامة.

الامر الرابع: البلوغ

فهو غير معتبر في الأذان فيصح من المميز لنفسه و يجزي به أيضا، أمّا صحته منه لدلالة الرواية 1 من الباب 32 من أبواب الأذان و الاقامة، و الرواية 2 و 3 من الباب المذكور على ذلك، و أمّا اجتزاء أذانه لغيره في الجماعة

______________________________

(1)- مدرك الاحكام، ج 3، 269.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 246

فلدلالة الرواية 4 من الباب المذكور عليه، و هي ما رواها غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالغلام الّذي لا يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم و أن يؤذّن) فبقرينة قوله (أن يؤمّ القوم) نفهم أنّ المراد كونه مؤذّنا للقوم في جماعتهم (مضافا إلى دعوى عدم الخلاف في المسألة من بعض).

الامر الخامس: هل يعتبر اتحاد المؤذّن مع المقيم أو لا يعتبر ذلك؟

بل يجوز أن يؤذّن للجماعة أحد و يقيم شخص اخر، و الحق عدم اعتبار الاتحاد، و يدلّ على ذلك الرواية 1 و 3 و 6 من الباب 31 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل.

الامر السادس: هل يعتبر استقبال القبلة حال الأذان و الاقامة أم لا؟

اعلم أنّه ليس في أخبار الباب ما يدلّ على اعتبار الاستقبال في تمام حال الأذان و الاقامة، نعم يستفاد من الرواية 7 من الباب 13 و من 1 و 2 من الباب 47 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل اعتباره حال التشهّد من الأذان، و عدم اعتباره في غير حال يذكر التشهّد من الأذان، و كذلك تدلّ على اعتبار الاستقبال حال خصوص التشهّد من الاقامة الرواية 2 من الباب 47 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل، فهذه الرواية تدلّ على اعتباره في خصوص التشهّد من الأذان و الاقامة كليهما و نتعرض إن شاء اللّه عند التكلم في اعتبار عدم التكلم حالهما و عدمه أنّ دخل الاستقبال و القيام و الكلام ان كان دخيلا هل على نحو الاستحباب أو على النحو الشرطية.

الامر السابع: هل يعتبر القيام حالهما أم لا؟

بمعنى أنّه يعتبر أن يكون المؤذّن حالهما قائما أم لا؟ و كذلك هل يعتبر الاستقرار أم لا؟

أمّا الأذان و إن تدلّ الرواية 11 من الباب 13 من أبواب الأذان و الاقامة على اعتبار القيام فيه إلّا للراكب و المريض، و لكن بعد دلالة روايات اخرى

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 247

المذكورة في الباب المذكور على عدمه، يقتضي الجمع بينهما الحمل على استحباب القيام حاله، و كذا لا يعتبر فيه الاستقرار لدلالة بعض الروايات من الباب المذكور على جواز إتيانه حال المشى، و من المعلوم أنّ مع المشى لا يمكن حفظ الاستقرار.

و أمّا الاقامة فمقتضى بعض الروايات الّتي جمعها صاحب الوسائل في الباب المذكور، هو اعتبار القيام حالها، و عدم جواز إتيانها قاعدا، و لا ماشيا، و لكن خصوص الرواية 9 من الباب المذكور تدلّ على جواز إتيانها إذا كان ماشيا إلى الصّلاة،

فهي تدلّ على جواز إتيانها حال المشى لكن حال المشي إلى الصّلاة.

و لا تتوهم أنّ هذه الرواية مجملة الذيل لعدم إجمال في ذيلها، لأنّ المعصوم عليه السّلام بعد ما قال كما في الرواية بأنّه (إذا أقمت فأقم مترسلا فإنّك في الصّلاة) تخيل أنّ جواز المشي حال الاقامة مناف مع كونه في حالها في الصّلاة، لأنّه إن كان في الصّلاة لا يجوز له المشى، و لهذا قال (قلت له: قد سألتك اقيم و أنا ماش، قلت لى: نعم، فيجوز أن امشي إلى الصّلاة أو في الصّلاة (كما في نسخة التهذيب)، فقال عليه السّلام: نعم، و بيّن له نظير، و هو أنّه إذا أردت الدخول في الجماعة و ترى أنّك إن لم تكبر في موضعك لم تصل إلى ركوع الامام، يجوز لك أن تكبر و تمشي إلى أن تصل بالصف، و غرضه عليه السّلام رفع التنافي الّذي توهّم السائل.

و على كل حال يستفاد من بعض الروايات اعتبار القيام و عدم جواز المشي حال الاقامة، و جواز المشى في خصوص المشي إلى الصّلاة، و هل اعتبار القيام فيها يكون على نحو الاستحباب أو الشرطية بحيث لا تؤدى إلّا مع القيام، يأتى الكلام فيه في ذيل التعرض لمانعية الكلام و عدمه إن شاء اللّه.

الامر الثامن: هل يعتبر حالهما عدم الكلام أم لا؟

أمّا الأذان فلا يعتبر فيه عدم الكلام على أن يكون الكلام مانعا من موانعه،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 248

فإذا تكلم في أثنائه بطل الأذان، نعم يستفاد من الرواية 2 من الباب 10 كراهة الكلام بين الأذان و الاقامة في صلاة الغداة، و هذه الرواية أوّلا عبر فيها بلفظ (كره) القابل للحمل على الكراهة، و ثانيا قال: بين الأذان و الاقامة، فهل المراد من بين الأذان

و الاقامة هو كراهة التكلم في خصوص ما إذا فرغ من الأذان، و لم يشرع في الاقامة، أو المراد من بين الأذان و الاقامة يعني من أوّل ما شرع في الأذان إلى اخر الاقامة، لأنّه متى يكون مشغولا بذكر فصولهما يكون بين الأذان و الاقامة و ثالثا تدلّ على كراهة الكلام بين الأذان و الإقامة في خصوص صلاة الغداة، فلا يستفاد منها مع ضمها مع أخبار المرخصة إلّا كراهة الكلام بين الأذان و الاقامة في خصوص الصّلاة الغداة.

و كذلك لا مجال لتوهم استفادة مانعية الكلام في الأذان من الرواية 6 من الباب المذكور، و هي ما رواها سماعة قال: سألته عن المؤذّن أ يتكلّم و هو يؤذّن؟

قال: لا بأس حين يفرع عن أذانه.

وجه التوهّم هو أن ظاهرها تجويز الكلام حين يفرغ فمفهوم ذلك عدم الجواز قبل ذلك، و وجه الفساد أوّلا أن في بعض النسخ (حتى) بدل (حين) و على ان يكون ما صدر (حتى) تكون الرواية على الخلاف أدلّ، لأنّ ظاهرها جواز الكلام حتّى يفرغ من الأذان، و ثانيا بعد دلالة بعض روايات اخرى على عدم البأس لا بدّ من حمل هذه الرواية على الكراهة.

و أمّا الإقامة فمقتضى بعض الروايات عدم جواز الكلام فيها قبل (قد قامت الصّلاة) و بعده لخصوص من يقيم، أو يكون هو قدر المتيقن مثل الرواية 4 من الباب 10 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل، فإنّها تدلّ على عدم جواز الكلام في الاقامة، و إطلاقها يقتضي عدم الجواز سواء كان قبل قد قامت الصّلاة) من الاقامة،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 249

أو بعد ذلك، و مقتضى بعضها عدم جواز الكلام بعد ما قال (قد قامت الصّلاة) إمّا مختص بهذا

الحال، أو أنّ قدر المتيقن منه هذا الحال، و هي الرواية 3 من الباب المذكور، فإنّ المتيقن منه عدم جواز الكلام بعد قوله (قد قامت الصّلاة) لاحتمال كون المراد من قوله فيها (إذا أقمت الصّلاة) هو قول (قد قامت الصّلاة) و مثلها الرواية 9 من الباب المذكور، و هاتان الروايتان تدلّان على عدم جواز الكلام على من يقيم.

و مقتضى بعضها عدم جواز الكلام بعد قول (قد قامت الصّلاة) لكون المتيقن منه هذه الصورة لسائر الناس ممّن يكون من أهل الجماعة إماما و مأموما، و يمكن دعوى شمول إطلاقه لنفس من يقيم أيضا، و هي الرواية 1 و 5 و 7 من الباب المذكور.

و لو كنا و هذه الأخبار يمكن أن يقال: إنّ مقتضى الجمع بينها هو عدم جواز الكلام بعد (قد قامت الصّلاة) و لكن بعد دلالة الرواية 1 و 10 و 11 و 13 من الباب المذكور على جواز الكلام حتّى بعد (قد قامت الصّلاة) و إطلاق الأخيرين يشمل لخصوص من يقيم و غيره من أهل الجماعة، فتكون النتيجة هي جواز الكلام في الاقامة حتّى بعد (قد قامت الصّلاة) غاية الأمر يقال بكراهة الكلام في أثنائها.

ثمّ إنّه يستفاد من الرواية 1 و 5 و 7 من الباب المذكور هو عدم جواز الكلام (إما بنحو الكراهة أو التحريم الوضعى بعد ما اقيمت الصّلاة، و المراد كما قلنا لا يبعد أن يكون بعد (قد قامت الصّلاة) على أهل المسجد إلّا لتقديم إمام لعدم كون إمام معيّن لهم، فهل جواز الكلام مختص بصورة تقديم الامام، أو يجوز لغير ذلك ممّا يكون التكلم فيه مربوطا بأمر من امور الجماعة، فيجوز أن يقول أحد منهم استوا الصفوف.

لا يبعد أن

يكون التكلم جائزا لمطلق ما يكون مربوطا بالجماعة، لأنّ العرف إذا عرض عليه يلغي الخصوصية أعنى: خصوصية تقديم الامام.

الامر التاسع: لا إشكال في عدم اعتبار الطهارة في الأذان
اشارة

لدلالة بعض

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 250

الروايات على ذلك، فارجع الباب 9 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل، فإنّ روايات المذكورة فيها تدلّ على عدم اعتبار الطهارة في الأذان.

و أمّا الاقامة فتدلّ بعض الروايات على اعتبار الطهارة فيها، فأرجع، إلى الباب المذكور، و ليس في أخبارنا رواية تدلّ على عدم اعتبارها فيها.

إذا عرفت ذلك فهل نقول جمودا على ظواهر هذه الأخبار المذكورة في الباب المذكور: على اعتبارها فيها بحيث لا تصح إلّا معها بعد عدم كون الأمر بدخلها أمرا تكليفيّا.

[كون الطهارة مستحبة فى الاقامة]

أو نقول: بأنّه بعد كون نفس الاقامة مستحبا، فمناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون الطهارة فيه مستحبا بمعنى: أنّ معها يحصل الكمال فيها كما و يؤيد ذلك ما مرّ من عدم اشتراط القيام و غيره فيها.

لا يبعد أن يقال: بذلك و أنّ الطهارة مستحب فيها (كما ذهب إليه المشهور)، و هل يمكن أن يقال في وجه عدم كون الطهارة شرطا فيها بحيث لا يؤتي بها من أتى بها بلا طهارة: بأنّ ميزان حكم المطلق على المقيد، كما قلنا في محله، هو إثبات واحدة الملاك في المطلق و المقيد بمعنى: إنّه إذا ورد مطلق فيكون ظاهره كون تمام الموضوع لورود الحكم هو نفس الطبيعة بدون تخصصها و تقيدها بقيد، مثلا إذا قال (اعتق قبة) فظاهره كون وجوب العتق واردا على نفس طبيعة الرقبة بدون قيد، فمركب الحكم ليس إلّا طبيعة الرقبة.

ثمّ إذا ورد مقيد مثلا قال (اعتق رقبة مؤمنة) فتارة يفرض عدم واحدة ملاك المطلق مع المقيد، مثلا كان ملاك وجوب عتق المطلق أمرا و ملاك وجوب عتق المقيد أمرا اخر، فلا تعارض بين المطلق و المقيد، لأنّ دليل المطلق يكون في مقام بيان

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 251

حكم، و دليل المقيد يكون في مقام بيان حكم اخر، و يكون مورد التعارض البدوي الذي نقول: بجمع العرفي و حمل المطلق على المقيد فيه، هو ما إذا انكشف واحدة الملاك في المطلق و المقيد، مثل ما إذا قال (إذا ظاهرت فاعتق رقبة) ثمّ قال (إذا ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة) فبعد ما يرى العرف واحدة ملاكهما، بمعنى كون الحكم الوارد على الموضوع مسببا عن سبب واحد، و هو الظهار فيرى أنّ المطلوب ليس إلّا عتق واحد إمّا مطلق الرقبة أو خصوص المؤمنة منها، فحيث يرى أقوائية ظهور المقيد في إثبات القيد من ظهور المطلق في الاطلاق، يحكم بأخذ ما هو أقوى ظهورا، و يحمل المطلق على المقيد.

[حمل المطلق على المقيد فى صورة وحدة الملاك]

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه قد عرفت كون مورد الحمل أعنى: حمل المطلق على المقيد ما إذا انكشف واحدة الملاك، و أمّا إذا لم ينكشف ذلك، فلا معنى لحمل المطلق على المقيّد، يقال: بأنّ في المستحبات لا يكشف واحدة الملاك بين المطلق و المقيد، لاحتمال كون المقيد واردا في مقام بيان أفضل الافراد، لا في مقام بيان كون المطلوب في المطلق هو المقيد، و لهذا يقال في المقام: بأنّه بعد ما كانت إطلاقات الأولية الواردة في بيان إثبات أصل استحباب الأذان مطلقا من حيث شرط الطهارة و الاستقبال و غيرهما و إن فرض وجود دليل خاص دالّ على اعتبار شي ء فيه وجودا أو عدما، و لكن لا يمكن حمل المطلقات على خصوص ما إذا كانت الاقامة واجدة للشرائط، لعدم كشف واحدة الملاك، فيحمل الأدلة الدالّة على اعتبار الشرط على الاستحباب، و كون واجد الشرط أفضل الأفراد، لا أنّه ليس للمطلق ملاك المحبوبية أصلا

إلّا مع الواجد للخصوصية. «1»

______________________________

(1)- أقول، كما قلت بحضرته مد ظله: لا يتم بالنظر هذا الوجه، لأنّ يقال في المستحبات

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 252

ثمّ إنّه نقول تتميما للفائدة: بأنّه ربما يقع الخلط بين المطلبين، و هو أنّه تارة يقع الكلام في أنّ الأوامر الصادرة على دخل وجود شي ء في شي ء، أو دخل عدمه في شي ء، هل يقال: بأنّ ظاهر هذه الأوامر، أو النواهي هو المولوية و صرف حكم تكليفي، أو يكون ظاهرها إرشادا إلى دخل شي ء وجودا أو عدما في ترتب الاثر المقصود على الشي ء الآخر، مثلا إذا قال (قم حال الصّلاة) أو (لا تقل: امين) بعد الفاتحة، فظاهر هذا الأمر و النهي هو الوجوب التكليفي المولوى و التحريم المولوي بحيث يكون على ترك هذا الواجب المولوي و على فعل هذا النهي المولوى، العقاب، أو ليس كذلك، بل الظاهر من الأوّل هو الإرشاد إلى دخل القيام شرطا أو شطرا في الصّلاة، و من الثاني هو الارشاد إلى مانعية (امين) للصّلاة بمعنى أنّ المولى يكون في مقام الارشاد على أنّ الاثر المقصود من الصّلاة الّذي امر بها لأجل تترتب هذا الاثر، لا يترتب إلّا مع تحقق القيام حالها، و عدم تحقق (امين) بعد الفاتحة من الصّلاة.

فإذا كان النزاع في هذا الحيث، فإنّ قلنا: بأنّ الظاهر من نحو هذه الأوامر و النواهي هو الثاني، و أنّ لسانهما الشرطية، أو الجزئية، أو المانعية، فالادلة المثبتة لها

______________________________

بعدم حمل المطلق على المقيد، لأنّه كما يستظهر في بعض الواجبات واحدة الملاك بين مطلقه و مقيده من باب ظهور اللفظ مثل إذا ظاهرت فاعتق رقبة و إذا ظاهرت اعتق رقبة مؤمنة، مثلا كذلك يوجد في المستحبات نحو هذه الالفاظ، و

يستظهر منها واحدة الملاك، كما أنّ لسان بعض الأدلة الدالّة على اعتبار بعض الامور المذكورة في الاقامة هكذا، فلا وجه لأنّ يقال بنحو الكلي: بالفرق بين الواجبات و المستحبات بحمل المطلقات في الأوّل على المقيدات بخلاف الثاني، و قال مد ظله في جوابى: بأنّا نقول بذلك في المستحبات إذا لم يكشف واحدة الملاك).

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 253

لم تكن معارضة للاطلاق الأوليّة لنفس الاحكام المقيدة بهذه القيود، لأنّ ظاهر الاطلاقات الحكم على موضوعات و ظاهر هذه الأدلة بناء على كونها في مقام بيان دخل شي ء أو اشياء وجودا، أو عدما فيها ليس إلّا إثبات دخلها فيها، فلا تعارض بينهما، و لأجل ذلك لو دلّ دليل على دخل عدم شي ء، و استظهرنا المانعية على هذا في هذا الدليل، ففساد هذا الشي ء على فرض وجود المانع فيه واضح.

و لذا قلنا في الأصول، عند التعرض لمسألة النهي في العبادات و المعاملات:

بأنّه ينبغي تفكيك نحوة ورود النهي على العبادة أو المعاملة، فتارة يرد النهي على عبادة أو على معاملة في صورة وجود أمر مثلا قال (لا تصلّ في المكان المغصوب) أو (لا تبع وقت النداء) و نقول: بأنّ ظاهر هذين النهيين هو الارشاد على عدم حصول الأثر المقصود على العبادة و المعاملة مع كونها في المكان المغصوب أو كون البيع وقت النداء، بمعنى مانعيتهما لهما، فلا إشكال في الفساد، سواء كان النهي بالعبادة أو بالمعاملة، و لا حاجة على فرض كون النهي إرشادا إلى المانعية من إثبات أنّ النهي في العبادة أو المعاملة يقتضي الفساد أم لا، و السر في ذلك ما قلنا: من أنّ بعد كون ظاهر النهي للارشاد بعدم ترتب الاثر مع وجود هذا الشي ء، فالعبادة و

كذا المعاملة تصير فاسدة بوجود هذا المانع.

و تارة لم نقل بذلك، و نقول: بأنّ ظاهر هذه النواهي هو المولوية، فيأتى النزاع في أن النهي يقتضي الفساد أم لا في هذا المقام، لأنّه على هذا يقع الكلام في أنّه بعد كون النهي نهيا مولويا، فهل يلازم النهي فساد العمل عباديا كان أو معامليا أم لا.

و لهذا قلنا في الاصول: بأنّ النزاع على الثاني عقليا لأنّ النزاع يكون في أنّ الملازمة تكون بين النهي و بين فساد المنهي عنه إن كان المنهى عنه عبادة أو معاملة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 254

أم لا، و لكن على الأوّل يكون النزاع لفظيا، لأنّها تبحث من أنّ الظاهر من أمثال هذه النواهي هو الارشاد أو المولوية.

[في ما اذا كان الاوامر و النواهي ارشادية لا يكون بينهما تعارض]

فظهر لك مما مرّ أنّه على تقدير كون ظاهر هذه الأوامر و النواهي إرشادا على دخل هذه الامور في المأمور به وجود أو عدما، لم يكن بينهما التعارض أعنى: بين الادلة المثبتة لأصل الاحكام، و بين الأدلة المثبتة لدخل بعض الامور في هذه الاحكام، و لا تصل النوبة على هذا بحمل المطلق على المقيد.

و أمّا إن قلنا: بأنّ الظاهر من أمثال هذه الاوامر و النواهي هو المولوية لا الارشاد مثلا قال (صل) ثمّ قال (صل مع الطهارة) أو (لا تضحك في الصّلاة) فبعد كون الظاهر من المطلق و هو (صل) هو كون الطبيعة تمام الموضوع في الحكم بدون قيد، و ظاهرهما دخل خصوصية وجودا أو عدما في الطبيعة، فيرى التعارض بينهما بالنظر البدوي، ففي هذا المقام إذا انكشف واحدة الملاك يحمل المطلق على المقيد بنظر العرف، و تكون النتيجة وجوب إتيان الصّلاة مع الطهارة بدون أن تضحك فيها.

فظهر لك ممّا مرّ أنّ في الحيث

الأوّل لا يكون تعارض أصلا حتّى تصل النوبة إلى حمل المطلق على القيد مع واحدة الملاك، و يكون مورد الحمل هو الحيث الثاني، فلا تختلط بين الحيثين.

إذا عرفت هذا فهل نقول في المقام: بأنّ الظاهر من اعتبار بعض الامور في الاقامة هو الارشاد إلى دخل هذه الامور وجودا أو عدما فيها في الاثر المترقب من الاقامة أم لا؟

اعلم أن بعض الموارد كان الدليل على دخل شي ء فيها، و لكن إذا كان نص اخر على عدم دخله فيها، نحكم باستحباب ذلك فيها، لأنّ ذلك مقتضى الجمع بين

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 255

دليل المثبت و دليل النافي، مثل الكلام مثلا.

و أمّا في خصوص الطهارة فإنّ كنا نحن و الاطلاقات الأوّلية الدالّة على إثبات أصل الاقامة، و هذه النصوص الدالّة على اعتبار الطهارة فيها، نقول: بأنّ الظاهر منها هو الارشاد على أنّ الطهارة دخيلة في الأثر المترقب من الاقامة فتكون النتيجة شرطيتها فيها، و لكن كما قلنا سابقا في طى كلماتنا بأنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي استحباب ذلك فيها، مع أنّ المشهور بين القدماء هو الاستحباب، مضافا إلى أنّ الطهارة إن كانت معتبرة فيها مع كثرة الابتلاء بذلك لصار شايعا بين المسلمين، فمن عدم تسلم ذلك عندهم، بل تسلم خلافه، نكشف عدم دخلها فيها بنحو الشرطية بحيث لو لم يكن المقيم طاهرا عند الاقامة تصير إقامته باطلة، نعم ذلك مثل ساير الشرائط، شرط كما لها كما أنّ بعض الامور المتقدمة يكون عدمه شرط كما لها.

إذا عرفت ذلك لو فرض بأنّا قلنا بدخل الطهارة فيهما، أو غيرها ممّا تقدم، فهل نقول: باعتبار كل ما يعتبر في الصّلاة فيها و ان لم يكن مورد النص بالخصوص، أم لا؟

مثلا إن قلنا في الصّلاة: بأنّ الانحراف عن القبلة بوجه لا يصل إلى اليمين و الشمال عمدا مفسد للصّلاة، فنقول: بأنّ ذلك يفسد الاقامة أم لا.

ما يمكن أن يقال في وجه اعتبار ذلك فيها، هو ما يستفاد من بعض روايات الباب من أنّ المقيم في حال الاقامة في الصّلاة فيقال: إنّ بعد ما يكون الشخص في هذا الحال في الصّلاة و لو بنحو من العناية، من باب كونه متهيئا للصّلاة فكانه في الصّلاة، فيقال: إنّ ما يعتبر فيها يعتبر فيها، و لكن استظهار ذلك من الأخبار الواردة مشكل، فيكون اعتبار ما يعتبر في الصّلاة فيه بلا دليل، هذا تمام الكلام في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 256

هذه الجهة. «1»

الامر العاشر: هل يعتبر في الأذان و الاقامة قصد القربة أم لا؟

(اعلم أنّ ترتب الثواب على العمل موقوف على قصد التقرب، لأنّ الثواب متفرع على كون العمل للّه، و لسنا نحن فى هذا المقام) و الغرض هو أنّهما من العبادات بحيث لا يسقط الأمر المتعلّق بهما إلّا إذا اتى بهما بعنوان التقرب، أو لا يكونان من العبادات، فيحصل و يسقط الأمر المتعلّق بهما بنفس وجودهما في الخارج مع سائر الشرائط المعتبرة فيهما و إن لم يقصد بهما اللّه تعالى، لا دليل في المقام على دخل هذا الشرط.

الجهة الرابعة: في بعض الموارد الّتي قيل بسقوط الأذان فيه.

الأول:

اذان العصر في يوم العرفة لمن كان بعرفات.

الثاني:

أذان العشاء في المزدلفة لمن كان فيها.

الثالث:

أذان العصر في يوم الجمعة.

______________________________

(1)- أقول: إنّ ما أفاده مدّ ظلّه- من أنّ كل مورد يكون الأمر الصادر إرشادا إلى دخل أمر وجودا أو عدما في أمر اخر، لا يكون بين دليل الدالّ على إثبات الشرط أو المانع و بين دليل المثبت لأصل الحكم المشروط أو المقيد تعارض، فعلى هذا لا نحتاج في رفع التعارض إلى حمل المطلق على المقيد- عندى محل تأمّل، لأنّه و لو فرض كون ظاهر مثل هذه الأوامر أو النواهي هو الارشاد إلى أنّ الأثر المترقب من المطلوبات المطلقة لا يترتب إلّا مع وجود هذه الامور أو عدمها، و لكن إطلاق الأوامر الصادرة، بدون ذكر دخل أمر من هذه الامور فيها، يقتضي كون المطلوب فيها هو نفس الطبيعة بدون اشتراط مطلوبيتها بأحد هذه الامور، فقهرا يعارض إطلاقها مع ظاهر هذه الأوامر الظاهرة في الاشتراط، لأنّ للازم من الاشتراط هو عدم كون المطلوب نفس الطبيعة بدون وجود هذا الشرط أو عدم هذا المانع، فيقع التعارض بينهما، و لا بدّ في مقام رفع التعارض من حمل المطلق على المقيد، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 257

الرابع:

في مطلق موارد الجمع بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء فيسقط أذان العصر و العشاء.

الخامس:

في خصوص من عليه قضاء فوائت، فيكفي أذان للأوّل منها، و يأتى بما بعد الأوّل باقامة، و يسقط الأذان ممّا بعد.

السادس:

المسلوس و المستحاضة فيسقط عنهما الأذان للعصر و العشاء تجمعهما مع الظهر و المغرب.

أمّا الأوّل و الثاني- أعنى: سقوط أذان العصر و العشاء لمن كان بعرفات و مزدلفة- فتدل على الحكم فيهما ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن و يقيم للظهر، ثمّ يصلّي، ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان «1»، و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة، و مرسلة الصّدوق.

[في ذكر الروايات الدالة على سقوط الاذان فى بعض الموارد]

و يدلّ على الحكم في خصوص مزدلفة بعض روايات أخر.

منها ما رواها سماعة (قال: سألته عن الجمع بين المغرب و العشاء الآخرة بجمع فقال: لا تصلّهما حتّى تنتهي إلى جمع و إن مضى من الليل ما مضى، فإنّ رسول اللّه جمعهما بأذان واحد و إقامتين كما جمع بين الظهر و العصر بعرفات). «2»

و منها ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال: لا تصلّ المغرب تأتى جمعا، فصلّ بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين الحديث). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 36 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الوقوف بالمشعر من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 6 من ابواب الوقوف بالمشعر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 258

و منها ما رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئا، و قال: هكذا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم). «1»

و منها الرواية 6 من الباب المذكور، و هي مرسلة الصدوق رحمه اللّه.

[سقوط الاذان فى عرفات و المشعر رخصة]

فيستفاد من هذه الروايات سقوط أذان العصر في عرفة و العشاء في مزدلفة، و هذا في الجملة لا إشكال فيه، إنّما الكلام في أنّ السقوط يكون على وجه الرخصة، أو يكون على وجه العزيمة في صلاة العصر بعرفة و العشاء بمزدلفة.

قد يقال: بكون سقوط الأذان فيهما على وجه العزيمة تمسكا بظاهر الروايات، و لكن لا يبعد كون السقوط على وجه الرخصة.

أمّا في العرفات فلأنّه بعد ما نرى في بعض الروايات مثل رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

إنّما تعجّل الصّلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسئلة الخ). «2»

من أنّ وجه الجمع بين الصلاتين، و كون سقوط الأذان من باب أن يجمع بين الصلاتين، هو إفراغ النفس للدعاء، و بعد عدم كون إفراغ النفس للدعاء واجبا، نفهم عدم كون الجمع واجبا، و عدم كون سقوط الأذان بنحو العزيمة، فمع ذكر هذه العلة أو الحكمة- أى: إفراغ النفس للدعاء- يوهن ظهور الرواية في كون السقوط على نحو العزيمة.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 6 من ابواب الوقوف بالمشعر من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 259

و أمّا في المزدلفة فنقول أيضا بنحو الاختصار: بأنّ السقوط ليس على وجه العزيمة، لأنّه بعد ما ترى في بعض الروايات الواردة في المسألة المتقدم ذكرها من أنّ في المزدلفة يجمع بين المغرب و العشاء بأذان، و عدم كون الجمع فيها واجبا، و لا نقول بوجوب الجمع بين المغرب و العشاء فيها، فكذلك لا يمكن أن يقال: بكون سقوط الأذان فيها على نحو العزيمة.

أمّا الرواية الاولى فليس فيها إلّا نقل فعل رسول اللّه من الجمع بأذان واحد في المزدلفة كما فعل في العرفات، فبعد عدم كون السقوط في العرفات على وجه العزيمة فكذلك في المزدلفة، خصوصا لا يكشف من نقل الفعل العزيمة و لا الرخصة، لأنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غير مناف مع كل من العزيمة و الرجعة.

و أمّا الرواية الثانية و ان كان في حدّ ذاتها لها ظهور في العزيمة، و لكن بعد ضمها مع الرواية الثالثة- و هي رواية منصور بن حازم الّتي قال فيها (صلاة

المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئا) الدالّة على حكمين:

سقوط الأذان و عدم جواز التطوع بينهما في المزدلفة، و الحال أنّه يجوز التفريق بين الصلاتين فيها، و يجوز التطوع بينهما كما يدلّ عليه رواية أبان بن تغلب المذكور في الوسائل في الباب 34 من الأوقات- يوهن ظهور الرواية في كون سقوط الأذان عزيمة- و لأجلها يوهن ظهور الرواية الثانية في كون السقوط على نحو العزيمة، مضافا إلى أنّ في الرواية الثانية التصريح بعدم جواز الصّلاة حتّى تأتى جمعا، فإذا بلغ الجمع يصلّيهما بأذان، واحد فإن لم يكن التأخير واجبا لم يبق ظهور للحكم التابع له، و هو سقوط الأذان، و كونه على نحو العزيمة.

[في ذكر اشكال و دفعه]

نعم هنا إشكال، و هو أنّه ان كان السقوط في الموردين، أو في غيرهما من

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 260

الموارد المذكورة رخصة، لا عزيمة، فمعنى ذلك كون الأذان مستحبا لاطلاقات الاولية الدالّة على استحبابه قبل كل فريضة من الفرائض اليومية، و معنى كون المكلف مرخصا في تركه في موارد السقوط كون تركه راجحا، لاستفادة استحباب تركه أقلا في موارد السقوط، فإنّ كان فعله ارجح فلا معنى لكون السقوط أفضل، و ان كان تركه أفضل فلا معنى لكون فعله أفضل في هذا الحال.

فمقتضى اطلاقات الأوّلية كون الصّلاة مع الأذان أفضل حتّى في هذا المورد، و مقتضى الدليل الدالّ على السقوط كون الصّلاة بلا أذان أفضل فيكون بينهما التنافي و كيف يقال: بكون الفعل و الترك كلاهما مستحبا، و بعبارة اخرى إن كان الدعاء يوم عرفة أهم بحيث يوجب سقوط الأمر بالمهم و هو الأذان، فاتيان الأذان يكون بلا أمر و هو تشريع محرّم.

و أمّا دفعه

فهو أن يقال: ربما يكون شي ء في حدّ ذاته مطلوبا و لذا صار مستحبا، و لكن ربما يتفق من باب الاتفاق أنّ إتيان فعل في وقت تكون مصلحته أقوى له، ثمّ إنّه يقع بينهما التزاحم في هذا الوقت، فالعقل يرى أنّ لكل منهما مصلحة في حدّ ذاته، و لكن حيث يرى أن مصلحة أحدهما اقوى، يرى حفظه أقوى، فيصير ترك المهم لأجل حفظ الأهم مطلوبا، و هذا غير مناف مع مطلوبية المهم، فلا ينافي مطلوبية الأذان في حدّ ذاته مع كون تركه أيضا مطلوبا لأجل جهة طارية و هو حفظ أمر أهم و هو إفراغ النفس للدعاء، فلا مانع من كون السقوط في الموردين، أو في غيرهما على وجه الرخصة لما قلنا، و هذا واضح.

أمّا الثالث، و هو أذان العصر في يوم الجمعة، فلا دليل عليها بالخصوص، و لذا ذكر الشّيخ رحمه اللّه بعنوان الدليل لهذه المسألة الرواية الّتي رواها عمر بن أذينة عن رهط

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 261

منهم الفضيل و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين). «1»

و هي كما ترى غير متعرضة لخصوص سقوط الأذان في عصر يوم الجمعة.

و أمّا ما رواه حفص بن غياث (و هي هذه: حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن ابيه عليه السّلام قال: الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة) «2» فإنّ كان المراد من الأذان الثالث هو الأذان العصر، بأن يكون الأذان الأوّل أذان الصبح، و الثاني أذان الظهر، و الثالث أذان العصر، فيستفاد من هذه الرواية عدم

مشروعية الأذان لصلاة العصر في يوم الجمعة.

و أمّا إن كان نظر الامام عليه السّلام بالأذان الثالث هو الأذان الثاني الّذي نسب أنّه من جملة ما بدعه عثمان عليه اللعنة و بدعه لأنّ يجتمع الناس يوم الجمعة بعد ما اذّن لها أوّلا فيكون المراد من الأذان الثالث، الّذي يكون بدعة، هو الأذان الثاني المجعول لصلاة الجمعة من قبل عثمان عليه اللعنة، فأذان الأوّل أذان الصبح و أذان الثاني أذان صلاة الجمعة و أذان الثالث أذان الّذي بدعه عثمان لصلاة الجمعة، فلا دلالة للرواية على كون أذان صلاة عصر الجمعة بدعة، فالرواية مجملة.

[المشهور سقوط اذان العصر يوم الجمعة]

نعم حيث إنّ المشهور سقوط أذان صلاة العصر في يوم الجمعة، و أفتوا به في الكتاب المعدة لنقل فتاوى المتلقاة عن الائمة عليهم السّلام، فيكشف ذلك عن وجود دليل معتبر عندهم، فلا يبعد سقوط الأذان في هذا المورد.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 36 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 49 من ابواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 262

و أمّا الرابع، و هو في كل مورد يجمع بين الظهر و العصر، و بين المغرب و العشاء فهل يسقط فيه الأذان أم لا وجهان: وجه عدم السقوط هو أنّ روية عمر بن أذينة المتقدمة في طى التكلم عن سقوط الأذان في عصر يوم الجمعة، لا تدلّ إلّا على أصل جواز الجمع بين الصلاتين في الجملة، و لا إطلاق لها من هذا الحيث يعني: حيث سقوط الأذان، بل تكون الرواية ناظرة إلى دفع توهّم عدم جواز الجمع بين الصلاتين، كما توهمه بعض العامة، و لم يعتنوا بما رواه عبد اللّه بن عباس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و

آله و سلّم على أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الصلاتين بأذان و اقامتين (أو أن يقال: بأنّ الرواية ناظر إلى سقوط الأذان في مقام الجمع، لكن لا الجمع المتعارف عند الامامية من إتيان صلاة المتأخر عقيب المتقدم بلا تفريق و فصل بينهما، بل الجمع المتعارف عند العامة، و هو إتيان صلاة في وقت صلاة اخرى، مثلا بناء على مذهبهم من عدم دخول وقت العصر قبل صيرورة الظل مثل الشاخص، لو أتى بالعصر، فهذا معنى الجمع بين الظهر و العصر و لو فعل هكذا يسقط أذان العصر).

وجه السقوط هو أن المتكلّم لا يتكلم بكلام إلّا للغرض، فإن كان نظر الامام عليه السّلام إلى بيان ذكر فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الجمع بين الصلاتين فقط، فلا فائدة في ذكر قوله (بأذان و إقامتين)، فمن ذلك نكشف أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الصلاتين بأذان و إقامتين و أخبر عليه السّلام بذلك بقول مطلق، فلا يبعد السقوط في مورد الجمع (و أمّا احتمال كون النظر إلى الجمع المتعارف عند العامة فلا وجه له، لأنّ المراد من الجمع في رواياتنا هو الجمع المتعارف عندنا، كما ينادي بذلك بعض النصوص).

[دلّت رواية زرارة على سقوط الاذان من القاضي]

و أمّا الخامس- أعنى من كان عليه فوائت و أراد أن يأتى بها- فإذا أراد الشروع يؤذّن باذان و يقيم فيأتي بالصّلاة الاولى، ثمّ يأتى بها بعدها من الصلوات

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 263

باقامة فقط، و يسقط الأذان عما بعدها، و يدلّ على ذلك الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث (قال: إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن

لها و أقم ثمّ صلّها، ثمّ صل ما بعدها باقامة إقامة لكل صلاة). «1»

(و أمّا ما رواها موسى بن عيسى قال: كتبت إليه: رجل تجب عليه إعادة الصّلاة، أ يعيدها بأذان و إقامة؟ فكتب عليه السّلام يعيدها باقامة) «2» فإنّ كانت الاعادة فيها تشمل القضاء، فهي تدلّ على السقوط حتّى من أوّل صلاة يأتى بها قضاء و إن كان المراد خصوص الاعادة في الوقت فغير مربوط بما نحن فيه، بل تدلّ على سقوط الأذان إذا أراد الشخص إعادة صلاته.

[فى كل مورد يجمع بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء وجهان لسقوط الاذان و عدمه]

و امّا السادس: المسلوس و المستحاضة فيسقط عنهما أذان العصر و العشاء إذا جمعا مع الظهر و المغرب.

أمّا المسلوس فيدل عليه الرواية الّتي رواها حريز عن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصّلاة أخذ كيسا و جعل فيه قطنا، ثمّ علقه عليه و أدخل ذكره فيه، ثمّ صلّى يجمع بين صلاتين الظهر و العصر يؤخر الظهر و يعجل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء بأذان و إقامتين و يفعل ذلك في الصبح). «3»

أمّا المستحاضة فلم أجد دليلا بالخصوص لهذا الحكم، و لكن بعد سقوط الأذان في موارد الجمع، فالمورد من صغرياته، فافهم.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 37 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 37 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 19 من ابواب و اقض الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 264

الجهة الخامسة: في بعض الموارد الّتي قيل بسقوط الأذان و الاقامة فيه:

المورد الأول:
اشارة

كما قال «1» في الشرائع (لو صلّى الامام جماعة و جاء آخرون لم يؤذّنوا و لم يقيموا على كراهية ما دامت الاولى لم تتفرق، فإنّ تفرقت صفوفهم أذّن الآخرون و أقاموا) و هذا الحكم في الجملة ليس محل الكلام عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم، و إنّما الكلام في بعض خصوصياته، فنذكر أخبار الباب أوّلا، ثمّ نتكلم في بعض الخصوصيات إنشاء اللّه، فنقول:

منها ما رواها أبو بصير (فقال: سألته عن الرجل ينتهي إلى الامام حين يسلّم، فقال: ليس عليه أن يعيد الأذان، فليدخل معهم في أذانهم، فإنّ وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان). «2»

منها ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

قلت له: الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم أ يؤذن و يقيم؟ قال: إن كان دخل و لم يتفرق الصف صلّى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرق الصف أذّن و أقام). «3»

منها ما رواها زيد بن على عن آبائه عن على عليه السّلام (قال: دخل رجلان المسجد و قد صلّى الناس، فقال لهما علي عليه السّلام: إن شئتما فليؤم أحد كما صاحبه، و لا يؤذّن و لا يقيم). «4»

منها ما رواها السكونى عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام (أنّه كان يقول: إذا

______________________________

(1)- جواهر جلد 9 صفحه 41.

(2)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 25 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 265

دخل رجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذننّ و لا يقيمنّ و لا يتطوع حتّى يبدأ بصلوة الفريضة، و لا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه). «1»

منها ما رواها أبو على (قال: كنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فأتاه رجل فقال:

جعلت فداك صلّينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجد، فأذّن فمنعناه و دفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

أحسنت ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع، فقلت: فإنّ دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال: يقومون في ناحية المسجد و لا يبدو بهم إمام الحديث).

و منها ما رواها معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه (قال: إذا جاء الرجل مبادرا و الامام راكع أجزأه تكبيرة واحدة (إلى

أن قال) و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الاخيرة و هو في التشهد، فقد أدرك الجماعة، و ليس عليه أذان و لا إقامة، و من أدركه و قد سلم فعليه الأذان و الاقامة). «2»

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الكلام يقع في صورتين:

الصورة الاولى:

فيمن يرد جماعة و يريد الاقتداء بامامهم.

الصورة الثانية:

فيمن يرد و يريد إقامة جماعة اخرى.

[في ذكر الملاكين في البين]
اشارة

قد يقال: بأنّه بعد كون الكلام في الصورتين نكشف وجود ملاكين في البين:

الملاك الأول:

أنّ الشارع لاحظ جانب من يريد دخول الجماعة و الدخول معهم، فأسقط عنه الأذان و الإقامة، و كان هذا رعاية لجانبه حيث إنّه كما يسقطان

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 65 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 266

عن المأمومين، و أذان الإمام و إقامته كاف و مسقط عنهم، كذلك جعل الشارع، رعاية لمن يدخل و يريد الاقتداء بامامهم، هذا الحكم أعنى: سقوطها عنه، و جعل حاله حال ساير المأمومين في هذا الحيث الملاك.

الملاك الثاني:
اشارة

هو أن الشارع جعل لمن يدخل في جماعة و يريد إقامة جماعة مستقلة لا الدخول معهم، سقوط الأذان و الاقامة عنه، لكن ليس السقوط في هذه الصورة رعاية لجانبه، بل لرعاية جانب أهل الجماعة السابقة حتّى لا يردوهن بهم.

و يقال بأنّ الملاك الأوّل يستفاد من الروايات المتقدمة غير رواية أبي علي و رواية زيد، و يستفاد الملاك الثاني من رواية زيد و رواية أبي علي لأنّ المستفاد منهما هو أنّه في فرض إرادة جماعة مستقلة سقط الأذان و الاقامة.

و على هذين الملاكين تختلف الخصوصيات، فيقال: أمّا في الصورة الاولى فلا يعتبر في سقوطهما اتحاد صلاة الوارد مع صلاة إمام الجماعة، فلو كانت صلاة أحدهما اداء و الآخر قضاء (يسقطان أيضا لوجود الملاك المتقدم، و كذلك لا يعتبر اتحاد مكانهما، بل يكفي صدق كون الوارد أحد أفراد هذه الجماعة عرفا لوجود الملاك المتقدم، و كذلك لا فرق في السقوط بين كون مكان صلاة الجماعة الوارد عليها هو المسجد أو غيره و ان ذكر في بعض الروايات المتقدمة المسجد، لكن الملاك يعم المسجد و غيره.

و أمّا صحة صلاة الجماعة

الاولى و غرضهم صحة صلاة الامام، فنقول: أمّا صحّة صلاته عند الوارد فغير معتبر، بل يكفي صحتها عنده و عند المأمومين، فيشترط كون الجماعة الاولى صحيحة ظاهرا.

و امّا اشتراط كون السقوط في مورد أهل جماعة أذّنوا و أقاموا لجماعتهم،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 267

فهو ما لا إشكال فيه للتصريح في رواية أبي بصير المتقدمة (صلّى بأذانهم و إقامتهم) فهذه الفقرة دليل على كون السقوط في مورد كانت صلاتهم مع الأذان و الاقامة حتى صحّ أن يقال (صلّى بأذانهم و اقامتهم) نعم لو ترك الأذان و الاقامة من باب سماع الامام لأذان الغير و إقامته فاكتفى به، فحيث نقول إنشاء اللّه بأنّ المستفاد من بعض الروايات هو الاكتفاء بالسماع، فتكون صلاتهم على هذا مع الأذان و الاقامة، ففى هذه الصورة فيسقط الأذان عن الوارد لكون صلاتهم واجدة للأذان و الاقامة.

و هكذا في هذه الصورة يكون السقوط على وجه الرخصة، لأنّ الملاك الّذي قلنا لهذه الصورة، لا يقتضي إلّا هذا، حيث كان السقوط رعاية لجانبه، فله أن يؤذّن و يقيم، و له أن يتركهما و أمّا فى الصورة الثانية فيكون السقوط على وجه العزيمة، لأنّ ملاكها يقتضي ذلك حيث أنّ السقوط كان رعاية لجانب أهل الجماعة المتقدمة، فليس له أن يؤذّن و يقيم.

إذا عرفت بأنّه يمكن استكشاف ملاكين مختلفين، و يختلف بحسبهما الآثار نقول: أمّا فى الصورة الاولى فالوارد على الجماعة مع إرادة الدخول و الصّلاة معهم يسقط عنه الأذان و الاقامة، لدلالة غير رواية أبي علي على ذلك، و أمّا الصورة الثانية فمنشأ استكشاف الملاك المتقدم لها كان رواية أبي علي المتقدم ذكرها، و لكن لها ذيل ذكرناه، و هو يكون بنقل التهذيب، و هو من

قوله (فقلت له: جعلت فداك الخ) و هو شاهد على كون صدور الرواية على وجه التقية، فلا يمكن الاعتناء بها (و قال هذا البيان أخي الأغر لطف اللّه حفظه اللّه، و استرضاه سيدنا الاستاد مدّ ظلّه) فعلى هذا استفادة السقوط للوارد على الجماعة المريد اقامة جماعة مستقلة من هذه الرواية، غير ممكنة إلّا أن يقال: بأنّ إطلاق غيرها من الأخبار يشمل هذه الصورة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 268

أيضا، و يؤيده ذيل رواية زيد (إن شئتما فليؤمّ أحد كما صاحبه، و لا يؤذّن و لا يقيم) فافهم.

[فى أي وقت يرد الوارد يسقطان عنه]

ثمّ إنّه يقع الكلام في خصوصية اخرى و هو أنّ في أىّ وقت يرد الوارد يسقطان عنه، فنقول: بأنّ الوارد على الجماعة إما يدرك الجماعة و لو في التشهد، فلا إشكال في سقوطهما عنه إذا دخل معهم، و يكون السقوط على وجه العزيمة لاستقراء السيرة من الصدر الأوّل إلى زماننا، على أنّ المأمومين لا يؤذّنون و لا يقيمون.

و إمّا أن يرد عليهم، و هم قد فرغوا من الصّلاة، و لكن لم يتفرق أحد منهم، فلا إشكال في كون قدر المتيقن من الروايات هو السقوط في هذه الصورة.

و إمّا أن يردوهم قد انصرفوا و تفرقوا جميعا، فلا إشكال فى خروج هذه الصورة من الأخبار الواردة في المسألة.

و إمّا أن يتفرق بعضهم و هو يرد، فلا يبعد أن يكون الميزان في السقوط و عدمه هو تفرق الأكثر أو بقاء الأكثر فإنّ تفرق أكثر أهل الجماعة فلا يكون مورد السقوط، و إن بقى أكثرهم فيكون مورد السقوط، فتأمل.

ثمّ إنّ السقوط على وجه الرخصة إن كان المدرك غير رواية أبي علي المتقدم ذكرها، و على وجه العزيمة ان كانت هى المستند، و

لكن قلنا بالاشكال بالاستدلال بها.

المورد الثاني: من بعض الموارد الّذي يسقطان الأذان و الاقامة، هو صورة سماع أذان الغير.
اشارة

و تدلّ عليه الرواية الّتي رواها أبي مريم الأنصاري (قال: صلّى بنا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 269

أبو جعفر عليه السّلام في قميص بلا إزار و لا رداء، و لا أذان و لا إقامة (إلى ان قال) فقال: و اني مررت بجعفر و هو يؤذّن و يقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك). «1»

و ما رواها عمر بن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كنا معه فسمع إقامة جار له بالصّلاة، فقال: قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان و لا إقامة، قال: و يجزيكم، قال:

أذان جاركم). «2»

(و الحكم في الجملة ليس محل كلام، و إنّما الكلام في بعض خصوصياته.

مسئلة: تستحب حكاية الأذان عند سماعه
اشارة

، قال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف: إذا أذّن المؤذّن يستحبّ للسامع أن يقول مثل ما يقوله إلّا أن يكون فى حال سواء كانت فريضة أو نافلة، و به قال الشافعي، و قال مالك: إذا كنت فى مكتوبة فلا تقل مثل ما يقول المؤذّن، و إذا كنت فى نافلة فقل مثل قوله في التكبير و التشهد، و به قال الليث بن سعد إلّا أنّه قال: و يقول في موضع (حىّ على الصّلاة) (لا حول و لا قوة إلّا باللّه).

دليلنا على جوازه و استحبابه خارج الصّلاة إجماع الفرقة، و استحباب ذلك في حال الصّلاة يحتاج إلى دليل إلّا أنّه متى قال ذلك فى الصّلاة لم يحكم ببطلانها، لأنّ عندنا يجوز الدعاء فى حال الصّلاة. «3»

و مراده من الدعاء مطلق الذكر، و يظهر من كلامه أمران:

الامر الاوّل:

تبديل (الحيعلات) بالحوقلة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 30 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 30 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(3)- الخلاف، ج 1، ص 285، مسئلة 29.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 270

الامر الثاني: عدم جواز هذا التبديل في الصّلاة.

إن قلت: ان الشهادة بالرسالة لم تكن ذكرا، فكيف تجوز في الصّلاة.

نقول: يستفاد من الرواية الواردة في التشهّد الطويل الجواز، بل استحباب قول (السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته) فيظهر من ذلك عدم كون على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلاما آدميا و إلّا لبطل به الصّلاة، فكذا الشهادة عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنبوة.

و أمّا بالنسبة إلى الحيعلات فالظاهر تمامية كلام الشيخ رحمه اللّه، لعدم دليل على التبديل، نعم روى العامة عن عمر و معاوية ما يدلّ على جوازه، و كذا روي عن مكارم الاخلاق و دعائم الاسلام، لكن ما روي عن عمر و معاوية غير حجة، و ما روي عن المكارم الاخلاق و دعائم الاسلام ضعيف بالارسال و لا دليل عليه.

نعم لا بأس به بعنوان الذكر فى حال الصّلاة، و توهم كفاية الاطلاقات مدفوع بانصرافها عن حال الصّلاة.

مسئلة: [يستحب اذا سمع اذان الصبح ان يقرأ الدعاء بما ورد]

يستحبّ إذا سمع أذان الصبح أن يقول: اللّهمّ انّي أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك و حضور صلاتك و أصوات دعائك أن تتوب عليّ إنّك أنت التواب الرحيم.

و إذا سمع أذان المغرب يقول: ذلك إلّا أنّه يبدل بإقبال نهارك (باقبال ليلك) و قوله و إدبار ليلك (بإدبار نهارك).

و فى بعض الروايات بعد كلمة (دعائك) أن تصلّي على محمد و آل محمد و ادع بما أحببت (فارجع الباب 43 من أبواب الأذان و الاقامة فيه التعرض لروايات المسألة).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 271

الجهة السادسة: هل يجوز أخذ الاجرة على الأذان أم لا؟

اشارة

اعلم أنّه يظهر من كلمات بعض الحكم بالكراهة، و من بعضهم الحكم بالحرمة، و جواز الارتزاق من بيت المال، و قبل الورود فى بيان حكم أصل المسألة نعطف عنان الكلام إلى ما ذكر من التفصيل بين أخذ الاجرة و بين الارتزاق من بيت المال، فقال بحرمة الأوّل و جواز الثاني.

فنقول: إن كان وجه الحكم بالحرمة هو عدم وصول نفع عائد إلى المستأجر فهو غير وجيه، لرجوع النفع إليه، و هو إعلام الناس بالصّلاة، و هذا نفع عائد إليه، و لا يلزم أن يكون النفع دنيويا.

و إن كان وجه ذلك كون الأذان من العبادات، و لا يجوز أخذ الاجرة على العبادات.

ففيه أمّا أوّلا فلم يثبت كون الأذان من العبادات.

و ثانيا لا منافاة بين كونه عبادة و بين جواز أخذ الاجرة عليه.

و ثالثا إن كان ذلك مانعا فلا فرق بين أخذ الاجرة و بين الارتزاق من بيت المال، لأنّ الاشكال فى أخذ الاجرة على العبادة هو لزوم كون منشأ صدور الفعل و محركه هو التقرب إلى اللّه تعالى، و هو إن كان منافيا مع أخذ الاجرة، كذلك مناف مع الارتزاق من بيت المال، لأنّه لا

فرق بين كون داعي الشخص على العمل هو أخذ الاجرة، أو كان هو الارتزاق من بيت المال، فإن كان الأوّل منافيا مع داع الالهي كذلك الثاني.

و بعبارة اخرى و أوضح انّ استحقاق المؤذّن على الشخص يتصور على نحوين: فتارة يكون الشخص مالكا لعمله و يكون المؤذّن للاجرة عليه كما فى الاجارة، و تارة يكون المؤذّن مستحق الأجر بعد العمل كما في الجعالة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 272

[إعطاء الشي ء للمؤذّن يتصور على أنحاء ثلاثة]

و إعطاء الشي ء بالمؤذّن يتصور على أنحاء ثلاثة فتارة يؤذّن بقصد الأجرة فيعطيه المستأجر، و تارة يعلم بأنّه لو أذّن يعطيه شي ء هذا الشخص بإزاء عمله، و تارة يؤذّن قربة إلى اللّه، لكن يعطيه هذا الشخص شيأ بعده.

فإن أخذ الاجرة بعنوان الاستحقاق و الماليكة، فلا فرق بين أخذ الاجرة و بين الأخذ من بيت المال، و إن أخذ لا بهذا العنوان، فلا يكون أيضا فرق بين الاجرة و بين الارتزاق من بيت المال.

و إن ادعي التفصيل بأنّ أخذ الاجرة له خصوصية لأجلها صار حراما، فهو دعوى بلا دليل، كما أنّ ادعاء كون الارتزاق له خصوصية توجب جوازه دعوى بلا دليل.

و بعبارة ثالثة لو أذّن المؤذّن قربة إلى اللّه تعالى، فيعطى به شي ء من باب الانفاق، فكما يجوز أخذ شي ء من بيت المال كذلك يجوز أخذه من غيره، و إن أذّن بقصد أخذ شي ء فلا فرق أيضا بين بيت المال و غيره، فالتفصيل الّذي يظهر من كلام العلّامة رحمه اللّه «1» من حرمة أخذ الاجرة، و جواز الارتزاق من بيت المال، لا وجه له.

[في ذكر الروايات الدالّة على حرمة الاجرة على الاذان]

و أمّا الكلام فى أصل المسألة- أعنى: جواز أخذ الاجرة على الأذان و عدمه- فلا وجه لدعوى حرمته إلّا بعض الأخبار و الشهرة، أمّا الأخبار المتمسك بها:

الاولى: ما رواها السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام (قال: اخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا علي إذا صلّيت فصلّ صلاة أضعف من خلفك، و لا تتخذن مؤذّنا يأخذ على أذانه اجرا). «2»

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 81.

(2)- الرواية 1 من الباب 38 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 273

أمّا هذه الرواية فيكون صدرها

قرينة على عدم الحرمة، لأنّ أمره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأن يصلّي صلاة أضعف من خلفه حيث لا يكون أمرا وجوبيا، فكذلك نهيه من اتخاذ مؤذّن يأخذ الأجر على تقدير حجية الرواية.

الثانية: ما رواها الصّدوق (قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين و اللّه إني لأحبّك فقال له: و لكنى ابغضك، قال: و لم؟ قال: لأنّك تبغي في الأذان كسبا، و تأخذ على تعليم القرآن أجرا). «1»

و هذه الرواية أيضا كالسابقة في عدم ظهور لها فى حرمة الأجر على الأذان، لأنّ أخذ الاجرة على تعليم القرآن، بما هو تعليم القرآن، غير محرّم، نعم أخذ الاجرة على تعليم الواجب منه، مثل تعليم الحمد و السورة، غير جائز (فليس أخذ الاجر على تعليم القرآن حرام).

الثالثة: ما رواها العلاء بن سيابة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا يصلّي خلف من يبتغي على الأذان و الصّلاة الأجر و لا تقبل شهادته). «2»

و حيث يحتمل كون عدم جواز الصّلاة خلفه يكون من باب أنّه يأخذ الأجر على الصّلاة و الأذان كليهما، فيصير فاسقا لأجل ذلك، لا لأجل أخذه الأجر لخصوص الأذان، و على تقدير كون عدم جواز الصّلاة خلفه لأجل خصوص أخذ الأجر على الأذان، و لكن مع ذلك يكون لأجل فسقه لأنّ هذا الشخص يأخذ الأجر على الصّلاة فيصير فاسقا.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 38 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 32 من ابواب كتاب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 274

الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا تصلّي خلف من يبغي على الأذان و الصّلاة بالناس أجرا و

لا تقبل شهادته). «1»

و حالها حال سابقها في عدم الدلالة. «2»

و قد روى عن دعائم الاسلام في المستدرك ما لا دلالة له فراجع.

و أمّا الشهرة فنقول: فإنّ ذهاب المشهور إلى حرمة أخذ الأجر و جواز الارتزاق يؤيد الحرمة، بل ظاهر الخلاف الاجماع على ذلك، فيكشف فتوى المشهور بالحرمة من كون المسألة معروفا عندهم و إن خالف فيها السيّد المرتضى رحمه اللّه من القدماء، فحينئذ لا يبعد الحكم بذلك.

[في جواز الارتزاق من بين المال لا دليل عليه الّا لشهرة]

و أمّا جواز الارتزاق من بيت المال فلا دليل عليه سوى ما روي عن دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام من السحت أجر المؤذن يعني إذا استأجره القوم، و قال: لا بأس أن يجري عليه من بيت المال، و رواية الجعفريات، و هما ضعيفتا السند إلّا أن يقال باعتضادهما بالشهرة العظيمة بين الفقهاء من حكمهم بجواز الارتزاق، و حكمهم إمّا يكون للروايتين و إمّا من باب وجود نصّ عندهم لم يصل إلينا.

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 32 من ابواب كتاب الشهادات من الوسائل.

(2)- أقول: لا يخفى أنّ الظاهر هو كون كل من أخذ الاجرة على الصّلاة و الأذان فى الروايتين مستقلا موجبا لعدم جواز الاقتداء، لا أن يكون وصف اجتماعهما دخيلا، فلا وجه لوجه المذكور فى جواب الاستدلال بالروايتين، نعم يمكن أن يقال: مجرد النهي عن الاقتداء به لا يوجب كونه لأجل فسقه و ارتكاب فعله المحرم، بل يمكن أن يكون لصلاة الجماعة و الشهادة خصوصية يوجب كون الامام و الشاهد غير مرتكب لهذا العمل، كما ترى من اعتبار بعض امور اخر فيهما بدون كون هذا البعض موجبا للفسق. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 275

هذا تمام الكلام في الأذان و الاقامة و له الحمد و له

الشكر و صلّى اللّه على سيدنا رسول اللّه و على آله و اللعنة على أعدائهم أجمعين.

ربّ وفقني لما تحب و ترضى و ألهمني الخير و العمل به.

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء الرابع من كتاب تبيان الصّلاة المشتمل على المقدمة الخامسة في مكان المصلّي و المقدّمة السادسة في الاذان و الاقامة و في افعال الصّلاة من النيّة و القيام و القراءة و يتلوه الجزء الخامس

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.